الطلاق الشفهي يجدد الجدل بين الأزهر والرئاسة في مصر

تقع النسبة الكبرى من الطلاق في السنوات الخمس الأولى من الزواج (الجزيرة)

القاهرة- عادت قضية الطلاق الشفهي إلى الواجهة بعد حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخرا عنها وضرورة مراجعتها للأخذ بعدم الاعتداد بالتطليق الشفهي، لافتا إلى ارتفاع نسبة الطلاق وخاصة بين المتزوجين حديثا.

ولفت السيسي إلى أنه لم يشأ أن "ينشّف دماغه" (يصرّ) في هذا الأمر، رغم أن القانون يتيح له إقرار ما يراه في صالح الناس.

وكانت قضية الطلاق الشفهي محل خلاف بين مؤسستي الرئاسة وعلماء الدين المقربين منها من ناحية، ومؤسسة الأزهر من ناحية أخرى. وفي حين دعا السيسي مطلع عام 2017 لعدم الإقرار بوقوع الطلاق الشفهي، أقرّ الأزهر بوقوعه.

وفي لقاء بكلية الشرطة عام 2017، طالب السيسي المؤسسات الدينية الرسمية بتبني القضية، وخاطب السيسي شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب الذي كان حاضراً الاحتفال، قائلا "ولا إيه (أم ماذا) يا فضيلة الإمام؟"، وتابع "أتعبتني يا فضيلة الإمام".

أما في مؤتمر إطلاق إستراتيجية حقوق الإنسان السبت الماضي، فتحدث السيسي مجددا عن الأمر في غياب شيخ الأزهر، وقال "الموضوع مهم، وأنا كإنسان أكون صادق وأمين.. تكلمنا عن وثيقة الطلاق واستوعبت عدم الموافقة، والأمور يتم استيعابها، قانون الأحوال الشخصية يتيح هذا الأمر، أنا أتكلم كدولة ولا أواجه أحدا، القانون يتيح لي توثيق الطلاق، فهل أحد يتصور أني منحاز، لا والله، الناس مش فاهمة، والأسر تعودت على ذلك".

ظالم ومظلوم

ويؤكد المحامي أسامة ناصر أن محاكم الأسرة حافلة بقضايا يكون أحد الزوجين فيها إما جانيا أو مجنيا عليه، فالزوجة تسعى للخلع للحصول على ورقة طلاق رسمية، بعد أن يكون الزوج قد طلقها شفهيا وتركها "معلقة".

وأكد أسامة -في حديثه للجزيرة نت- أن الزوجة يمكنها بسهولة الحصول على ورقة الطلاق خلعا من الزوج، لكنها تتضرر حينئذ بالتنازل عن حقوقها كافة.

ورأى المحامي أن الزوج يخشى من تبعات تسجيل الطلاق الكارثية عليه، إذ لا تقتصر المسألة على "خراب بيته" بالطلاق، ولكنها تصل إلى سجنه في جملة من القضايا التي تقيمها ضده الزوجة، أخطرها قضية "تبديد قائمة المنقولات المنزلية" التي تصل عقوبتها للسجن، وهي قضية يحق للزوجة إقامتها وهي لا تزال في عصمة زوجها، وتكون سلاحا في يدها لإجباره على تطليقها رسميا لو أرادت، فضلا عن قضايا نفقة المتعة والمسكن ونفقة الحضانة وغيرها.

وتابع: إذن، فقد أساء الرجال استخدام حق الطلاق الشفوي ليضطر النساء للتنازل عن حقوقهن، بحسب مطلقات، بينما يضطر الزوج للطلاق الشفوي فرارا من قوانين شُرعت لحماية حقوق المرأة، فأسيء استخدامها من جانب النساء -بحسب مطلقين- وهو ما يجعل الأمر دائرة من المظالم المتبادلة تدور في حلقة مفرغة، برأي الطرفين.

 

 

وخلال كلمته في نفس المؤتمر المنعقد مؤخرا، أشار السيسي لهذه الزاوية بالقول إن "قانون الأحوال الشخصية يجب أن يراضي بتوازن ووعي وفهم عميق لعورات وقضايا المجتمع بشكل وكفاءة عالية، وهذا أمر غير سهل.. ممكن نعمل إجراء نتصوره إيجابي ونتصور أنه غير فعال. إشكاليتنا في 2011 (سنة وقوع ثورة يناير/كانون الثاني) هي ما أدت إلى عدم احترام حقوق الإنسان في مصر، بما فيها عدم احترام ممارسات الآخرين".

وطبقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن 40% من المتزوجين يطلقون خلال السنوات الخمس الأولى للزواج، وهي "نسبة كبيرة ويكون لها سلبيات على الأسرة والأجيال المقبلة"، بحسب ما جاء في كلمة السيسي.

وتحلّ مصر على رأس قائمة الدول الأعلى في نسب الطلاق. ووفق إحصاءات رسمية، فإن حالة طلاق تقع كل دقيقتين، وقد سجل الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء وقوع 213 ألف حالة طلاق عام 2020.

لعبة نيوتن

وسبق أن تجدد الجدل حول قضية الطلاق الشفوي في رمضان الماضي أثناء عرض مسلسل "لعبة نيوتن" الذي ناقش القضية.

وضمن محاولات السعي لعلاج الأمر، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون للأحوال الشخصية، جرى إرساله إلى البرلمان الذي أرجأ مناقشته بعد أن ثار جدل واسع حوله.

ورأى مراقبون أن تصريحات السيسي الأخيرة تشي بقرب تطبيق القانون الذي تضمن مادة تحمل رقم 55 وتخص الطلاق الشفوي، وأكدت أن الطلاق المقترن بعدد ما -لفظا أو إشارة- لا يقع إلا مرة واحدة، وكذلك المتتابع أو المتعدد في مجلس واحد، ويترتب على الطلاق الشفوي أثره القانوني حال إقرار الطرفين به أمام جهة رسمية.

وتكشف تصريحات السيسي الأخيرة عن رغبة في المضي قدما باتجاه إهمال الطلاق الشفوي وعدم الاعتداد بوقوعه. ولم يصدر عن مؤسسة الأزهر أي تعليق على هذه التصريحات الرئاسية الجديدة، خلافا لما جرى عام 2017 من إصدار هيئة كبار العلماء بالأزهر بيانا عارضت فيه دعوة الرئيس السيسي لإهمال التطليق الشفهي.

وجاء في بيان اللجنة حينئذ أن الطلاق شفهيا "مستقر عليه منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام".

وفي السجال السابق بين مؤسستي الرئاسة والأزهر، برر السيسي مطلبه بـ"السعي لصالح إعطاء الناس فرصة لمراجعة النفس" قبل إنفاذ الطلاق.

في المقابل، رأت هيئة كبار العلماء أن القانون ليس حلا، لأن "ظاهرة شيوع الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق، لأن الزوج المستخف بأمر الطلاق لا يعيبه أن يذهب للمأذون أو القاضي لتوثيق طلاقه، علما بأن إحصاءات الطلاق المعلن عنها كافة مثبتة وموثقة سلفا، إما لدى المأذون أو أمام القاضي"، بحسب البيان.

وتابع بيان الهيئة بأن "العلاج الصحيح لهذه الظاهرة يكون في رعاية الشباب وحمايتهم من المخدرات بكل أنواعها وتثقيفهم، علاوة على إبراز الفن الهادف والتعليم الجاد والدعوة الدينية الجادة".

وبدا أن البيان المشار إليه لم يلق ترحيباً رسمياً به، فجرى تجاهل بيانات وأنشطة الأزهر في وسائل الإعلام، وعانى شيخ الأزهر شخصيا من حملة هجوم إعلامي بلغت حد مطالبته بتقديم استقالته.

وجاءت تلك الحملة رغم لهجة التهدئة والدبلوماسية التي ختم بها البيان، الذي أكد أنه "من حق ولي الأمر شرعا أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة تعزيرية رادعة على من امتنع عن توثيق الطلاق، أو ماطل فيه، لأن في ذلك إضرارا بالمرأة وبحقوقها الشرعية".

من جهتها، قالت لجنة الشؤون الدينية في دورة البرلمان السابقة، إنها تعتزم إعداد مشروع قانون يلبي اقتراح الرئيس.

ودافع أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر سعد الدين الهلالي عن ضرورة عدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، بالقول إن التوثيق الرسمي لعقود الزواج والطلاق عرفه المصريون منذ عام 1931 لـ"تغليظ ميثاق ما جعله الله فى كتابه ميثاقا غليظا".

وتابع في برنامج بإحدى الفضائيات: يأتي البعض للمطالبة بالحرمان من نعمة التوثيق الرسمي، في الوقت الذي ارتضوا فيه بهذا التوثيق في مسائل تجارية، وتلاميذ الفقه وعوام الناس يدركون منطقية تبعية الطلاق لوضعية الزواج، بحيث لو تم الزواج شفويا، فإن الطلاق بسببه يكون شفويا، والعكس صحيح.

ولم تكن قضية الطلاق الشفوي هي الوحيدة محل الخلاف بين مؤسستي الأزهر والرئاسة، إذ جرت سجالات حول فض رابعة عام 2013، ومسائل تطوير الخطاب الديني. وخلال الاحتفال بالمولد النبوي عام 2018، دافع الطيب عن السنة مؤكدا أنها 3 أرباع الدين، ردا على انتقاد السيسي لوجود نصوص تشوه الدين.

المصدر : الجزيرة