قلم الزيت في فلسطين- تقليد سلفيتي بامتياز.. ماذا تعرف عنه؟

يُعقد اجتماع تضمين قلم الزيت عند "شجرة التوت"، وهو المكان الأقدم وسط سلفيت، ويحضره المزارعون واللجنة الزراعية والضامنين وعابرو الطريق ومن يرغب بالمشاهدة.

سلفيت- انتصف موسم قطف الزيتون بمدينة سلفيت (شمال الضفة الغربية)، وبات ينتظر الفلسطيني محمد اشتية مهمة لا تقل تعبا وشقاء عن عمله؛ حيث يبدأ بجمع ثمار زيتونه بعد أن تعهد "قلم الزيت" هذا العام.

"وقلم الزيت" عرف اعتادته سلفيت منذ أكثر من قرن من الزمن، وهو أشبه برسوم رمزية يجبيها ضامن القلم من المزارعين بعد انتهاء الحصاد لتنفق مقابل خدمات تقدم لهم على مدار العام وخاصة أثناء موسم الزيتون.

عاطف دغلس- من المهام المنوطة باللجنة الزراعية تحديد موعد والية القطف- مواطن يجني زيتونه قرب احد المستوطنات جنوب نابلس - الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة نت12
مواطن يجني زيتونه قرب إحدى المستوطنات جنوب نابلس (الجزيرة)

وعبر بروتكول شعبي يجرى عادة قبيل موعد قطف الزيتون؛ رسا مزاد الضمان على اشتية ليخوض تجربته الأولى بعد 4 محاولات سابقة سعى خلالها لضمان قلم الزيت، ويقول للجزيرة نت إنه يشعر بفخر كبير وهو يحافظ على إرث والده وجده في الإعداد والمشاركة لهذا التقليد.

مبلغ الضمان وقنوات صرفه

وقُدر مبلغ الضمان لقلم الزيت لهذا العام -وهو مبلغ مستحق على اشتية دفعه- بـ3850 دينارا أردنيا (الدولار يعادل 0.71 دينار). بينما حدد المبلغ المترتب على كل مزارع بـ3 قروش أردنية عن كل كيلو زيت ينتجه (نحو 5 دولارات أميركية لكل 100 كيلو زيت) تحددها اللجنة الزراعية في المدينة وليس ضامن القلم.

ابراهيم الحمد مزارع وعضو اللجنة الزراعية السابقة في سلفيت-الضفة الغربية-سلفيت- الصورة من الضيف للجزيرة نت-الجزيرة نت1
إبراهيم الحمد مزارع وعضو اللجنة الزراعية السابقة في سلفيت (الجزيرة)

وهذه اللجنة التي لا يقل عمرها عن عمر قلم الزيت هي من يتولى أيضا الدعوة لمؤتمر عام قبل موسم الزيتون لانتخاب أو تزكية لجنة جديدة تكون أولى وظائفها تحديد موعد لمزاد قلم الزيت والذي يتم علنا ويدعى له أهالي المدينة كافة.

ومن الآن بدأ اشتية رفقة من يختاره ليساعده بهذه المهمة بجمع الرسوم من أي مزارع ينهي حصاده مباشرة، وهو أمر صار سهلا مقارنة بالماضي، في ظل حصر أسماء المزارعين وكميات إنتاجهم بشكل دقيق وإلكتروني لدى المجلس البلدي ومعاصر الزيتون.

وليس هناك من يرفض الدفع من المزارعين ولكن ربما يتأخر أحدهم عن سداد ما عليه لبعض الوقت، وهناك من يتصل ليدعوه لأخذ الرسوم بأي مكان يلقاه بالمدينة.

وعلى ضامن قلم الزيت أن يقدر جيدا كمية المحصول المتوقع إنتاجه، وليتجنب أي خسائر عليه أن يستفيد من خبرة المزارعين وكبار السن في تقدير كمية الموسم ليضع قيمة الضمان المناسبة، وما يفيض عن مبلغ الضمان يكون ربحا له.

وتميزت "مدينة الزيتون" سلفيت من بين مدن فلسطين بالمؤتمر العام للمزارعين والذي يعقد سنويا قبل الموسم لتكون أبرز مهامه تحديد موعد قطف الزيتون وانتخاب اللجنة الزراعية التي ينبثق عنها "قلم الزيت".

عاطف دغلس- مزارعة تقوم بفصل الورق عن ثمار الزيتون - الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة نت11
مزارعة تقوم بفصل الورق عن ثمار الزيتون (الجزيرة)

الهدف حفظ التقليد

وبتقليد سلفيتي أيضا؛ يعقد اجتماع تضمين قلم الزيت عند "شجرة التوت" المكان الأقدم وسط المدينة، ويحضره المزارعون واللجنة الزراعية والضامنين وعابرو الطريق ومن يرغب بالمشاهدة.

والضامن هو من يدفع قيمة الضمان الأعلى بين المتنافسين الذي يتم بجو أهلي يسوده المحبة والتعاون، ويشترط أن يكون من المدينة نفسها ويعرف أراضيها جيدا لا سيما حدودها وكمية إنتاجها.

وتتولى اللجنة الزراعية المنتخبة وفق قول عضوها السابق إبراهيم الحمد -إضافة لتضمين قلم الزيت- صرف أموال الضمان لخدمة المزارعين وتعيين "المخضرين" (حراس للأرض) مقابل أجر معين لمنع سرقة الثمار والعبث بالأرض وشق الطرق لتسهيل وصول المزارعين لأرضهم وجني محصولهم.

ويقول الحمد للجزيرة نت إنه ليس الهدف من تضمين قلم الزيت التكسب المادي بقدر ما هو تقليد جميل يحافظون عليه، ولهذا تدعم اللجنة الزراعية ضامن القلم وتعوض خسارته إذا ما خيبت كمية الإنتاج آماله.

اجتماع اللجنة الزراعية مع ضامنين قلم الزيت واهالي سلفيت ليتم تضمين قلم الزيت- الضفة الغربية- سلفيت- وسط المدينة- الصورة من الضيف- الجزيرة نت2
بتقليد قديم يقام اجتماع اللجنة الزراعية مع ضامني قلم الزيت وأهالي سلفيت لتضمين قلم الزيت تحت شجرة التوت (الجزيرة)

ويكون رئيس البلدية رئيسا للجنة الزراعية وأحد أعضاء البلدية عضوا فيها إضافة إلى 7 أو 9 مزارعين، ويناقشون معا أية مشاكل تواجه المواطنين ويسعون لحلها، ويولون عناية خاصة بشجرة الزيتون عبر تحديد موعد القطف وآليته ودعم تسويق منتج الزيت.

وليس على ضامن قلم الزيت سوى جباية الرسوم والإبلاغ عن أي مخالفة يرتكبها المزارعون، بينما تتولى اللجنة دورها بالتصدي لاعتداءات المستوطنين والخنازير البرية التي يطلقونها ورفع شكاوى ودعوات قضائية ضد مصادرة الاحتلال للأرض، كما تحرر مخالفات ضد من يسرقون لثمار أو يبكرون بالنزول للموسم قبل الموعد المحدد عبرها.

ويقدر تعداد مدينة سلفيت بنحو 15 ألف نسمة يعمل معظمهم بالزراعة، وتقدر مساحة أراضيها بـ28 ألف دونم، ويزرع غالبها بالزيتون، وتنتج -وفق الحمد- بين 350 و500 طن في "الموسم الماسي" ذو الإنتاج الجيد ونحو 100 طن إذا كان الموسم "شلتونيا" باللهجة المحلية أي أقل إنتاجا.

سلفيت تنتج بين 350 و500 طن زيت زيتون في الموسم الجيد (الجزيرة)

عهد قديم

وبهذا التقليد السنوي يحافظ السلفيتيون على زيتونهم ويحمون أرضهم، ولهذا يواصل الحاج محمود عودة (أبو أيمن) دفع ما يترتب عليه من رسوم سنوية على إنتاجه من الزيت البالغ نحو طنين من الزيت سنويا.

ومنذ صغره عهد أبو أيمن (84 عاما) تقليد قلم الزيت، ويقول للجزيرة نت إنه عايشه مع نهاية حكم الإنجليز وخلال الحكم الأردني للضفة الغربية، ويأمل المسن أن يظل هذا العرف قائما وتتفرع مهامه طوال العام.

وكانت الأموال آنذاك تجبى وتدفع أجرة لحراس الأرض الذين كان من وظيفتهم أيضا منع الحصاد المبكر للزيتون أو استعمال العصي بدلا من القطف اليدوي أو ترك الماشية لترعى بالأرض المشجرة حفاظا عليها.

وأمام هذا يأمل السلفيتيون حذو قرى ومدنا فلسطينية أخرى حذوهم بمثل هذه التقاليد الهادفة للحفاظ على الأرض وخاصة في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها على يد الاحتلال ومستوطنيه.

المصدر : الجزيرة