هل تشارك أخبارك الحزينة على مواقع التواصل؟.. إليك التفسيرات العلمية

قد تكون مشاركة الأخبار الحزينة تأثرًا بحملات التحدث عن الصحة العقلية التي بدأها المشاهير.

ربما يكون السبب وراء كتابة المنشورات الحزينة البحث عن الاهتمام أو يُمكن تعريفه باسم "الصيد الحزين" (بيكسلز)

إذا كنت متابعًا جيدًا للشبكات الاجتماعية، ستلاحظ نمطًا متكررًا من مشاركة الأخبار الحزينة؛ ففي بعض الأحيان تكون الأخبار قاسية وحزينة وقريبة ممن شاركها كأن يتعرض لحادث، أو يصاب بوعكة صحية حادّة، لكن في أحيان أخرى تجد منشورات على شاكلة "أخو زوج ابنة عمتي توفي" التي يعلن فيها الشخص وفاة قريب من درجة بعيدة ربما لم يكن يزوره حتى أو يعرف أخباره، أو قد تجد شخصًا يكتب منشورًا عن تعرضه لموقف عصيب وهو يجلس في مكان ترفيهي ولا يبالي كثيرًا بما كتبه باستثناء متابعة التعليقات والإعجابات.

فما الذي يجعل الناس يشاركون الأخبار الحزينة بهذه الطريقة؟

ربما يكون الخوف من الحسد عاملًا ويعتقد البعض أنه يدفعه إلى مشاركة أخبار حزينة وصعبة ليتركه الآخرون وشأنه ويكفّوا عن حسده على أحواله الجيدة الأخرى، لكن هناك عوامل نفسية أخرى وراء هذا السلوك المُلاحظ.

وسط الكم من المنشورات الحزينة هناك من يبحث حقًّا عن الدعم والتعاطف بسبب الضغط النفسي الواقع عليه (غيتي)

"الصيد الحزين"

يشارك الناس الأخبار والقصص منذ آلاف السنين، وأدى ظهور تقنيات التواصل الحديثة إلى تطور المشاركة المباشرة بين الأهل والجيران لتمتدّ إلى أجهزتنا الذكية وعلى منصات افتراضية، لكن ما الذي يجعل محتوى معينا منتشرا أكثر من غيره؟

ربما يكون السبب وراء كتابة المنشورات الحزينة البحث عن الاهتمام أو يُمكننا أن نعرّفه باسم "الصيد الحزين" (Sadfishing) وهو مصطلح صاغته الكاتبة "ريبيكا ريد" في بداية عام 2019 لتوصيف بحث الناس عن التعاطف على الإنترنت بمشاركة منشورات شخصية حساسة أو حزينة وعاطفية.

وصاغت الكاتبة هذا المصطلح مع ملاحظة تزايد نشر المشاهير والأشخاص العاديين على السواء لأحداث قاسية من حياتهم ليثيروا بها جدلًا ويجذبوا انتباه الآخرين، أو حتى لانتقاد الناس أو التقليل من شأن محتواهم، وهو كله يندرج تحت مصطلح "الصيد الحزين"، مع أن من الصعب فهم دوافع مستخدمي الإنترنت، فقد يشارك بعض الناس أخبارًا حزينة من دون فهم السبب الدافع إلى هذا التصرف، لكن رغبة دفينة ألحّت عليهم.

"الصيد الحزين" مصطلح جديد نسبيًّا ولا يوجد بعد أبحاث تتعلق بسلوكاته لكنه، حسب مقال نشره موقع "ذا كونفرسيشن" (The Conversation) الأميركي المهتم بنشر نتائج الأبحاث العلمية، يتقاطع في سلوكاته مع "سلوك السعي وراء الاهتمام"؛ فالشخص يقوم بتصرفات لجذب الانتباه بسبب شعوره بالحزن الفعلي والاكتئاب أو القلق، أو ربما بسبب الشعور بالوحدة وأحيانًا بسبب تدنّي احترام الذات، وهو أسلوب تستخدمه أيضًا بعض الشخصيات المبالغة الدرامية وأحيانًا الشخصيات النرجسية أو الميكافيلية (الراغبة في التلاعب بالآخرين).

الشعور بالإثارة!

وقد يكون السبب إثارة الناس فسيولوجيًّا واستثارة العواطف مما يعزز الانتقال الاجتماعي، فاستحضار بعض المشاعر يساعد على زيادة فرصة مشاركة الرسالة والتفاعل معها، وفقًا لرأي جونا بيرغر مؤلف دراسة نشرتها مجلة "سيكولوجيكال ساينس" (Psychological Science) التابعة لجمعية العلوم النفسية الأميركية (APS).

ودرس الأستاذ بجامعة "بنسلفانيا" عددا من مقالات صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) الأميركية التي لاقت انتشارًا أوسع من غيرها، ووجد ارتباط بعضها بمشاعر إيجابية، لكن البعض الآخر كان مرتبطًا بمشاعر سلبية مثل القلق والغضب والخوف، ورأى أن هذا النوع من المشاعر السلبية يشعل مشاعر الإثارة، وفي الأخبار المنتشرة لم تكن هناك أخبار تثير مشاعر الحزن منفردة، وأرجع السبب إلى أنها تكون ذات إثارة أقل مقارنة بالتوتر الذي يحدثه الغضب أو الخوف أو القلق.

واختبر بيرغر نظريته حول "تعزيز الإثارة بمشاركة المعلومات" بإجراء تجربتين مختلفتين، واحدة ركّزت على عواطف محددة، وأُجريت على 93 طالبًا عُرضت عليهم مقاطع فيديو جعلتهم إما قلقين، أو مستمتعين (انفعالات الإثارة العالية)، أو حزينين (انفعالات الإثارة المنخفضة)، ثم عرض عليهم مقالة ومقاطع فيديو محايدة عاطفيًّا وسُئلوا عن مدى استعدادهم لمشاركتها مع الأصدقاء وأفراد الأسرة، وأظهرت النتائج أن الطلاب الذين شعروا بمشاعر الإثارة العالية كانوا أكثر ميلًا إلى المشاركة مع الآخرين.

في التجربة الثانية التي أجريت على 40 طالبًا، طلب منهم الركض أو الجلوس في مكانهم مدة دقيقة، على اعتبار أن الركض يزيد الإثارة، ثم طُلبت منهم قراءة مقال إخباري محايد وسئلوا إن كانوا يرغبون أن يشاركوه مع أحد، فأظهرت النتائج أن الطلاب الذين ركضوا كانوا أكثر ميلًا إلى إرسال المقالة إلى أصدقائهم وعائلاتهم، على عكس الطلاب الذين جلسوا.

استحضار بعض المشاعر يساعد على زيادة فرصة مشاركة الرسالة والتفاعل معها (غيتي)

تأثير سلبي لحملات التحدث عن الصحة العقلية

قد تكون مشاركة الأخبار الحزينة تأثرًا بحملات التحدث عن الصحة العقلية التي بدأها المشاهير وعدد من مستخدمي الشبكات الاجتماعية لإزالة الوصمة عنها وشرحها للمجتمع ليتقبلها ويتعامل معها بالطريقة المناسبة، وشمل هذا أمراض الصحة العقلية مثل الاكتئاب، واضطراب ثنائي القطب، والقلق، ويبدو أن الفرصة لهذا التعبير أمام كثير من الناس أتاحها الإنترنت ومنصاته الافتراضية.

لكن لهذه الحملات تأثيرا سلبيا وفقًا لدراسة أجراها باحثون في جامعة "البلمند" اللبنانية عام 2017، فبسبب كثرة هذه المشاركات والتعرض لها قد يقتنع بعض الأشخاص الأصحاء أنهم مكتئبون، وينشرون منشورات تعبّر عن اكتئابهم ثم تتفاقم الظاهرة، كما أن ذلك قد يؤدي إلى تشكيل شخصيات ذاتية، وأيضًا إلى الاستخفاف بالأمراض النفسية الحقيقية.

الحصول على الدعم والتعاطف

لكن وسط هذا الكم من المنشورات الحزينة، هناك من يبحث حقًّا عن الدعم والتعاطف بسبب الضغط النفسي الذي يتعرض له جراء بعض الأحداث الصعبة التي يمرون بها، ومشاركة الأخبار الحزينة مع مجتمع مفتوح من الأصدقاء والمعارف وحتى الغرباء على الشبكات الاجتماعية يوفر لهم بيئة من الداعمين والمتعاطفين.

وبالعودة إلى مثالنا الأول عن نشر أخبار وفاة أقرباء ذوي صلة قرابة بعيدة، ربما يكون هناك دافع آخر متعلق بثقافتنا المجتمعية والدينية، فقد يعلن البعض وفاة أقاربهم كنوع من تقديم العزاء للأسرة وأداء واجب اجتماعي في إعلان الخبر ومعاونة أهل الفقيد، أيضًا قد تدفع آخرين رغبتهم في الإحسان إلى المتوفى بحصوله على دعوات وصلوات أكثر من أصدقاء ومتابعي كاتب المنشور.

المصدر : مواقع إلكترونية