في سؤال وجواب.. إليك كل ما تريد معرفته عن جدل الحجاب المتجدد في إيران

تختلف أنواع الحجاب في إيران وفقا للموقف السيياسي من النظام الإيراني - الشادو
قانون الجمهورية الإسلامية أقر إلزامية الحجاب إلى جانب الفتاوى الدينية التي تعتبر الحجاب أمرا واجبا مهمة تنفيذه تقع على السلطات الرسمية (الجزيرة)

طهران- ألقت بنفسها أمام دورية الإرشاد لمنعها من التقدم، صارخة بأعلى صوتها "لا تأخذوا ابنتي فإنها مريضة"، هكذا صور ناشطون إيرانيون محاولات امرأة في إحدى الساحات الرئيسية بالعاصمة طهران لمنع الشرطة من اقتياد ابنتها لمقر شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بتهمة خلع الحجاب في الأماكن العامة.

وسرعان ما انتشر الشريط على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي، وسط تعاطف كبير من قبل الرأي العام الإيراني الذي تفاعل بدوره مع وسم "لا للحجاب الإجباري"، وندد بتجاهل ضباط الدورية توسل المرأة الإيرانية للإفراج عن ابنتها.

وبعد تصدر الوسم الترند في منصات التواصل الاجتماعي، اعتبرت شرطة طهران سلوك قائد وحدة الشرطة في دورية الإرشاد بأنه خارج عن القانون ونابع عن تصرف فردي، مؤكدة أنها اتخذت إجراءات عقابية بحقه، كما اعتذرت للمواطنة عن سوء التعامل معها.

وأعاد الحادث، الجدل القديم الجديد بشأن الحجاب إلى الواجهة في إيران، ما أدى لانقسام الإيرانيين؛ بين مطالب بإلغاء قانون إلزامية الحجاب انطلاقا من مبدأ الحقوق الفردية، ومن يرون فيه بعدا دينيا وضروريا في النظام الإسلامي.

وتسعى الجزيرة نت من خلال هذا التقرير لتقديم صورة واضحة عن أسباب جدل الحجاب في إيران:

كيف بدأ الجدل بشأن الحجاب في الجمهورية الإسلامية؟

بعد الضجة التي أثارها النظام البهلوي السابق بشأن كشف الحجاب في إيران، وإقرار البهلوي الأول رضا شاه قانونا في يناير/كانون الثاني 1936 يلزم الإيرانيات بخلع حجابهن بذريعة أنه "من مظاهر التخلف"، تحولت مسألة الحجاب إلى رمز للثورة والرفض لحكم الحقبة البهلوية قبيل انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، حيث أقبلت الإيرانيات على ارتداء العباءة الفارسية (التشادور) تأكيدا على نضالهن ضد النظام الشاهنشاهي.

وعقب انتصار الثورة الإيرانية، طالب علماء الدين وعلى رأسهم مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني بضرورة ارتداء المرأة الإيرانية الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة، ما أدى إلى احتجاجات ومعارضة من قبل شريحة من الإيرانيات إلا أن القانون الإسلامي فرض الحجاب على مراحل عامي 1981 و1983.

ففي المرحلة الأولى، أصبح ارتداء الحجاب إلزاميا في المؤسسات والدوائر الحكومية، إلى أن فرض على جميع الإيرانيات في الأماكن العامة بموجب القانون الذي أقر عقوبات علی اللواتي يظهرن في العلن بلا حجاب، الأمر الذي أثار ضجة حينها بين موافق ومعارض.

تختلف أنواع الحجاب في إيران وفقا للموقف السيياسي من النظام الإيراني - حجاب عرفي مقبول
مهمة دوريات الإرشاد في إيران تطبيق قانون الحجاب ومكافحة ما يعرف بالحجاب السيئ (الجزيرة)

ما قصة دوريات الإرشاد ومهمتها في تطبيق قانون الحجاب بإيران؟

بعد أن أصدرت السلطات في الجمهورية الإسلامية الفتية قانونا بفرض ارتداء الحجاب على جميع النساء -الإيرانيات وغير الإيرانيات سواء مسلمات أو غير مسلمات- حيث أصبحت قضية الحجاب مقننة، شكلت الأوساط الثورية هيئات لتطبيق القانون، وسيرت دوريات تحت عنوان "دوريات جند الله" تارة و"دوريات ثأر الله" و"دوريات أنصار" تارة أخرى، واستمر عمل هذه الدوريات خلال السنوات الماضية تحت مسميات مختلفة إلى أن عرفت خلال العقدين الأخيرين بدوريات الإرشاد.

وأخذت دوريات الإرشاد مهمة تطبيق قانون الحجاب ومكافحة ما يعرف بالحجاب السيئ على عاتقها، لكنها كانت مثار جدل منذ تشكيلها بشأن سلوك عناصرها مع الإيرانيات غير المحجبات.

ففي الأشهر الأولى من سن قانون الحجاب حيث كثرت التقارير عن تعرض غير المحجبات إلى مضايقات في الأماكن العامة، عارض مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني سلوك هذه الدوريات وقال "لا يحق لأحد التعرض لتلك النساء، هذا النوع من التدخل حرام على المسلمين، ويجب على قوات الأمن واللجان (الثورية) أن تقف في وجه هذه التيارات"، واصفا من يقومون بهذه المخالفات بالـ"منحرفين" و"أعداء الثورة الإسلامية".

كيف تفاعل المجتمع الإيراني مع سلوك دورية الإرشاد مع المواطنة التي صرخت بأعلى صوتها "لا تأخذوا ابنتي فإنها مريضة"؟

أثار الحادث حفيظة الرأي العام، إلى جانب العديد من الشخصيات البارزة التي فرقت بين موضوع الحجاب وسلوك القائمين على تطبيق قانونه الإسلامي. حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية حسن الخميني اعتبر سلوك عناصر شرطة الإرشاد أنه لا يمت بصلة لمهمة الإرشاد وليس إسلاميا ولا عقلانيا، مؤكدا أنه لن يعود بالنفع (على البلاد).

من جانبه، أشار الممثل الشهير برويز برستوئي، إلى الحديث النبوي الشريف "الجنة تحت أقدام الأمهات"، منتقدا -في تغريدة على إنستغرام- السلوك الشائن بحق الأمومة، وتساءل "كيف ستقابلون الله وتردون بشأن هذا السلوك؟!".

وأشاد السياسي الإصلاحي محمد علي أبطحي، بقرار الشرطة معاقبة العنصر المخطئ، وطالب في تغريدة على تويتر، بضرورة تعليم كوادر دوريات الإرشاد الرفق والعطف لعدم تكرار مثل هذه الأحداث.

أما على المستوى الشعبي، فقد انقسم الإيرانيون بين من انضم إلى حملة "لا للحجاب الإجباري" على منصات التواصل وآخرين عبروا عن امتعاضهم من سلوك شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مؤكدين أن هذا السلوك لا يمثلهم.

كما أن العديد من المحجبات الإيرانيات أطلقن وسم "أنا محجبة وأعارض دوريات الإرشاد"، ما اعتبرته الأوساط المحافظة بأنه يأتي تناغما مع المؤامرات الأجنبية الرامية إلى استهداف عفة المرأة الإيرانية.

وتطالب شريحة من الإيرانيين، ولا سيما من التيار المحافظ، بضرورة تطبيق تعاليم الشرع الإسلامي بشأن الحجاب ومواجهة أي مظاهر تخالف القوانين التي يفرضها النظام الإسلامي في ربوع الجمهورية الإسلامية.

وعلى إثر الجدل الدائر بشأن الحجاب، نظمت الأوساط الثقافية في البلاد احتفالات بمناسبة اليوم الوطني للحجاب والعفة في كبرى المدن الإيرانية، في حين طالبت ناشطات إيرانيات -بعضهن معارضات ويقطن الولايات المتحدة- السيدات الإيرانيات بنزع الحجاب ونشر صور ومقاطع فيديو تحت وسم "لا للحجاب الإجباري" على مواقع التواصل الاجتماعي.

ما فتوى المرجعية الدينية في إيران بشأن حجاب المرأة؟

جاء في قسم الفتاوى الدينية على موقع المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي ردا على سؤال "ما الحجاب المناسب للمرأة في المجتمع؟" أن "العباءة هي الحجاب الإسلامي الأفضل للمرأة. وكل لباس تتحقق فيه الشروط التالية يُعد حجابا إسلاميا:

  • أن يكون ساترا لكل البدن (ما عدا الوجه والكفين إلى الزندين).
  • أن يكون ساترا لكل ما يعد زينة (حتى في الوجه واليدين إلى الزندين).
  • أن لا يكون لافتا لنظر الأجنبي.
  • أن لا يكون مبرزا لمفاتن البدن بطريقة مثيرة للشهوة أو تترتب عليها مفسدة.
  • أن لا يكون مما يُشير الناس إليه بالبنان.
  • أن لا يكون من الملابس الخاصة بالرجال.

ما أهم مطالب القائمات على حملة "لا للحجاب الإجباري" في إيران؟

تعتبر الباحثة في الشؤون الاجتماعية الناشطة في حملة لا للحجاب الإجباري فرناز ملا محمد، أن الحملة جاءت لإحقاق حقوق المرأة الإيرانية التي تناضل من أجلها طيلة القرن الماضي، متهمة بلادها بحرمان المرأة من حرياتها الفردية مثل حرية التعبير وحق اختيار الملبس.

وفي حديثها للجزيرة نت، اعتبرت الحملة على منصات التواصل غيضا من فيض مطالب الملايين من الإيرانيات اللواتي يعانين التمييز في ما يخص الحجاب الإجباري، مشيرة إلى أن قانون الحجاب في بلادها فريد من نوعه بين الدول العربية والإسلامية.

واعتبرت ملا محمد، أن دوريات الإرشاد تتسبب بمشكلات عديدة للمرأة الإيرانية مثل توجيه الإهانة والتحقير والمضايقات الكلامية والجسدية النابعة عن النظرة الأيديولوجية، على حد قولها، مضيفة أن البلاد تعاني مشكلات عديدة منها غلاء المعيشة إلا أن الحكومة تغض البصر عنها.

وخلصت إلى أن الحركة النسوية في بلادها مستمرة في نضالها حتى نيل كامل حقوق المرأة وعلی رأسها المساواة في حقوق الرجل والمرأة.

ما الذي يدفع شريحة من الإيرانيات إلى مناصرة الخطط الحكومية الرامية إلى تطبيق الحجاب الإجباري؟

يأتي العامل الديني في صدارة الدوافع الداعمة لفرض الحجاب، وفق الصحفية الناشطة الاجتماعية وداد زاده بغلاني، التي تعتقد بأن قضية الحجاب مسيسة في بلادها وأن الحركة النسوية في إيران مرتبطة بجهات أجنبية.

وأوضحت وداد، للجزيرة نت، أن القوانين والأعراف الدينية والاجتماعية تلعب دورا بارزا في تحديد الحريات العامة في جميع الدول، وأن قانون الجمهورية الإسلامية قد أقر إلزامية الحجاب، إلى جانب الفتاوى الدينية التي تعتبر الحجاب أمرا واجبا تقع مهمة تنفيذه على السلطات الرسمية.

ونفت أن تكون السلطات الإيرانية متشددة في تطبيق قانون الحجاب، مؤكدة أن دوريات الإرشاد تكتفي عادة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنها لا تضايق سوى الفتيات اللواتي لم يمتثلن لإرشادات شرطة التوجيه.

وتابعت وداد، أنها "سبق وأطلعت على تقارير تؤكد تخصيص أجهزة استخبارات أجنبية ميزانيات كبيرة للغزو الثقافي ومهاجمة الحجاب في إيران"، مضيفة أن "نحو 3 آلاف عنصر من المعارضة الإيرانية في مدينة تيرانا الألبانية يعملون بانتظام عبر شبكات التواصل الاجتماعي للتأثير على سلوك الشباب في إيران"، وفقا لوداد زاده.

أبهري يوصي بالعمل على تكريس القيم الأخلاقية داخل الأسر الإيرانية ورياض الأطفال ثم المدارس (مواقع التواصل)
مجيد أبهري يوصي بالعمل على تكريس القيم الأخلاقية داخل الأسر الإيرانية ورياض الأطفال ثم المدارس (مواقع التواصل)

ما السبب الرئيس وراء تجدد جدل الحجاب كل عام في إيران؟

يقول عالم الاجتماع الإيراني، مجيد أبهري، إن "غفلة 22 مؤسسة ثقافية إيرانية طيلة العقود الأربعة الماضية وتقاعسها في القيام بواجبها تجاه القضايا الثقافية ومنها الحجاب، أدى إلى توليد ازدواجية لدى الأجيال الجديدة التي تتعرض باستمرار إلى عمليات غسل الأدمغة من قبل مئات المحطات الأجنبية التي تعمل ليلا ونهارا على استهداف القيم الأخلاقية والدينية لدى الإيرانيين".

وأوضح الأكاديمي الإيراني -للجزيرة نت- أنه سبق وقاد عددا من المشاريع البحثية بشأن كيفية تكريس المفاهيم الثقافية والقيم الأخلاقية لدى الأجيال الناشئة، وأوصى بالعمل على تكريس القيم الأخلاقية داخل الأسرة الإيرانية ورياض الأطفال ثم المدارس وذلك عبر برامج تحفيزية جذابة.

وطالب أبهري، بانسجام المؤسسات الثقافية في بلاده لتنفيذ برامج متكاملة في سبيل تحقيق أهداف محددة يكون الحجاب في صلبها، محذرا من أن ثنائية إلزامية ارتداء الحجاب وعدمه ستنعكس سلبا على المجتمع الإيراني.

واعتبر سلوك شرطة التوجيه والإرشاد في بلاده غير مجد في تطبيق قانون الحجاب، مؤكدا أن مثل هذه المضايقات من شأنها أن تولد ظاهرة العناد ولا سيما لدى اليافعات اللواتي كبرن على ثقافة عدم الالتزام بالحجاب الشرعي.

المصدر : الجزيرة