يهود السفارديم.. قلة بعد كثرة و"ضعف" بعد منعة

JERUSALEM - JUNE 17: (ISRAEL-OUT) Ultra-Orthodox Jews attend a rally June 17, 2010 in Jerusalem, Israel. Tens of thousands of religious Israelis protested against a Supreme Court ruling which ordered the jailing of a group of Ashkenazi parents of European origin who have refused to send their daughters to a school with Jewish girls of Middle Eastern, or Sephardic, descent. (Photo by Uriel Sinai/Getty Images)

مجموعة يهودية تنحدر من إسبانيا والبرتغال، تعرضت للطرد من إسبانيا منتصف القرن الخامس عشر بعد سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس، ثم اتجهت نحو مناطق الدولة العثمانية، قبل أن ينتهي بها التطواف في إسرائيل خلال الهجرات اليهودية التي قدمت إليها بعد قيامها عام 1948.

 

ويطلق مصطلح السفارديم اليوم على اليهود الذين لا ينتمون إلى أصل أشكنازي غربي في المجتمع الإسرائيلي، ويصنف ضمن هذه المجموعة يهود المشرق العربي والعالم الإسلامي الذين هاجروا إلى فلسطين المحتلة واستوطنوا بها.

التسمية
يطلق على هذه المجموعة اليهودية -حسب ما جاء في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية لمؤلفها عبد الوهاب المسيري– اسم السفارديم والسفارد، وترجع إلى الأصل العبري "سفارديم"، ويشار إلى السفارد أيضاً بكلمة "إسبانيولي".

وسفارد اسم مدينة في آسيا الصغرى تم ربطها بإسبانيا عن طريق الخطأ، وأصبحت ابتداء من القرن الثامن الميلادي تطلق في العبرية للإشارة إلى إسبانيا.

رحلة الشتات
استقر أعضاء الجماعة اليهودية التي تسمى السفارديم في إسبانيا والبرتغال، وعاشوا في شبه جزيرة إيبيريا أيام الإمبراطورية الرومانية، وتقول الأبحاث التاريخية إن أهم فترة في تاريخهم هي الفترة التي حكم فيها المسلمون شبه الجزيرة الإيبيرية، حيث تعايشوا فيها مع المسلمين قرونا من الزمن في سلام ورخاء، وأصبحوا يتحدثون العربية ويفكرون ويكتبون بها.

واستمر الحال على ذلك النحو إلى حدود عام 1492، حيث أجبرهم الملوك الكاثوليك على التحول القسري إلى المسيحية أو الطرد، حين أمر الملكان الكاثوليكيان إيزابيلا ملكة قشتالة وفرديناند ملك أراغون بطرد كل من يرفض اعتناق الكاثوليكية، وهو القرار الذي تضررت منه أعداد كبيرة من المسلمين واليهود، الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على التخلي عن الأراضي التي عاش فيها أجدادهم قرونا من الزمن.

وبعد أكثر من خمسة قرون على هذه الحادثة وتحديدا في يونيو/حزيران 2015، تبنى مجلس النواب الإسباني بالإجماع قانونا يسمح لأحفاد اليهود الذين طردهم الملوك الكاثوليك من إسبانيا عام 1492 بالحصول على الجنسية بسرعة لتصحيح ما وصفوه "بالخطأ التاريخي".

وبعد صدور القانون بشكل نهائي أقام ملك إسبانيا فيليب السادس حفلا بالقصر الملكي في مدريد احتفاء ببدء سريان قانون منح الجنسية ليهود السفارديم، وقال في كلمته أمام ممثلي الجاليات اليهودية خلال الحفل "كتبنا صفحة من التاريخ بهذا القانون"، وأضاف "لقد اشتقنا إليكم".

ووافق مجلس الوزراء في اليوم التالي على مرسوم ملكي يمنح الجنسية عن طريق التجنيس إلى 4302 من السفارديم الذين أثبتوا أنهم أحفاد أولئك اليهود.

 

وكان على طالبي الجنسية تقديم وثائق تثبت أن عائلتهم تندرج في قائمة الأسر السفارديم التي تحميها إسبانيا، أو تبرير أصل لقبهم، أو تحدثهم بلغة لادينو الإسبانية القديمة، أو شهادة من طرف الجالية اليهودية المعترف بها في إسبانيا، ولكنهم لا يستطيعون طلب هذه الجنسية إلا بعد إقامتهم سنتين في إسبانيا أو برسالة تجنيس يبت فيها مجلس الوزراء.

وفي العام 1492 وبعد قرار ملوك الكاثوليك بطرد من يرفض اعتناق الكاثوليكية، اتجه السفارديم الرافضين لتغيير ديانتهم شرقا نحو المناطق الواقعة تحت حكم الدولة العثمانية التي كانت تضم شبه جزيرة البلقان وشمال أفريقيا، ويعد ميناء سالونيكا (في شبه الجزيرة اليونانية) عاصمة السفارد في العالم حتى الحرب العالمية الأولى، فقد كانت هذه المدينة -بحسب المسيري- تضم أغلبية سفاردية. ومن أهم المدن الأخرى التي استقر فيها السفارد في الدولة العثمانية: أدرنة والأستانة وصفد والقدس والقاهرة.

وفي استمرار لاحق لرحلة شتات السفارديم بدأت مجموعات منهم بعد نحو قرن من الزمن التوجه نحو أوروبا وأميركا والبرازيل، ثم أدت التقلبات العميقة التي عاشها العالم في بدايات وأواسط القرن العشرين إلى تشتيتهم من مراكزهم الأساسية، خاصة أن سكان عاصمتهم سالونيكا التي كانت مدينة تركية في شبه الجزيرة اليونانية تم إخلاؤهم وتهجيرهم إلى تركيا، وبعد قيام دولة إسرائيل تسارعت وتيرة هجرة السفارديم إليها من كل حدب وصوب.

ومن بين هؤلاء اليهود العرب الذين هاجروا من دول عربية في مقدمتها العراق، ودول الشام، ومصر، واليمن ودول شمال أفريقيا. وتقول بعض الأرقام إنهم شكلوا نحو 54% من عدد المهاجرين إلى إسرائيل في خمسينيات القرن الماضي.

ويؤكد المسيري في موسوعته أن السفارد حققوا حضورا غير عادي في المجتمعات الغربية وخصوصا هولندا، وكانت أعداد منهم من يهود البلاط، وقد بلغوا ذروة نفوذهم المالي في القرن السابع عشر، ولكن وضعهم أخذ في التدهور بعد ذلك التاريخ، وذلك مع بروز القوة البريطانية وانكماش القوة الهولندية.

ومع الحرب العالمية الثانية كان يهود العالم يبلغون 16.5 مليونا منهم 15 مليون إشكنازي، والباقي سفارد بالمعنيين الديني والعرقي.

وبشأن الفوارق والاختلافات بين السفارد والإشكناز، يرى المسيري أنه لا توجد اختلافات جوهرية بينهما في العقائد، فكلاهما يعتبر أن التلمود البابلي تبنى التلمود البابلي (وليس الفلسطيني) مرجعاً وحيداً في الأمور الدينية، ومع ذلك ظلت بينهما -فيما عدا ذلك- اختلافات، بعضها سطحي والآخر عميق، وتعود إلى اختلاف البيئات الحضارية التي يعيش في كنفها أعضاء الجماعات اليهودية السفاردية والأشكنازية.

ويرصد المسيري مجموعة من الاختلافات العامة بين المجموعتين من أهمها:
– أن السفارد بسبب مستواهم الثقافي العالي يتسمون باتساع الأفق، أما الأشكناز فلم ينفتحوا على الحضارات التي عاشوا بين ظهرانيها رغم تأثرهم بها، وانغلقوا على الكتاب المقدَّس والتلمود وعلى تفسير النصوص الجزئية.

– لم يحاول الأشكناز جَمْع الشريعة وتقنينها والتوصل إلى مبادئها العامة، على عكس السفارد الذين فعلوا ذلك نتيجة لاحتكاكهم بالحضارة الإسلامية ومفهوم أصول الدين.

– يُلاحَظ أن التأثير الفكري للسفارد في الأشكناز كان عميقاً، وأن الفكر المسيحي ترك أثره في الفكر الديني للأشكناز، فظاهرة الاستشهاد فيما يُعرَف بمصطلح "تقديس الاسم" (بالعبرية: «قيدوش هاشيم») ظاهرة أشكنازية لعلها جاءت نتيجة تأثير "واقعة" الصلب في المسيحية على اليهود. أما المارانية -وهي شكل من أشكال التَقية- فهي ظاهرة سفاردية. ويمكن ملاحظة تأثير الفكر المسيحي في الحسيدية أيضاً، على عكس الفكر السفاردي الذي تأثر في بعض جوانبه بالفكر الديني الإسلامي.

– كما يُلاحَظ أيضا أنه بعد فترة من التبعية للفكر السفاردي بدأ الأشكناز في الإبداع في مجال الفكر الديني والدنيوي، فظهرت حركة التنوير في صفوفهم، كما ظهر بينهم علم اليهودية، وكذلك جميع الحركات الدينية في اليهودية الإصلاحية والمحافظة والأرثوذكسية والتجديدية.

 

عنصرية وتمييز
رغم الأولوية والأهمية الفائقة التي أعطاها مؤسسو دولة إسرائيل لهجرة اليهود، فإنهم ميزوا منذ البداية بين هجرة اليهود من الدول الأوروبية أو اليهود الأشكناز (الغربيين) وبين اليهود العرب الشرقيين (السفارديم) الذين نظروا إليهم نظرة شك وعدم ثقة لتدني مستواهم الاجتماعي والثقافي في نظرهم بالمقارنة مع يهود أوروبا.

ولقد تبنى هذا الموقف علنا ديفد بن غوريون الذي كتب في مذكراته يقول "إن يهود أوروبا شكلوا شخصية الشعب اليهودي في العالم بأسره، والصهيونية هي في الأساس حركة اليهود الغربيين"، مشبّها يهود البلاد العربية "بالزنوج الذين أحضروا إلى أميركا كعبيد".

ومع أن اليهود الشرقيين شكلوا نحو 54% من عدد المهاجرين إلى إسرائيل في الخمسينيات، فإن السلطة ظلت في يد اليهود الأشكناز الذين طبقوا سياسة تمييز في حق جماعات اليهود الشرقيين جعلتهم في مرتبة أدنى.

وهكذا جرى توطين اليهود الشرقيين في الضواحي وفي المستوطنات التي أنشئت بعيدا عن المدن الكبيرة لا سيما في الجليل وعلى طول الحدود الشرقية. وتعمدت الدولة تشتيت المهاجرين الشرقيين في الضواحي وفي المستوطنات التي أنشئت بعيدا عن المدن الكبيرة لا سيما في الجليل وعلى طول الحدود، واستخدمتهم كيد عاملة رخيصة في قطاع الزراعة والصناعة حيث كان الشرقيون يقومون بالأعمال الدنيا وينالون أجورا أدنى.

وبالإضافة إلى ذلك تتعدد المؤشرات والحوادث الدالة على تفاقم منسوب العنصرية والتمييز ضد السفارديم داخل إسرائيل، منها ما حدث عام 2010 حين تظاهر يهود أشكناز للتعبير عن رفضهم اختلاط بنات طائفتهم مع طالبات السفارديم في مدرسة دينية بمستوطنة عمانويل بالضفة الغربية.

كما أكدت دراسات إسرائيلية سابقة أن نسبة الحاصلين على شهادة الثانوية العامة بين الطلاب من أصول شرقية تبلغ 51%، وتعد هذه النسبة أقل بـ22% من نسبة الطلاب اليهود من أصول غربية والبالغة نحو 73%.

كما يسيطر الأشكناز غالبا على أبرز المواقع في الدولة وخاصة الأمنية والعسكرية مثل قيادة الموساد والشاباك ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووزارة الأمن الداخلي.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية