شعار قسم ميدان

10 أفلام وثائقية علمية ممتعة ربما لم تسمع بها من قبل

الأفلام الوثائقية هي كتب صغيرة مُصاغة بعناية بحيث تجذب عددا كبيرا من المشاهدين، ورغم أنها لا تحوي كمّا كبيرا من المعلومات مقارنة بالكتب أو حتى المحاضرات العامة، فإنها قادرة دائما على وضع المادة المعرفية في سياق أنيق محبب للقلب، لهذا السبب فإن الوثائقيات هي وسيط مميز لكارهي القراءة والتركيز بشكل عام، إلا أنها بالطبع ليست الوسيط الوحيد، وليست بديلا عن الصور المعرفية الأخرى، ففي مرحلةٍ ما يجب أن تبدأ بالقراءة.

في هذا التقرير، قام محرر ميدان باختيار عشرة وثائقيات ممتعة لكنها غير مشهورة بين الجمهور، وهو يتعمد بذلك إثراء مكتبة الوثائقيات الخاصة بك وتوجيهك إلى تنويعات جديدة، الشرط الأساسي، بما أننا في القسم العلمي بميدان، هو أن تميل مقترحاتنا ناحية العلوم قدر الإمكان، لكننا نوسع الدائرة، فنتخطى الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا إلى الاقتصاد وعلوم الآثار وغيرها.

دعنا نبدأ من وثائقيات دويتش فيله، وقد اخترنا منها فيلمين مميزين، الأول هو "صدفة أم معجزة"، وقد رُفع من القناة مؤخرا لكنه، ما زال متاحا على يوتيوب في أماكن أخرى. يناقش الفيلم في جزئين متتاليين قضية الحياة في كواكب أخرى غير الأرض، هل هي ممكنة؟ وإذا كانت بالفعل كذلك، فلِمَ لا نراها؟ هل السبب أننا لا نتمكن من ذلك أم أنها قد لا تكون موجودة أصلا أو نادرة جدا؟ يبدأ الفيلم من الأرض، وكيف أنها متميزة بين الكواكب بحيث يصعب تكرارها، ثم ينتقل إلى الحياة، ويشرح أن بقاءها في مكان ما واستمرارها ليس بالأمر السهل. مع أسلوب العرض الممتع، ودسامة الموضوع، فإن هذا يعد واحدا من أهم الأفلام الوثائقية التي يمكن أن تراها.

هذا غريب حقا، لسنا بالضبط أمام وثائقي عن الأخطبوط، بل فيلم يشرح كيف أن قدرا كبيرا من العاطفة نشأ بين مخرج الفيلم وبطله كريج فوستر، وأخطبوط، هذا الكائن الذي تصوره الأفلام عادة على أنه وحش قاتل أو مجرد كائن بحري للدراسة، لكن أنْ يُقدَّم بهذه الطريقة البديعة فإن ذلك فعلا يستحق الأوسكار، وقد حدث. يبدأ الفيلم من ضيق شديد يواجهه فوستر في حياته، فيقرر السفر بعيدا إلى جنوب أفريقيا، وهناك يتعرف إلى صديقته أنثى الأخطبوط، وتنشأ بينهما صداقة، نتعلم منها الكثير، لكن أهم ما نتعلمه هو أننا، نحن البشر، بالفعل في مرحلة ما قد فقدنا اتصالنا بالطبيعة المحيطة بنا، وأصبحنا -بشكل أو بآخر- حبيسي مدن أسمنتية مغلقة ومكدسة.

ديفيد شبيجلهايتر هو أستاذ رياضيات يعمل على فهم شيء قد يبدو غريبا بالنسبة إليك، وهو "الصدفة"، إنه أمر يمر بحياتك يوميا وتتساءل عنه، كيف سيصبح شكل الطقس غدا؟ هل سنتعرض قريبا لزلزال عنيف؟ هل سيرتفع سعر الدولار أم ينخفض؟ كيف يمكن أن تلعب الصدفة دورا في بعض الألعاب مثل البوكر؟ لكن السؤال الأهم في هذا السياق سيكون -لا شك- عن إمكانية فهم الصدفة، دراستها وتوقع حدوثها. هذا وثائقي في نظرية الاحتمالات، وهو نطاق ممتع جدا إذا قُدَّم إلى الجمهور بدرجة من البساطة، ذلك هو ما يفعله وثائقي شبيجلهايتر الصادر قبل حوالي عشرة أعوام عن BBC. (تجده مترجما إلى العربية هنا)

لِمَ يحوز المعدن الأصفر كل ذلك الاهتمام عبر تاريخنا الطويل؟ إنه سؤال مثير للانتباه يحاول جرانت ويليامز، الخبير في هذا النطاق، أن يجيب عنه في فيلم وثائقي صدر مدبلجا بالعربية قبل عدة أشهر عبر الجزيرة الوثائقية، فيه يمكن أن ترى كيف بدأ هوسنا بالذهب بوصفه زينة وحِلًى، ثم محركا أساسيا للاقتصاد، وكيف أن الشعوب المختلفة ترى الذهب بصور مختلفة، وصولا إلى ذهب العصر الرقمي وعملاته المشفّرة، وهل حان عصر نهاية الذهب. الفيلم بسيط وسهل، يَعْبُر نطاقات عدة، مثل الأنثروبولوجيا والسياسة، لكنه يركز بشكل أساسي على العلوم الاقتصادية. يمكن أن تراه عبر الجزيرة الوثائقية على هذا الرابط وهذا الرابط.

هذا واحد من أفضل الوثائقيات التي قدمت للاكتشافات الأثرية في أشهر موقع للآثار في مصر، وهو مقابر سقّارة. سر تميز الفيلم هو أنه يعرض لك كيف يمكن لمتخصصي الآثار أن يستكشفوا هذه العوالم التي اندثرت قبل 4500 سنة، لكنه يفعل ذلك من وجهة نظر إنسانية تتضمن حيوات المُكتشفين أنفسهم والشخصيات التي يبحثونها، وفي مقدمتهم "واح تي"، صاحب المقبرة المُكتشفة، ما يُضفي على تجربة المشاهدة بُعدا شاعريا ممتعا يجعل من علم الآثار تجربة ممتعة وغير مملة، لكن أهم ما ميّز الفيلم هو أنه يركز على إظهار الحقيقة الواضحة التي يغفلها الجميع في هذا النوع من الاكتشافات، وهي أنها كشوف جماعية، يشارك فيها عشرات من الخبراء، كلٌ في مكانه مَهما كان بسيطا (كلهم في هذا الفيلم مصريون)، على عكس المعتاد في هذا النوع من الوثائقيات حيث يُصدَّر شخص واحد فقط وكأنه أينشتاين والبقية تأتمر بأمره.

عودة إلى وثائقيات "دي دبليو"، والتي تقدم مدبلجة بالعربية، هذه المرة مع "الجشع"، الفيلم الذي يقدم في جزأين أيضا، ويعرض لهذا السلوك الغريب من وجهة نظر نفسية وأنثربولوجية، محاولا الإجابة عن أسئلة لا بد أنها دارت بذهنك يوما ما: ما الجشع؟ ولِمَ نقع في حب ذواتنا إلى هذا الحد فنقضي العمر بحثا عن الاعتراف وتقدير الذات؟ هل يساعد نمط الحياة المعاصر على زيادة جشعنا أم أنه صنع ليتعمد ذلك؟ في هذا الفيلم تستخلص علاقة مهمة، ومعقدة جدا بين مشاعرنا الجشعة وخوفنا من الموت، وليس هناك أفضل من شيلدون سولمون، أستاذ الأنثربولوجيا الأميركي، ليحكي لنا عن هذه العلاقة. الفيلم مقدم بأسلوب شاعري سلس، لا يَخِلّ بما يعرضه من آراء فكرية وعلمية رصينة.

جيم الخليلي هو عالم الفيزياء النظرية النووية البريطاني واسع الشهرة، ذو الأصول العراقية، والحاصل مؤخرا على أرفع وسام بريطاني وهو رتبة الإمبراطورية (CBE) للخدمات المتميزة في العلوم والمشاركة العامة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وهي مكانة يستحقها عن جدارة، فالرجل قدّم إلى الآن مجموعة من أهم الوثائقيات وأشهرها في نطاقات الفيزياء والكيمياء، لكننا في هذا التقرير سنهتم بوثائقي قدمه في ست حلقات قصيرة عن التاريخ الذهبي للعلوم، ويصلح الوثائقي أن يكون مقدمة ممتازة، سلسة وبسيطة وحكائية، للمبتدئين في تاريخ العلوم العربية. يمر الوثائقي بين الرياضيات والطب والفلك والكيمياء والبصريات والهندسة، ليعلمك أن للعرب تاريخا سخيا ساعد العلم كله على التطور وصولا إلى ما نحن فيه الآن.

حسنا، روعة هذا الوثائقي تكمن في شيئين، الأول أنه يُعرّفنا -بصورة ممتعة حقا- بالثقوب السوداء، والآلية المُفصّلة التي تمكن عبرها العلماء من التقاط أول صورة للثقب الأسود في تاريخ البشر، والتي أُعلن عنها في منتصف عام 2019 وأذهلت العالم كله، أما الشيء الثاني فهو أن الوثائقي يُظهر دور التعاون بين العلماء، هل كنت تعرف أنه لالتقاط تلك الصورة تطلب الأمر عمل 200 باحث من 60 مؤسسة علمية من 20 دولة؟ لقد تطلب الإعلان عن هذا الكشف 6 مؤتمرات صحفية متزامنة كي تحصل كل جهة على حقها في المشاركة، والواقع أن العلم الحديث بات يحتاج إلى عقول متناغمة، وليس عقلا واحدا عبقريا تلتف حوله العيون المندهشة.

هذا لا شك هو أشهر سكان قائمتنا للأفلام الوثائقية، صدر قبل حوالي عشر سنوات، ولا يزال إلى الآن واحدا من ألمع ما قُدِّم باللغة العربية. مع صوت المقدم الرخيم ولغته السليمة والموسيقى الساحرة، أصبح "بيتنا" أقرب إلى ملحمة وثائقية، تُعرِّفنا بموضعنا -نحن البشر- في تاريخ الأرض، كيف أننا صغار جدا لكننا ذوو تأثير هائل في خط السير الزمني لهذا الكوكب، كيف أفسَدْنا فيه، كيف حولنا الهدية التي تلقيناها قبل 300 ألف سنة إلى كارثة. الفيلم بسيط، رائع، مؤثر جدا في بعض الأحيان.

يسأل هذا الوثائقي ببساطة: ماذا لو كانت التفاحة هي مَن يتخذ قرار إذا كنت ستأكلها أم لا؟ قد تتعجب من ذلك، أنت مَن رآها في السوق، كانت حمراء ومنتفخة بشكل جذّاب، ثم أخذتها للمنزل، ثم في لحظة ما بين طعام الغداء والعشاء قرّرت التهامها بينما تقرأ كتابا ممتعا، لكن ماذا لو أن التفاحة هي التي طوّرت من نفسها لتناسب رغباتك في التهام شيء جذّاب الشكل ذي طعم سكّري ساحر؟ في هذا الفيلم يعرض مايكل بولان، الصحفي واسع الشهرة وأستاذ الممارسة غير الروائية في جامعة هارفارد، سلوكنا -نحن البشر- عبر تاريخنا كله، لكن من خلال وجهة نظر تفاحة، وثمرة بطاطس، وعود قنّب (الماريجوانا)، ووردة تيوليب جميلة، مستخدما آلية الانتخاب الطبيعي البسيطة وما نعرفه باسم "التطور المشترك" لفهم كيف أمكن لهذه النباتات أن تخترق حياتنا وتجذبنا إليها أكثر فأكثر لدرجة أن التفاح كان يوما ما هوسا عالميا، في حين كان التيوليب سببا في فقاعة اقتصادية أوروبية هائلة، أو ربما نفهم سر هذا الانجذاب الشديد لنبتة القنب لدرجة أن بعضنا قد يدخل السجن في سبيل الحصول عليها، كيف غيّرت تلك النباتات حياتنا بينما نظن أننا مَن غيّر حياتها.

حسنا، هناك دائما اختيار، قد تتحمل ساعة من الوقت تتعلم فيها عن شيء ما، أو تقضيها في التجول في الصفحة الرئيسية لفيسبوك بلا هدف، لا نحاول هنا أن نجبرك على أن تترك ما في يديك الآن وتهرع إلى الأفلام الوثائقية لتتعلم منها، لكننا نذكرك أنك مسؤول عن قراراتك، وكل ثانية من وقتك لها ثمن ستدفعه حتما، ويفضل في غالب الأحيان أن يكون استثمارك مساويا للثمن الذي ستدفعه.

المصدر : الجزيرة