شعار قسم ميدان

بين اللاجئين والاقتصاد.. هكذا سيتأثر لبنان بنهاية الحرب في سوريا

Syrian refugees prepare to return to Syria from the Lebanese border town of Arsal, Lebanon June 28, 2018. REUTERS/Mohamed Azakir

شارفت الحرب السورية على بلوغ مرحلتها الأخيرة. هذا المقال يدرس التأثير الإقليمي لهذه المرحلة، ويستشرف العقبات والفرص الاقتصادية التي تقدمها للبنان. يجمع لبنان وسوريا علاقات متغيرة وتاريخ معقد، وعلى الرغم من أن سوريا ليست ضمن أكبر الشركاء التجاريين للبنان، فإنها تكتسب أهميتها من كونها الجار المباشر الوحيد الذي تجمعه بلبنان علاقات ودية، على خلاف الجار الحدودي الآخر وهي إسرائيل.
 
بفضل الموقع المميز الذي يحتله لبنان على البحر المتوسط، فإن بوسعه استغلال ممرات الشحن وإقامة علاقات تجارية مع شركائه في أوروبا وشمال أفريقيا، علاوة على امتلاكه لأقرب ميناء شحن بالنسبة لمعظم مدن سوريا، بما في ذلك دمشق. في المقابل يعتمد لبنان على سوريا في التجارة البرية وشحن المنتجات إلى شبه الجزيرة العربية.

  

منذ 2014، استضاف لبنان ما يقرب من 948 ألف لاجئ سوري بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويتوزع هؤلاء اللاجئون في جميع أنحاء البلاد، لكن تركيزهم الأكبر يقع في البقاع وبيروت ومناطق قليلة أخرى. خلال المراحل الأولى من الصراع انتقل عدد من أثرياء السوريين إلى لبنان واشتروا عقارات ومنازل، ما سمح لسوق العقارات بالازدهار.

 

     

التأثير الاقتصادي لسوريا على لبنان

في 2010، بلغ نصيب لبنان من الصادرات السورية 3.1%، أي ما تصل قيمته إلى 375 مليون دولار، ما يعني أن لبنان، ذا الـ 4 ملايين نسمة تقريبا في ذلك الوقت، احتل المركز الـ 11 في قائمة أكبر المستوردين للبضائع السورية. بوجه عام، تأرجح حجم التجارة بين لبنان وسوريا صعودا وهبوطا منذ 2010 وحتى الآن، إلا أن لبنان بقي شريكا تجاريا مهما وشريان حياة رئيسي بالنسبة لنظام الأسد.

  
على الصعيد الداخلي، اقترب نمو الناتج المحلي اللبناني في الفترة بين 2007 و2010 من 9%، لكنه انخفض في 2011 إلى 0.9%، ولم يتجاوز معدل نمو الناتج الإجمالي المحلي 2.5% منذ ذلك الحين بسبب الصراع المشتعل على حدوده. في الوقت نفسه، يرزح لبنان تحت ثقل دين عام كبير، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر بين مواطنيه بنسبة الثلثين منذ 2011.

 

وكما بيّنّا سابقا، فإن الطرق السورية وطرق الشحن البرية حيوية بالنسبة للصادرات اللبنانية إلى منطقة الخليج والتجارة الإقليمية. بشكل عام، وبسبب خروج عدد كبير من هذه الطرق عن الخدمة بسبب الصراع، اضطر التجار اللبنانيون إلى تغيير سير أعمالهم وشحن المزيد من بضائعهم عبر البحر الأبيض المتوسط، وهو ما جعل تجارتهم أقل كفاءة وأكثر استهلاكا للوقت وقلّص من هوامش أرباحهم. وعليه لم يكن أثر الصراع السوري على لبنان بالجيد.

 

    

علاقات لبنان السياسية مع سوريا

عانت العلاقات بين البلدين من التمزق والتشظي منذ الأيام الأولى للاستقلال عن فرنسا. فقد احتلت القوات السورية لبنان لـ 30 عاما ابتداء من 1976، ثم زاد التورط السوري المزعوم في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 2005 من توتر العلاقات بينهما.

 

لكن في السنوات الأخيرة، قوّى نظام الأسد علاقاته مع عناصر في الحكومة اللبنانية، خصوصا الجماعة السياسية العسكرية المسماة حزب الله. لاحقا، فاز حزب الله وحلفاؤه السياسيون بـ 77 مقعدا من أصل 128 في الانتخابات البرلمانية اللبنانية، ما عزز من نفوذ النظام السوري في أروقة النظام السياسي للبلاد. يخضع نظام الأسد وحزب الله كلاهما لنفوذ إيران ويتمتعان بدعم القوات الموالية لها. فعلى مدار فترة طويلة من وجوده، اعتمد حزب الله على الدعم العسكري والسياسي والمالي الذي تقدمه إيران. بينما يدين نظام الأسد لإيران بنجاته من الحرب الحالية.

 

كما يقدم حزب الله دعما واضحا للنظام السوري، إذ يتمركز ما بين 7000 إلى 10000 من مقاتلي حزب الله في سوريا لدعم نظام الأسد. وصرح حسن نصر الله، زعيم حزب الله، في 30 أبريل/نيسان 2013 بأن أصدقاء سوريا لن يسمحوا بسقوط البلاد في أيدي الولايات المتحدة وإسرائيل أو المجموعات الجهادية. وأضاف لاحقا إن "سوريا معركتنا ونحن على قدر التحدي". استثمر حزب الله كثيرا في بقاء الأسد حاكما لسوريا، فمعظم الإمدادات الإيرانية التي تصل إلى حزب الله تمر عبر الطرق البرية السورية، التي زادت أهميتها بعد أن شددت تركيا من خناقها على شحنات حزب الله التي تمر عبر أراضيها.

 

   

الاقتصاد اللبناني اليوم

بشكل عام، يواجه اقتصاد لبنان تحديات عديدة، ناهيك بالصراع المشتعل على حدوده. يأتي في مقدمة هذه التحديات ارتفاع نسب البطالة خصوصا بين الشباب، وضعف قطاع التمويل العام. وفي حين تعهّدت أطراف خارجية مثل البنك الدولي والبنك الأوروبي للإعمار والتنمية والمملكة العربية السعودية بتقديم مساعدات اقتصادية وقروض لتمويل خطة الاستثمار الكبرى للبنان، يظل الاقتصاد اللبناني بحاجة إلى إصلاحات هيكلية لتقليص الدين العام ومواجهة الفقر المتصاعد.

 

يهيمن قطاع الخدمات، خصوصا قطاع الخدمات المصرفية، على الاقتصاد اللبناني، وهو القطاع الذي بقي صامدا بفضل العدد الكبير من لبنانيي المهجر الذين صبّوا لسنوات عديدة تحويلاتهم المالية في أوصاله. إذ مَثّلت نسب الفوائد الكبيرة والثقة في اقتصاد البلاد عوامل الجذب الرئيسية لهذه الأموال.
إلا أنه بدلا من تخصيص هذه الأموال للاستثمار من قِبل الشركات وقطاع الأعمال، استخدمت هذه الودائع بشكل أساسي في خدمة الدين الوطني، سيستمر القطاع المصرفي في الاعتماد على تدفق الودائع والتحويلات. من جهة أخرى، زادت الولايات المتحدة وشركاء آخرون من ضغوطهم على القطاع المصرفي اللبناني، موضحين أن أي دعم لكيانات محظورة أو أفراد في سوريا سيعني فرض غرامات عليه.

 

وابتداء من سبتمبر/أيلول 2015، بلغت نسبة القروض المصرفية الموجهة لقطاع العقارات 41%. إذ فعّل البنك المركزي اللبناني سياسات لتحفيز الاستثمار في القطاع العقاري، من ضمنها دعم قروض لإسكان الطبقة المتوسطة، كما خفّض مؤخرا من متطلبات الاحتياطي المصرفي. إلا أن ذلك يعني أن الاقتصاد اللبناني معرض للانتكاس إذا أصاب الركود القطاع العقاري. وبالرغم من وجود إشارات على مستقبل إيجابي، وهي الإشارات التي لا تقتصر على انحسار الاضطرابات في المنطقة، فإن لبنان يواجه كذلك دينا عاما مرتفعا، وفقرا متناميا، وحكومة لن يكون من السهل عليها إجراء إصلاحات صعبة.

     

السياحة واحتياجات الطاقة

 

تُمثّل السياحة والفندقة جزءا مهما من قطاع الخدمات، إذ يوفر السياح الأجانب الغالبية العظمى من عائدات قطاع السياحة. ووفقا لبحث أجراه بنك البحر المتوسط فإن 86% من عائدات السياحة والسفر في لبنان تأتي من السياح الأجانب.

 
وبالنسبة لبلد وفرت فيه قطاعات السفر والسياحة المباشرة وغير المباشرة 338.600 وظيفة و19% من إجمالي الناتج المحلي سنة 2016، فهذا أمر لا يُستهان به. بدأ هذا القطاع في الانتعاش ببطء بعد الانتكاسة الكبيرة التي تعرض لها سنة 2014. وشهد عدد السياح الأجانب في الشهور الثمانية الأولى من سنة 2017 ارتفاعا بنسبة 11.8% في السنة. بالإضافة إلى استعداد المملكة العربية السعودية لإنهاء العمل بإرشادات السفر المفروضة منذ سنة 2013، والتي تحذر مواطنيها من السفر إلى لبنان. ومن ثم فمن المتوقع أن يشهد لبنان تناميا مستمرا في السياحة والسفر خاصة مع ارتفاع الاستقرار السياسي والأمني في البلاد.

 

على صعيد قطاع الطاقة، يُعتقد أن لبنان لديه كمية كبيرة من احتياطيات الغاز الطبيعي غير المستغلة في حقوله البحرية، وقد بدأ التنقيب عن هذه الاحتياطيات سنة 2018، بموافقة الدولة على خطة استكشاف قدّمها ائتلاف تجاري دولي، على أمل أن يبدأ التنقيب عن هذه الموارد سنة 2019.  أنفق لبنان 13% من نفقاته الأولية، أي ما يعادل 1.3 مليار دولار، على دعم توليد الطاقة في البلد، فقطاع الكهرباء مسؤول عن 40% من العجز المالي في لبنان. وإذا استطاع لبنان أن يجد وسيلة لاستخراج وإنتاج الطاقة في أرضه، فقد يُشكّل هذا دعما كبيرا للاقتصاد واحتياجاته المحلية من الطاقة.

 

  

فرص الشراكة مع سوريا

كان التجار اللبنانيون أكثر مرونة من غيرهم من تجار الدول الأخرى المجاورة، فيما يتعلق بالحفاظ على علاقاتهم التجارية مع الشركاء السوريين. ويرجع ذلك على الأرجح إلى وقوع معظم الأراضي التي تقع على الحدود اللبنانية، بما فيها دمشق، تحت سيطرة الأسد معظم فترة الصراع. وهو ما انعكس بالإيجاب على مصالح العديد من الأطراف القوية في لبنان، مثل حزب الله وأنصاره، الذين تجمعهم علاقات قوية بنظام الأسد. وبالرغم من الحرب التي شنها الأسد على الشعب السوري، تمكّن كثير من التجار اللبنانيين من الحفاظ على العلاقات التجارية مع سوريا.

 

وقد ازدادت صادرات المواد الغذائية اللبنانية إلى سوريا منذ بداية الحرب، وسوف تستمر سوريا في الاعتماد على هذه الواردات بما أن معظم صناعتها الزراعية قد تضررت ودُمّرت. يستطيع لبنان أن يسلك الدرب الذي سلكه الأردن ويلعب دورا حاسما في محاولات سوريا إعادة إحياء صناعتها الزراعية وإعادة بناء سلاسل الإمداد. لكن وعلى خلاف الأردن، لا تُمثّل الزراعة سوى قطاع صغير جدا من الاقتصاد اللبناني، لكن لبنان سيؤدي هذا الدور غالبا، عبر كونه معبرا للسلع الغذائية المستوردة من الخارج.

 

وإذا بدأت سوريا في إعادة بناء قطاع الصناعة لديها، فإنها ستجد سوقا لبنانية متعطشة لتجديد العلاقات التجارية. كما سيسهل على التجار اللبنانيين الحصول على هذه السلع، بفضل الروابط التاريخية والجغرافية، التي ستسهم أيضا في الحفاظ على العلاقات بين المؤسسات التجارية في البلدين.

  

بلغت نسبة السياح العرب (باستثناء السوريين) في لبنان 53% من السياح الذين زاروا لبنان سنة 2010
بلغت نسبة السياح العرب (باستثناء السوريين) في لبنان 53% من السياح الذين زاروا لبنان سنة 2010
  
فرص الانخراط الاقتصادي في المنطقة

إذا استمر لهيب الحرب في التراجع، وفُتحت الطرق البرية والطرق التجارية مرة أخرى، سيكون الأمر بمنزلة هدية للصادرات اللبنانية إلى المنطقة العربية، التي مَثّلت سابقا 20% من إجمالي الصادرات اللبنانية. فعندما تصبح الطرق أكثر أمنا، سيتمكن التجار من شحن بضائعهم برا وستنخفض بذلك تكاليف الشحن وسترتفع هوامش الربح، كما ستزيد الفرص استكشاف فرص تجارية جديدة.

   

أما في مجال السياحة، فقد بلغت نسبة السياح العرب (باستثناء السوريين) في لبنان 53% من السياح الذين زاروا لبنان سنة 2010. وقد قَدِم العديد من هؤلاء السياح عبر الطرق البرية التي تمر عبر سوريا، والتي يصعب اجتيازها الآن. وإذا انتهى الصراع، سيسهل على السياح من المنطقة السفر إلى لبنان، وهو ما سيسهم بدوره في استمرار ارتفاع أعداد السياح بشكل مستمر. ومع فتح معبر نصيب الحدودي بين الأردن وسوريا مؤخرا، فإن المواطنين الخليجيين الراغبين في السفر إلى لبنان برا أصبحوا يتمتعون بخيارات أكثر.

 

في الختام

يواجه لبنان آثار تدفق اللاجئين، ومستويات العنف المرتفعة لدى سوريا المجاورة، والضغوط الاقتصادية الهيكلية داخل البلد. سيسهم خمود الصراع في سوريا في خفض حدة بعض النزاعات التي تعصف بالبلاد، وتوفير مزيد من الفرص لها لتوزيع رأس مالها بشكل أكثر فعالية. لكن وبالرغم من ذلك فلن تتغير الأمور كثيرا بالنسبة للبنان.

  

undefined

  

كان لدى البنوك اللبنانية الكثير من الأفرع العاملة في سوريا، قبل وخلال الحرب، وقد عانى كثير من هذه البنوك من انخفاض حاد في الأرباح بسبب القروض التي عجز أصحابها عن تسديدها، وهو ما جاء كعَرَض واضح من أعراض الصراع، الذي خرّب بيئة الأعمال والاستثمار في سوريا. ستكون هذه البنوك قادرة على إعادة الاستثمار في سوريا وستحقق قروضها أداء أفضل من أعوام الصراع. كما تفتح عملية إعادة إعمار سوريا، التي تُقدّر تكلفتها بعشرات المليارات من الدولارات، الباب واسعا أمام فرص الاستثمار في مشاريع ذات مخاطر محدودة تناسب الممولين.

 

ستستمر أرقام قطاع السياحة اللبناني في التعافي، وستحقق أفرع البنوك اللبنانية العاملة في سوريا أرباحا أكثر، لكن مشاكل الطاقة وارتفاع الدين العام والنظام السياسي الهش ستستمر في الضغط على اقتصاد البلاد ومستقبلها. ولن يكون للتغيرات في التجارة مع سوريا وفرص الاستثمار تأثير كبير على لبنان.

————————————-

ترجمة (فريق الترجمة)

هذا الموضوع مترجم عن Global Risk Insights ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة