معاناة الهنديات المهجورات مزدوجة.. أزواج هاربون ومجتمع يراهنّ "بضاعة شخص آخر"

راضية الآن فى الثمانين وتنحصر على الخياطة منذ اربعين عاما
راضية -المهجورة منذ أربعين عاما- تبلغ الثمانين وتعكف على الخياطة لتعيش (الجزيرة)

شمشاد حسين-نيودلهي

راضية أمٌّ لستة أولاد تبلغ من العمر ثمانين سنة، هجرها زوجها منذ أربعين سنة، ولم ترَ ابنتها الصغرى -التي تبلغ اليوم الأربعين- وجه أبيها الذي توفي قبل ثماني سنوات.

حياة راضية خلال العقود الأربعة الماضية مملوءة بالآلام والمعاناة، ففي ساعات العسر والإفلاس كانت تتبرع بدمها في المستشفيات مقابل مبلغ زهيد لتوفير لقمة العيش لأطفالها الصغار، ولديها ماكينة خياطة ساعدتها ولا تزال تساعدها على تكاليف المعيشة.

قصة راضية ليست الوحيدة في المجتمع الهندي، لأن قانون الأسرة الهندي يسمح بالطلاق، ولكنه لا يجرّم التحلل من عقد الزواج والخروج منه دون أي إعلان أو إجراءات رسمية، مما يجعل حياة الزوجات في حرج شديد، وهي ظاهرة منتشرة في كل أنحاء البلاد، ولكن المشكلة متعمقة في المناطق الريفية بوجه خاص.

سومن قصة وجع
قصة سومن أكثر ألما من قصة راضية، فقد تزوجت وهي في الثامنة عشرة من عمرها، وبعد ستة أشهر من الزواج خرج زوجها راميش من البيت قائلا إنه ذاهب للعمل، ولم يعد.

كانت سومن حاملا في الشهر الرابع، وولدت طفلا معاقا، فتدمرت أحلامها إثر ذلك ووقعت في معاناة شديدة، ولكنها رغم معاناتها القاسية جلست ثماني سنوات صابرة تنتظر عودة زوجها، ولم يعد.

تقول سومن والدموع تسيل من عينيها "أنحس يوم في حياتي، هو اليوم الذي أخبرتني فيه أخت راميش أنه جاء منذ يومين مع عائلته الجديدة التي تشمل زوجة وثلاثة أطفال. كنت أتجرع الموت مرات عديدة كل يوم خلال هذه الفترة. وشعرت ذلك اليوم أنني مت بالفعل".

قررت حينها أنها ستعيش منذ الآن حياتها بنفسها، وجاءت إلى دلهي حيث انضمت لشركة تعمل في مجال خدمات المطاعم بمساعدة شخص من قريتها، وبدأت تغسل الصحون لتضمن عيشها وعيش ابنها المعاق الذي بلغ الآن 12 سنة ويدرس في مدرسة حكومية.

تشعر سومن الآن أنها مطمئنة ولكنها تشكو من المجتمع كونه لا يقف مع المظلوم، وتطالب الحكومة بوضع قانون مشدد لتجريم ترك الزوجة دون إجراءات رسمية في البلد.

‪امرأة مهجورة تقيم الآن في دار للمسنين تحكي قصتها للجزيرة نت‬ (الجزيرة)
‪امرأة مهجورة تقيم الآن في دار للمسنين تحكي قصتها للجزيرة نت‬ (الجزيرة)

ماذا تقول الإحصاءات؟

وفق إحصائية عام 2011 الرسمية، هناك 2.37 مليون زوجة مهجورة من مختلف الديانات، بينهن 1.9 مليون هندوسية، و280 ألف مسلمة، وتسعون ألف مسيحية، وثمانون ألفا من ديانات أخرى.

والجدير بالذكر أنه لا يوجد طلاق في المجتمع الهندوسي، ومع ذلك يصل عدد المطلقات إلى 910 آلاف، من مجموع 340 مليون امرأة متزوجة.

وهناك إحصائيات توضح عدد الزوجات اللواتي تم فصلهن أو طلاقهن بالطرق القانونية. ويشمل العدد المذكور عدد الزوجات اللاتي ذهبن إلى المحكمة ونلن موافقتها للحصول على الطلاق.

وفقا لقانون الزواج الهندوسي الصادر عام 1955 كل من يريد الطلاق من الأزواج أو الزوجات يعود إلى المحكمة فتوافق على الدعوى إذا اقتنعت أو تردها. وهنا يتم الطلاق بأمر قانوني وليس اجتماعيا.  

كما يعاني الناس مشاكل متنوعة بسبب التعقيدات القانونية والإجراءات الطويلة، وكثيرون منهم لا يختارون ذلك، وهذا يؤدي إلى قتل الزوجات أو الانفصال عنهن من طرف واحد، أي هجرهن.

وهذا القانون لا يطبق على المسلمين حيث إنهم يتمتعون بقانون أحوال شخصية في الهند. ومما يستغرب اهتمام الحكومة الزائد بوضع قانون لتجريم طلاق المسلمين بالثلاثة، مع غض الطرف عن مشاكل هذا العدد الرهيب من الزوجات المهجورات.

ولا توجد أي وسيلة لمعرفة إن كانت هؤلاء النساء اخترن الانفصال بمحض إرادتهن أو تم فصلهن من طرف الرجل، ولكن في الحالتين فإن الضحية هي المرأة فقط، حيث إنها لا تستطيع الزواج مرة أخرى لبدء حياة زوجية جديدة، وتمر بأقصى أنواع المعاناة.

‪بعض النساء المهجورات يعانين كثيرا لكسب عيشهن وإعالة أطفالهن‬ (الجزيرة)
‪بعض النساء المهجورات يعانين كثيرا لكسب عيشهن وإعالة أطفالهن‬ (الجزيرة)

المشكلة في صورة أخرى!
وتبرز المشكلة في صورة أخرى، فهناك شباب يتزوجون فتيات في الهند ثم يسافرون إلى بلاد أجنبية ولا يعودون. وفي الآونة الأخيرة سجلت أكثر من خمسة آلاف شكوى لدى وزارة الخارجية الهندية، لإلغاء جوازات سفر هؤلاء الأزواج، ويتكثف هذا العدد في ولايتي بنجاب وغوجرات.

والأرقام الرسمية لوزارة الخارجية توضح أنها تتابع 4698 قضية من هذا النوع في 3.5 سنوات تقريبا (من يناير/كانون الثاني 2016 إلى 31 مايو/أيار 2019)، في حين أن تقديرات منظمات غير حكومية تشير لوقوع بين 32 ألفا و50 ألف قضية من هذا النوع بولاية بنجاب فقط، ومنظمة أخرى تدعي أن ولاية غوجرات شهدت 12 ألف قضية من هذا النوع عام 2004.

رينا ميهلا تزوجت راهول كمار وكان عمرها 24 سنة، وبعد خمسة أعوام من الزواج كذب عليها راهول بأنه سينتقل إلى مكان آخر في الهند، ولكنه في الحقيقة اتفق مع خدمة تهريب لتأخذه إلى أميركا، وهو يقيم الآن في مدينة بونكس بالولايات المتحدة.

رينا خاطبت وزارة الخارجية الهندية والسفارة الأميركية وقسم الجوازات، ووجدته على منصة فيسبوك، وعندما سئلت هل ما زالت تحبه؟ أجابت: "كثيرا".

شيوالي سومن أيضا من ضحايا هذا النوع من الهجر، وهي تقوم بتنظيم الزوجات المهجورات في دلهي، وتقول "إن الزوجة المهجورة ليس لها وضع أو صفة"، وتتساءل: هل نحن مطلقات أم عزباوات أم أرامل؟

‪سكن يحكي قصة الفقر والإفلاس، تقطن فيه امرأة مهجورة مع أطفالها في بنغال الغربي‬ (الجزيرة)
‪سكن يحكي قصة الفقر والإفلاس، تقطن فيه امرأة مهجورة مع أطفالها في بنغال الغربي‬ (الجزيرة)

المرأة مهجورة في المجتمع أيضا
العلاقات خارج نطاق الزواج من طرف الزوج سبب رئيسي في معظم هذا النوع من قضايا الهجران، والتي لا تجعل المرأة فقط تواجه المشاكل الاقتصادية والنفسية والاجتماعية، بل توقع أسرتها وأولادها في المعضلات التي قد ترافقهم لأجيال.

المرأة المهجورة لا تكون مخلوعة من زوجها فحسب، بل تجد نفسها مهجورة في المجتمع، لا يد تمتد لمساعدتها حتى من أهلها، وذلك لمجرد أن زوجها تركها.

فالمجتمع الهندي يراها "بضاعة شخص آخر"، وذلك يقتل كرامتها الشخصية والاجتماعية من ناحية، فضلا عما يصيب أطفال هؤلاء الزوجات من حيث التربية والتعليم من ناحية أخرى، وقد يأخذون طريقا خاطئا ليقعوا ضحايا اختطاف على أيدي المجرمين في المجتمع، وهذا تهديد اجتماعي خطير.

ما المطلوب؟
تقول الزوجات المهجورات في البلاد إنه لا بد من اتخاذ تدابير حاسمة ووضع نظام فاعل لتوفير العدالة والكرامة لهؤلاء الزوجات ومكافحة الوضع الراهن، فالأمر يحتاج إلى قانون مشدّد لتجريم الهجر دون الطلاق أو إجراءات رسمية للحفاظ على شرف الزوجية وكرامة الزوجة.

كما يطالبن بنظام مالي فعال للزوجات المهجورات مثل نظام معاشات الشيخوخة والأرامل، لحفظ حياتهن الكريمة من الفقر والإفلاس، إضافة إلى نظام لتسهيل الإجراءات الرسمية لحجز أو إلغاء جواز السفر للأزواج الذين خدعوا زوجاتهم وجعلوا حياتهن جحيما.

المصدر : الجزيرة