العلواني.. مفكر إسلامي وافته المنية في السماء

الشريعة والحياة - صحوة التوحيد .. أفكار الوحدة وتطبيقاتها - د. طه جابر العلواني - رئيس جامعة قرطبة 09/09/2012

مفكر إسلامي عراقي صاحب باع طويل في الفقه وأصوله، انشغل بالفكر الإسلامي والعقل المسلم وأزماته بناء وتجديدا. تعلم في العراق ومصر وانتقل إلى السعودية والولايات المتحدة تاركا وراءه إرثا فكريا وعلميا غزيرا متنوعا يجسد حصيلة اجتهاده، لكن الصفة الأثيرة التي كان حريصا عليها ويعرّف بها نفسه هي أنه "طالب علم".

المولد والنشأة
ولد طه جابر العلواني في 4 مارس/آذار 1935، في منطقة الحصوة بمدينة الفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار العراقية.

الدراسة والتكوين
تتلمذ العلواني على كبار علماء العراق في أربعينيات القرن العشرين، ثم واصل دراسته في الأزهر بمصر. حصل على الابتدائية من المدرسة الابتدائية للبنين في الفلوجة عام 1949، كما حصل على شهادة المدرسة الآصفيّة الدينية (المعهد الديني) في الفلوجة عام 1952.

حصل على الثانوية الأزهرية من القاهرة عام 1953، ثم حصل على الإجازة من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر عام 1959، ثم نال درجة الماجستير عام 1968، والدكتوراه من الكلية نفسها عام 1973 بمرتبة الشرف الأولى في تخصّص "أصول الفقه".

التوجه السياسي
حرص الرجل على أن تكون مكانته العلمية الأكاديمية والفكرية بمنأى عن تفاصيل مجريات السياسة اليومية في العالم العربي، ونأى بنفسه أن يستهلك وقته وعقله في التفاصيل.

لكن هذا لم يمنعه من أن يكون له رأي يمكن إسقاطه على كثير من الحالات، كالذي كتبه عام 2011 وقال فيه "يبدو أنّ العسكريين بطبيعتهم حين يحكمون ويدخلون في المجال السياسي يفضلون أن يُحكِموا السيطرة التامّة على كيانٍ محدد، بحيث لا يخرج عن قبضتهم شيء فيه أو منه".

وأضاف "العقليّة العسكريّة لدى الانقلابيين العرب لا تعرف إلا مبدأ القيادة والجنديّة، فمن تبوأ موقع القيادة فلا يرضى من الآخرين إلا أن يكونوا جنودًا فحسب، فلا مجال للشورى إلا إذا كانت تأييدًا ومباركة لما يراه القائد، فالجندي ليس له إلا أن ينفذ، وإذا كان لديه ما يقوله، فليقله بعد التنفيذ".

الوظائف والمسؤوليات
مارس العلواني التعليم الشرعي والوعظ والخطابة والكتابة منذ مطلع خمسينيات القرن العشرين، وتولى الخطابة والإمامة والتدريس في جامع "الحاجة حسيبة" الكائن في الكرادة الشرقية ببغداد.

عمل مدرسا في كلية الدراسات الإسلامية في بغداد، و مدرس دراسات إسلامية في الكلية العسكرية من عام 1964 حتى 1969، كما عمل مديرا لتحرير مجلة "الجندي" في التدريب العسكري عام 1963.

نظرًا لمعارضته لنظام حزب البعث، اضطر طه جابر العلواني إلى مغادرة العراق عام 1969 قاصدا السعودية، حيث عمل مستشارا قانونيا في وزارة الداخلية، وعمل أستاذ ثقافة إسلامية بمعهد ضباط الأمن العام في الرياض، وأستاذا للفقه والأصول في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود من عام 1975 حتى 1984.

التجربة العلمية
ظل في الرياض عشر سنوات، ثم قرر الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية للتفرغ مع مجموعة من زملائه للعمل الفكري ضمن برامج المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وكان عضوا مؤسسًا لمجلس أمناء المعهد منذ نشأته، كما رأس المعهد من عام 1988 إلى 1996.

عمل العلواني أستاذ كرسي الإمام الشافعيّ للفقه وأصوله والفقه المقارن في بجامعة قرطبة بفيرجينيا من 1997 حتى 2008، وترأس تلك الجامعة التي كان يطلق عليها اسم "جامعة العلوم الإسلاميَّة" منذ 2002 حتى 2006.

عمل العلواني أستاذا زائرا في العديد من جامعات الدول العربية والإسلامية، منها جامعة "القاضي عياض" بمدينة "مراكش"، وجامعة "بني ملال" بالمغرب ، و"جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية" بالجزائر، و"الجامعة الإسلامية العالمية" في كولالمبور بماليزيا، و"جامعة الجزيرة"  بالسودان، وجامعة "بروناي" بسلطنة بروناي، و"جامعة ستراسبورغ" بفرنسا، وجامعة "جورج تاون" في واشنطن.

وكان العلواني عضوا مؤسسا في اللجنة التنفيذيَّة لمجمع التقريب بين المذاهب، وشارك في دورات ومؤتمرات عديدة للمجمع.

كما كان عضوا في مجلس أمناء جامعة أفريقيا العالميَّة في السودان، وعضوا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة.

اهتمامات ومؤلفات
تنوعت اهتمامات العلواني وكتاباته العلمية، وضمت إلى جانب التخصص الأكاديمي في أصول الفقه، فقه الأقليات والأديان المقارنة والسنة النبوية وقضايا الفكر الإسلامي المعاصر، وخلف تراثا حافلا من المقالات والأبحاث والكتب.

ومن بين كتب العلواني المشهورة "الاجتهاد والتقليد في الإسلام، وأصول الفقه الإسلامي" و"أدب الاختلاف في الإسلام" و"إصلاح الفكر الإسلامي" و"خواطر في الأزمة الفكرية والمأزق الحضاري للأمة الإسلامية" و"الجمع بين القراءتين: قراءة الوحي وقراءة الكون"، و"التعددية: أصول ومراجعات بين الاستتباع والإبداع" و"حاكمية القرآن"، و"إسلامية المعرفة بين الأمس واليوم"، و"في فقه الأقليات المسلمة".

كما أن هناك عناوين أخرى له، من بينها "إصلاح الفكر الإسلامي" و"الأزمة الفكرية ومناهج التغيير" و"مقاصد الشريعة، الخصوصية والعالمية" و"أزمة الإنسانية ودور القرآن الكريم في الخلاص منها" و"لا إكراه في الدين: إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم" و"نحو التجديد والاجتهاد".

الوفاة
تفرغ العلواني في السنوات الأخيرة قبيل وفاته لتدبر القرآن الكريم ونشر فيه حوالي عشرة كتب، وثمانية أخرى تحت الطبع، لكن وافته المنية صباح الجمعة 4 مارس/آذار 2016، في سماء إيرلندا أثناء رحلته من القاهرة إلى واشنطن للعلاج، وشاء القدر أن يكون يوم وفاته هو يوم مولده.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية