"رجل ذو 100 وجه".. الجزائري الذي حيّر إسرائيل وعملاء الموساد

المناضل الجزئري محمد بودية Mohamed Boudia

صباح يوم 28 يونيو/حزيران 1973، خرج محمد بودية من شقة بالدائرة الخامسة في باريس، متوجها نحو سيارته "رينو 16" التي كانت متوقفة عند "32 شارع دي فوسي سان برنار"، فتح كعادته أبوابها ثم غطاءها الأمامي والخلفي، واستلقى تحتها، وتفحص ماسورة العادم بحثا عن متفجرات، ثم همّ بالجلوس داخلها، وبمجرد ملامسته الكرسي انفجرت عبوة ناسفة صغيرة كانت مثبتة تحته، أدت إلى وفاته.

لأشهر قبل ذلك، ظل عملاء الموساد يجوبون باريس والعواصم والمدن الأوروبية يقتفون أثر شخص جزائري بأسماء ووجوه متعددة، رجل احترف المسرح وطوع أدواته لإتقان فنون التخفي وتغيير الشخصيات، وشارك في النضال الفلسطيني بقلمه وسلاحه وقدرته الهائلة على التخطيط للعمليات السرية.

كان محمد بودية الفنان المسرحي الجزائري والمناضل الأممي الثائر (1932-1973) ينفذ مقولة "وراء العدو في كل مكان" التي ابتدعها وديع حداد، قائد فرع العمليات الخارجية في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وفق تقارير الموساد الإسرائيلي وإدارة مراقبة التراب الوطني الفرنسية "دي إس تي" (DST) وحتى دائرة المخابرات الفدرالية السويسرية "إف آي إس" (FIS) كانت هناك تأكيدات أن بودية ناشط في تخطيط العمليات التي نفذتها الجبهة الشعبية ثم منظمة "أيلول الأسود"، والتي طالت مصالح إسرائيلية وعناصر من جهاز الموساد، من دون أن يملكوا دليلا، فتقارير إدارة مراقبة التراب الوطني الفرنسية كانت تشير إلى أن بودية يمارس عمله المسرحي بانتظام من دون أي شبهة أو دليل واضح يدينه.

تصف التقارير الإسرائيلية بودية بأنه رجل شديد الحرص والحذر، وكان يغير مكان إقامته في باريس باستمرار، ويبيت كل ليلة في مكان مختلف، كما كان على دراية بأساليب التخفي وكشف المراقبة، لكنه كان يتردد على مكان بعينه بشكل متواتر في شارع فوسيه سانت برنار.

كانت البداية أواخر عام 1967، حين التقى بودية مع وديع حداد لأول مرة في باريس -في حين تشير تقارير أخرى إلى أنهما التقيا في هافانا- لكن مصيرا ربطهما منذ تلك اللحظة، وكان محوره تحول النضال الفلسطيني بعد هزيمة الجيوش العربية في الحرب مع إسرائيل نحو أولوية الكفاح المسلح، وانتهاج ما عرف بالعنف الثوري وسيلة للرد على إسرائيل.

المصدر : الجزيرة