قوات الدعم السريع في السودان

قوات الدعم السريع هي مجموعات عسكرية تشكلت من مليشيا الجنجويد واعترفت بها الدولة رسميا عام 2013، قائدها محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، وقد أوكلت إلى هذه القوات مهمات مختلفة تتعلق بالقضاء على حركات التمرد في دارفور غربي السودان، وحراسة الحدود، والقضاء على عمليات التهريب.

أجازها البرلمان السوداني عام 2017 وعدها قوة أمنية مستقلة تتبع للقوات المسلحة، وقد شاركت في عملية الخرطوم -التي يرعاها الاتحاد الأوروبي لمواجهة الهجرة غير النظامية- وحرب اليمن ووقفت إلى جانب الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير.

اعتبرها كثيرون جيشا داخل الجيش، وانطلقت مفاوضات بعد الإطاحة بالبشير لإدماج هذه القوات بشكل كامل داخل الجيش السوداني، وشارك قائدها بالموازاة مع ذلك في العملية الانتقالية التي كانت تهدف إلى تسليم الحكم للمدنيين.

وبسبب خلافات بين حميدتي وقائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان محورها دمج هذه القوات في الجيش، اندلعت في منتصف أبريل/نيسان 2023 اشتباكات مسلحة بين قوات الدعم السريع والجيش الذي يرى فيها قوات متمردة.

النشأة

بدأت قوات الدعم السريع كمجموعات عسكرية عرفت باسم الجنجويد، وهي مليشيات من قبائل عديدة تشير عدة روايات إلى أنها قبائل عربية.

ويُنسب تأسيس الجنجويد إلى "موسى هلال"، زعيم عشيرة المحاميد التي تنحدر من قبيلة "الزريقات" العربية. وهو ابن عم محمد حمدان دقلو "حميدتي".

وقد تعاونت الجنجويد مع الجيش السوداني أثناء اندلاع حركة التمرد في إقليم دارفور غرب البلاد عام 2003، ونجحت في حسم المعركة وإنهاء التمرد والسيطرة على الوضع في دارفور، واتُّهمت حينها بعمليات قتل وحرق وسلب ونهب.

وصدر قرار من مجلس الأمن الدولي برقم 1556 لعام 2004 يطالب الحكومة السودانية بنزع سلاح "الجنجويد" ومحاكمة قادتها، وعلى رأسهم موسى هلال.

وقد وضعت الولايات المتحدة الأميركية موسى هلال ضمن قائمة المشتبه بهم في ارتكاب جرائم حرب في دارفور، واتهمه مجلس الأمن عام 2006 بعرقلة عملية السلام في الإقليم، وفُرض عليه حظر سفر دولي، وجُمدت ممتلكاته.

وفي عام 2007 انشق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو أحد قادة مليشيات الجنجويد وأعلن تمرده على الحكومة لعدم التزامها بتسديد مستحقات القوات المادية وتأخرها عدة أشهر، وبدأ بقتال القوات النظامية، فما كان من حكومة البشير إلا تقديم عروض لحميدتي تضمن عودته، وكانت هذه العروض هي دفع الرواتب بأثر رجعي، ومنح قيادات قواته رتب ضباط ومنحه هو رتبة عميد.

 

في عام 2013، تمت هيكلة هذه المليشيات وإعادة تشكيلها بعد أن أصدر البشير مرسوما رئاسيا أضفى من خلاله الشرعية عليها، وأطلق عليها اسم "قوات الدعم السريع" وأصبحت تابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني.

وقد رفض رئيس الأركان السوداني آنذاك نقل تبعية قوات الدعم السريع من جهاز الأمن إلى القوات المسلحة، فتم اعتبارها قوة نظامية منفصلة تتبع مباشرة لرئيس الجمهورية، وعين محمد حمدان دقلو قائدًا لها، وتوسع نشاط القوات ليمتد من دارفور إلى النيل الأزرق وجنوب كردفان وجميع أنحاء السودان.

ثم أجاز البرلمان عام 2017 أثناء حكم البشير قانون قوات الدعم السريع، وجعلها قوة أمن مستقلة تابعة للقوات المسلحة، وفق القانون الذي ينص على أن "الدعم السريع قوات عسكرية قومية التكوين، وتتقيد بالمبادئ العامة للقوات المسلحة السودانية".

وقد أثنى البشير على قوات الدعم السريع في كلمة ألقاها خلال تخريج الدفعة الخامسة منها عام 2017، وأشاد بدورها في حفظ الأمن والاستقرار في البلاد، والقضاء على التمرد في جنوب كردفان ودارفور، وأضاف "أحب القرارات وأفضلها لي هو قرار تكوين قوات الدعم السريع، وهي الذراع القوية للقوات المسلحة".

في عام 2019، عُدّل قانون قوات الدعم السريع وحذفت منه مادة تلغي خضوعه لأحكام القوات المسلحة، مما يجعلها قوات مستقلة عن الجيش لها أحكامها الخاصة.

وتعرّف قوات الدعم السريع نفسها بأنها "قوات عسكرية قومية التكوين تعمل تحت إمرة القائد العام وتهدف لإعلاء قيم الولاء لله والوطن، وتتقيد بالمبادئ العامة للقوات المسلحة السودانية".

أهداف قوات الدعم السريع

تُحدد قوات الدعم السريع أهدافها بـ:

  • تقديم الدعم للجيش النظامي السوداني في مهماته الرامية للدفاع عن البلاد من أي مهددات داخلية أو خارجية.
  • القيام بأي مهام يتم تكليفها بها من قبل القائد العام للقوات المسلحة.
  • مواجهة حالات الطوارئ في البلاد التي ينص عليها القانون.
  • المساهمة في نشر الأمن والسلام والالتزام بالمعاهدات الدولية والإقليمية.

العدة والعتاد

لا توجد إحصائية رسمية بعدد قوات الدعم السريع، وتفيد مصادر مختلفة بأن عددها يتراوح بين 60 ألفا و100 ألف من الجنود والضباط وضباط الصف، يتوزعون في أنحاء مختلفة من البلاد.

وتملك قوات الدعم السريع ما يقارب 10 آلاف سيارة رباعية الدفع مصفحة ومزودة بأسلحة رشاشة خفيفة ومتوسطة ومضادات للطائرات. كما تمتلك وحدة مدرعات خفيفة من طراز "بي تي آر" (BTR).

وتتوزع مراكز ومقرات الدعم السريع في العاصمة السودانية وبعض المدن الأخرى، بالإضافة إلى وجودها على الحدود مع ليبيا وإريتريا.

التمويل

كانت قوات الدعم السريع تسيطر على جبل عامر، أحد أهم مناجم إنتاج الذهب في السودان، قبل أن تتخلى عنه لوزارة المالية، بالإضافة إلى سيطرتها على مناجم أخرى في جنوب كرفان، وتعد هذه المناجم مصدر التمويل الأساسي لها.

وهذا ما يفسر ما قاله حميدتي آخر أيام البشير عن دعمه الاقتصاد السوداني بملايين الدولارات. وقد أنشأ حميدتي عقب عزل البشير حسابا احتياطيا في بنك السودان وأودع نحو 225 مليون دولار. وأوضح أن قواته حصلت على هذه الأموال من مصانع الذهب ورواتب عناصرها التي تشارك في حرب اليمن.

وتقول بعض المصادر إن إيرادات الذهب المستخرج من مناجم الذهب التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع بلغت بين عامي 2014 و2016 نحو 123 مليون دولار، وكشفت تقارير أن شركة كالوتي الإماراتية حصلت على أكثر من 117 طنا من الذهب السوداني بين عامي 2012 و2019 من خلال شركة الجنيد التي أسسها شقيق حميدتي عبد الرحيم دقلو.

كما يقول تقرير للجنة الأمم المتحدة إن إيرادات الذهب الذي تم تهريبه إلى الإمارات العربية المتحدة بين عامي 2010 و2014 تقدر بأكثر من 4.5 مليارات دولار.

وسعت قوات الدعم السريع لزيادة الموارد من خلال إنشاء شركات استثمارية كبيرة داخل السودان وخارجه.

وينظر إلى مشاركة قوات الدعم السريع بحرب اليمن على أنها عززت خزائنها، إذ تشير التقارير إلى وجود دعم إماراتي أسهم في زيادة التجنيد والتسليح.

كما أدت مشاركة قوات الدعم السريع في ملف الهجرة غير الشرعية مع الاتحاد الأوروبي في "عملية الخرطوم" إلى وجود دعم أوروبي لهذه القوات.

دور قوات الدعم السريع

أوضح حميدتي في حفل تخريج الدفعة الخامسة من قوات الدعم السريع أن دورها هو "الدفاع عن الوطن ومكتسباته"، وأن قواته "تدعو للسلام وتعمل من أجله وتحافظ عليه، وتسعى إلى بث الطمأنينة بين الناس، والقضاء على النزاعات القبلية، ومحاربة الاتجار بالبشر والهجرات غير الشرعية، والقضاء على تجارة السلام والمخدرات وأي شكل من أشكال التطرف".

وفي ما يلي بعض الأدوار الفعلية التي قامت بها قوات الدعم السريع:

مواجهة التمرد في دارفور

بعد تشكيل قوات الدعم السريع واعتمادها قوة نظامية مقاتلة؛ خاضت عددا من المعارك المهمة بأوامر من الحكومة السودانية ضد حركات التمرد في دارفور، منها:

  • معركة "دونكي البعاشيم" عام 2014 وكانت ضد حركة جيش تحرير السودان.
  • معركة "قوز دنقو" عام 2015 بجنوب دارفور ضد حركة العدل والمساواة، وأدت إلى هزيمة نكراء للحركة.
  • عملية الصيف الحاسم عام 2015 ضد الحركات المسلحة التي تمكنت من السيطرة على مناطق عديدة، وقد انتهت هذه العملية بانتصار قوات الدعم السريع والسيطرة على جبل مرة وبلدة قولو، التي كانت تخضع لسيطرة جيش تحرير السودان منذ عام 2003.

وقد رافقت عمليات وأد التمرد في دارفور كثيرا من الانتهاكات والجرائم الإنسانية مثل اجتياح القرى وحرقها وتدمير الممتلكات والاعتداءات الجنسية وفقا لتقارير منظمة هيومن رايتس ووتش. ونتج عن صراع دارفور تشريد ما يقارب 2.5 مليون شخص وقتل 450 ألفا آخرين.

حرب اليمن

شاركت قوات الدعم السريع في حرب اليمن عام 2015 إلى جانب القوات السعودية والإماراتية لمحاربة الحوثيين، بإشراف حميدتي والبرهان، فقد تم إرسال 30 ألف مقاتل معظمهم من قوات الدعم السريع للقتال في اليمن.

وتشير تقارير أخرى إلى وجود صفقة منفصلة بين الإمارات وحميدتي تقتضي مشاركة قوات الدعم السريع بالحرب اليمنية مقابل تمويل إماراتي للقوات أدى إلى زيادة معدلات التجنيد.

وكُلّفت القوات بأدوار متنوعة في حرب اليمن وهي:

  • حراسة حدود المملكة العربية السعودية مع اليمن.
  • القيام بعمليات برية في الساحل الغربي.
  • حراسة القواعد الإماراتية في جنوب اليمن.

كما أشار تقرير لنيويورك تايمز إلى أن 40% من هؤلاء الجنود أطفال تتراوح أعمارهم بين 14 و17 سنة.

وقُسمت هذه القوات إلى وحدات تتراوح بين 500-750 مقاتلا يتقاضون رواتب تتراوح بين 480 دولارا و530 دولارا بحسب السن والرتبة، وتتوزع هذه القوات في كل من تعز والحديدة ولحج وحجة وصعدة.

عملية الخرطوم

مع تزايد أعداد قوات الدعم السريع أصبحت جزءًا من عملية الخرطوم عام 2016، التي بدأت عام 2014 وتهدف إلى التعاون بين الدول الواقعة على طريق الهجرة بين القرن الأفريقي وأوروبا للتصدي لعمليات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، وكان لقوات الدعم السريع دور كبير في حراسة الحدود الليبية لمنع المهاجرين من الوصول إلى ليبيا.

الإطاحة بالبشير

مع اندلاع ثورة الشعب السوداني في ديسمبر/كانون الأول 2018 طلب البشير من قوات الدعم السريع التدخل لردع المظاهرات، إلا أن حميدتي رفض الانصياع وأسهم مع قواته في الإطاحة بنظام البشير، وتولى لاحقا منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان.

اعتصام القيادة العامة

اتُّهِمت قوات الدعم السريع بالمشاركة مع الجيش في فض اعتصام القيادة العامة عام 2019، والذي تسبب في قتل عشرات المعتصمين وإصابة المئات، بالإضافة لعشرات المفقودين.

كما اتُّهِمت هذه القوات برمي الجثث في نهر النيل، إذ عثر فيه على ما يقارب 40 جثة بعد فض الاعتصام. ووجه اتهام لحميدتي بتدبير مجزرة القيادة وإصدار الأوامر لقواته بفض الاعتصام.

الإطاحة بحكومة حمدوك

أسهمت قوات الدعم السريع في الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وكان نتيجة ذلك تعطل إجراء انتخابات. إلا أن حميدتي عبّر لاحقا عن أسفه للمشاركة في هذا "الانقلاب".

الخلاف مع الجيش النظامي

ظهرت بوادر الخلاف بين قوات الدعم السريع والجيش النظامي من خلال سعي قيادات كلا الطرفين إلى حشد دعم إقليمي ودولي.

وتطور الخلاف بعد توقيع الاتفاق الإطاري الذي يهدف إلى تأسيس مرحلة انتقالية تمتد لمدة عامين وتنتهي بتشكيل سلطة مدنية، وتشكيل حكومة مدنية في يوليو/تموز 2023.

إلا أن الخلاف تجلى مع إصرار الجنرال البرهان على تحقيق كافة نقاط الاتفاق لا سيما نقطة دمج قوات الدعم السريع مع الجيش النظامي وتوحيد القيادة العسكرية.

وقد وقّع حميدتي على الاتفاق إلا أنه أعاق تنفيذه. وتدخلت عدة دول لاحتواء الخلاف من خلال محادثات الإصلاح الأمني والعسكري التي عقدت في مارس/آذار 2023، إلا أنها انتهت من دون توصيات بخصوص دمج قوات الدعم السريع.

عاد الخلاف مرة أخرى في أبريل/نيسان 2023 حول الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع، ومكانة ضباط الدعم السريع في الجيش مستقبلا، ومنصب القائد العام للجيش خلال فترة الاندماج.

اشتباكات أبريل 2023

نتيجة للخلاف الذي بدأ في أبريل/نيسان 2023 حول دمج قوات الدعم السريع، تطور الأمر إلى مواجهات عسكرية بين الطرفين بدأت بتعزيزات عسكرية لقوات حميدتي في محيط مطار مدينة مروي شمالي السودان، بالإضافة إلى استنفار لها في جميع المناطق، وقد حاولت القوات النظامية تعزيز وجودها في منطقة مطار مروي فاشتعلت المواجهة بين الطرفين.

وامتدت المواجهات إلى بعض المدن السودانية، بيد أنها تركزت في العاصمة الخرطوم، وأدت إلى سقوط عشرات المدنيين، وتدمير الممتلكات نتيجة القتال والقصف، وتشريد الآلاف.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية