شعار قسم ميدان

المرأة الحامل في رمضان.. هل تصوم أم لا؟

المرأة الحامل في رمضان.. هل تصوم أم لا؟
(شترستوك)

في هذا الوقت من كل عام هجري، تزدحم مجموعات فيسبوك الخاصة بالأمهات الحوامل والمرضِعات بالسؤال ذاته: هل أصوم أم لا؟ وعلى الرغم من وجود رُخصة صريحة لإفطار المرأة الحامل أو المرضع في رمضان إذا خافت على نفسها أو على جنينها أو مولودها (1) (2)، فإن الكثيرات يشعرن بالذنب من تفويت صيام الشهر الفضيل، ويحاولن العثور على منفذ ما يُمكِّنهُن من الصيام دون الإضرار بصحتهن أو صحة أطفالهن.

وهناك فئة أخرى من النساء تسعى لصيام أكبر عدد ممكن من الأيام، حتى يتيسر لها تقليل الأيام التي يتعيَّن عليها قضاؤها فيما بعد، خاصة أن من المتوقع للحامل أن تكون مرضعا في رمضان التالي، ومن ثم لا تجد وقتا لقضاء ما فاتها أثناء الحمل، ويزيد عليها ما ستفطره أثناء الرضاعة. كيف يمكن إذن للأم أن تتخذ قرارا بالصيام أثناء الحمل؟ وهل ينبغي لها اتخاذ هذا القرار وحدها؟

معلومات أساسية

حسنا، لا توجد قاعدة واحدة تناسب الجميع فيما يخص إمكانية صيام المرأة الحامل، فكل حالة تختلف عن الأخرى وتستدعي استشارة خاصة. تقول رغدة رشاد، طبيبة بشرية، واستشارية بالبورد الدولي لطب الرضاعة الطبيعية ومعلمة معتمدة في مجالات الحمل والولادة، في تصريحها لـ "ميدان": "هناك إطار لتناول مشورة الصيام أثناء الحمل أو الرضاعة، وهو يشمل نوعين من الدلائل، النوع الأول يتضمن المعلومات الطبية الأساسية، والثاني يتضمن المراجعات العلمية المنهجية".

تُضيف رغدة رشاد قائلة: "نحن نمتلك معلومات طبية عن مراحل الحمل المختلفة وتأثيرها على الأم، واحتياجات الطفل التي تتنوع في هذه المراحل". في الثلث الأول [من الحمل]، نسبة كبيرة من السيدات يعانين من مشكلات الغثيان والقيء، مما يجعل تناول وجبات كبيرة صعبا، لأن شهية الأم لا تساعدها على ذلك. يُحدث الحمل الكثير من التغيرات الفسيولوجية في جسد المرأة، أهمها ما يُحدثه هرمون البروجيستيرون منذ بداية الحمل، الذي يؤثر على حركة الجهاز الهضمي كاملا، مُتسبِّبا في حدوث ارتجاع المريء، وارتخاء القولون والإمساك (3).

تعاني الكثير من الحوامل في الثلث الأول من الحمل من الغثيان والقيء الذي يمنعها من تناول وجبات كبيرة.

هذه العوامل تساعد في زيادة الغثيان الصباحي المُميِّز للأشهر الأولى من الحمل. في بعض الحالات، يصبح الغثيان والقيء عنيفا للغاية لدرجة تُهدِّد حياة الجنين وتستدعي البقاء في المستشفى تحت الملاحظة لعدة أيام أو أسابيع، وفي هذه الحالة يُصبح الصيام ضارا على الأم والجنين (4). وعن الحالات التي لا تعاني من غثيان عنيف تقول رغدة: "من الأفضل لها تناول وجبات صغيرة متفرقة على مدار اليوم، للحفاظ على مستوى السكر في الدم مستقرا لمصلحتها ومصلحة الجنين". قد يعوق الصيام هذه المهمة، إذ إن عدد ساعات الإفطار في الوطن العربي 9 ساعات في المتوسط، مما لا يمنح الأم فترة كافية لتناول تلك الوجبات الصغيرة المتكررة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الجوع في حد ذاته قد يتسبَّب في حدوث الغثيان في الشخص العادي، ويزداد احتمال حدوث هذا في الحامل الصائمة. يرجع هذا إلى تراكم أحماض المعدة طوال فترة الصيام دون وجود طعام يُخفِّف من حِدَّتها (5). إذا أضفنا هذا إلى الغثيان الطبيعي المصاحب للحمل، فسيصبح الصيام في الثلث الأول من الحمل مشكلة حقيقية. أضف إلى ذلك مسألة حساسية الإنسولين خلال هذه الفترة، التي تُشعر الأم بالجوع المستمر دون قدرة فعلية على تناول وجبات كبيرة مُشبعة بسبب الغثيان، وهنا أيضا تكون الوجبات الصغيرة هي الحل الأمثل.

في الثلث الثاني [من الحمل] يتحسَّن الأمر قليلا، مما يُمكِّن الأم من تناول وجبتين على الأقل (الإفطار والسحور)، وأحيانا ثلاث وجبات. لكن الأهم وفقا للطبيبة رغدة رشاد هو "قدرتها على تغطية احتياجاتها من العناصر الغذائية، خاصة البروتين لأنه من العناصر التي يميل الناس إلى تناولها بكمية أقل". إذن، لا يتوقف الأمر على قدرة الأم على الصيام فقط، بل وقدرتها على تلبية احتياجات جسدها وجنينها من العناصر الغذائية المهمة للنمو خلال فترة الإفطار. هناك عوامل قد تَحُول دون حدوث ذلك لا علاقة لها بحالة الأم، وإنما بظروفها الاجتماعية.

على الأم تحديد ما إذا كانت قادرة على تناول احتياجها من الطعام لصحتها وصحة الجنين أم لا خلال ساعات الإفطار.

عن هذا تقول رشاد لـ "ميدان": "على سبيل المثال، لو كانت الأم تعيش في بلد في أوروبا، فقد تكون عدد ساعات الإفطار قصيرة للغاية، لدرجة أن الأم لا تجد الفرصة لتناول احتياجها من الطعام، كما أن مدة الصيام الطويلة للغاية تجعل الأم عُرضة أكثر للإصابة بالجفاف". لذا على الأم وضع حالتها الاجتماعية والصحية أيضا في الاعتبار. "خلال الصيام، على الأم تحديد ما إذا كانت قادرة على تناول احتياجها من الطعام لصحتها وصحة الجنين أم لا".

بحلول الثلث الأخير من الحمل، تكون أعضاء الجنين قد اكتملت، ولم يتبقَّ إلا أن يزداد في الوزن والحجم. هذه الزيادة في الحجم على أهميتها للجنين، فإنها تُشكِّل ضغطا داخليا على الجهاز الهضمي للأم. تقول رشاد لـ "ميدان": "في الثلث الأخير، يكون حجم الرحم كبيرا للغاية، مما يضغط على المعدة ويجعلها أصغر حجما، وبالتالي لا تستطيع الأم تناول وجبات كبيرة لأنها تعاني بعدها من حرقة في المعدة أو الانتفاخ". هذا أيضا قد يمنع الأم من تناول كامل احتياجها من الطعام في الوقت القليل المخصَّص للإفطار، إذ إن الوجبات الصغيرة المتفرقة تساعد الأم على الحد من حرقة المعدة.

بالإضافة إلى الحصول على العناصر الغذائية كاملة، على الأم الحرص على اكتساب بعض الوزن كل شهر، بمعدل نحو كيلوغرام ونصف لكل شهر من الحمل. لا يتحوَّل كل هذا الوزن إلى دهون، فهناك وزن الجنين الذي يصل إلى 3 كيلوغرامات في المتوسط، والمياه المحيطة به، ووزن الرحم نفسه، بالإضافة إلى وزن المشيمة. أما عن الدهون التي يختزنها جسد الأم، التي يتراوح وزنها من 2.5-3.5 كيلوغرامات، فهي تُمثِّل مخزنا للطاقة التي ستحتاج إليها الأم بعد الولادة لإنتاج اللبن. قد يَحُول الصيام دون قدرة الأم على اكتساب هذا الوزن خلال شهر رمضان، مما قد يُسبِّب ضررا على الجنين، فالأم التي لا تكتسب الوزن لا يكتسب جنينها الوزن هو الآخر (6).

وهناك أسباب طبية أخرى قد تمنع الأم الحامل من الصيام، مثل إصابتها بمرض معين، إما لأن الصيام يزيد من حِدَّة المرض، وإما لأن عدم تناول الأدوية في مواعيدها التي قد لا تتناسب مع ساعات الصيام سيؤدي إلى تفاقم المرض. ليس من السهل حصر كل الأمراض التي قد تمنع الحامل من الصيام، وكما تقول رغدة رشاد: "من الصعب وضع قائمة بكل الأمراض التي توجب إفطار الأم، ولو ذكرنا الأمراض الشائعة، قد يعطي هذا الأم إحساسا زائفا بالأمان إن لم تجد مرضها ضمن القائمة"، وتضيف: "الأفضل إرجاع الأمر للطبيب المتابع للأم".

دليل علمي

العنصر الآخر الذي يجب وضعه في الاعتبار قبل اتخاذ قرار الصيام للمرأة الحامل هو الدليل العلمي على تأثير الصيام على صحة الأم والجنين، فماذا يقول العلم في هذا الصدد؟ تقول رشاد: "من المراجعة المنهجية لعدة دراسات يمكن القول إنه لا يوجد دليل على أن للصيام تأثيرا سلبيا على الجنين" (7). لكن لا يمكن النظر إلى هذه النتيجة بمعزل عن الظروف الصحية والاجتماعية لكل أم على حِدَة، في أي بلد تعيش، وفي أي فصل من فصول العام يأتي رمضان، فالدليل العلمي وحده هنا لا يكفي لاتخاذ قرار الصيام.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التعمق في هذه الدراسات يكشف عن نتائج متباينة، كما تقول رشاد في حوارها مع محررة "ميدان": "عندما ننظر إلى تفاصيل الدراسات، نجد بعض الدراسات ذات الجودة الأقل تشير إلى وجود تأثير سلبي [للصيام]، على عكس الدراسات ذات الجودة العالية التي لم تجد تأثيرا"، ثم تضيف: "بعض الدراسات لم تجد تأثيرا أثناء الحمل، ولكن وجدت تأثيرات طويلة المدى على الجنين". لذا يمكننا القول إنه لا يوجد بعد دليل صريح وكافٍ يمنحنا الاطمئنان بأن صيام رمضان قطعا لا يؤثر سلبا على الأم أو الجنين على المدى الطويل، "نعم، هناك بعض الأدلة، ولكنها ليست كافية بعد".

على سبيل المثال، في دراسة إيرانية نُشرت عام 2010 في "إيرانيان جورنال أوف بيدياتريك" (Iranian Journal of Pediatrics)، وُجد أن الأمهات اللاتي صُمن في الثلث الأول من الحمل فحسب أنجبن أطفالا أقل وزنا، حيث كان الوزن عند الولادة أقل بمرة ونصف مقارنة بالأجنة التي لم تصُم أمهاتهن نهائيا (8). بينما في المراجعة المنهجية المنشورة في دورية "بيوميد سنترال" (BioMed Central) التابعة لمجلة "نيتشر" (Nature)، وُجد أن صيام الأم أثناء الحمل لا يؤثر على وزن الطفل عند الولادة، وإن كانت النتائج لا تشمل تأثير الصيام على المعايير الأخرى لصحة المولود (9).

يُشير الدليل العلمي أيضا إلى بُعد آخر وهو الضغط النفسي الذي تتعرَّض له المرأة الحامل، إما لأسباب اجتماعية لا علاقة لها بالحمل نفسه، وإما لأسباب تتعلق بالقلق من الحمل والولادة وتربية الطفل والاهتمام به. في الدراسة المنشورة في دورية "فرونتيرز إن سيكولوجي" (Frontiers in Psychology) عام 2019، دُرس تأثير اضطراب القلق لدى الأمهات على الأجنة أثناء وبعد الولادة. وجدت الدراسة أن الضغط النفسي أثناء الحمل وبعده يؤثر على قدرة الطفل على التعامل مع الضغوط، ومن ثم يؤثر على علاقة الطفل بأمه في مرحلة ما قبل المدرسة (10).

قد يُشكِّل الصيام ضغطا إضافيا على الأم، ما قد يؤثر على الجنين أثناء الحمل وحتى بعد الولادة.

يختلف الأمر من حالة إلى أخرى حسب الظروف الصحية للأم وعدد ساعات الصيام، ولكن "من الممكن أن يُمثِّل الصيام نفسه ضغطا على الأم"، حسب قول رشاد، التي تضيف: "من الممكن أن تبدو الأم بصحة جيدة، لكنها تعاني من ضغوطات متنوعة"، إذا أضفنا إليها ضغط الصيام والجوع ونقص سكر الدم، فقد يؤثر هذا على الجنين أثناء الحمل، وحتى على هرموناته بعد الولادة، وتستطرد رشاد: "لو كان الصيام يُشكِّل ضغطا على الأم فهو على الأغلب يُشكِّل ضغطا على الجنين أيضا". بعض الحوامل يُصمِّمن على استكمال الصيام رغم الضغط والتعب والعطش، طمعا في الثواب، غير مدركات للضرر المحتمل حدوثه للجنين في هذه الظروف.

هنا، يمكن للأم أن تتخذ قرارا مستنيرا مبنيا على المعلومات الطبية المتوفرة والدليل العلمي الحالي تحت إشراف الطبيب الخاص بها، خاصة أن الدين الإسلامي يجعل الأخذ بالرخصة أولوية في حالة الضرر أو حتى مع احتمال وجوده، مع الوضع في الاعتبار أن كل أم هي حالة مميزة وبحاجة إلى استشارة خاصة بها. تختم رشاد حديثها مع "ميدان" بنصيحة: "إذا اختارت الحامل محاولة الصيام في رمضان، فمن المهم أن تراعي تناول الأطعمة ذات الكثافة العالية من العناصر الغذائية والماء بشكل كافٍ ومتوازن، والحصول على قسط كافٍ من الراحة والنوم، وعدم التعرُّض لما يزيد من إجهادها أو احتمالية حدوث الجفاف"، وتضيف مؤكِّدة: "على كل حامل أن تكون رحيمة مع نفسها ومرنة في التعامل مع الصيام إذا وجدت حالتها الصحية لا تُعينها على الاستمرار".

مقارنة الأمهات الحوامل بعضهن لبعض، واستقاء النصائح الخاصة بالحمل خاصة في رمضان من مجموعات الأمهات على مواقع التواصل الاجتماعي، قد يتسبَّب في عواقب للأم الحامل أو المرضع. يُشكِّل الضغط المجتمعي دافعا للأمهات لتجاهل تعليمات الطبيب، أو حتى تجاهل ما يشعرن به من وهن أو ضعف في أجسادهن أو في حركة الجنين داخل أرحامهن، لتكون النهاية هي صيام شهر رمضان كاملا حتى لو كان ذلك يعني آثارا صحية سلبية. في معادلة ذات طرفين، الأم والجنين، حيث أحد الطرفين لا يستطيع اتخاذ القرارات الحاسمة الخاصة بصحته، على الطرف المسؤول توخي الحذر واستشارة الطبيب قبل اتخاذ قرار مصيري يُحدِّد مسار حياة شخصين لا شخص واحد.

____________________________________________

المصادر:

  1. صيام المرأة الحامل 
  2. إفطار المرضع في رمضان
  3. Physiological Changes in Pregnancy – Physiopedia.
  4. Ramadan fasting and newborn’s birth weight in pregnant Muslim women in The Netherlands | British Journal of Nutrition | Cambridge Core
  5. ausea When Hungry: Causes, Treatment, and Prevention.
  6. Pregnancy weight gain: What’s healthy? – Mayo Clinic
  7.  Ramadan Fasting during Pregnancy and Health Outcomes in Offspring: A Systematic Review
  8. The Effect of Ramadan Fasting on Outcome of Pregnancy – PMC
  9. The effect of Ramadan fasting during pregnancy on perinatal outcomes: a systematic review and meta-analysis
  10. Effects of prenatal stress on pregnancy and human development: mechanisms and pathways – PMC

 

المصدر : الجزيرة