اتفاقيات مدريد بشأن الصحراء الغربية

In this Saturday, Sept. 7 , 2013 picture, riders on camels perform before the start of the traditional Fantasia at the Moussem festival in Tan Tan, southern Morocco. The UNESCO-sponsored festival is a gathering of thousands nomads from Morocco. The Festival did not take place for 30 years before 2004 due to political conflict in Western Sahara. (AP Photo/Abdeljalil Bounhar)
اتفاق مدريد وقعته إسبانيا والمغرب وموريتانيا يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 وأنهى الاستعمار الإسباني للصحراء الغربية (أسوشيتد برس)

اتفاق وقعته إسبانيا والمغرب وموريتانيا يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 أنهى الاستعمار الإسباني لـالصحراء الغربية، وتم بموجبه تقاسم الإقليم بين المغرب وموريتانيا.

السياق
مع مطلع سبعينيات القرن العشرين، بدأت المؤشرات تتواتر بقربِ نهاية حقبة الجنرال فرانكو في إسبانيا بعد تدهور صحته وتقدمه في السن واغتيالِ رئيس وزرائهِ ورجل ثقته المخلص لويس كاريرو بلانكو على يد مسلحي حركة إيتا يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 1973، وكانت إسبانيا تستعد للتخلص من إرث فرانكو، ومنه الصحراء الغربية التي غيب الموتُ الجنرالَ وهو يُوصي بإبقائها تحت السيادة الإسبانية.

كان المد التحرري يعم العالم وجذوة المد القومي في المنطقة العربية مشتعلة، وكان المغرب لا ينفك يُطالب بالصحراء الغربية بحسبانها جزءا لا يتجزأ من أراضيه التاريخية، وكان تمسكه بها قد اشتدَّ بعد تخليه عن المطالبة بموريتانيا عام 1969.

وتطالب موريتانيا هي الأخرى بالصحراء الغربية منذ 1957، وتعتبرُ السيادة عليها استكمالا لوحدتها الترابية ولتوحيد مجموعة البيظانْ التي تُشكل من الناحية الديمغرافية أهم مكونات الشعب الموريتاني.

كانت الصحراء الغربية بدأت تشهد منذ الستينيات حركات سياسية محلية مناهضة للاستعمار الإسباني بعضها مقرب للمغرب مثل "حركة الطليعة" بقيادة محمد سيد إبراهيم بصيري والمجموعات القريبة منها، وبعضها لموريتانيا مثل الرمز السياسي المعروف صيلهْ ولد أعبيده الذي كان عضوا بالكورتس الإسباني ممثلا للإقليم الصحراوي ثم أسس جبهة تحرير الصحراء وضمها لموريتانيا.

كان هناك أيضا تيارٌ ثالث يرفع شعار الاستقلال وينادي بقيام دولةٍ صحراوية مستقلة، وشكلت جبهة البوليساريو التي تأسست في مايو/أيار 1973 أهم فصيل في هذا التيار، وكانت مشَكلة أساسا من شباب في مقتبل العمر لا تكاد سنهم يُجاوز العقد الثالث من العمر، وكان الولي مصطفى السيد أبرز قيادات هذا التنظيم ذي النزعة اليسارية، في حين كانت أغلب التيارات الأخرى ذات نزعة تقليدية وتتشكل من وجهاء قبليين.

الطريق إلى مدريد 
شكَّلت "انتفاضة الزملة" عام 1970، وما رافقها من قمع للصحراويين من قبل الاستعمار الإسباني، مفصلا هاما أجج حراكا تحرريا لم يعرفه الإقليم من قبل. وأسهم احتضار فرانكو -وما كان يعنيه من خروجٍ وشيك لإسبانيا من الصحراء- في مضاعفة الفاعلين المعنيين بالقضية جهودهم أملا في الاستفادة بأنجع الطرق من مرحلة ما بعد فرانكو.

رفعت البوليساريو شعار الاستقلال والنضال المسلح، في حين اختار المغرب وموريتانيا تنسيق جهودهما فتوجها إلى الأمم المتحدة مطالبين بعرض القضية على محكمة العدل الدولية لتقديم رأي استشاري حول صلاتِ الإقليم بالبلدين من الناحية السياسية والاجتماعية. وفي عام 1974، شرعت المحكمة في الاستماع لمرافعات البلدين، وصيف ذلك العام أعلنت إسبانيا نيتها تنظيم استفتاء لـتقرير المصير بالإقليم في النصف الأول من 1975.

يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975، أصدرت محكمة العدل حكمها الذي أقر بوجود صلات اجتماعية وروحية وسياسية بين الإقليم وسكانه وبين البلدين، كما نصَّ على أنَّ الصحراء الغربية لم تكن أرضا خلاء قبل الاحتلال الإسباني، وأن العلاقات القائمة لم ترق يوما إلى مستوى السيادة ولا يُمكن أنْ تُؤثر على حق سكان الإقليم في تقرير مصيرهم السياسي. وقبل يومين من صدور الحكم، طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتنظيم استفتاء لتقرير المصير في الإقليم.

أخذ كل طرفٍ يُروج لما يُناسب أطروحاته من الحكم، فانخرطَ المغرب وموريتانيا في مفاوضات سرية مع إسبانيا انتهت باتفاقية مدريد التي سارعت البوليساريو والجزائر إلى رفضها واعتبارها "مؤامرة" على سكان الإقليم.

وسبق للجزائر أن أعلنت حيادها في الملف وأكَّدت دعمها لأيَّ جهد مغربي موريتاني لإنهاء الاستعمار الإسباني في الإقليم، وذلك خلال مؤتمر نواذيبو الذي عقد عام 1970 وحضره قادة الدول الثلاث ملك المغرب الحسن الثاني  والرئيسان الجزائري هواري بومدين والموريتاني  المختار ولد داداه.

نص اتفاق مدريد على منح موريتانيا منطقة وادي الذهب (الجزء الجنوبي من الإقليم) والمغرب منطقة وادي الساقية الحمراء (الجزء الشمالي) ومقابل ذلك احتفظت إسبانيا باستغلال الفوسفات من مناجم بوكراع كما احتفظت بقواعد عسكرية قبالة جزر كناريا.

النتائج
فتح اتفاق مدريد الطريق أمام المغرب لبسط سيطرته على الجزء الشمالي من الصحراء الغربية، ففي يوم صدور الحكم أعلنت الرباط تنظيم "المسيرة الخضراء" لاسترجاع الصحراء واستكمال الوحدة الترابية. ومطلع يناير/كانون الثاني 1976، غادر آخر جندي إسباني الصحراء الغربية، ويوم 26 من نفس الشهر أُعلن قيام الجمهورية العربية الصحراوية.

وفي أبريل/نيسان 1976، وقع المغرب وموريتانيا اتفاقية لتقسيم الصحراء لتندلع مواجهة عسكرية دامية بين البلدين وبين جبهة البوليساريو المدعومة من قبل الجزائر وليبيا وبعض الأنظمة الاشتراكية عبر العالم.

خرجت موريتانيا من الصراع بعد انقلاب عسكري يوم 10 يوليو/تموز أطاح بنظام الرئيس المختار ولد داداه، ووقعت مع جبهة البوليساريو اتفاق سلام بالجزائر يوم 5 أغسطس/آب 1979 بعد مفاوضاتٍ مكثفة استضافتها فريتاون. ويوم الـ14 من نفس الشهر، دخلت القوات المغربية وادي الذهب بعد انسحاب الجيش الموريتاني.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية