قانون مكافحة الإرهاب بمصر.. دولة الخوف

يناير 2015 بمحيط ميدان التحرير-السيسي يثق في المخابرات العسكرية عن العامة وفق مراقبين
حقوقيون: القانون يؤسس لدولة الخوف وكثير من مواده غير دستورية ويعلي من دور رجال الجيش والشرطة (الجزيرة)

قانون مكافحة الإرهاب أصدرته الحكومة المصرية يوم 29 يوليو/تموز 2015، وأقره الرئيس السيسي يوم 16 أغسطس/آب 2015 فأصبح نافذا، يهدف لـ"حماية البلاد من الإرهابيين"، وتنتقده قوى وطنية ومنظمات حقوقية لـ"تكريسه دولة الخوف".

مضامين القانون
ينص القانون -الذي يعرف "الإرهاب" والأفعال المجرّمة وفقه والعقوبات لكل منها- على إنشاء محاكم متخصصة للنظر في جرائم ما يوصف بالإرهاب بدلا من الدوائر المعمول بها حاليا، وعلى تنفيذ عقوبة الإعدام في من يتزعم "جماعة إرهابية" أو يمول "أعمالا إرهابية".

كما أنه يُعاقب الصحفيين -الذين لم يذكرهم بالاسم- وغيرهم بغرامة تتراوح من مئتي ألف إلى خمسمئة ألف جنيه مصري (بين 25 ألف دولار و63 ألفا تقريبا) إذا قاموا بنشر "أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع"، بحسب ما ورد في المادة الخامسة والثلاثين منه.

أما المادة التاسعة والعشرون من قانون مكافحة الإرهاب المصري فتنص على عقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس سنوات لكل من أنشأ أو استخدم موقعا إلكترونيا "بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية".

وقد لجأت الحكومة -تحت ضغط نقابة الصحفيين- إلى تعديل المادة 33 من مشروع القانون (وهي الوحيدة التي عُدلت فيه) التي كانت تنص على معاقبة الصحفيين بالحبس إلى توقيع غرامة مالية مغلظة، وذلك في حالة "نشر أخبار كاذبة تتعلق بالقوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية"، ورأت النقابة أنها "كفيلة بالقضاء على مستقبل الصحافة في مصر".

لكن وكيل نقابة الصحفيين خالد البلشي اعتبر أن مراجعة المادة لم تأت إلا بإدخال "نوع آخر من السجن"، لأن المبلغ المفروض دفعه بموجب هذه الغرامة "يفوق القدرات المالية للصحفيين".

ويعيد القانونٍ تعريف الإرهاب فيوسعه بشكل يجعله عرضةً للتسييس أكثر من ضبطه، كما يمنح رجال الأمن حصانة تعفيهم من أي مسألة إذا استخدموا القوة خلال عملهم ويطلق يدهم في انتهاك الخصوصيات الفردية للمواطنين بمراقبة هواتفهم ومحادثاتهم.

وتقضي مواده باختصار عملية التقاضي في درجتين بدلا من ثلاث في السابق، ويخصص محاكم "للإرهاب" في قضايا يمكن أن تنظرها محاكم جنايات عادية، مع تغليظه العقوبات ومنحه السلطة التنفيذية صلاحيات إعلان حظر التجوال.

هذا إضافة إلى كونه يقيد عمل الصحافة ووسائل الإعلام في تغطية بعض الأحداث ويخضعها للرواية الرسمية بما يحولها إلى مجرد ناقلٍ للخبر كما وصلها من الجهات المعنية التي ستكون في الغالب جهات عسكريةٌ.

انتقادات حقوقية
تعرض القانون لانتقادات تضمنها بيان مشترك وقعته 23 منظمة حقوقية، وسبعة أحزاب سياسية، و13 من الشخصيات العامة، بينهم مرشحون رئاسيون سابقون وأعضاء في لجنة صياغة الدستور المعمول به حاليا.

وأبدت هذه الجهات تحفظها على قوانين تم تمريرها بحجة محاربة الإرهاب، وشددت على أن مشروع القانون الحالي "يحمل جملا فضفاضة، تمس بحقوق محمية بموجب الدستور وينال من الحريات العامة".

وأكد البيان أن محاربة الإرهاب لن تتم عبر نصوص قانونية تصادر الحريات، بل بإدخال المجتمع شريكا في مواجهة العنف وتفعيل نصوص الدستور، مطالبة بضرورة وجود حوار مفتوح تشارك فيه القوى الرافضة للعنف.

وممن عارض هذا القانون -الذي اقتُرح إثر مقتل النائب العام هشام بركات في هجوم بسيارة ملغمة يوم 29 يونيو/حزيران 2015-  أيضا: نقابة الصحفيين، ومجلس القضاء الأعلى، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وعدد من المنظمات الحقوقية. ويقول منتقدوه إنه يمكن استخدامه ضد أي شخص يعارض السلطة، خاصة في المواقع الإعلامية.

ويؤكد مناهضو هذا القانون أنه يكرس لحالة طوارئ دائمة لأنه يمكن استخدامه ضد أي شخص يعارض السلطة، ويحد من الحريات خاصة في المواقع الإعلامية، ويفتح الباب لمزيد من القبضة الأمنية، وينتهك حقوق المواطنين التي ضمِنها الدستور ويؤسس لدولة الفرد والخوف، كما أن الكثير من مواده غير دستورية وتطيح بسلطة القضاء وتعلي من دور رجال الجيش والشرطة.

لكن القانون لم ينل أي نقد من قبل الأحزاب والقوى السياسية التي تدعم الانقلاب، وإن طالبت بإرجاء القانون إلى حين انتخاب برلمان يتولى إصداره.

أما منظمة العفو الدولية فقد طالبت بإلغاء القانون ورأت أنه سيصبح "أداة أخرى للسلطة لسحق كل أشكال المعارضة" ويوجه ضربة إلى "صميم الحريات الأساسية".

وقالت المنظمة الحقوقية إن مشروع القانون يوسع إلى حد كبير صلاحيات السلطة التنفيذية، ويهدد أهم الحقوق الأساسية لحرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات.

وأشارت المنظمة إلى أن القانون المقترح ينص على إقامة محاكم خاصة لنظر جرائم "الإرهاب" ويضيف جرائم جديدة لقائمة الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام.

يشار إلى أن السيسي ما زال يحتكر صلاحية التشريع في غياب البرلمان منذ توليه السلطة إثر فوزه بانتخابات رئاسية أجريت نهاية مايو/أيار 2014.

المصدر : الجزيرة