جامعة ستانفورد.. مهد "وادي السيليكون" الذي لم يخل من "فضائح"

برج هوفر في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا في الولايات المتحدة (شترستوك)

جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا، واحدة من أفضل الجامعات تصنيفا على مستوى العالم، وعلى مدار العقود الماضية تخرج فيها علماء أحدثوا ثورة في عالم التكنولوجيا ومفكرون وسياسيون احتلوا مواقع حساسة في الحكومة الأميركية، حتى لقبت بـ"هارفارد القرن 21″.

لكن رغم المكانة المرموقة التي وصلت إليها الجامعة، لم يخل تاريخها من "الفضائح" التي كانت أولاها اتهامات بالتمييز ضد اليهود، وآخرها نشر أبحاث علمية مضللة تفتقر للدقة العلمية.

الكليات

وتعد جامعة ستانفورد البحثية الخاصة من أعرق الجامعات في الولايات المتحدة، ويضم حرمها الجامعي 7 كليات تشمل جميع الاختصاصات العلمية والأكاديمية، كما تضم مؤسسة فكرية لأبحاث السياسة العامة تدعى "مؤسسة هوفر".

بالإضافة إلى ذلك، تشتهر الجامعة بشكل خاص بريادة الأعمال، وهي واحدة من أنجح الجامعات في جذب التمويل للشركات الناشئة.

ساحة جامعة ستانفورد التذكارية (شترستوك)

النشأة والتأسيس

تأسست جامعة ستانفورد عام 1885 على يد ليلاند ستانفورد، المحامي والسياسي الأميركي الشهير الذي شغل منصب الحاكم الثامن لولاية كاليفورنيا، وساعدته في ذلك زوجته جين التي أرادت أن تكون تلك الجامعة تخليدا لاسم ابنهما الراحل. وقد تبنت ستانفورد منذ بداية تأسيسها نهجا مختلفا عن التعليم التقليدي السائد آنذاك.

معقل وادي السيليكون

يعد وادي السيليكون العاصمة التقنية في العالم، إذ يضم المقرات الرئيسية لآلاف الشركات العملاقة العاملة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن فكرة هذا الوادي ولدت في جامعة ستانفورد الأميركية.

في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، شجع أستاذ الهندسة فريدريك تيرمان، خريجي الهندسة في جامعة ستانفورد على اختراع المنتجات وبدء شركاتهم الخاصة.

ولاحقا أصبح تيرمان عميد جامعة ستانفورد، وأسس منطقة ستانفورد الصناعية، وهي مجمع تجاري عالي التقنية على أرض الجامعة.

وفي الفترة ذاتها انتقل ويليام شوكلي، المخترع المشارك لترانزستور السيليكون، والحاصل على جائزة نوبل للفيزياء عام 1956 إلى منطقة بالو ألتو وأسس مختبر شوكلي لأشباه الموصلات، وأصبح شوكلي لاحقا أستاذا في الفيزياء في جامعة ستانفورد.

وفي العام التالي استقال 8 من موظفيه وشكلوا شركة منافسة، وهي شركة فيرتشايلد لأشباه الموصلات. وقد ساعد وجود العديد من شركات التكنولوجيا الفائقة وأشباه الموصلات في جعل جامعة ستانفورد وشبه الجزيرة الوسطى معقلا للابتكار، وقد سميت في نهاية المطاف بوادي السيليكون على اسم المكون الرئيسي في الترانزستورات.

وغالبا ما يوصف شوكلي وتيرمان، بشكل منفصل أو مشترك، بأنهما "آباء وادي السيليكون".

ساهم وادي السيليكون في رفع تصنيف جامعة ستانفورد، وفي ستينيات القرن الماضي تحولت من جامعة إقليمية إلى واحدة من أرقى الجامعات في الولايات المتحدة، وذلك بعد أن ظهرت على قوائم "الجامعات العشر الأفضل" في أميركا.

الدراسة في جامعة ستانفورد

بسبب سمعتها القوية، تعتبر جامعة ستانفورد انتقائية للغاية في اختيار طلابها، حيث يبلغ معدل قبولها 4%.

نصف المتقدمين المقبولين في جامعة ستانفورد حصلوا على درجة بين 1440 و1570 في اختبار "السات"، أو على درجة "إيه سي تي" بين 32 و35.

ويعتبر مسؤولو القبول أن المعدل التراكمي للطالب هو عامل أكاديمي مهم، مع التركيز على رتبته في المدرسة الثانوية وخطابات التوصية.

واعتبارا من عام 2019، صنفت جامعة ستانفورد الأنشطة اللامنهجية والموهبة والقدرات والصفات الشخصية على أنها "مهمة جدا" في اتخاذ قرارات القبول لأول مرة للدراسة فيها، إضافة إلى العمل التطوعي وخبرات العمل. كما يتم إجراء مقابلات مع المتقدمين قبل اتخاذ قرار القبول أو الرفض.

ومن الجدير بالذكر أن 64% من الطلاب الدوليين يحصلون على مساعدات مالية من الجامعة، ففي عام 2012 على سبيل المثال، منحت ستانفورد 126 مليون دولار من المساعدات المالية على أساس الاحتياجات لـ3485 طالبا.

ويتلقى 80% من الطلاب شكلا من أشكال المساعدات المالية. واعتبارا من عام 2015، تنازلت جامعة ستانفورد عن الرسوم الدراسية والإقامة والطعام لمعظم الأسر التي يقل دخلها عن 65 ألف دولار سنويا، ولا يُطلب من معظم الأسر التي يقل دخلها عن 125 ألف دولار دفع الرسوم الدراسية. علاوة على ذلك يحصل 17% من الطلاب على منح "بيل" الحكومية.

وكما تسهل الجامعة دراسة الطلاب ذوي الدخل المنخفض، تقدم الحكومة تسهيلات مادية للجامعة كذلك، إذ تستفيد ستانفورد من بند خاص في دستور ولاية كاليفورنيا، الذي يعفي ممتلكات الجامعة من الضرائب طالما أن الملكية تستخدم للأغراض التعليمية.

"هارفارد القرن 21"

على مدار العقود الماضية استطاعت ستانفورد بناء سمعة قوية في كل المجالات، لا سيما التكنولوجيا والأبحاث، وبناء على ذلك أطلقت عليها مجلة سليت الأميركية الشهيرة لقب "هارفارد القرن 21″، كما أطلقت عليها صحيفة نيويورك تايمز "ستانفورد الشرق".

وفي عام 2019، احتلت جامعة ستانفورد المركز الأول في قائمة رويترز للجامعات الأكثر ابتكارا في العالم للعام الخامس على التوالي. أما في عام 2022 فاحتلت المرتبة الأولى بين أفضل 10 كليات تشكل حلما للطلاب في أميركا، إذ كانت تعتبر "كلية الأحلام" الأولى للطلاب وأولياء أمورهم وفقا لاستطلاع رأي أجرته مجلة "برينستون ريفيو".

وفي العام ذاته حصلت كلية الدراسات العليا في إدارة الأعمال بجامعة ستانفورد على المرتبة الأولى في قائمة أفضل كليات إدارة الأعمال في أميركا وفقا لـ"بلومبيرغ".

وعلى المستوى العالمي، تُصنف جامعة ستانفورد أيضا من بين أفضل الجامعات في العالم، فقد احتلت المرتبة الثانية عالميا (بعد هارفارد) في معظم السنوات من 2003 إلى 2020.

ووفقا لمجلة "تايمز" للتعليم العالي فإن ستانفورد تصنف واحدة من "العلامات التجارية الست الفائقة" في العالم في تصنيفات السمعة العالمية، جنبا إلى جنب مع "بيركلي" و"كامبريدج" و"هارفارد" ومعهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا و"أكسفورد".

ومنذ أبريل/نيسان 2021، حاز منتسبون للجامعة، من طلاب وخريجين وأعضاء في هيئة التدريس، على 58 جائزة نوبل، و29 جائزة "تورينغ" للعلوم التقنية، و8 ميداليات فيلدز المخصصة لعلماء الرياضيات.

وأسس خريجو الجامعة العديد من الشركات التي تنتج مجتمعة أكثر من 2.7 تريليون دولار من الإيرادات السنوية، ووفرت 5.4 ملايين فرصة عمل، أي ما يعادل تقريبا سابع أكبر اقتصاد في العالم.

"فضائح "وقضايا مثيرة للجدل

ورغم تميز ستانفورد والمراتب العالية التي حصلتها على مستوى الولايات المتحدة والعالم، فإن تاريخها لم يخل من القضايا المثيرة للجدل، التي ساهمت في تشويه سمعتها ابتداء من اتهامات بالتمييز ضد اليهود، مرورا بـ"الفضائح الجنسية" وانتهاء بـ"فضائح بحثية" أسفرت عن استقالة مسؤولين في الجامعة.

ويعود تاريخ "الفضيحة الأولى" في تاريخ ستانفورد إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما وضعت الجامعة العديد من العراقيل التي قيدت قبول الطلاب اليهود.

وعلى مدى عقود، أنكرت رئاسة الجامعة ورفضت ادعاءات الطلاب وأولياء الأمور والخريجين حول وجود تمييز ضد اليهود. لكن في عام 2022 أصدرت جامعة ستانفورد أول اعتذار مؤسسي للجالية اليهودية بعد أن أكدت فرقة عمل داخلية أن الجامعة تمارس التمييز عمدا ضد المتقدمين اليهود، بينما "تضلل أولئك الذين أعربوا عن مخاوفهم حول ذلك الأمر"، بما في ذلك الطلاب وأولياء الأمور والخريجين.

وفي عام 1971 وجهت انتقادات لاذعة للجامعة بسبب "تجربة سجن ستانفورد" المثيرة للجدل، حيث أجرى أستاذ علم النفس بجامعة ستانفورد فيليب زيمباردو تجربة نفسية على مجموعة من المشاركين مقابل أجر مادي حاكى من خلالها الظروف التي قد يتعرض لها البشر في السجن.

فقد قسم المشاركين إلى مجموعتين، الأولى لعبت دور السجناء أما الثانية فكانت عبارة عن حراس السجن الذين تكمن مهمتهم في منع السجناء من الهرب. وصفت هذه التجربة بأنها "لا أخلاقية"، وتم انتقادها بشدة إلى أن اضطر فيليب لإيقافها في اليوم السادس.

كذلك واجهت ستانفورد العديد من الانتقادات بسبب "سوء السلوك الجنسي في الحرم الجامعي"، إذ صنفت عام 2014 في المرتبة العاشرة على مستوى البلاد في "إجمالي تقارير الاغتصاب" في الحرم الجامعي الرئيسي، مع 26 بلاغا عن حالات اغتصاب.

وفي استطلاع مناخ الحرم الجامعي لعام 2015 الذي أجرته جامعة ستانفورد، أفاد 4.7% من الطالبات الجامعيات بتعرضهن لاعتداء جنسي، وأفادت 32.9% منهن بتعرضهن لسوء السلوك الجنسي. ووفقا للمسح، فإن 85% من مرتكبي سوء السلوك كانوا من طلاب جامعة ستانفورد و80% منهم رجال.

إضافة إلى "فضيحة علمية" أدت إلى استقالة رئيس الجامعة، عالم الأعصاب الدكتور مارك تيسييه-لافين، من منصبه عام 2023، بعد أن كشفت التقارير عن نقص الدقة العلمية والتلاعب في الأبحاث المنشورة في فترة تمتد من عام 1999 إلى عام 2012.

وحققت لجنة من العلماء في 5 أوراق علمية كان تيسييه-لافين مؤلفها الرئيسي، لتكتشف دلائل على التلاعب في بيانات 4 من الأوراق العلمية الخمس، وافتقار الورقة الخامسة للدقة العلمية، التي تعد من الدراسات الشهيرة التي قال عنها تيسييه-لافين إنها "ستقلب مفهومنا الحالي عن مرض الزهايمر رأسا على عقب".

المصدر : مواقع إلكترونية