شعار قسم ميدان

أزمة أوبك المؤجلة.. لماذا ترغب الإمارات في إنتاج المزيد من النفط؟

أعدَّ الكاتب الصحافي روبينسون ميير تقريرا نشرته مجلة الأتلانتيك الأميركية، يرصد فيه اجتماع "أوبك بلس" الذي اتفقت فيه الدول على رفع إنتاج النفط لمواكبة عالم ما بعد الجائحة، كما يستعرض موقف الإمارات الذي عارض الحد الأقصى للزيادة الذي طُرح في الاجتماع ومحاولتها رفع الإنتاج لما هو أبعد من ذلك. ورغم أن المنظمة النفطية نجحت في احتواء خلافاتها وقرَّرت رفع سقف الإنتاج للتماشي مع مطالب أبو ظبي، لا توجد ضمانة ألا يتفجَّر الخلاف حول الإنتاج مجددا، خاصة أنه يرتبط جوهريا بسياسات التخلُّص من الكربون التي تتبنَّاها الدول الصناعية الكبرى في استجابتها لتغيُّر المناخ، ورغبة الدول النفطية في بيع أكبر قدر من النفط قبل أن ينصرف العالم عنه في المستقبل.

في 5 يوليو/تموز الجاري، فشلت منظمة الدول المُنتِجة للنفط (أوبك) -التي تُسمى الآن "أوبك بلس" بسبب انضمام روسيا إليها عام 2016- في التوصُّل إلى اتفاق حيال رفع إنتاج النفط (أُعلن التوصُّل إلى اتفاق في وقت لاحق). ركِّز معي للحظة، إذ ربما يبدو أن الأمر لا علاقة له بتغيُّر المناخ، لكنه في الواقع يكشف كيف بدأ "التخلُّص من الكربون" يُغيِّر بالفعل من طريقة إنفاق الأموال، وكيفية ممارسة السلطة الجيوسياسية.

خلال الشهر الماضي، وبينما تراجعت الجائحة في الدول الغنية واستأنف الناس تنقُّلاتهم والسفر عبر الطرق والطائرات، ارتفع الطلب على النفط ارتفاعا ملحوظا. بيد أن إنتاج النفط لم يرتفع، فقد خفَّضت دول منظمة "أوبك"، التي تُنتج ما يصل إلى 40% من النفط في العالم، أعمال التنقيب العام الماضي، ولم ترفعها مرة أخرى إلى مستويات ما قبل الجائحة. وكما هو متوقَّع، أدَّى الاختلال بين العرض والطلب إلى رفع أسعار النفط؛ فوصلت تكلفة برميل البترول في السوق العالمية إلى 75 دولارا تقريبا في الأول من يوليو/تموز الجاري، بعد أن بلغت في بداية العام 48 دولارا فقط.

كان هدف اجتماع "أوبك بلس" مطلع الشهر الحالي تصحيح هذه الأوضاع غير المتوازنة، ورفع الإنتاج ومن ثمَّ خفض أسعار النفط. في ذلك الاجتماع، وافقت كل الدول الأعضاء على رفع إنتاج النفط، لكنهم لم يتفقوا على الحد الذي يجب أن يصل إليه الإنتاج. لقد وافقت الدول الأعضاء في "أوبك بلس" تقريبا على رفع الإنتاج بزيادة قدرها 400 ألف برميل يوميا، فيما كان لدولة واحدة فقط رأي مخالف، وهي الإمارات العربية المتحدة، إذ أرادت أبو ظبي رفع الإنتاج أكثر من ذلك. ولأن "أوبك بلس" منظمة تسير بالإجماع، لم تُعتَمد الزيادة المقترحة، ولذا ارتفع على الفور سعر البترول عالميا.

لدينا الآن سؤالان؛ الأول هو: لماذا تريد دول "أوبك" تخفيض أسعار البترول؟ إنها الدول المُنتِجة التي تبيعه في نهاية المطاف، ولكن كما كتب المؤرخ "غريغوري برو"، فإن السعودية وغيرها من أعضاء "أوبك بلس" يسعون إلى "أفضل سعر"، فهم يريدون خفض أسعار البترول إلى الحد الذي يجعل الطلب عليه يزداد، ومن ثمَّ يصبح ذا سعر تنافسي مع أسعار مصادر الطاقة الأخرى، مثل الطاقة المتجددة. بيد أنهم في الوقت ذاته، يريدون رفع أسعار البترول إلى الحد الذي يجعله مصدر الدخل الأكبر لحكوماتهم.

السؤال الثاني -والأكثر تشويقا- هو: لماذا أرادت الإمارات ضخ المزيد من البترول؟ تكمن الإجابة جزئيا في تفاصيل الطريقة التي تعمل بها "أوبك بلس". نظريا، لا يُسمح أبدا لدول المنظمة إلا بضخ كمية النفط التي تفي بمستوى إنتاجها "الأساسي". ويبلغ مستوى إنتاج الإمارات الأساسي 3.2 ملايين برميل يوميا، لكنها تقول إنها تستطيع الآن ضخ ما هو أكثر من ذلك بكثير، وصولا إلى 3.8 ملايين برميل يوميا.

علاوة على ما سبق، يكمن تفسير موقف الإمارات في مسألة تغيُّر المناخ والثورة المصاحبة له في مجال إنتاج الطاقة عالميا. ففي الدول الغنية، غالبا ما يُستخدم النفط في نقل البشر والأشياء على متن السيارات والشاحنات والحافلات والسفن والطائرات. وفي الولايات المتحدة، يُنتِج قطاع النقل تلوُّثا ناتجا عن انبعاث الغازات الدفيئة أكثر من أي قطاع اقتصادي آخر. وبينما تواجه الدول المُنتِجة للنفط عالما يزداد فيه تحوُّل قطاع النقل نحو تصفير الكربون -إما بسبب شراء المستهلكين للسيارات الكهربية وإما لأن شركات مثل أمازون اعتمدت المركبات الكهربية لتوصيل الطلبات- فإن تلك الدول تواجه عالما انخفض فيه بالتبعية الطلب على النفط. ويعني ذلك أن "أوبك" لن تكون قادرة على بيع كميات كبيرة من النفط مستقبلا كما تفعل اليوم، وسيتحتَّم عليها تسعيره بثمن أرخص.

بإمكاننا الآن رؤية هذا المستقبل وآثاره فيما تنتهجه الإمارات، فهي تتوقَّع أن تحصل على مقابل أقل مستقبلا نظير احتياطي النفط الموجود لديها، حينما يتبنَّى العالم المزيد من السياسات المناخية، وحينما تصبح أيضا الطاقة الخالية من الكربون أرخص، ومن ثمَّ فهي تحاول تعظيم فائدة هذا الاحتياطي الآن قدر الإمكان، حتى إذا تطلَّب الأمر تخفيض السعر العالمي للبترول. ما يعنيه ذلك هو أن السياسات المناخية تُغيِّر من نمط استهلاك النفط مُقابل الزمن، فتُعجِّل باستهلاك النفط الذي خُطِّط لإنتاجه خلال العقد المُقبل ليُستهلَك اليوم، وقد يؤدي هذا النهج في النهاية إلى تخفيض السعر العالمي للبترول. إذن، تخفيض الكربون يصاحبه منطق قبيح ومتسارع يقضي بأنه كلما أصبحت الطاقة النظيفة أرخص، فإن شركات النفط ستحاول ضخ المزيد منه حتى يغرق العالم في بحر من النفط الرخيص.

مع ذلك، ففي القريب العاجل، ليس واضحا لنا ما إن كانت تلك الجدلية بين النفط وتخفيض الكربون قد بدأت بالفعل. إذا استمر ارتفاع أسعار النفط، فقد ترفع شركات التكسير الهيدروليكي الأميركية إنتاجها، وهو ما لا تريده دول "أوبك بلس"، وروسيا بالأخص، وهو أمر ربما يدفعهم لدعم مطالب الإمارات. يمكن أيضا أن يستجلب ارتفاع أسعار النفط ردود أفعال عكسية بدفع الشركات والمستهلكين نحو شراء المركبات الكهربائية والابتعاد عن الوقود الأحفوري بوتيرة أسرع حتى مما تُخطِّط له حاليا. ومن جهة أخرى، قد تنتهج الإمارات أو غيرها من دول "أوبك بلس" قرارات تخرق الإجماع وتزيد ضح النفط دون الرجوع إلى حلفائها. وإذا وصلنا إلى تلك اللحظة ثم مددنا الخط على استقامته، لعلنا نشهد انهيار منظمة "أوبك".

من الغريب الكتابة عن النفط عبر منظور اقتصادي-مالي خالص، بينما الوقود الأحفوري هو المسؤول الأول والأخير عن تغيُّر المناخ، الذي يتجلَّى في التحوُّلات البيئية العالمية الجارية من حرائق الغابات ورفع مستوى المحيطات إضافة إلى مصرع الناس في منازلها جراء موجات الحر. بيد أن هذه المناورة الدولية تكشف إلى أي مدى أصبحت عملية تصفير الكربون واقعا حقيقيا لا تصوُّرا افتراضيا، حتى في أقصى بقاع الجغرافيا السياسية التي طالما حرَّكتها السياسة الواقعية. إن شركات النفط والدول المُنتِجة له معا تُخطِّط للتواؤم مع عملية التحوُّل نحو الطاقة المتجدِّدة، وتحاول وضع الشروط التي سيحدث بموجبها هذا التحوُّل. وإذا ما أردنا حدوث هذا التحوُّل بوتيرة أسرع، فعلينا استيعاب دوافعهم.

المصدر : الجزيرة