التركمان.. قومية عراقية عارضت استفتاء كردستان
التركمان هم ثالث أكبر قومية في العراق بعد العرب والأكراد، يتحدثون اللغة التركية بلهجة محلية، كما يتحدثون العربية، تدين الغالبية بالإسلام، عانوا اضطهادا لفترات طويلة خاصة في القرن العشرين، ورفضوا استفتاء انفصال إقليم كردستان في سبتمبر/أيلول 2017.
التاريخ
التركمان أو أتراك العراق، هم ثالث أكبر قومية في العراق بعد العرب والأكراد، يعيشون في بلاد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا) منذ أكثر من 1000 عام، وتشير المصادر التاريخية إلى أن وجود التركمان في أرض العراق جاء مع الفتح العربي الإسلامي، وكان أول دخولهم العراق سنة 54 هجرية، إلا أن بعض المصادر الأخرى ترجع وجودهم إلى أقدم من هذا التاريخ بكثير.
يتحدث أغلب التركمان اللغة التركية بلهجة محلية، والفرق بينها وبين التركية الإسطنبولية كالفرق بين اللهجة العربية العراقية والسورية، كما أن هناك عددا كبيرا من التركمان يتحدثون العربية ولا يجيدون التركمانية بحكم سكنهم في المناطق العربية، كالعاصمة بغداد وبعض المناطق في وسط وجنوب البلاد.
يقطن التركمان في منطقة "توركمن إيلي"، وهي على شكل خط فاصل بين المنطقة الكردية في أقصى شمال العراق والمناطق العربية في الوسط والجنوب، مرورا بمحافظة "نينوى"، ومدينة أربيل التي تعد من أقدم مراكز الاستيطان للتركمان، وكركوك مدينتهم التاريخية، وفي طوزخورماتو وآمرلي وينكجة سليمان بيك وقرى البيات في محافظة صلاح الدين، وقضائي كفري وخانقين، ونواحي قره تبه، وجلولاء (قره غان) والسعدية (قزلرباط) ومندلي وقزانية والمنصورية بمحافظة ديالى، وفي محافظة الكوت، إلى جانب وجود عدد كبير من التركمان في العاصمة بغداد.
عدد السكان
ظل عدد التركمان سرا من الأسرار، وفي طي الكتمان لدى السلطات في العراق، حيث دأبت الحكومات العراقية المتعاقبة على إظهار عدد التركمان بنسبة ثابتة لا تتغير وهي 2% وهي لا تمت إلى الواقع بصلة، حسب كثير من المتابعين.
ومورست بحق التركمان عمليات صهر قومي وسياسة اضطهاد ممنهجة، إلا أن كثيرين منهم ما زالوا يحافظون على لهجتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وتشير التقديرات غير الرسمية إلى أن عدد التركمان في العراق يتجاوز 2.5 مليون، في حين تقدر مصادر تركمانية عددهم بنحو 3.5 ملايين، ولا يوجد إحصاء محايدة عن عددهم في العراق، وهو حال مع كل القوميات والأديان في البلاد.
الديانة
تدين الغالبية العظمى من التركمان بالدين الإسلامي، حيث ينتمون إلى المذهبين السُني والشيعي، حسب مصادر تركمانية، إذ يوجد في العشيرة الواحدة وأحيانا في الأسرة الواحدة أفراد من كلا المذهبين، كما أن هناك بضعة آلاف من التركمان المسيحيين يقطنون كركوك.
ويحظى تركمان العراق بنسبة عالية من المتعلمين، فمنهم الآلاف من الأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين والإداريين والضباط والأكاديميين، فهم يهتمون بتعليم أبنائهم وبناتهم وضرورة إكمالهم الدراسة الجامعية.
معاناة
تعرض التركمان للعديد من المجازر كان أهمها مجزرة كركوك عام 1924 على يد البريطانيين، ومجزرة "كاورباغي" سنة 1946 خلال إضراب عمالي عام لمنتسبي شركة نفط العراق في كركوك، ومجزرة كركوك 1959 على يد الشيوعيين، ومجزرة "ألتون كوبري" سنة 1991 على يد نظام صدام حسين.
مورست بحق التركمان سياسة "تعريب إقصائية" من قبل الحكومات المتعاقبة، كان أشدها في زمن نظام البعث، حيث طُبقت بحق التركمان سياسة "تصحيح القومية"، التي أجبر على إثرها كثير من التركمان على تغيير قوميتهم إلى العربية، وأقدمت السلطات العراقية على تغيير الواقع السكاني للمناطق التركمانية، وتغيير وحداتها الإدارية، واستبدال أسماء المدن والبلدات والقرى والأحياء من أسمائها التركمانية الأصلية إلى أسماء عربية ذات دلالات بعثية.
كما صادرت الحكومة آلاف الدونمات من أراضيهم ووزعتها على العوائل العربية التي جلبت من الجنوب، وأيضا استملاك أراضيهم أو مصادرتها باسم قانون الإصلاح الزراعي.
وعلى إثر إسقاط نظام صدام حسين على يد الغزو الأميركي عام 2003 تعرض التركمان للإقصاء والتهميش، واستبعدتهم الولايات المتحدة الأميركية والقوى السياسية العراقية الأخرى، عن إدارة الدولة العراقية، وجرى إضعاف دورهم في العملية السياسية، وتعرضت المناطق التركمانية لتغيير ديمغرافي جديد، بحجة إعادة المرحلين.
التركمان وتنظيم الدولة
بعد سقوط النظام في 2003 شنت خلايا تابعة لتنظيم القاعدة وأخرى لتنظيم الدولة الإسلامية سلسلة هجمات دامية استهدفت المناطق التركمانية بشكل خاص، حيث سقط آلاف الضحايا من أبناء المكون التركماني بين قتيل وجريح.
واستخدمت تلك التنظيمات انتحاريين وسيارات وشاحنات محملة بالمتفجرات، كتلك التي وقعت في مدن آمرلي وتازة خورماتو وقزلرباط وتلعفر وكركوك، وشهد قضاء طوزخوماتو أعنف الهجمات بشكل شبه يومي.
وطالت عمليات الاغتيال عددا من القادة والمسؤولين والأطباء التركمان في كركوك والموصل وطوزخورماتو، إلى جانب عمليات خطف لأبناء المكون لأخذ الفدية منهم، وأحيانا يجري قتل المخطوفين وإلقاء جثثهم على جانب الطرقات دون أن تتمكن السلطات العراقية من تحديد هوية تلك الجهات ووقفها.
وأمام هذا الواقع، قال النائب العراقي توران "نخشى أن يأتي يوم يقال فيه كان في العراق تركمان".
مطالب التركمان
يطالب التركمان في العراق بالحصول على كامل حقوقهم وضرورة مشاركتهم في إدارة الدولة العراقية، وتسلمهم مناصب سيادية، وضرورة ممارسة حقوقهم الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية، وإزالة الغبن والتهميش وآثار سياسات التعريب التي مورست بحقهم، واستعادة أراضيهم، وتعليم أبنائهم بلغتهم الأم.
كما يطالبون أيضا بتحويل قضاءاتهم الكبيرة مثل تلعفر وطوزخورماتو وخانقين إلى محافظات، وعدم تكرار التجاوزات على أراضيهم وممتلكاتهم وتاريخهم العريق في بلاد وادي الرافدين، وتغيير مفردات كتب التاريخ في مناهج الدراسة التي تعتبر دولهم عبر التاريخ احتلالا.
رفض الاستفتاء
وفي 29 مارس/آذار 2017، عبرت الجبهة التركمانية عن رفضها لقرار مجلس محافظة كركوك رفع علم كردستان بجانب العلم العراقي على جميع المؤسسات والدوائر الحكومية، ووصفت القرار بأنه "مخالفة دستورية ترتكبها إدارة المحافظة، لأن كركوك ليست جزءا من الإقليم، وهي محافظة غير مرتبطة بإقليم كردستان بل مرتبطة بالمركز".
كما انتقد أرشد الصالحي رئيس الجبهة التركمانية النائب عن محافظة كركوك في 27 أبريل/نيسان 2017، التغيير الديمغرافي الذي يجري في كركوك، وقال إنه "أصبح شيئا لا يطاق"، متهما السلطات الكردية في المحافظة بالعمل على تغيير التركيبة السكانية.
وقال الصالحي في بيان إن تعداد سكان محافظة كركوك كان قبل عام 2003 يبلغ 850 ألفا، أما الآن فقد بلغ مليونا و650 ألف نسمة.
وعارض التركمان استفتاء انفصال إقليم كردستان الذي جرى يوم 25 سبتمبر/أيلول 2017، وأن يشمل محافظة كركوك والمناطق الأخرى التي يعيش فيها التركمان.
وقبل يوم من الاستفتاء، قال رئيس الجبهة التركمانية في مؤتمر صحفي "إن الجبهة لن تعترف بنتائج الاستفتاء المخالف للدستور".
وحسب المفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء في كردستان العراق، فإن أكثر من 92% من الناخبين الأكراد صوتوا بـ"نعم" في الاستفتاء على انفصال الإقليم المتمتع بحكم ذاتي منذ عام 1991 عن العراق.