جنكيز خان.. مؤسس الإمبراطورية المغولية
جنكيز خان زعيم ومحارب وحاكم مغولي، من أشهر غزاة التاريخ، وحد القبائل المنغولية واستطاع أن يؤسس الإمبراطورية المغولية بتوحيد قبائل البدو من المغول والتتار.
تعد إمبراطوريته أكبر إمبراطورية في التاريخ، وغيّر أحفاده وحروبه الترتيب السياسي للعالم وخفضوا عدد سكانه، غزا العالم الإسلامي وأحدث فيه دمارا هائلا ومذابح وحشية.
من هو جنكيز خان؟
ولد جنكيز خان لأسرة من بدو المغول على ضفاف نهر أونون بالقرب من بحيرة بايكال في منغوليا، واسمه الأصلي تيموجين.
ونظرا لغموض تاريخ المغول في تلك المرحلة اختلفت الروايات بشأن تاريخ ولادته، إذ يقول البعض إنه قد يكون من مواليد عام 1155 ميلادي، وقال آخرون إن ذلك كان في 1162 ميلادي، وكانت ولادته ميمونة حسب اعتقاد المغول.
كان والده يسوجي سليل عشيرة ملكية من المغول وزعيم عشيرة بورجيجين، وانتصر قبل ولادة جنكيز خان على إحدى القبائل المعادية وقتل زعيمها، فقيل إنه سمى ابنه تيموجين على اسم الزعيم المقتول.
واختطف يسوجي والدة تيموجين في ليلة زفافها من رجل آخر، لتصبح بذلك زوجته الثانية، وقيل إن ابنهما تيموجين ولد ممسكا بكرة دم متجلط، وهو ما يعني عند المغول أنه سيكون محاربا عظيما.
النشأة والشباب
لم تكن طفولة تيموجين سهلة، فقد أخذه والده وهو في التاسعة إلى قبيلة مجاورة للعمل عدة سنوات، ثم خطب له فتاة تدعى بورجي.
وفي تلك الفترة مات الأب متسمما، وكان ذلك بفعل عصابة من بدو التتار، وهم شعب من الرحّل في عداء قديم مع المغول.
وبوفاة يسوجي تخلت العشيرة عن تيموجين وأمه وإخوته السبعة، وتولت عائلة منافسة القيادة وطردوهم، معتبرين أنهم أضعف من تولي القيادة، فعاش وأفراد أسرته في ظروف صعبة وعانوا من الفقر المدقع إلى حد أنهم كانوا يأكلون النباتات والأسماك، في حين كانت معيشة بدو المغول معتمدة بشكل أساسي على لحوم الضأن وحليب الفرس.
وكان تيموجين رغم عيشه في ظل تلك الظروف الصعبة قادرا على حشد الدعم والتأييد بقوة شخصيته، ويروى أن قبيلة التايشوت أسرته وأبقته في معسكراتها عوضا عن قتله.
وفي إحدى الليالي لاحظ تيموجين أن حراسته ليست مشددة، فقرر الهرب أثناء تناول الحراس العشاء، وأسقط الحارس بضربة من طوقه الخشبي.
بحث أبناء التايشوت عنه طوال الليل، ولمحه أحدهم إلا أنه ساعده على الهرب مخاطرا بحياته ولم يتنكر له.
وفي مناسبة أخرى سرق اللصوص 8 من أصل 9 خيول تعود ملكيتها لأسرة تيموجين الفقيرة، فطاردهم تيموجين، وفي طريقه سأل شابا غريبا كان يحلب عما إذا كان رآهم، فترك الشاب الحلب وأعطى تيموجين حصانا وانطلق معه مساعدا في البحث عن الخيول المفقودة.
وبدأت قبيلته بالاعتراف بقيادته وأسرته تدريجيا حتى أن رفيقه في البحث عن الخيول رفض أخذ مكافأة منه، فاتخذه تيموجين رفيقا له.
وكانت أسرته رغم النبذ والفقر محافظة على قدر من الهيبة، لانتمائها إلى سلالة بورجيجين الملكية.
وفي الـ16 من عمره ذهب تيموجين للبحث عن الخطيبة بورجي ابنة القبيلة التي تعيش في شمال منغوليا، والتي لم تكن على وفاق مع تيموجين، لأن والده كان قد اختطف زوجته من أحد رجالهم.
صناعة جنكيز خان
قتل تيموجين في مراهقته أخاه الأكبر غير الشقيق، وتولى قيادة الأسرة، وعقد حلفا مع أونغ خان زعيم إحدى العشائر القوية.
وقبل أونغ خان الحلف، فكان حلفاء تيموجين جماعة من المحاربين الأكفاء عوضا عن أقاربه، وكان ذلك الفعل خلافا لما اعتاده المغول.
وفي تلك الفترة اُختطفت بورجي (زوجة تيموجين) من قبيلتها، وكان ذلك انتقاما مما فعله والد تيموجين، فاستعادها في غارة بمساعدة من أونغ خان، ونهب معسكرات قبيلتها.
وكان لجنكيز خان حليف وصديق طفولة اسمه جاموكا، وتحولت العلاقة بينهما من صداقة إلى صراع ومنافسة دامت عقدين وانتهت بانفصالهما.
ولا تذكر المصادر التاريخية بدقة ما جرى بعد هذه الحادثة، لكن المرجح أنه أخذ بنصيحة بورجي، وتخلى العديد من رجال جاموكا عنه ورافقوا جنكيز خان، لاعتقادهم بأنه أقدر على سيادة الإمبراطورية وحده.
وأدى الانفصال عن جاموكا إلى خلاف داخل إمبراطورية المغول، وكان من المتوقع حسمه باختفاء أحد الخصمين.
قاد جاموكا تحالفا منافسا من الأمراء لجنكيز خان، ورشح نفسه ليكون "غور خان"، لكن عظمة جنكيز خان حينها كانت أقوى من انقلاب جاموكا، وكان أونغ خان قد منحه منصبا رفيعا وسانده.
توحيد المغول
وكان جنكيز خان يتمتع بقوة بدنية وحنكة حربية، فأعدم أعداءه من قادة القبائل، ودمج الرعايا في قبيلته وصيّر بعضهم جنودا وعبيدا له، ونظم محاربيه في وحدات مكونة من 10 أفراد.
وكان خان وثني الديانة، ويتبع بعض المعتقدات الشامانية المنغولية، والتي تقدس الرياح والجبال وما تعتبره أرواح السماء، ولكن قيل إن أتباعه كانوا من ملل مختلفة، فمنهم النصارى والبوذيون والمسلمون.
وبحلول عام 1205 كان قد وحد قبائل السهوب وهزم جميع منافسيه، فأسس دولة بحجم منغوليا الحالية، وسمي حينها جنكيز خان، والتي تترجم من اللغة الألتائية إلى "الحاكم العالمي".
وكان يرصد بذور التمرد بانتظام ويحرص على قتل أعدائه من البدو، وقاتل التتار وهزمهم، ثم ذبح كل من يزيد طوله على ارتفاع محور العربة، ولم يبق إلا الأطفال الذين افترض أن يكونوا من أتباعه المخلصين.
وقيل في التاريخ السري للمغول (أحد أشهر المصادر التاريخية لتلك الفترة) إن جنكيز خان نوى إبادة كل الأسر الأرستقراطية المنافسة له.
ورفض جنكيز خان الولاءات العشائرية التي فضلت التجزئة، فتمت مبايعته عام 1206 إمبراطورا لجميع سكان السهوب، ووزع آلاف العوائل في عهدة أقاربه ورفاقه، في نظام يشبه الهيكل الإقطاعي، ليحل محل النظام القبلي العشائري.
ثم اجتمعت قبائل المغول واستولت على جزء كبير من سيبيريا ومقاطعة شينغ يانغ الصينية الحديثة اليوم، وحكم جنكيز خان بقانون مدني وعسكري يسمى "الياسق".
وكان جنكيز خان قد ضم أراضي قبيلة النايمان التي تحالفت مع جاموكا، فهرب كوشلوك ابن زعيم النايمان إلى الدولة القراخطائية، وتزوج من ابنة حاكمها ثم انقلب عليه بعد فترة ونصّب نفسه ملكا.
وهاجم كوشلوك مدينة تابعة للمغول، فأرسل جنكيز خان جيشا للقضاء عليه، وضم الدولة القراخطائية إلى إمبراطورية المغول، لتكون حدودها بذلك مجاورة للدولة الخوارزمية الإسلامية.
غزو العالم الإسلامي
أراد جنكيز خان أن يعقد تحالفا تجاريا مع الدولة الخوارزمية، والتي كانت تسيطر على آسيا الوسطى آنذاك، وكانت في حالة عداء وحرب مع بقية الدول الإسلامية المحيطة بها.
أرسل جنكيز خان قافلة ضخمة محملة بالهدايا إلى السلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه لإقامة علاقات تجارية مع الدولة الخوارزمية.
وأثناء مرور القافلة بمدينة تابعة للدولة الخوارزمية أسر الحاكم إنالجيك تجار القافلة، وأبلغ السلطان بشكه في كونهم جواسيس، فأذن له السلطان جلال الدين بقتلهم فأعدمهم جميعا.
غضب جنكيز خان وأرسل 3 سفراء للسلطان جلال الدين وطلب منه تسليمه إنالجيك ودفع تعويض مناسب، لكن السلطان رفض وقتل أحد سفراء جنكيز خان وأرسل رأسه مع بقية السفراء بعد حلق وجوههم.
وكان هذا الفعل دافعا لانتقام جنكيز خان من الدولة الخوارزمية، وجهز جيشا من 100 ألف جندي، وقسمه إلى 4 مجموعات بقيادة أبنائه، وأرسل مجموعة واحدة لإيهام الخوارزميين بأن هذا جيش المغول الرئيسي.
واستمر في هجماته وحصاره للمدن الإسلامية، وكانت مدينة أطرار أولى المدن الساقطة في أيدي المغول، فدمروا المدينة وأعدموا السكان وقتلوا إنالجيك.
واتجه جنكيز خان عام 1220 إلى مدينة بخارى، فقاتل جيشها المغول خارج المدينة لكنهم هزموا، واستولى المغول على المدينة وحرقوا مساجدها وقتلوا السكان وأسروا بعضهم.
ثم توجه المغول إلى سمرقند التي استسلم جيشها، فيما حمل سكانها السلاح، فقضى عليهم المغول ودخلوا سمرقند ونهبوها ودمروها.
وهرب السلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه بصحبة ابنه وقادة جيشه، فأمر جنكيز خان بملاحقته، ودمرت مدن كثيرة في تلك الملاحقة، وسيطر المغول على ثروات الدولة الخوارزمية.
إنشاء نظام بريدي
من أبرز ما ساعد المغول في فتوحاتهم نظامهم البريدي المبتكر آنذاك، حيث أنشؤوا خدمة بريد سريعة سموها "يام"، واعتمدت على مجموعة محطات متسلسلة وموزعة بشكل جيد على كل أراضي الإمبراطورية.
وكان هذا النظام يستخدم لنقل البضائع والمعلومات بسرعة، وذلك بتبديل الأحصنة والرسل بعد قطع مسافات معينة.
أبناء جنكيز خان وبناته
في عام 1222 ناقش جنكيز خان مع أبنائه مسألة الخلافة، فاختلف أبناؤه الأربعة عليها، واستبعد الابن الأكبر يوتشي من المنافسة، لأنهم اعتبروه ابنا غير شرعي، إذ كانت ولادته بعد أشهر من اختطاف بورجي بعد زواجها من جنكيز خان.
ونافس الابن الثاني جغتاي للحصول على الخلافة، لكنها كانت للابن الثالث أوغودي الذي استولى على شرق آسيا (الصين الآن)، فيما حكم شقيقه الأصغر تولوي على منغوليا، وتوفي ابنه يوتشي في فبراير/شباط 1227.
أما بناته فكن جزءا من سياسته، فقد كان يزوجهن من حكام القبائل المجاورة، وكان يرسل أزواجهن في حملاته التوسعية، وغالبا ما يكون الموت مصيرهم، فتتوج بناته حاكمات لمناطقه التسع، مما يزيد قوة نفوذه.
زوجات جنكيز خان
كان للنساء حضور واضح في حياة جنكيز خان، فقد تزوج 6 مرات، وكان له مئات المحظيات والجواري، كما كانت له قوانين في اختيارهن، فيصطفي لنفسه أجمل النساء، ويشترط أن تكون محظياته ذوات أنوف صغيرة وشعور طويلة وأصوات جميلة.
وكان يقيّم جمالهن بالنقاط، فيمنح الحاصلات على نقاط أقل لمساعديه، وعرف عنه معاشرته لزوجات أعدائه وخصومه المهزومين.
وكان جنكيز خان رغم وحشيته يحترم زوجاته، خاصة زوجته الأولى بورجي، فكان يستشيرها وعينها الإمبراطورة الأولى للمغول.
وأحب أيضا زوجته الثانية خولان، واصطحبها معه في حملاته العسكرية، وتزوج كذلك بأميرتين من التتار بعد قتل والديهما في إحدى حملاته.
ونظرا لكثرة نسائه كان جنكيز خان كثير الذرية، وكذلك كان أبناؤه حكام آسيا، مما جعل علماء الوراثة يقدرون أن 0.5% من سكان العالم مرتبطون وراثيا بجنكيز خان.
ونشر هذا التقدير في دراسة علم الوراثة التاريخي التي نشرت في المجلة الأميركية لعلم الوراثة البشرية عام 2003، وتتبعت الدراسة الذكور المرتبطين جينيا بجد واحد، فوجدت أن 16 مليون ذكر في آسيا مرتبطون جينيا بكروموسوم واحد، وكانوا جميعا من منطقة جغرافية ضمن حدود الإمبراطورية المغولية سابقا.
قبر جنكيز خان
توفي جنكيز خان في أغسطس/آب 1227 أثناء حملة ضد شعب تانغوت، وقيل إن وفاته كانت لأسباب طبيعية، وهو ما نفى اعتقاده بأنه "يعرف سر الحياة الأبدية".
وقيل أيضا إن وفاته كانت إثر حادثة في أوائل عام 1227، إذ سقط عن حصانه، مما تسبب له بإصابات داخلية لم يتعاف منها.
ولم تحدد المصادر قبر جنكيز خان حتى الآن، لكن جثمانه نقل إلى منغوليا.
ويعتبر البعض جنكيز خان محاربا وغازيا وحشيا متعطشا للدماء، في حين أن المغول يرونه زعيما موحدا وحاكما للعالم ورمزا إلهيا.
يذكر أن جنكيز خان لم تكن له صورة أو رسم خلال حياته، لكن المصادر التاريخية تصف هيأته بأنه طويل وقوي البنية وكثيف اللحية وله خصلة شعر طويلة.