الفخ البيلاروسي.. المهاجرون العرب في لعبة الحدود الأوروبية

خلال بضعة أشهر تمكنت بيلاروسيا من حشد عشرات آلاف الراغبين في الهجرة من الشرق الأوسط إلى حدودها مع الاتحاد الأوروبي، فيما بدا أنها عملية ممنهجة.

مهاجرون غير نظاميين يتجمعون على الجانب البيلاروسي من الحدود مع بولندا في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 (وكالة الأنباء الأوروبية)
مهاجرون غير نظاميين يتجمعون على الجانب اليلاروسي من الحدود مع بولندا في نوفمبر/تشرين الثاني (وكالة الأنباء الأوروبية)

لم أكن أعرف حين التقيت "أمجد" الشاب العراقي الأربعيني في أحد مراكز الشرطة في بروكسل وطلب مني بلطف ترجمة وثيقة له أنه واحد من مهربي المهاجرين، ولم يكن بدوره يعرف أنني صحفي.

قادتني هذه الصدفة لاحقا إلى معرفة الكثير من الخيوط حول عمليات تهريب اللاجئين من بيلاروسيا نحو دول الاتحاد الأوروبي وما يحصل على تلك الحدود وعن طرق التهريب المختلفة.

"هل تود إحضاره إلى ألمانيا أم بلجيكا؟" هكذا خيرني "أمجد" خلال مكالمة هاتفية أجريتها معه أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2021 حين تظاهرت بأن قريبا لي موجود بتركيا ويبحث عن سبيل للوصول إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي.

أكد "أمجد" -الذي عرفت لاحقا أنه أحد أعوان "أبو العبد العراقي" -وهو أحد أشهر المهربين على وسائل التواصل الاجتماعي- بنبرة واثقة "ما إن يصل قريبك إلى بيلاروسيا حتى يحضره رجالنا بسياراتنا إلى بلجيكا أو ألمانيا، له أن يحدد وجهته النهائية".

بهذه الطريقة اختار آلاف المهاجرين من بلدان الشرق الأوسط وآسيا وضع مصيرهم في أيدي المهربين، فقد تم استدراجهم إلى بيلاروسيا عبر رحلات جوية منظمة ومكثفة وتسهيلات غير مسبوقة في الحصول على التأشيرات أو بدونها لمواطني بعض الدول، وعند وصولهم إلى مينسك يتم تسهيل ذهابهم إلى الحدود للعبور إلى بولندا وليتوانيا ولاتفيا ثم ألمانيا وبلجيكا.

ينشط "أبو العبد" وغيره من المهربين على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف، عدنا إلى حسابات فيسبوك فوجدنا العديد من الصفحات والمجموعات التي تروج ببساطة للهجرة غير النظامية عبر مهربي البشر أو وكلاء لهم، مثل (الهجرة من بيلاروسيا إلى أوروبا – تأشيرة بيلاروسيا وذهاب إلى ألمانيا- غروب بيلاروسيا بولندا.. الهجرة لأوروبا).

ويعلن هؤلاء عن إمكانية توصيل المهاجرين إلى ألمانيا من خلال إرسال نقاط تحميل لهم، وبعد دفع المبالغ المطلوبة لدى ما يسمونها مكاتب "التشييك" (مكاتب إيداع الأموال المتفق عليها مع المهرب).

خلال الأشهر الثلاثة من ديسمبر/كانون الأول وحتى أواخر فبراير/شباط تواصل معد التحقيق عبر واتساب ثم هاتفيا مع عدة مهربين يظهر من خلال صفحاتهم أنهم الأكثر نشاطا، تظاهر أنه موجود في مينسك ويرغب في العبور إلى بلجيكا، فأبدى الجميع استعدادهم لتهريبه ومن معه، لكن إلى ألمانيا عبر بولندا في مرحلة أولى.

حتى أواخر فبراير/شباط اتضح لنا من خلال تواصلنا مع المهربين أثناء التحقيق أن الطريق البيلاروسي ما زال سالكا إلى ألمانيا، وتراوحت عروض الأسعار بين "أبو جبل" و"علاء الدين العراقي" و" أبو محمد القلموني" وأبو الوليد" وغيرهم بين 2500 يورو (2800 دولار) و6500 يورو (7370 دولارا)، مع الاختلاف في بعض الامتيازات، من أهمها توفير دليل في بولندا أو ما يعرف في معجم المهربين والمهاجرين بـ"ريبري".

تواصل معد التحقيق أيضا مع مهاجرين عبروا من طريق بيلاروسيا إلى الاتحاد الأوروبي وآخرين لم ينجحوا وعادوا إلى بلدانهم أو بقوا في بيلاروسيا ينتظرون اللحظة الحاسمة للعبور.

ضمن هذا التحقيق تكشف الشهادات المؤثرة -التي توثق قصصا إنسانية مأساوية على الحدود- والوثائق وتحليل بيانات خطوط الطيران وعدد الرحلات وحسابات وسائل التواصل كيف نظمت بيلاروسيا تدفقا هائلا للمهاجرين إلى حدودها مع الاتحاد الأوروبي خلال أشهر معدودة، وكيف أصبحت الهجرة السرية صناعة منظمة تديرها أطراف بطرق ملتوية وحيل مبتكرة اخترقت الإجراءات الأمنية الأوروبية.

لعبة الأسلاك الشائكة

اختار آلاف المهاجرين من بلدان الشرق الأوسط وآسيا وضع مصيرهم في أيدي المهربين، إذ تم استدراجهم إلى بيلاروسيا عبر رحلات جوية منظمة ومكثفة وتسهيلات.

Irregular migrants' waiting at Polish-Belarusian border continue
اختار آلاف المهاجرين من بلدان الشرق الأوسط وآسيا وضع مصيرهم في أيدي المهربين، إذ تم استدراجهم إلى بيلاروسيا عبر رحلات جوية منظمة ومكثفة وتسهيلات غير مسبوقة في الحصول على التأشيرات (وكالة الأناضول)
اختار آلاف المهاجرين من بلدان الشرق الأوسط وآسيا وضع مصيرهم في أيدي المهربين، إذ تم استدراجهم إلى بيلاروسيا عبر رحلات جوية منظمة ومكثفة وتسهيلات غير مسبوقة في الحصول على التأشيرات (وكالة الأناضول)

تمتد الحدود البيلاروسية على 5 دول، 3 منها تتبع الاتحاد الأوروبي وهي لاتفيا (170 كيلومترا) وليتوانيا (639 كيلومترا) وبولندا (417 كيلومترا)، إضافة إلى روسيا (1311 كيلومترا) وأوكرانيا (1110 كيلومترات)، ويتوجه معظم المهاجرين إلى الحدود البولندية باعتبارها منفذا أسهل إلى ألمانيا كمقصد رئيسي، ثم بدرجة أقل ليتوانيا ثم لاتفيا.

ووفقا للأرقام الأولية التي جمعتها الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس" (Frontex) ونشرتها أواخر يناير/كانون الثاني 2022، كان العدد الإجمالي للعابرين بشكل غير قانوني لحدود الاتحاد الأوروبي سنة 2021 نحو 200 ألف، وهو أعلى رقم يسجل منذ عام 2017، ويمثل زيادة بنسبة 36% مقارنة بعام 2019 وبنسبة 57% مقارنة بعام 2020.

وكان أحد عوامل هذه الزيادة الوضع على الحدود مع بيلاروسيا، واستخدام الهجرة في عملية "مختلطة تستهدف الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي" حسب تقرير فرونتكس، وكان السوريون هم الجنسية الأكثر عبورا بشكل غير نظامي، يليهم التونسيون والمغاربة ثم الجزائريون (عبر طريق المتوسط) والأفغان.

عدد محاولات الهجرة غير النظامية على الحدود الأوروبية عام 2021 (الجزيرة)

على الحدود البرية الشرقية (بيلاروسيا) تم الكشف عن نحو 8 آلاف حالة عبور غير قانونية عام 2021، بزيادة أكثر من 10 أضعاف مقارنة بعام 2020، إذ بلغت الأرقام ذروتها في النصف الثاني من العام 2021.

وتركز ضغط الهجرة أولا على الحدود الليتوانية، وتحول لاحقا إلى الحدود البولندية اللاتفية بدرجة أقل.

وحسب إحصاءات منشورة في موقع الحكومة الليتوانية، عبر من بيلاروسيا إلى ليتوانيا 4337 مهاجرا غير نظامي حتى تاريخ 8 فبراير/شباط 2022، ومثّل العراقيون النسبة الكبرى منهم (2858 مهاجرا)، والكونغوليون (203 مهاجرين)، والسوريون (179 مهاجرا)، والأفغان (101 مهاجر) ثم جنسيات أخرى، بينها يمنيون وجزائريون وتونسيون ومغاربة.

المهاجرون غير النظاميين الذين وصلوا إلى ليتوانيا حسب العمر والجنس (2021)

وعلى الخط البولندي، سجل حرس الحدود البولندي منذ بداية 2021 ما يقارب 40 ألف محاولة عبور غير قانوني للحدود مع بيلاروسيا.

وتظهر البيانات أنه كان هناك 1700 محاولة عبور غير قانونية في ديسمبر/كانون الأول 2021 مقابل 8900 محاولة في نوفمبر/تشرين الثاني.

وسجّل أكتوبر/تشرين الأول 17 ألفا و900 محاولة عبور، وهي الحصيلة الأعلى، مقابل 7700 في سبتمبر/أيلول، و3500 في أغسطس /آب.

ورغم تراجع عدد العابرين في بداية 2022 بفعل عوامل مختلفة، أهمها الشتاء القارس وقيود كورونا -خصوصا إيقاف الرحلات من بلدان الشرق الأوسط للعراقيين والسوريين واليمنيين- فإنه في يناير/كانون الثاني 2022 كانت هناك بالفعل أكثر من ألف محاولة عبور غير قانونية من بيلاروسيا إلى بولندا، معظمهم من العراقيين والسوريين حسب دائرة الحدود البولندية.

في عام 2021 سجلت السلطات الألمانية وصول أكثر من 11 ألف مهاجر وطالب لجوء إلى البلاد عبروا بشكل غير نظامي، معظمهم انطلاقا من بيلاروسيا عبر بولندا، وشكلت الحدود البولندية الألمانية النقطة الساخنة في مسار هذه الهجرة التي سلكها آلاف العرب، بينهم اليمني غمدان العولقي.

تطور أعداد المهاجرين غير النظاميين العابرين من بيلاروسيا إلى ليتوانيا (الجزيرة)
رحلات الطيران الرئيسية بين مدن الشرق الأوسط ومينسك بين أبريل/نيسان ونوفمبر/تشرين الثاني 2021 (الجزيرة)
(الجزيرة)

الفخ البيلاروسي

"إنها حرب قذرة بين البولنديين وبيلاروسيا نحن سلاحها" يقول الشاب اليمني غمدان العولقي (27 عاما) الذي كان يختبئ وقت حديثنا معه أول مرة في إحدى الشقق السكنية في مينسك خوفا من الترحيل إلى سوريا أو اليمن بعد 4 تجارب فاشلة في العبور إلى بولندا وليتوانيا.

قضى غمدان 25 سنة لاجئا في سوريا منذ أن فر والده الضابط في الجيش إليها عام 1996، وما إن سمع بالطريق البيلاروسي وتسهيلات التأشيرة والسفر حتى أتم الإجراءات واتفق مسبقا مع مهرب يدعى "أبو جبل"، لتهريبه من بولندا إلى ألمانيا مقابل 2500 يورو (نحو 2860 دولارا)، وغادر من مطار دمشق الدولي عبر طيران "أجنحة الشام" إلى مينسك في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

بمجرد وصول غمدان ورفاق له إلى الحدود البيلاروسية البولندية وضعهم أحد أفراد حرس الحدود مع آخرين في شاحنة عسكرية وتحرك بهم إلى منطقة حدودية مع بولندا ورفع السلك الشائك وأمرهم بالعبور، وكان عليهم تجاوز النهر ثم الغابة مشيا لمسافة 4 كيلومترات مع ملابس مبتلة حتى نقطة التحميل، وهي مكان الالتقاء المتفق عليه مع المهرب وفق خدمة "جي بي إس" (GPS).

في تلك الأجواء القارسة البرودة أصيب غمدان بحمى شديدة ولم يستطع إكمال الرحلة، فمكث في الغابة يوما ونصف يوم حتى جاء 25 من المهاجرين العابرين بنفس الطريق فانضم إليهم، لكنهم لم ينجحوا في الوصول إلى مبتغاهم، إذ يقول "قبض علينا حرس الحدود البولندي رغم توسلاتنا ووضعنا في سيارة وعاد بنا إلى الحدود، وفتح السلك الشائك وأرغمنا على العبور إلى بيلاروسيا مجددا"، كانت هذه محاولة العبور الأولى الفاشلة لغمدان.

بعد العودة داخل بيلاروسيا وُضع الجميع في معسكر تابع لحرس الحدود البيلاروسي، وتُركوا دون طعام، وضُرب بقسوة كل من طلب العودة إلى مينسك كما يروي غمدان، وكان هناك العديد من السماسرة الذين يحومون حول المكان يستغلون تعب وإحباط العائدين ويطلبون ألفي دولار من كل راغب في الرجوع إلى مينسك.

في اليوم الثاني أجبر حرس الحدود البيلاروسي غمدان ومن معه على الاستيقاظ في الثانية صباحا، ووضعوا مرة أخرى في شاحنة توجهت بهم إلى نقطة حدودية أخرى، وفتح لهم السلك الشائك للعبور إلى بولندا.

"ظللت أمشي 4 أيام مع أسرتين عراقيتين داخل الغابات البولندية، لكن تم إلقاء القبض علينا قبل 1.5 كيلومتر من نقطة التحميل المفترضة"، ووضع الجميع في مخيم أقرب إلى السجن.

تم التحقيق مع غمدان أكثر من مرة، للاشتباه في كونه دليلا (ريبري) للعائلتين اللتين كان يتحرك معهما، ("الريبري" هو الشخص الذي يعرف الطرق وسط الغابات جيدا، ويستخدمه المهربون لإرشاد وقيادة المهاجرين إلى نقاط التحميل).

بعد ذلك اُقتيد غمدان مع عائلات -بينها أطفال- إلى الحدود البيلاروسية، وفتح حرس الحدود البولندي لهم السياج ليعودوا أدراجهم إلى بيلاروسيا، كانت هذه المحاولة الثانية.

جنود ليتوانيون يضيفون رزمة من الأسلاك الشائكة على حدود بلادهم مع بيلاروسيا (رويترز)
Migrant crisis on the Belarusian-Polish border
مهاجرون غير نظاميين على الحدود البيلاروسية البولندية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 (رويترز)

داخل بيلاروسيا تم اقتياد الجميع إلى معسكر حرس حدود، حيث تعرضوا للضرب وسلبت منهم أموالهم وهواتفهم، ثم وُضعوا ليلا في حافلات توجهت بهم هذه المرة إلى الحدود مع ليتوانيا، مع تهديد صارم بمعاقبة كل من يحاول التراجع.

كان غمدان هذه المرة شاهدا على واحدة من أكبر المآسي الإنسانية التي حدثت للمهاجرين، فبعد أن وفر البيلاروسيون قاربا مطاطيا لجمع من المهاجرين -وبينهم زوجان كرديان مع طفلهم ذي الأربعة أعوام- سقط الطفل في المياه شديدة البرودة ولم يتمكنوا من إنقاذه "إذا كانت أوروبا أو ألمانيا نفسها أمامنا في هذه اللحظة فلن نتحرك.. الموت له وقع".

ومع هول الفاجعة وصل حرس الحدود الليتواني ليعيدهم إلى بيلاروسيا، كانت هذه المحاولة الثالثة التي انتهت بمأساة.

في المرة الرابعة، أعطاهم حرس الحدود البيلاروسي قطاعة السلك الشائك وأمرهم بالعبور إلى بولندا، وهناك قوبلوا برش رذاذ الفلفل والماء والضرب من قبل من حرس الحدود البولندي، بعدها قرر غمدان العودة إلى مينسك، وتلقى ضربا مبرحا حين علم أفراد الحدود البيلاروسي بذلك.

"رأيت عائلات تبكي الدم على أولادها في هذا الطريق، هؤلاء تم خداعهم من قبل المهربين بأنهم سيمشون كيلومترات قليلة ليصلوا إلى الجنة المنشودة حيث الاستقرار والحياة السعيدة".

عندما تواصلنا مع غمدان مرة أخرى أخبرنا أنه تقدم إلى السلطات البيلاروسية بطلب لجوء، فقامت بتسجيل طلبه وإرساله إلى مركز للاجئين في مدينة "جومل" على الحدود البيلاروسية الأوكرانية.

يخاف غمدان من ترحيله إلى سوريا أو اليمن "في الوقت الحالي العودة إلى اليمن تعني قتلي، ولكنه قتل سريع أفضل من هذا الموت البطيء.. أرجع سوريا؟ أنا هارب من سوريا، أهل سوريا هربوا منها".

تواصلنا مع مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فأفادت بأنها على علم بالتقارير حول الانتهاكات على الحدود ولكن لا يمكنها تأكيدها أو التحقق من المعلومات على اعتبار وجودها المحدود في بيلاروسيا وعدم إمكانية الوصول المنتظم غير المقيد إلى المناطق الحدودية، كما أشارت إلى تلقيها تقارير تفيد بأن الناس يواصلون محاولة عبور الحدود مع الاتحاد الأوروبي، خاصة بولندا.

مهاجرون غير نظاميين على الحدود البيلاروسية البولندية (الفرنسية)

نعيم المهربين وجحيم المهاجرين

استثمر المهربون تسهيل بيلاروسيا إجراءات السفر إليها لاستغلال الراغبين في الهجرة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي من بلدان الشرق الأوسط.

مهاجر غير نظامي يحمل ابنته على الحدود البيلاروسية بانتظار عبور الحدود إلى بولندا (الفرنسية)
مهاجر غير نظامي يحمل ابنته على الحدود البيلاروسية بانتظار عبور الحدود إلى بولندا (الفرنسية)

ما إن سمحت بيلاروسيا لمواطني الشرق الأوسط القدوم إلى أراضيها من أجل السياحة بتسهيلات في إجراءات التأشيرة حتى أعلنت مكاتب السفر في العديد من الدول والعواصم العربية عن توفر برامج السفر السياحي إلى بيلاروسيا الذي وصل في بعض المكاتب إلى 3 آلاف دولار للفرد الواحد.

تبرر العديد من وكالات السفر في العديد من العواصم العربية عملها بأنها توفر التأشيرات السياحية لزبائنها بطريقة نظامية، وهي ليست مسؤولة عن نوايا هؤلاء وتوجههم بعد ذلك للهجرة غير النظامية عبر بيلاروسيا.

يمثل العراقيون النسبة الكبرى للمهاجرين العابرين أو الراغبين بالعبور عبر بيلاروسيا إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، ويقول وكيل وزارة الهجرة والمهجرين العراقية الدكتور كريم النوري إن "من حق المواطن الذي يمتلك جوازا السفر، لكننا لسنا مسؤولين عن العراقي الذي يستغل تأشيرة دخول بلد ما ليسلك طريق الهجرة غير الشرعية كما يحصل مع العراقيين في بيلاروسيا، حيث توجد مافيات تتغاضى عنها السلطات من أجل استخدام العراقيين كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي".

أوقف العراق الرحلات المباشرة من بغداد إلى مينسك بعد التنسيق مع الاتحاد الأوروبي كبادرة حسن نوايا، كما أغلق القنصلية الفخرية لبيلاروسيا في بغداد وأربيل حتى لا يحصل العراقيون على تأشيرة دخول إلى بيلاروسيا، كما أعادت بغداد نحو 3500 مواطن عراقي -أغلبهم من إقليم كردستان- لم يتسن لهم العبور، ومروا بتجارب قاسية كتلك التي حصلت لحيدر كمال و"أم زمرد".

جثة زوجة حيدر ممددة على الأرض بعد وفاتها خلال العبور إلى بولندا (الجزيرة)

مآس على الحدود

أمام التهديد بالقتل الذي واجهه حيدر كمال (45 عاما) من عناصر نافذة في الحكومة العراقية لم يكن أمامه سوى باب بيلاروسيا مفتوحا، فتوجه رأسا إلى مكتب سياحة في بغداد يسمى "نبع الجود" السياحي الذي وفر دعوة سياحية له ولزوجته وأبنائه الثلاثة تشمل برنامجا سياحيا كاملا مقابل 7200 دولار ذهابا فقط، وغادر إلى مينسك في 9 سبتمبر/أيلول عبر طيران "فلاي دبي".

"في مينسك كان المهربون يأتون بأنفسهم إلى الفندق، وكنت أرى الكثير من المهاجرين يتعاملون معهم".

تواصل حيدر مع أحدهم ويحمل جنسية ليبية، وكان الاتفاق أن يأخذه وأسرته إلى الحدود البيلاروسية البولندية وأن يعطيه نقاط تحميل على الخريطة "جي بي إس" على بعد 3 كيلومترات داخل بولندا، لتأتي سيارة تابعة له تنقلهم إلى شقة في بولندا، ثم سيارة أخرى تنقلهم بعد يومين إلى ألمانيا مقابل 2500 يورو (نحو 2860 دولارا) للشخص الواحد.

لم يكن صعبا على حيدر وأسرته عبور الحدود البيلاروسية البولندية، فعناصر حرس الحدود أرشدوهم إلى الأماكن الخالية من نظرائهم البولنديين، فتحركوا داخل بولندا مع عائلة أخرى مشيا لنحو 3 كيلومترات في انتظار سيارة التحميل حتى حل الظلام، وفي هذه الأثناء كانت زوجة حيدر تشعر بالإرهاق وتشكو من آلام، فقرر الخروج من الغابة وتسليم نفسه إلى شخص مدني توقف بسيارته على أمل إبلاغ السلطات البولندية لإحضار الإسعاف ونقل زوجته إلى المستشفى.

حضر أفراد الجيش البولندي، لكنهم قاموا بإعادة حيدر وأسرته ومن معهم إلى الحدود البيلاروسية في منتصف الليل، ولم ينقلوا زوجته إلى المستشفى رغم التدهور الواضح لحالتها الصحية "ظللت أناشد حرس الحدود البولندي إسعاف زوجتي أثناء وجودنا في المنطقة الفاصلة بين البلدين دون جدوى، ازداد تدهور حالتها ثم توفيت بعدها بساعات فجرا على الحدود، حينها سقطت في نوبة من الصراخ".

بعدها رجع حيدر مشيا إلى الحدود البيلاروسية، واضعا جثة زوجته وأبنائه والأسرة العراقية المرافقة في مكان جانبي، ثم توجه إلى عناصر حرس الحدود البيلاروسي الذين رفضوا مساعدته ونقل جثة زوجته، وساوموه بقولهم "سوف نساعدك فقط عندما تقول إن البولنديين اعتدوا علينا بالضرب وقتلوا زوجتي".

حيدر كمال مع عائلته على الحدود البيلاروسية البولندية (الجزيرة)

رتب حرس الحدود البيلاروسي لإخراج فيلم يدين البولنديين في هذه الحادثة، وأجبر حيدر على تمثيله قائلا أمام الكاميرا إن حرس الحدود البولندي اعتدى عليهم، مما تسبب في وفاة زوجته "كنت مجبرا على ذلك لوجود أطفالي معي في الغابة مع جثة زوجتي، للأمانة لم يتعرض البولنديون إلينا بالضرب".

رجع حيدر إلى بيلاروسيا مع الجثة، وقامت القنوات البيلاروسية بتصوير ذلك والترويج لرواية تعرضهم للضرب من قبل البولنديين، وهو ما تسبب في اتهامات ومشاكل كثيرة مستمرة له في العراق -كما يقول- حين تصور أهل زوجته المتوفاة أنه قصّر في حمايتها من البولنديين.

بعد ذلك تم نقل حيدر وأطفاله إلى منطقة حدودية تسمى "غورودنا"، وهنا ازدادت المأساة، حيث تم وضعه في سجن ووضع الأطفال في حضانة، ثم بدؤوا في التحقيق معه حول عبور الحدود البيلاروسية ومقتل زوجته من قبل حرس الحدود البولندي، واستمرت التحقيقات على مدار أسبوع لساعات طويلة يوميا وفي أكثر من مركز شرطة.

"كان ذلك عذابا جسديا ونفسيا شديدا، في كل مركز شرطة أو زنزانة كان يطلب مني نزع ملابسي والتعرض لتفتيش مهين، كان ذلك احتقارا غير طبيعي للذات البشرية، لم يكن هناك شيء يسمى الإنسانية.. الإنسانية فقط للاستهلاك الإعلامي".

بعد انتهاء التحقيقات قررت السلطات البيلاروسية ترحيل حيدر مع أطفاله إلى العراق على متن الخطوط التركية بعد أخذ أمواله وهواتفه "لم أر أي دولة ترحّل شخصا على نفقته الخاصة، حتى رسوم التنقل بين مراكز الشرطة لإجراء التحقيقات معي كانوا يقتطعونها من أموالي، وكذلك أجرة السيارة التي أقلتني إلى المطار عند ترحيلي..".

بقيت قضية جثة زوجته معلقة لعدم وجود سفارة عراقية في مينسك، وبعد عناء استمر 12 يوما من وصوله إلى العراق توصل إلى شخص هناك أصدر له تفويض عبر السفارة العراقية في روسيا، ثم قام بشحن الجثة على نفقته الخاصة إلى بغداد، ويلخص حيدر تجربته القاسية هذه بالقول:

 "لعبة السياسة بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي هي من خدعتنا وتآمرت علينا ويتحمل البيلاروسيون مسؤولية خداعنا بنسبة 100%، كان حلمنا وهدفنا أن نؤمّن مستقبل أطفالنا، لكن هذا قدر الله معنا لا اعتراض عليه".

Refugees wait at Polish-Belarusian border
مهاجرون ينتظرون على الحدود البولندية البيلاروسية (وكالة الأناضول)

انتهاكات وتحرش جنسي

مثل آلاف العراقيين، حملت العراقية "أم زمرد" (29 عاما) آلامها وأحلامها وغادرت مع زوجها ورضيعتها من إسطنبول إلى مينسك بفيزا استخرجتها من مكتب بإسطنبول مقابل 1500 دولار للشخص الواحد.

لم يكن من الصعب الوصول إلى الحدود والدخول إلى بولندا بمساعدة حرس الحدود البيلاروسي، لكن إعادتهم من قبل البولنديين أغضبت حرس الحدود البيلاروسي فاعتدى أحدهم على زوجها بعقب بندقيته وهو يحمل الرضيعة، تقول "خفت على ابنتي فوقفت أمام زوجي لحمايته فانهال الجندي علي ضربا بغصن شجرة كان يحملها". حطم الجنود أيضا مستلزمات الرضيعة التي كان يحملها زوجها في حقيبة ظهر.

لم يكن الضرب وحده ما قام به الجنود البيلاروسيون، فقد كانت هناك عائلة أخرى مكونة من 5 أفراد تحاول العبور مع مع عائلة "أم زمرد"، بينهما بنتان إحداهما 16 عاما والأخرى 20 عاما تحرش بهما ضابط بيلاروسي بحجة تفتيشهن وهن يصرخن، في وقت أغمي فيه على الأب بعد نوبة سكري. لم تتحمل أم زمرد ذلك واندفعت لتخليص البنتين من الضابط الذي دفعها بعنف وكال لها الشتائم.

ظل الجميع في المنطقة عند السياج الفاصل تحت نظر البولنديين والبيلاروسيين مدة طويلة، وتحت التهديد بالقتل من قبل أحد الضباط البيلاروسيين طلبت "أم زمرد" من أحد الجنود مساعدتهم في العودة إلى مينسك، فاشترط الحصول على مبلغ قدره ألف دولار عن كل عائلة، خفّضه لاحقا بعد طول توسل له إلى 500 دولار، وفي الصباح اتصل الجندي بسيارة، وكان عليهم المشي مدة ساعة للوصول إليها ومن ثم الوصول إلى مينسك.

مهاجرون على الحدود البيلاروسية البولندية (وكالة الأنباء الأوروبية)

مينسك.. نقطة الانطلاق

عشرات آلاف المهاجرين العرب وصلوا إلى مينسك عام 2021 في طريقهم إلى بلدان الاتحاد الأوروبي

Iraqi migrants wait for evacuation flight at Minsk airport
مهاجرون عراقيون في مطار مينسك (رويترز)
مهاجرون عراقيون في مطار مينسك (رويترز)

في تقرير موثق له، يشير موقع "الملف" البيلاروسي المعارض الذي يُدار من بريطانيا أن فتح الحدود للمهاجرين من الشرق الأوسط وآسيا كان مخططا له من قبل السلطات البيلاروسية، وقد أسهمت شركات السفر الحكومية البيلاروسية ووكالات أسفار بدور كبير في تنفيذه.

وثقت مجموعة الإنقاذ الموحد -منظمة تعنى بالمهاجرين واللاجئين مقرها ألمانيا وتعمل على الحدود مع بيلاروسيا- التدفق الكبير للمهاجرين من بيلاروسيا إلى حدود الاتحاد الأوروبي، ويؤكد مؤسسها إيهاب الراوي أن السلطات البيلاروسية ترفض السماح للمهاجرين بالعودة إلى مينسك أو إعطائهم المساعدة الطبية، ويشير إلى أن مهاجرين أخبروا المنظمة بأن حرس الحدود البيلاروسي يطلب منهم "العبور إلى بولندا أو الموت على الحدود".

منذ مارس/آذار وأبريل/نيسان عام 2021 كان أغلب الواصلين إلى بيلاروسيا من العراقيين، ومنذ سبتمبر/أيلول انضم السوريون بكثافة إلى قائمة المسافرين، حيث قامت شركة "أجنحة الشام" للطيران السورية في ذلك الوقت ببرمجة رحلات شبه يومية من دمشق إلى مينسك، كان الشاب السوري زيد إدريس (44 عاما) على متن إحداها.

بعد محاولتين فاشلتين في الهجرة بحرا عبر تركيا في شهر أغسطس/آب 2021 غيّر زيد وجهته صوب خط بيلاروسيا الذي كان قد ذاع صيته، فعاد إلى دمشق ليجد أن شركة "أجنحة الشام" توفر برنامج سفر متكامل إلى بيلاروسيا، يشمل التأشيرة ورحلة والطيران وإقامة فندقية لمدة 10 أيام مقابل 4 آلاف دولار.

تواصل زيد ورفاقه أولا مع مهرب عراقي يسمى "أبو راشد" وتم الاتفاق على 2500 يورو (نحو 2860 دولارا) لإيصالهم من بولندا إلى ألمانيا. تم "تشييك" (إيداع) المبلغ في مكتب تأمين "حفتارو" بإسطنبول الذي يحصل على عمولة بقيمة 100 يورو (نحو 112 دولارا).

بعد وصولهم إلى مينسك تحولوا مباشرة إلى الحدود، وساعدهم حرس الحدود البيلاروسي على العبور. كان عليهم الوصول إلى نقطة التحميل التي حددها "أبو راشد" في بولندا لكن تم إرجاعهم، فتعرضوا للضرب والإهانة من قبل حرس الحدود البيلاروسي، خصوصا عندما عبّروا عن رغبتهم في العودة إلى مينسك، خاطبهم الضابط البيلاروسي بحدّة:

 "ممنوع العودة وإلا ستضربون بالنار. البولنديون هم من ضربوكم وليس نحن، يجب أن تخبروا الجميع بذلك. تعيشون أو تموتون هنا أو تذهبون إلى بولندا أنتم أحرار، لكن لا مجال للعودة".

وضعهم حرس الحدود البيلاروسي في شاحنة وتوجهوا إلى نقطة حدودية أخرى ثم عبروا إلى بولندا، حينئذ تواصلوا مع مهرب آخر سوري الجنسية يدعى "أبو الوليد" طلب منهم 2500 يورو (نحو 2860 دولارا) ليوصلهم إلى ألمانيا، اتصل زيد بصديق له طلب منه التواصل مع مكتب "حفتارو" في إسطنبول حيث أودعوا مبالغ التأمين وتغيير "التشييك" إلى اسم المهرب "أبو الوليد"، وتم ذلك مقابل 100 يورو إضافية (نحو 112 دولارا).

كانت السيارة التي نقلت زيد ورفاقه من غابات بولندا إلى ألمانيا تحمل لوحات سويدية يقودها سائق سوري من أصل فلسطيني، ويقول زيد "ذكر لنا السائق أنه يقود ألفي كيلومتر كل يومين، ويمكن أن يقوم برحلة يوميا حسب التكليف من المهرب، ولكل مهرب سيارات يتعامل معها لنقل زبائنه". وصل زيد لاحقا إلى بلجيكا، حيث يقيم في أحد مراكز اللجوء بانتظار تسوية أوضاعه.

شركات وكيانات ضالعة

في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2021 فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على أشخاص وكيانات زعم أنها متورطة في إحضار اللاجئين إلى مينسك للعبور إلى أوروبا.

مهاجرون يتجمعون على الجانب البيلاروسي من الحدود مع بولندا (الأوروبية)
مهاجرون يتجمعون على الجانب البيلاروسي من الحدود مع بولندا (الأوروبية)
إعلان على فيسبوك لإيصال المهاجرين من بيلاروسيا إلى ألمانيا (الجزيرة)

تشير التقارير إلى أن الزيادة في تدفق المهاجرين ارتبطت في البداية بعقوبات الاتحاد الأوروبي ضد نظام الرئيس ألكسندر لوكاشينكو بعد أزمة الهبوط الاضطراري لطائرة "ريان أير" (الخطوط الأيرلندية) في مينسك في 23 مايو/أيار 2021 جراء بلاغ كاذب بوجود قنبلة خططت له مينسك لاعتقال المعارض رومان بورتاسيفيتش.

وبتعقب تواتر رحلات المهاجرين نجد أن المهاجرين بدؤوا الوصول إلى الحدود مع الاتحاد الأوروبي قبل أسابيع من اختطاف الطائرة، لتتسارع حركة السفر من بلدان الشرق الأوسط على نحو مطرد في الأشهر اللاحقة، وتبلغ ذروتها في الأشهر بين أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني شاركت فيها وكالات أسفار وخطوط طيران عدة.

كان الرئيس لوكاشينكو قد أعلن صراحة أنه لا يعتزم منع أي شخص من عبور الحدود، وأن دول الاتحاد الأوروبي ستسعد بالقوى العاملة القادمة إليها، في حين تحدثت حكومة ليتوانيا عن "حرب هجينة" على بلدها والاتحاد الأوروبي بأكمله، واتهم الاتحاد نظام لوكاشينكو باستخدام اللاجئين كسلاح ضد الاتحاد، ووصفت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تصرفات لوكاشينكو بأنها "هجوم علينا جميعا في الاتحاد الأوروبي".

إعلان على فيسبوك لتحميل المهاجرين إلى داخل بلدان الاتحاد الأوروبي (الجزيرة)

في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2021 فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على أشخاص وكيانات زعم أنها متورطة في إحضار اللاجئين إلى مينسك للعبور إلى أوروبا، ومن بين من شملتهم العقوبات:

-شركة الطيران البيلاروسية الحكومية (Belavia): قرر الاتحاد الأوروبي فرض حظر على التحليق فوق المجال الجوي للاتحاد وعلى وصول جميع شركات النقل الجوي البيلاروسية إلى مطارات الاتحاد، حيث إن "بيلافيا" شاركت في جلب المهاجرين من الشرق الأوسط إلى بيلاروسيا. كان المهاجرون الراغبون في عبور الحدود الخارجية للاتحاد يسافرون إلى مينسك على متن رحلات جوية تديرها شركة بيلافيا من عدد من دول الشرق الأوسط، ولا سيما لبنان والإمارات العربية المتحدة وتركيا.

ومن أجل تسهيل ذلك، فتحت بيلافيا طرقًا جوية جديدة ووسعت عدد الرحلات الجوية على الطرق الحالية. عمل منظمو الرحلات السياحية المحليون كوسطاء في بيع تذاكر بيلافيا للمهاجرين المحتملين، وذلك ساعد بيلافيا على البقاء بعيدًا عن الأنظار، لذا يرى الاتحاد الأوروبي أن بيلافيا تسهم في أنشطة نظام لوكاشينكو التي تسهل العبور غير القانوني للحدود الخارجية للاتحاد.

ووفقًا لشركة الاستخبارات الجوية "ch-aviation"، أجّرت شركة بيلافيا 17 طائرة من بين 30 طائرة في أسطولها عبر شركات طائرات في أيرلندا، وهي عميل لشركات تأجير طائرات دولية مقرها في أيرلندا، بما في ذلك "AerCap" و"SMBC Aviation Capital "، وهذه الشركات لديها مكاتب في دبلن، و"Nordic Aviation Capital" ومقرها ليمريك وكذلك شركة "Thunderbolt Aircraft Lease" ومقرها مدينة شانون.

-تشينتركرورت (TSENTRKURORT): هي شركة سياحية مملوكة للدولة وتتبع وزارة الشؤون الرئاسية في بيلاروسيا، وهي إحدى الشركات التي تنسق تدفق المهاجرين الذين ينوون عبور الحدود بين بيلاروسيا والدول الأعضاء في الاتحاد. ساعدت هذه الشركة ما لا يقل عن 51 مواطنًا عراقيًّا في الحصول على تأشيرات لزيارتهم إلى بيلاروسيا، ووقعت عقدًا لخدمات النقل مع شركة "Stroitur" البيلاروسية التي تقدم خدمة تأجير الحافلات مع السائقين. كانت الحافلات التي حجزتها "Tsentrkurort" تنقل المهاجرين، بمن فيهم الأطفال، من مطار مينسك إلى الفنادق.

-أوسكار تور (Oscar Tour): شركة سياحة بيلاروسية مقرها مينسك، سهلت الحصول على التأشيرات للمهاجرين القادمين من العراق ونظمت سفرهم اللاحق إلى بيلاروسيا عن طريق الرحلات الجوية من بغداد إلى مينسك. وقد نُقل هؤلاء المهاجرون العراقيون في وقت لاحق إلى الحدود البيلاروسية بهدف عبورهم بشكل غير قانوني.

بفضل "أوسكار تور" واتصالاتها مع الخطوط الجوية العراقية والسلطات البيلاروسية وشركة "Tsentrkurort" المملوكة للدولة تم إطلاق رحلات جوية منتظمة من بغداد إلى مينسك من قبل الناقل الجوي العراقي، من أجل جلب مزيد من الأشخاص إلى بيلاروسيا لعبور الحدود الخارجية بشكل غير قانوني، وشاركت "أوسكار تور" في مخطط عبور الحدود غير القانوني الذي نفذته أجهزة الأمن البيلاروسية والشركات المملوكة للدولة وفق تقارير الاتحاد الأوروبي.

شركة أجنحة الشام للطيران (Cham wings): هي شركة طيران سورية خاصة تعود ملكيتها لرجل الأعمال محمد عصام شموط وشريكه السابق رامي مخلوف (ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد)، وزادت الشركة عدد الرحلات الجوية من دمشق إلى مينسك منذ العاشر من سبتمبر/أيلول 2021 من أجل نقل المهاجرين إلى بيلاروسيا. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021 افتتحت أجنحة الشام مكتبين جديدين في مينسك حتى تتمكن من تنظيم الرحلات بين دمشق والعاصمة البيلاروسية، لكنها أوقفت رحلاتها إلى مينسك في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وفق موقع "فلاي رادار".

VIP Grub: هي شركة تقدم خدمة جوازات السفر والتأشيرات ومقرها إسطنبول في تركيا، وتنظم رحلات إلى بيلاروسيا بقصد واضح لتسهيل الهجرة إلى الاتحاد، وتعلن الشركة بنشاط عن الهجرة إلى الاتحاد، لذلك تسهم في أنشطة نظام لوكاشينكو التي تسهل العبور غير القانوني للحدود الخارجية للاتحاد، كما تفيد بيانات الاتحاد الأوروبي.

تشير الشهادات والمعطيات التي توصلنا إليها إلى أن السلطات البيلاروسية فتحت أبواب الرحلات المنظمة والفردية إلى بيلاروسيا، وحاولت إغراق الحدود المتاخمة لها بالمهاجرين، فقد كانت تسهل لهم العبور رغم المآسي الكثيرة التي وقعت لهم، وتقف أحيانا حائلا دون عدولهم عن الهجرة.

وتؤكد بيانات الرحلات الجوية أن تدفقا هائلا للمهاجرين شهدته خصوصا الفترة بين أبريل/نيسان ونوفمبر/تشرين الثاني، وأن مجموعة شركات طيران شاركت في هذا التدفق -من دون وجود ما يثبت تورطها في خطة بيلاروسية- عبر 1317 رحلة إلى مينسك حملت نحو 100 ألف راغب في الهجرة النظامية، إذا اعتبرنا أن كل رحلة كانت تحمل 80 مسافرا فقط بقصد الهجرة، في حين أن سعة معظم الطائرات تفوق 140 راكبا وسعة بعضها تبلغ 400 راكب.

استثمر المهربون المحترفون أيضا الخط البيلاروسي بشكل سريع وواسع لمراكمة أرباح طائلة، وحين بدا أن هذا المسار في تراجع عادت خطوط أخرى بينها تركيا واليونان إلى النشاط، ولمن يملك 12 ألف يورو (نحو 13 ألف دولار) يمكنهم توفير خدمة إيصال سريع إلى أي من بلدان الاتحاد الأوروبي بطرق بسيطة مثل "الجواز الشبيه"!

إشراف: زهير حمداني
فيديو وإنفوغراف: قسم الوسائط المتعددة

المصدر : الجزيرة