خطتك الإبداعية مصيرها الفشل.. إليك الأسباب
منذ عقد واحد بدا أن آبل لا تُهزم، أدى إطلاقها لهاتف آيفون إلى إحداث ثورة كاملة في الهواتف النقالة وحققت رؤية ستيف جوبز في إنشاء مركز من الأجهزة التي توصل الناس بالتكنولوجيا. الأكثر من ذلك، أنه فعل هذا بجزء صغير فقط من ميزانية الأبحاث لعمالقة التكنولوجيا الآخرين.
ولكن آبل تبدو راكدة حاليا، لا تزال تدر أرباحا كثيرة، ولكن قد مرت عشر سنوات منذ أن أطلقت منتجًا مميزًا فعلًا، على الرغم من حقيقة أنها زادت ميزانية البحث والتطوير بشكل ثابت. هي اليوم، تستثمر أكثر من 10 مليارات دولار على التكنولوجيا الجديدة، المتركزة في الغالب على أشياء يلاحظها القليل من الناس، مثل الرقائق وأجهزة الاستشعار.
المشكلة هي أنه في حين تمتلك آبل إستراتيجية وثقافة مثاليتين لدمج التكنولوجيات الناضجة في المنتجات "العظيمة للغاية" التي تهيمن على السوق، لم تكن مجهزة لمواجهة التحديات الأخرى. والحقيقة هي أنه لا يوجد طريق واحد "صحيح" للابتكار، فكل إستراتيجية لها وقتها ومكانها، وما ينجح في حل نوع من المشكلات قد يفشل بشدة مع مشكلات أخرى.
من الاستراتيجيات الإبداعية الأكثر شيوعا -والأقرب إلى نهج آبل- هي التفكير التصميمي الذي دعا إليه ديفيد كيلي مؤسس في شركة التصميم(1) "آي دي إي أو" (IDEO) ومدرسة ستانفورد (D.School). أحيانا يمكن تلخيص هذه العملية على النحو التالي: عرّف، وابحث، ضع الفكرة، ثم النموذج الأولي، اختر، نفذ، تعلم.
ما يجعل التفكير التصميمي فعالا جدا هو تركيزه الحثيث على احتياجات المستخدم بدلًا من البدء بمجموعة من الميزات، يبدأ بطرح ما يجب أن تكون عليه التجربة النهائية، ومن ثم يعمل على تحديد الحل. يقوم المصممون بتطوير المنتجات من خلال سلسلة من النماذج ويحسنونها باستمرار ويصقلونها عن طريق الاختبارات. لذا -على سبيل المثال- بدلا من تطوير هاتف محمول عن طريق طرح سؤال "كيف يجب أن تبدو لوحة المفاتيح؟" يبدأ مهندس التفكير التصميمي بالسؤال "ماذا يريد المستخدم أن يفعل بالهاتف؟". بطريقة مماثلة، لن يبدأ مفكر تصميمي في تصميم مكتب لطبيب بأن يسأل أين توضع غرفة الانتظار، ولكن من خلال السؤال "ما هو الغرض من غرفة الانتظار؟".
وكما أثبتت آبل بوضوح، يمكن أن يكون التفكير التصميمي مفيدا بشكل كبير عند العمل مع التكنولوجيا الناضجة المفهومة جيدا، ولكنه -لسوء الحظ- لا يساعد كثيرا عندما تغامر في المجهول، ولنقل، العثور على علاج جديد للسرطان أو تطوير نهج جديد للذكاء الاصطناعي، والذي قد يكون السبب في تعثر آبل في الآونة الأخيرة.
باختصار، ما اكتشفه هو أنه عندما تتغير أسس المنافسة، بسبب التحولات التكنولوجية أو تغييرات أخرى في السوق، يمكن أن تجد الشركات نفسها تتحسن أكثر وأكثر في أمور لا يريدها الناس. عندما يحدث ذلك، فإن الابتكار في منتجاتك لن يساعدك، عليك أن تبتكر في نمط تجارتك.
في الآونة الأخيرة، طور ستيف بلانك طرقا للشركات الناشئة، وقام أليكس أوستيروالدر بابتكار أدوات مثل نماذج للأعمال التجارية ونماذج لقيمه المُقترحة، وكلها أمور أساسية لمن يجد نفسه في ذلك الوضع الذي وصفه كريستنسن.
ولكن إذا كان لديك منتج ناجح بالفعل وتريد أن تجعله أفضل، لن تكون كل هذه الأشياء ذات نفع، إذ أن طرق الشركات الناشئة مفيدة لتحديد المشكلات الجديدة للحلول القائمة، كما هو الحال في شركتي Uber وAirBnB، لكنها لا تساعد كثيرا إذا كنت بحاجة إلى إيجاد حل جديد لمشكلة أساسية أو تحسين منتج موجود لينافس في السوق.
بعد حوالي 45 دقيقة من أول جلسة عمل، دخل عالم الأحياء البحرية المُعين للعمل في فريقهم بحقيبة من المحار، ووضعها على الطاولة، أوضح بعدما رأى دهشتهم أن المحار يستطيع الكشف عن الملوثات في أجزاء قليلة فقط لكل مليون، وعندما يحدث ذلك يفتح صدفته.
كما اتضح، لم يكونوا في حاجة إلى رقاقة معقدة للكشف عن الملوثات، ولكن إلى مجرد رقاقة بسيطة تنبه النظام عندما يفتح المحار صدفته. قال لي هذا المسؤول: "لقد وفروا 999 ألف دولار وأكلوا المحار على العشاء". هذه القصة -في جوهرها- هي قيمة الابتكار المفتوح، فعندما يكون لديك مشكلة صعبة حقا فمن المفيد غالبا التوسع في مجالات المهارات إلى خارج المتخصصين في مجال واحد.
ومع ذلك، ففي معظم الوقت نحتاج إلى خبراء في المجالات المتخصصة لتحسين الأداء في المجالات المفهومة بشكل جيد نسبيا. يدعو العديد من "الخبراء" الابتكاريين هذا الأمر بـ "الابتكار الإضافي"، ولكن هذه هي الطريقة التي تأتي منها معظم القيم من الابتكار، والتطورات الثابتة لقانون مور -على سبيل المثال- كانت وراء الثورة الرقمية.
لذا، في معظم الحالات، ما نحتاجه حقا هم خبراء على دراية جيدة بمجال عملهم، فلو كان مصممي الرقائق السابقين -على سبيل المثال- قد احتاجوا لتحسين أداء رقاقة تقليدية بنسبة 20٪ فإن عالم أحياء بحرية يُلقي بكيس من المحار على مائدتهم لم يكن أكثر من تشتيت لهم.
ومع ذلك ليس من بينها ما هو علاج لكل شيء. كل منها يؤدي أداءً جيدًا مع بعض الفئات من المشكلات، ولا ينفع مع فئات أخرى. لهذا السبب أدعو في كتابي الجديد "الابتكار في رسم الخرائط" (Mapping Innovation) إلى استخدام صندوق أدوات الابتكار بأكمله. تكمن الخدعة في ربط النوع الصحيح من المشكلة مع النوع الصحيح من الحل. الحقيقة هي أن العديد من المنظمات تتعثر لأنها في نهاية المطاف تحبس نفسها في إستراتيجية واحدة. تعثر على شيء يصلح وتقول: "سنبتكر بهذه الطريقة" وينتهي بهم الأمر وهم يحاولون تطبيق الحل نفسه بغض النظر عن المشكلة. في نهاية المطاف ينتهي الأمر بشكل سيء.
لهذا السبب كثيرا ما نرى المنظمات التي كانت تعتبر مراكز ابتكار كبيرة، تفشل عادة، وتصبح غير ملائمة وتفقد أهميتها. جميع الإستراتيجيات تفشل في نهاية المطاف لأن عليك ربط الحلول بالمشكلات وليس العكس.
_________________________________