شعار قسم ميدان

ملوك اليوتيوب في 2021.. كيف استطاع طفل عمره 10 سنوات أن يحصد أكبر أرباح المنصة لـ4 سنوات متتالية؟

"بالنسبة للبشر، ريان كاجي مجرد طفل في العاشرة من عمره. بالنسبة لمشاهدات اليوتيوب، فهو يُمثِّل نحو 49 مليار مشاهدة. إذا قيست حياة المرء منا بالأثر الذي يتركه على الإنترنت، فالجميع يعرف أن حجم ريان سيكون هائلا. طريقة أخرى لوصف الأمر، إذا قضى كل زائر لقناة ريان على يوتيوب 30 ثانية فقط لتصفح فيديوهاته، فهذا يعني أن ريان شوهِد لفترة تزيد على 4500 ضِعْف عمره بالكامل".

(بليندا لوسكومبي، محررة التايم)

استيقظت لوان جوان، معلمة الكيمياء والعلوم في إحدى مدن ولاية تكساس الأميركية، مبكرا كعادتها في ذلك اليوم من أيام شهر مارس/آذار من عام 2015، رغم حصولها على عطلة عائلية منحتها لها المدرسة لمتابعة ابنها الصغير "ريان" الذي يبلغ من العمر 3 سنوات ونصفا، بهدف مساعدته لاستكشاف بعض الأنشطة التي تُعزِّز من مواهبه في هذا العمر.

في ذلك اليوم، وأثناء تحضيرها لبعض القهوة، أخبرها الطفل الصغير في حماس أنه يريد أن يُقدِّم فيديوهات للأطفال عبر يوتيوب. سألته الأم مندهشة عن سبب هذا الاهتمام، فأخبرها أنه شاهد أطفالا آخرين في مثل عمره يُقدِّمون فيديوهات شائقة عبر يوتيوب، وأنه متحمّس لتقديم بعض هذه الفيديوهات؛ حتى يُظهر فيها ألعابه الجديدة التي اشترتها له أسرته. ثم سألها ببراءة الأطفال: كيف لا أكون أنا في يوتيوب بينما جميع الأطفال الآخرين موجودون عليه؟

لحُسن الحظ، كانت لوان وزوجها شيون -أميركيان من أصول يابانية وفيتنامية- شغوفين للغاية بيوتيوب، ودرسا كيفية عمل خوارزميّاته أثناء دراستهما معا في الكلية. لذلك، قرَّر الأبوان أن يأخذا حماس ابنهما الصغير بجدّية، وأن يُخصِّصا بعض الوقت الكافي لتلبية رغبته بإطلاق قناة على يوتيوب متخصصة في تقديم محتوى الأطفال، ويكون بطل هذه القناة هو طفلهما الذي لم يُكمل أربع سنوات بعد. (1)

بالتأكيد لم يأتِ في ذهنهما قطّ أن هذه الموافقة البسيطة ستتحوَّل بعد سنوات قليلة إلى دخل سنوي قيمته 30 مليون دولار، وأن ابنهما الصغير الذي أراد فقط أن يحظى ببعض المرح، سيصبح "سوبر ستار" اليوتيوب بلا منازع، وعلى رأس قائمة الأشخاص الأكثر دخلا من يوتيوب حول العالم.

طفلٌ يلعب

في صيف عام 2015، بدأ ريان بمساعدة والديه في إنتاج أول فيديوهاته على يوتيوب، كان أول فيديو بعنوان "طفل يلعب لعبة الليغو لعمل قطار"، وهو عنوان بسيط لفيديو ألعاب تقليدي، يظهر فيه ريان وهو يلعب بأسلوب طريف، واللافت أن الفيديو حقَّق عددا جيدا من المشاهدات بالنسبة لقناة أطفال ما زالت في بدايات إطلاقها بأقل قدر من الإمكانيات.

 

هذه البداية المُشجِّعة دفعت كلًّا من ريان ووالديه للاستمرار في إنتاج المزيد من المقاطع بالطريقة نفسها: ريان يلعب أمام الكاميرا، ويُصوِّره والداه أثناء اللعب مع العمل على بعض المونتاج البسيط والطريف لكل حلقة. ومع الإنتاج المستمر، وزيادة المشاهدات، وبقدوم يوليو/تموز من العام نفسه، حدث الانفجار الضخم.

أحد الفيديوهات، وبالتحديد الفيديو رقم 33، بعنوان "بيضة ماكوين العملاقة" لاقى انتشارا فيروسيا هائلا تخطى عدة ملايين من المشاهدات في بضعة أيام، وأصبح أحد أكثر فيديوهات الأطفال انتشارا على يوتيوب في ذلك الوقت، واستطاعت على إثره قناة ريان حصد عدد كبير من المتابعين في زمن قياسي، فيما اعتُبرت القفزة الأولى الكبرى. اليوم، يتخطى عدد مشاهدات هذا الفيديو المليار مشاهدة، ويُعتبر من أكثر فيديوهات الأطفال على يوتيوب حصدا للمشاهدات.

 

كان هذا الفيديو تحديدا إشارة قوية إلى كلٍّ من ريان ووالديه أن ما يفعلوه ليس مجرّد أمر ترفيهي عادي، أو مجرد تسلية لطفلهما الصغير، وإنما ينطوي على قدر هائل من الفرص التي يجب أن تُستَغل بأفضل طريقة ممكنة. (1، 4، 5)

فلنجعل الأمور أكثر احترافية

"في البداية، لاحظت تعليقات غريبة أسفل الفيديوهات، كانت تبدو تعليقات طفولية بلغات مختلفة. ثم أدركت أن هذه التعليقات هي تعليقات أطفال صغار بعمر ريان يحاولون أن يكتبوا له بأسلوبهم البسيط بالإنجليزية ولغات أخرى، ثم أدركنا أن نسبة كبيرة من المشاهدات تأتي من آسيا، بسبب الملامح الآسيوية لريان. عرفنا أن الأمر يتخطى أميركا، وأن يوتيوب هو المكان الذي يراك فيه الجميع".

(شيون، والد الطفل ريان كاجي)

بقدوم عام 2016، ومع الأرقام المتنامية التي تُحقِّقها فيديوهات ريان، قرَّر الوالدان الاستقالة من وظيفتهما، حيث استقال الأب شيون من وظيفته مهندسا واستقالت الأم لوان من وظيفتها مُعلِّمة، وقرَّر كلامها التفرغ للعمل بدوام كامل في تطوير محتوى قناة ريان وتوسيع مشاهداتها بشكل أكبر احترافية وتنظيما. كان أول ما فعله الأبوان هو تغيير لقب العائلة إلى "كاجي" ليصبح اسمه "ريان كاجي" (Ryan Kaji)، وهو اسم أكثر سهولة في الاستحضار بالنسبة للجمهور.

الطفل ريان برفقة والديه شيون ولوان في صورة ضاحكة  (وسائل التواصل)

الخطوة الثانية هي توظيف الأبوين عددا من المنتجين ومحرري الفيديو والرسوم المتحركة لعمل مؤثرات بصرية أكثر جذبا واحترافية لفيديوهات ريان. كانت هذه الخطوة بعد أن شعر الوالدان بخطورة تحميل ولدهما الصغير الذي لم يكمل 5 سنوات مجهودا فوق طاقته، خصوصا مع غزارة إنتاج الفيديوهات أسبوعيا، مما جعل الاستعانة بفريق عمل يُقلِّل هذا الضغط أمرا ضروريا.

وكان الشرط الأساسي الذي وضعه والدا ريان أن تُنتَج الفيديوهات كافة وفقا لشخصية ريان التي أحبها الناس وتعودوا عليها وأصبحوا في انتظارها، بدون أن تطغى المؤثرات البصرية على شخصيته وتُغيِّبها. كما بدأ الوالدان في الظهور أيضا في بعض الفيديوهات بشكل أكبر، وعملوا على عدة قنوات فرعية لقناة ريان الأساسية. (1، 2، 3)

نهر من الأموال

بنهاية عام 2016 وبداية عام 2017، كانت شهرة ريان قد بلغت الآفاق، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في العالم أجمع. لذلك، كان من الطبيعي أن يلفت نظر واحد من كبار العاملين في صناعة الدعاية والإعلام الموجَّه للأطفال، وهو كريس ويليامز الذي عمل تنفيذيا سابقا في شركة "ديزني"، قبل أن يؤسس شركة "بوكيت ووتش" (Pocketwatch) للتسويق لمؤثري يوتيوب. هرع ويليامز لتوقيع عقد مع ريان لتسويق قناته بشكل أكبر في يوتيوب، وفي العام نفسه، أسَّس والدا ريان شركة خاصة لإنتاج مقاطع الفيديو للأطفال، تُدير 8 قنوات على يوتيوب، معظمها بطلها الرئيس هو ريان.

ما بين عامَيْ 2016-2017، ومع التسارع في إنتاج الفيديوهات، ونمو فريق العمل المسؤول عن قناة ريان على يوتيوب ليصل إلى عشرات الموظفين ما بين مصورين ومحررين ورسامين وكُتَّاب وممثلين صوتيين يُنتِجون عددا كبيرا من مقاطع الفيديو أسبوعيا، استطاع ريان وأسرته حصد إيرادات قيمتها 11 مليون دولار من يوتيوب، وصُنِّفت قناة ريان باعتبارها ثامن أكبر قناة يوتيوب حصدا للإيرادات لعام 2017. (1، 2، 3)

كيدفلوينسر

في عام 2018، كان ريان قد بلغ عامه السابع من العمر، وبات من أكثر الأطفال المؤثرين في العالم "كيدفلوينسر" (Kidfluencer) على الإطلاق، وتجاوز الأمر شهرته على يوتيوب إلى ما هو أكبر. فمع تنامي أعداد المشاهدات لتتجاوز سقف المليارات، تعاونت إحدى شركات الألعاب مع ريان لإطلاق تطبيق لألعاب الأطفال باسم "Tag With Ryan". في هذا العام أيضا ارتفعت إيرادات أسرة ريان من يوتيوب إلى 22 مليون دولار، ليحتل المركز الأول في قائمة أكثر قنوات اليوتيوب أرباحا في العالم.

استمرت قنوات ريان على يوتيوب في حصد إيرادات أكبر في عام 2019 بقيمة 26 مليون دولار، إلى جانب التوسع في إنتاج العديد من المنتجات الجانبية، مثل إطلاق 20 حلقة تلفزيونية باسم "زميل ريان الغامض" (Ryan’s Mystery Playmate)، ثم لعبة فيديو باسمه "تسابق مع ريان" (Race With Ryan) أُصدرت على أهم أجهزة الألعاب مثل بلاي ستيشن وإكس بوكس ونيتندو وغيرها.

أصبحت الكثير من الألعاب تحمل صورة ريان للاستفادة من شعبيته بين الأطفال  (وسائل التواصل)

في عام 2020، حقَّق ريان اللقب نفسه للسنة الثالثة على التوالي محتلا المركز الأول في قائمة إيرادات قنوات يوتيوب بقيمة 30 مليون دولار، إلى جانب نسبة مبيعات من مئات المنتجات المرخَّصة التي تحمل اسمه، أو التي تُشير إليه باتفاق إعلاني، ووصل عددها إلى 1600 منتج تشمل ملابس أطفال وساعات ومنتجات رياضية وفرشاة أسنان وألعاب، تُباع في أكثر من 30 دولة حول العالم. (1، 5)

ليس لأنه طفل لطيف.. فقط

ما الذي يجعل طفلا صغيرا آسيوي الملامح يؤسس قناة على يوتيوب وهو ابن ثلاث سنوات ونصف، وتتحوَّل هذه القناة إلى واحدة من أكبر قنوات يوتيوب من حيث المتابعين -نحو 31 مليون متابع-، وتُحقِّق إجمالي مشاهدات يقارب الخمسين مليار مشاهدة، وتتحوَّل إلى مؤسسة كاملة يعمل فيها عشرات الموظفين وتعقد شراكات مع مئات الشركات والعلامات التجارية حول العالم؟

هذا هو السؤال الذي طرحه موقع "تايم" (Time) في محاولة لتحليل أسباب هذا النجاح، فالأمر يتجاوز بكثير حدود الحظ والمصادفة دون شك، وأيضا يتجاوز مجرد حصره في موهبة ريان أو كونه طفلا لطيفا يحبه الأطفال حول العالم. بالتأكيد يوجد مئات الآلاف من الأطفال اللطفاء الذين يمكنهم تقديم فيديوهات ممتازة ولم يُحقِّق أحد منهم عُشر الانتشار الهائل الذي حقَّقته قناة ريان. (1)

ترى "التايم" أن السبب الرئيس لهذا الانتشار والنجاح الهائل الذي حقَّقه ريان هو معادلة: الشخص الصحيح في التوقيت الصحيح. فإلى جانب العقلية التسويقية والتنفيذية الممتازة التي أظهرها والدا ريان في استغلال الفرصة بعد أن ظهرت بوادرها، لعب التوقيت الصحيح دورا محوريا أيضا في تحقيق هذا الانتشار. ففي عام 2015 -العام الذي بدأ فيه ريان قناته- كانت أسعار الحواسيب المحمولة تتناقص بشكل كبير في السوق الأميركي والعالمي، مما جعل الكثيرين حول العالم يذهبون لشراء أجهزة الحواسيب، ويتخلّون عن أجهزتهم اللوحية (Tablets) لأطفالهم.

في التوقيت نفسه بالضبط، وبالتحديد في فبراير/شباط 2015، أطلقت شبكة يوتيوب تطبيق "يوتيوب للأطفال" (Youtube Kids) على الهواتف والأجهزة اللوحية، ومع وجود الأجهزة اللوحية في أيدي الأطفال، وبإشراف من الوالدين، زادت متابعة ملايين الأطفال للمحتوى المتخصص المناسب لفئاتهم العمرية، وبالتالي زاد حجم السوق الذي يستوعب إنتاج محتوى الأطفال بسرعة، الأمر الذي ساعد بشدّة في انتشار المحتوى الذي ينتجه ريان ووالديه في قناتهم الوليدة آنذاك.

التوقيت الصحيح

(فيديو لريان وهو يرتدي علامة ماكدونالدز في نوع من التسويق للعلامات التجارية)

في تلك الفترة أيضا -بتزامن رائع كما لاحظت- بدأ في الازدهار على الويب ما يُسمّى "اقتصاد صُنَّاع المحتوى"، وكانت منصة يوتيوب من أبرز ساحاته وأكبرها، وهو الأمر الذي جذب أنظار المعلنين والمسوّقين الذين لاحظوا صعود ظاهرة "المؤثرين" ونمو تأثيرهم بشكل أكبر بالمقارنة بالمشاهير التقليديين. هذا الأمر جعل المؤسسات الإعلانية والإعلامية تسارع للتعاون مع المؤثرين الجدد مبكرا، وتتنافس في دعمهم لزيادة إنتاجهم من المحتوى والاستفادة من شهرتهم في الدعاية والإعلان. وبالطبع كان ريان من أهم هؤلاء المؤثرين في سوق محتوى الأطفال.

أما التزامن الرابع، وربما الأهم، فهو التسارع الكبير في انتشار فيديوهات "فتح الصناديق" (Unboxing) التي يستعرض فيها صانع المحتوى منتجا معينا عبر فتحه وتحليله أمام الجمهور، سواء كان جهاز هاتف جديدا، أو جهازا لوحيا، أو منتجات أخرى من أي نوع. وبالطبع كانت الألعاب ومنتجات الأطفال أحد أكثر هذه التصنيفات متابعة بين شرائح كبيرة من الأطفال.

وعلى الرغم من بعض المشكلات التي تعرَّضت لها قناة "ريان" بخصوص سياسة الإعلان عن منتجات صُنِّف كثير منها أنها غير صحية للأطفال، وأنها تحمل ترويجا يجعل الأطفال مهووسين بامتلاك الألعاب بشكل يزيد من الأعباء المادية على الآباء، الأمر الذي جعل يوتيوب وغوغل تُقرِّران وضع قيود أكبر بخصوص المحتوى الإعلاني في قنوات الأطفال، لكن الانتشار الذي حقَّقه ريان في تلك السنوات جعله يتجاوز هذه العقبات، حتى مع تعديل المحتوى المنشور على قنواته ليتناول موضوعات أخرى تهم الأطفال ولا يقتصر على الجوانب الإعلانية للألعاب. (1، 2، 3)

في النهاية، بالتأكيد لا يمكن إنكار أن ريان طفل لطيف، ولكن اللطف بمفرده لا يصنع عشرات الملايين من الدولارات سنويا بالطبع. وراء هذه البراءة والنظرات والضحكات الطفولية، يوجد الكثير من التخطيط والعمل وشبكة علاقات دعائية قام بها والداه باحترافية رائعة. النجاح الذي عبَّرت عنه كاثلين كينيدي، واحدة من كبار منتجي صناعة الأفلام في أميركا، بقولها: "النجاح في الحياة ما هو إلا بعض العمل والكثير من التوقيت الصحيح!".

_______________________________________________

المصادر:

  1. How Ryan Kaji Became the Most Popular 10-Year-Old in the World
  2. Ryan Kaji Net Worth
  3.  Kaji: Charismatic Kid YouTuber Played His Way to a Multi-Million Dollar Fortune
  4. Ryan’s World
  5. Ryan’s World channel
المصدر : الجزيرة