القيادة العسكرية الأميركية الوسطى.. سلاح يغطي 6.5 ملايين كيلومتر مربع
القيادة العسكرية الأميركية الوسطى، وتعرف أيضا باسم القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم"، هي إحدى أهم القيادات العسكرية الموحدة التابعة لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
تأسست عام 1983 بعد تصاعد التوترات والأحداث الجيوسياسية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ويقع مقرها في قاعدة ماكديل الجوية بولاية فلوريدا، وتنتشر قواعدها ووحداتها في عدد من الدول ضمن منطقة تمتد من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى حتى جنوب آسيا، بهدف أداء مهام التدخلات العسكرية والتدريب والمناورات المشتركة.
النشأة والتأسيس
تأسست القيادة العسكرية الأميركية الوسطى في الأول من يناير/كانون الثاني 1983، في أعقاب الأحداث التي دارت في الشرق الأوسط في ذلك الوقت بما فيها أزمة الرهائن الأميركيين في إيران عام 1979 والغزو السوفياتي لأفغانستان في العام ذاته.
والحدث الأبرز الذي قاد لتأسيس القيادة العسكرية الأميركية، ما حدث في إيران عام 1979، عندما أطاحت الثورة الإسلامية بالشاه محمد رضا بهلوي حاكم البلاد، وتلا ذلك اقتحام مسلحين للسفارة الأميركية بالبلاد في نوفمبر/تشرين الثاني، واحتجاز 52 دبلوماسيا أميركيا رهينة.
ولاستعادة الرهائن الأميركيين، أسس الرئيس الأميركي جيمي كارتر "قوة المهام المشتركة للانتشار السريع" في مارس/آذار 1980، لكن المسلحين احتجزوا الرهائن الأميركيين مدة تزيد على عام، ولم يفرجوا عنهم حتى الأيام الأولى لتولي الرئيس رونالد ريغان منصبه.
وعلى الرغم من إمكانية حل القوة المشتركة عقب إطلاق سراح الرهائن، فإن أميركا قررت الإبقاء عليها في ظل الأحداث المتطورة التي عصفت بالشرق الأوسط، فقرر ريغان إنشاء قيادة كاملة في المنطقة الوسطى من العالم عام 1983 عرفت باسم "سنتكوم".
المهام والأدوار
تعمل القيادة العسكرية الأميركية الوسطى، كما تذكر في موقعها الرسمي، على توجيه ودعم العمليات العسكرية والأنشطة بالتعاون مع حلفائها "لزيادة الأمن والاستقرار الإقليميين دعما للمصالح الأميركية".
وتذكر "سنتكوم" أن من أولوياتها:
ردع "الأعمال العدوانية" التي تمولها دول مثل إيران وروسيا والصين وحلفائهم. مكافحة المنظمات التي تصنفها "إرهابية". التنافس الإستراتيجي في الإقليم عبر بناء قواعد عسكرية. نشر أنظمة دفاع جوية متكاملة، وأخرى لمكافحة الطائرات بدون طيار.
وتعد "سنتكوم" واحدة من 11 تشكيلا عسكريا موحدا في الولايات المتحدة، وتضم هذه التشكيلات قوات مقاتلة برية وجوية وبحرية، ويتكون كل تشكيل من إدارتين أو أكثر، وتقع تحت نطاق مسؤوليات رئيس البلاد، ويشرف عليها مباشرة وزير الدفاع وقادة الأركان المشتركة، وتكلّف القيادات الموحدة بمهام تتعلق بأمن الولايات المتحدة وحلفائها.
وتتكون "سنتكوم" من عدد من فرق العمل المشتركة التي تمثل أفرعا قيادية رئيسية هي: القيادة المركزية لقوات الجيش الأميركي، والقيادة البحرية الأميركية المركزية، والقيادة الجوية المركزية، وقيادة العمليات الخاصة المركزية، وقيادة مشاة البحرية، والقيادة الفضائية الأميركية المركزية.
القواعد ومنطقة الانتشار
يقع المقر الرئيسي للقيادة العسكرية الأميركية الوسطى في قاعدة ماكديل الجوية قرب مدينة تامبا في ولاية فلوريدا الأميركية، ولها قواعد عسكرية مؤقتة تنتشر في بلدان عدة ضمن منطقة تمتد من الشرق الأوسط مرورا بآسيا الوسطى حتى جنوب آسيا، بهدف أداء مهام التدخلات العسكرية والتدريب والمناورات المشتركة.
ووفقا للبنتاغون، تغطي منطقة عمليات "سنتكوم" نحو 6.5 ملايين كيلومتر مربع، يسكنها أكثر من 560 مليون شخص تختلف عرقياتهم ولغاتهم وأديانهم.
ومن أهم البلدان الواقعة ضمن نطاق عمليات القيادة العسكرية الوسطى دول الخليج العربي إضافة إلى العراق وسوريا والأردن ولبنان ومصر وإيران وباكستان إضافة لدول آسيوية.
وتغطي "سنتكوم" منطقة جغرافية تتقاطع فيها 3 قارات وممرات بحرية تجارية حيوية عالمية، إضافة إلى ممرات طيران وخطوط أنابيب وطرق برية، وفيها أكثر من 70% من احتياطيات النفط في العالم.
وتعد القواعد العسكرية الأميركية الموجودة بدول الخليج من أهم القواعد التابعة لـ"سنتكوم"، أبرزها قاعدة "العديد" الجوية في قطر، التي تعد مقرا للمجموعة 319 الاستكشافية الجوية التي تضم قاذفات ومقاتلات وطائرات استطلاعية، إضافة لعدد من الدبابات ووحدات الدعم العسكري.
أبرز المحطات
بعد غزو العراق للكويت عام 1990، نشر الرئيس الأميركي جورج بوش الأب قوات من القيادة العسكرية الأميركية الوسطى، بهدف حماية حدود السعودية المشتركة مع العراق والكويت، وشكّل تحالفا دوليا خاض "حرب الخليج الثانية".
وأطلقت "سنتكوم" والتحالف في مطلع عام 1991 عملية "عاصفة الصحراء" التي شملت حملة جوية واسعة النطاق، وانتهت بتحرير الكويت في فبراير/شباط من العام ذاته.
وبدأت "سنتكوم" بعد ذلك تقديم المساعدات الإنسانية للأكراد، ثم أطلقت عملية "المراقبة الجنوبية" ردا على ما وصفته "عدم امتثال" الرئيس العراقي صدام حسين للقرار الأممي رقم 688، الذي أدان قمع المدنيين في جنوب شرق العراق.
وفي ظل التحديات التي واجهت الصومال في تسعينيات القرن الـ20، أعلنت "سنتكوم" إطلاق عملية "توفير الإغاثة" في البلاد وفي شمال شرق كينيا، ونفذت عملية أسمتها "استعادة الأمل" في الأرياف، لكن تدهور الأوضاع في العاصمة مقديشو، دفع الرئيس الأميركي بيل كلينتون إلى سحب القوات الأميركية من البلاد عام 1994.
وعقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، أعلن الرئيس جورج بوش الابن ما وصفه "حربا على الإرهاب"، واستجابة لذلك، أطلقت "سنتكوم" عملية أطلقت عليها "الحرية الدائمة" لطرد حركة طالبان من أفغانستان، لرفضها تسليم زعيم تنظيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن.
كما بدأت "سنتكوم" سلسلة عمليات في القرن الأفريقي بهدف "مكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار"، ونقلت وزارة الدفاع الأميركية مسؤوليات بعض الدول في المنطقة من القيادة الوسطى إلى القيادة الأفريقية عام 2008.
وفي مارس/آذار 2003، أطلقت "سنتكوم" عملية "الحرية من أجل العراق" ضد نظام الرئيس صدام حسين، واحتلت العاصمة بغداد بعد 19 يوما من العملية. واستمرت في تنفيذ العمليات العسكرية بهدف تأمين "الحكومة المنتخبة" والبلاد.
وفي عام 2021، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية دخول إسرائيل رسميا ضمن نطاق "سنتكوم"، وأكدت أن "إسرائيل شريك إستراتيجي رائد بالنسبة للولايات المتحدة".
وقالت وزارة الدفاع الأميركية إن "الانفراج بين إسرائيل وجيرانها العرب في أعقاب اتفاقيات أبراهام وفّر فرصة إستراتيجية للبلاد لتوحيد الشركاء الأساسيين في مواجهة الأخطار المشتركة في الشرق الأوسط".
وبعد بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وإعلان جماعة الحوثيين في اليمن تضامنها مع فلسطين، أطلق الحوثي سلسلة من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على سفن في البحر الأحمر تديرها شركات إسرائيلية.
وردا على هجمات الحوثيين، أعلنت "سنتكوم" دفاعها عن السفن الإسرائيلية، وشنّت بالتنسيق مع بريطانيا غارات جوية مكثفة على مواقع جماعة الحوثيين، بهدف تعطيل قدراتها العسكرية والحد من استهداف السفن في المنطقة.
وفي أعقاب سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت "سنتكوم" تنفيذها ضربة جوية قتلت فيها اثنين من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة دير الزور، بما في ذلك زعيم التنظيم بالمحافظة "أبو يوسف".
وقالت القيادة العسكرية الأميركية الوسطى إن الولايات المتحدة لن تسمح لتنظيم الدولة الإسلامية بالاستفادة من الوضع الحالي في سوريا وإعادة تأسيس نفسه.