قبائل التبو

الصراع بين قبيلتي التبو والطوارق في ليبيا
لا تُعرف أصول التبو على نحو دقيق وإن كان من المؤكد أنهم سكنوا منطقة الساحل الأفريقي منذ القدم (الجزيرة)
"التبو" مجموعة قبائل وعشائر بدوية ذات هوية زنجية عربية مختلطة، تسكن الصحراء الكبرى خاصة منطقة جبال تيبستي، وتمتهن تنمية المواشي، وتتألف من قبيلتين أساسيتين هما "التدَّا" و"الدازا"، ولكل منهما لغة خاصة مع تجانس كبير بين اللغتين في مخارج الحروف والمعاني.

العرق والموطن
لا تُعرف أصول التبو على نحو دقيق وإن كان من المؤكد أنهم سكنوا منطقة الساحل الأفريقي منذ القدم، وقد تحدث عنهم المؤرخ اليوناني هيرودوت ونسبهم إلى المجموعة الزنجية الإثيوبية أو الحبشية، وحدَّد مواطن سكنهم بما هي عليه الآن، أي من فزان في ليبيا مرورا بتشاد وصولا إلى النيجر، مع امتدادات محدودة في الدول المجاورة خاصة السودان وأفريقيا الوسطى.

ينتمي التبو إلى المجموعة الزنجية الأفريقية وهو ما يشهد به ملبسهم وتقاليدهم وطريقة عيشهم، وإن كان تأثرهم بالرافد العربي المتاخم لهم من الشمال لا تُخطئه العين، وتُعبر عنه عمائمهم البيض وتعلقهم بالإبل وبالصحراء وحياتها.

وقد شبه بعض المؤرخين الفرنسيين "التبو" في ازدواج هويتهم بقبائل "آيت باعمران" في جنوب المغرب الذين يعتبرهم جيرانهم في الجنوب (من عرب بني حسان وبني معقل) من الأمازيغ، في حين يعتبرهم الأمازيغ عربا. وكذلك التبو، يُصنفهم جوارهم الزنجي عربا وفي الآن نفسه يُصنفهم العرب زنوجا.

وعلى مستوى اللغة والتركيبة القبلية يتكلم التبو لهجتين أساسيتين هما "تدّاكا" نسبة إلى قبائل "التدَّا" وتتركز في شمال الصحراء الكبرى، و"دازاكا" نسبة إلى قبائل "الدازا" وأغلب مواطنها في جنوب الصحراء الكبرى على الحدود مع أفريقيا الوسطى.

وتتشابه اللهجتان إلى حد كبير وتشتركان في ميزات لسانية وصوتية كثيرة، كما يبدو فيهما التأثر بالروافد اللغوية والثقافية الزنجية والعربية والأمازيغية السائدة في المنطقة.

تتألف مجموعة التبو من نحو 50 عشيرة يُعتقد على نطاق واسع أن نحو نصفها وُلد من تمايُزات عشائرية نشأت بسبب النمو الديمغرافي للمجموعة، ولعوامل أخرى تتعلق بالتمدن والتحديث في المحيط السياسي والاجتماعي للمجموعة وهو الساحل الأفريقي. وتحصر دراسات اجتماعية أُنجزت في الحقبة الاستعمارية بطون التبو في 36 بطنا.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن تسمية "التبو" يعود شيوعها إلى الحقبة الاستعمارية الفرنسية، فقد لاقى الفرنسيون مقاومة شرسة منهم وكذلك من "الطوارق" و"الفُلّان"، على عكس المجموعات الزنجية الخالصة التي كانت في أغلبها مهادنة للحملات الاستعمارية بل حفية بها في أحيان كثيرة.

وتتركز مواطن سكن التبو حول جبال تبستي في شمال تشاد، ولهم امتدادات إلى الشمال بمنطقة فزان الليبية وجنوبا إلى صحراء تينيري بالنيجر وصولا إلى تخوم أفريقيا الوسطى، وشرقا إلى السودان، بل إن تجمعات منهم ظلت تعيش في مصر حتى عشرينيات القرن العشرين.

وبشكل عام يُمكن حصر مواطن التبو في مساحة تُقدر بمليون وربع مليون كيلومتر مربع توجد كلها في منطقة الصحراء الكبرى، مع الإشارة إلى أن كثافتهم في هذا الفضاء الفسيح ضعيفة جدا، فالإحصائيات المتوفرة تُقدرهم بـ400 ألف نسمة.

يمارس التبو الرعي والتنمية الحيوانية على نطاق واسع، ويُفسر ارتباطهم بقطعانهم فساحة المساحات التي يتحركون عليها بحثا عن الكلأ والماء. وقد نجد -في حالات نادرة- لدى بعض عشائر التبو أنشطة زراعية محدودة.

المسار التاريخي
عرفَ التبو الإسلام متأخرين نسبيا، ويعود الفضل في انتشار تعاليمه بينهم إلى أسرة السنوسيين الصوفية الشهيرة في منطقة الصحراء الكبرى وبرقة في شرق ليبيا. وهكذا ساد لديهم إسلام صوفي اختلط كثيرا مع التقاليد حتى بات يعسرُ التمييز بينهما.

وتتفق أغلبية الدراسات التي تناولت المجموعة على أن تقاليد "التيدا" تحديدا تحكم مناحي الحياة كلها تقريبا، وتبدو السمة البارزة للمنظومة القيمية والأخلاقية لمجموعات التبو.

قاوم التبو بشدة الاستعمار الفرنسي الذي غزا المنطقة مطلع القرن العشرين، ورفضوا الانخراط في مخططاته التعميرية الرامية إلى تثبيت السكان في تجمعات قروية ثابتة، وآثروا على ذلك ترحالهم الدائم بحثا عن الكلأ لقطعان ماشيتهم.

ويُفسر هذا الرفض ضعفَ اندماج التبو في الحياة السياسية التي نشأت في ظل الاستعمار، وانتهت إلى قيام الدول الوطنية في أفريقيا خلال ستينيات القرن العشرين.

ومع ذلك، فقد تمكنوا لاحقا من المساهمة في المسار السياسي لبعض الدول الناشئة، خاصة تشاد التي حكمها اثنان من التبو هما كوكوني وداي (1979-1981) وحسين حبري (1981-1990)، كما أنَّ قيادات سياسية منهم يعود لها الفضل في تأسيس جبهة "فرولينا" التي قادت التمرد على أول رئيس لتشاد (وهو فرانسوا تومبال باي)، إثرَ قمعه انتفاضة المنمّين في منطقة مانغالمي سنة 1965.

تعيش مجموعات التبو في ظل الدول الوطنية المنبثقة عن الحقبة الاستعمارية، لكن لا تزال مشاركتها ضعيفة في الحياة السياسية، ونسبة التمدن والتقري في صفوف التبو ضعيفة للغاية، مع العلم بأن التمدن في عمومه ضعيف في هذه المنطقة المصنفة ضمن مناطق العالم الأشد فقرا.

ومع ذلك، شارك التبو في عمليات "تمرد" بعدد من الدول "طلبا للإنصاف والعيش الكريم"، ومن أمثلة ذلك مشاركتهم في حركات مناوئة لأنظمة الحكم في تشاد والنيجر.

وفي ليبيا، أقدم نظام العقيد معمر القذافي على تجريد التبو من جنسياتهم ومنعهم من التعليم والصحة بذريعة أنهم تشاديون، على الرغم من أنهم يعتبرون أنفسهم "ليبيين" ويحتفظون بمستندات ثبوتية القديمة. وإثر ذلك تمردوا عام 2008 فسحقهم جيش القذافي في مناطقهم بجنوب البلاد وخاصة منطقة الكفرة.

ومع اندلاع الثورة الليبية على نظام القذافي في فبراير/شباط 2011، انخرط التبو على نطاق واسع في قتال النظام حتى أسقِط من سدة الحكم. وفي السنوات اللاحقة، دخلوا في مواجهات عنيفة مع بعض جيرانهم من القبائل العربية بمنطقة الكفرة.

كما شهدت مدينة أوباري في أكتوبر/تشرين الأول 2014 قتالا بين التبو والطوارق استمر عامين، وسقط بسببه عشرات القتلى والجرحى ونزح عن المدينة قرابة 80% من سكانها. وانتهى هذا الاقتتال بتوقيع اتفاق الدوحة بين قبائل التبو والطوارق يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بوساطة من دولة قطر.

المصدر : الجزيرة