شعار قسم ميدان

لماذا تحتاج مايكروسوفت لدمج "كورتانا" و"كينكت" بسرعة؟

midan - kinect
نجحت المُساعِدات الرقمية المنزلية في حصد اهتمام شريحة كبيرة من المستخدمين خلال فترة زمنية قصيرة لا تتعدى العام، وهو ما أدّى بدوره إلى إثارة انتباه الشركات التقنية لأهمّية تلك الفئة. المساعدات الرقمية المنزلية جاءت -كأجهزة- مُخالفة للصيحات التقنية بالكامل، ففي ظل الشاشات التي تعمل باللمس والواجهات المرئية، جاءت هي بعد تزويدها بمجموعة من مُكبّرات الصوت والمايكروفونات فقط.

 

ولم يكن قرار تقديم المساعدات المنزلية بهذا الشكل عشوائيا، بل جاء انطلاقا من فكرة أن التواصل بين البشر يجري عن طريق الصوت عبر الفم والأُذُن، لكن هل يجب نقل طريقة التواصل بين البشر حرفيا واعتبارها الأمثل في أجهزة الذكاء الاصطناعي؟

 

بدأت أمازون صيحة المساعدات المنزلية، فهي قدّمت جهاز إيكو للعلن في 2014، لتقوم في 2015 بإطلاقه في الأسواق. بعدها، جاء الدور على غوغل ثم مايكروسوفت، وبعدهم بطبيعة الحال آبل التي دائما ما تجلس وتُراقب قبل أن تقوم بمناوراتها المُعتادة.

   

من أمازون إلى غوغل
المساعدات المنزلية قادرة على سماع أوامر المستخدم الصوتية كتشغيل الأغاني، أو معرفة حالة الطقس، أو التحكّم بأجهزة إنترنت الأشياء، أو حتى معرفة أسعار بطاقات الطيران وحجز الفنادق
المساعدات المنزلية قادرة على سماع أوامر المستخدم الصوتية كتشغيل الأغاني، أو معرفة حالة الطقس، أو التحكّم بأجهزة إنترنت الأشياء، أو حتى معرفة أسعار بطاقات الطيران وحجز الفنادق
    

ويُمكن عند تصفّح يوتيوب مُشاهدة الكثير من الأمثلة حول آلية استخدام المساعدات المنزلية، فهي قادرة على سماع أوامر المستخدم الصوتية كتشغيل الأغاني، أو معرفة حالة الطقس، أو التحكّم بأجهزة إنترنت الأشياء، أو حتى معرفة أسعار بطاقات الطيران وحجز الفنادق. وكمثال بسيط على الاستخدم الأمثل للمساعدات المنزلية يُمكن للمستخدم بدء حوار مع المساعد مع إخباره أنه يرغب بعد يوم أو اثنين في الخروج مع زوجته لتناول العشاء، وفي سياق مُنفصل يُمكن إخبار المساعد عن رغبة المستخدم في تناول طعام مكسيكي في القريب العاجل. بعد تقديم تلك البيانات -حتى لو على فترات زمنية مختلفة- يُمكن للمساعد اقتراح حجز طاولة لشخصين في أحد المطاعم المكسيكية التي يُفضّلها المستخدم، أو أُخرى ذات تقييم أعلى. كل هذا من خلال الصوت فقط ودون تدخّل حقيقي من المستخدم سوى بالإجابة بنعم أو لا.

    

البعض ذكر أن تلك التجربة ناقصة، فكيف يُمكن للمستخدم تجنّب الوقوع ضحيّة للنصب والاحتيال خصوصا عند حجز الفنادق؟ ومن هنا بدأت الأصوات تتعالى حول ضرورة توفير واجهات مرئية لتلك المُساعدات عملا بما هو موجود في الأجهزة الذكية، الهواتف، والساعات، والحواسب اللوحية.

 

بفضل الذكاء الاصطناعي أصبح الاهتمام الآن موجّها نحو استكشاف الحالات التي يسقط بها المستخدم على الأرض -خصوصا كبار السن- أو معرفة النوبات القلبية قبل أو بعد حدوثها والاتصال بالإسعاف بشكل فوري

وبالفعل، لم تتأخّر استجابة الشركات، فأمازون أطلقت "إيكو شو" (Echo Show)، وهو مساعد منزلي مُزوّد بشاشة. وغوغل أطلقت تحديثا لحزمتها التطويرية الخاصّة بالمساعد المنزلي بحيث يُصبح قادرا على بث الإجابات على أجهزة المستخدم المتوافقة. آبل بدورها تجاهلت هذا الأمر لأن جهازها الجديد "هوم بود" (HomePod) هو جهاز لتشغيل الموسيقى وليس مُساعدا منزليا مثلما تدّعي، لكنها عاجلا أم آجلا ستُطلق تحديثا لحزمته البرمجية لبث الإجابات على أجهزة المُستخدم، خصوصا أن خدمة "آبل ميوزك" (Apple Music) هي القلب النابض للجهاز، وهي التي حصلت مؤخّرا على برامج مرئية على غرار كوكب التطبيقات (Planet of the Apps)(1).

 

ولأن زيادة الخير خير، لم تتوان مُعظم الشركات عن إضافة عين لتلك المساعدات، فمساعد غوغل الرقمي "غوغل أسيستنت" (Google Assistant) أو "بيكسبي" (Bixby) من سامسونغ قادران الآن على تحليل المشهد وعرض اقتراحات بناء على ذلك، فالمستخدم لم يعد بحاجة للبحث يدويا عن نوع السيّارة الموجودة أمامه وعن سعرها، فبمجرد رفع الهاتف وتوجيه الكاميرا وتشغيل المساعد الرقمي سيتم تحليل كل شيء وعرض البيانات بشكل شبه فوري(2)(3)إلى هُنا تبدو تلك الاستخدامات جيّدة جدا، أو هي الحالة المثالية كما يُطلق عليها في عالم الهندسة، لكن ماذا عن الحالات العملية الأُخرى؟ أو الاستخدامات الحقيقية على أرض الواقع؟

   

عين على المُستخدم
تنظر عيون المساعدات الرقمية في الأجهزة الذكية إلى نفس الجهة التي ينظر المستخدم إليها، أو إلى الجهة التي يقوم بتوجيه جهازه الذكي نحوها. لكن هل تنظر تلك العين للمستخدم ذاته؟ هل يُمكن الاستفادة من المساعدات الرقمية لتسهيل حياة المستخدم أكثر؟
    

undefined

 

الإجابة هي نعم دون تردّد، فالتقنية لا تعرف حدا ولن تتوقّف عند حد أيضا. الساعات الذكية هي خير مثال على ذلك، فهي أجهزة وفّرت مُستشعرا لقراءة نبضات القلب، وبدا للجميع أن المهام الطبيّة لذلك المُستشعر ستنحصر عند هذا الحد. لكن وبفضل الذكاء الاصطناعي تغيّر الحال، وأصبح الاهتمام الآن موجّها نحو استكشاف الحالات التي يسقط بها المستخدم على الأرض -خصوصا كبار السن(4)– أو معرفة النوبات القلبية قبل أو بعد حدوثها(5) والاتصال بالإسعاف بشكل فوري.

 

أيضا يُمكن من خلال الهواتف الذكيّة تفعيل وضع النوم، بحيث يقوم النظام بخفض سطوع الإنارة، وإغلاق النوافذ مع إيقاف تشغيل التلفاز ومُكبّرات الصوت، كما يُمكن -صوتيا فقط- طلب تشغيل إذاعة ما، أو مُسلسل ما باستخدام إحدى شبكات بث المحتوى حسب الطلب.

 

وهنا تبدأ الحالات التي يجب أن تتدخّل فيها المساعدات الرقمية المنزلية عن طريق عيونها عوضا عن المايكروفونات المُثبّتة عليها فقط، لأن الذكاء الاصطناعي في الحالة العاديّة مع الاستخدام الحقيقي قد يؤدّي إلى تداخل الطبقات، وبالتالي منع المستخدم من الحصول على الفائدة الأمثل لتلك الأجهزة.

  

عين إلكترونية تعتني بالمُستخدم هي ما ينقص المُساعدات الرقمية في الوقت الراهن، ولا توجد فرصة أفضل من ذلك لمايكروسوفت لدخول هذا المجال من أبوابه الواسعة
عين إلكترونية تعتني بالمُستخدم هي ما ينقص المُساعدات الرقمية في الوقت الراهن، ولا توجد فرصة أفضل من ذلك لمايكروسوفت لدخول هذا المجال من أبوابه الواسعة
  

يحتاج المُستخدم -أو المُسن- لاستخدام ساعته الذكيّة ووصلها بهاتف ذكي مُتّصل بالإنترنت لضمان عمل كل شيء بالشكل الأمثل عند سقوطه على الأرض نتيجة لعارض صحّي ما، لكن ماذا عن حالات أُخرى عندما لا يتوفّر اتصال بين الساعة والهاتف؟ أو بين الهاتف والإنترنت؟ أو ماذا عن الحالات التي لا يلتقط فيها المُستشعر وجود سقوط رغم حدوثه؟ هل سيكون المستخدم واعيا دائما لإخراج هاتفه الذكي أو رفع معصمه لتفعيل وضع النوم؟ وهل سيعمل النظام دائما بالكفاءة المطلوبة؟ أي أن أجهزة إنترنت الأشياء ستكون مُتّصلة 100٪ مع موزّع الإشارة ومع الجهاز الذكي؟

 

أخيرا، ماذا لو قام المستخدم بتشغيل مُسلسل ما بنجاح باستخدام صوته، أي أن "غوغل هوم" -مثلا- قام بتشغيل المُسلسل وبثّه على الشاشة دون مشكلات، لكن المستخدم يرغب بإيقاف التشغيل بشكل مؤقّت، هل سيكون المساعد المنزلي قادرا على التقاط صوت المستخدم في ظل وجود صوت مرتفع يخرج من التلفاز؟

 

لا تهدف الأمثلة السابقة إلى تعتيم الواقع أو إلى طمس نجاح المساعدات المنزلية، بل تهدف إلى تسليط الضوء على مستوى الذكاء الذي يُمكن أن يرتفع لو كانت العين التي أُضيفت لتلك المساعدات موجّهة نحو المستخدم، أو على الأقل لو قاموا بإضافة واحدة موجّهة نحوه، وأُخرى للعالم أمامه.

   

ما الذي سيختلف؟
لو تخيّلنا وجود مساعد منزلي ذكي مؤلّف من كاميرا مُعلّقة على الحائط أو مُثبّتة على السقف مثل كاميرات المُراقبة فستختلف بكل تأكيد تجربة الاستخدام وسيرتفع أداء الذكاء الاصطناعي بشكل عام. وفي حقيقة الأمر لا نحتاج للتخيّل في ظل وجود نموذج حقيقي يتمثّل بجهاز "كينكت" (Kinect) من مايكروسوفت، وهو جهاز قادر على رصد حركة المستخدم وحركة يديه لتنفيذ الأوامر والتحكّم بالنظام عن بُعد. ولا يُعتبر "كينكت" المثال الأوحد، فجهاز "إكسبيريا توتش" (Xperia Touch) من شركة سوني يُمكن أن يكون نموذجا آخر يُكمّل وظيفة المُساعدات الرقمية ويُقدّم نموذجا ذا فاعلية أكبر.

  undefined

 

لو فشلت المُستشعرات الموجودة داخل الساعة أو الهاتف الذكي في رصد السقوط المُفاجئ للمستخدم فيُمكن لتلك الكاميرا أن تكون المُنقذ الحقيقي، لأنها قادرة على رصد جسد المستخدم وتوقّفه عن الحراك لفترة طويلة، فهي لن تعتمد على تغيّر آني في السرعة، والحركة، والاتّجاه، ونبضات القلب فقط، بل ستعتمد على مشهد لم يتغيّر منذ فترة كفيلة لإثارة الشكوك حول وضع المُستخدم الصحّي. ويُمكن أيضا تعزيز تلك التجربة من خلال تقديم بيانات من تلك الأجهزة، فهي لن تكون أساسية، بل ستكون مُكمّلة لاتخاذ قرار أسرع.

 

توجّه المستخدم بدوره نحو غرفته للنوم أو استلقائه على الأريكة مساء قد يدفع بعض الخوارزميات الخاصّة للعمل، فهي سترصد أولا عادات المستخدم اليومية وأوقات نومه، إضافة إلى الوقت الحالي، وفي حالة عدم حراكه لفترة طويلة ستكون قادرة لوحدها على خفض الإضاءة وإيقاف التلفاز عن العمل دون أن يشعر المستخدم، ودون أن يضطر لإخراج هاتفه الذكي للقيام بهذه العملية. كما يُمكن أيضا في مثل تلك الحالات خفض صوت التنبيهات الواردة من هاتف المستخدم الذكي طالما أنه قام بضبط المُنبّه عن طريق مساعده المنزلي. أما عند تشغيل مُسلسل ما من التلفاز وتعذّر سماع صوت المستخدم من قبل المساعد المنزلي لإيقافه فإن الكاميرا هي الأمثل في هذه الحالة، فتلويح المستخدم بيده يكفي لإيقاف تشغيل المُسلسل، وتحريك اليد إلى الأعلى أو إلى الأسفل من شأنه السماح له أيضا بضبط حركة الصوت دون مشكلات.

 

وما تلك الاستخدامات سوى جزء بسيط جدا اعتمادا على النماذج الحالية التي يُمكن أن تتحسّن، ولا يجب إهمال الاستخدامات الجديدة التي يُمكن أن تُبدع فيها الشركات بعد توجيه عين ذكية على المُستخدم ذاته. تعزيز واقع المستخدم -دون أدنى شك- من أهم الأمور التي يُمكن للأجهزة التقنية أن تقوم بها، لكن تعزيز الحياة وإضافة قيمة لها هو الأهم.

 

عين إلكترونية تعتني بالمُستخدم هي ما ينقص المُساعدات الرقمية في الوقت الراهن، ولا توجد فرصة أفضل من ذلك لمايكروسوفت لدخول هذا المجال من أبوابه الواسعة، فمساعدها الرقمي "كورتانا" جاهز وبدأ بالانتشار، وجهاز "كينكت" غني عن التعريف وأثبت فعاليته كذلك.

المصدر : الجزيرة