جوزيف كابيلا.. تاريخ من التمرد والتمرد المضاد في الكونغو الديمقراطية

جوزيف كابيلا، رئيس سابق لجمهورية الكونغو الديمقراطية، ونجل الرئيس الراحل لوران ديزيريه كابيلا، عاش طفولته في شرق الكونغو ثم العاصمة الأوغندية دار السلام، وفيها التحق بالمدرسة الفرنسية.
تدرب في معسكرات المتمردين شرق الكونغو في 1996، ثم واجههم بعد أن تمردوا على والده الذي أصبح رئيسا عام 1997، وبعد اغتياله خلفه على المنصب الرئاسي، قاد مرحلة انتقالية انتهت بانتخابه رئيسا في عام 2006 ثم أعيد انتخابه في 2011، رغم اتهامات له من المعارضة ومنظمات دولية بتزوير النتائج.
في يناير/كانون الثاني 2019، سلم الرئاسة لخلفه المعارض فيليكس تشيسيكيدي بعد موجة احتجاجات ضد تأجيل انتخابات 2016، وأصبح حليفا للرئيس الجديد، قبل أن ينهار التحالف عام 2020، ثم تفاقم الخلاف بعد اتهامه بمناصرة متمردي حركة إم 23 شرق البلاد في أبريل/نيسان 2025.
المولد والنشأة
وُلد جوزيف كابيلا في منطقة جنوب كيفو بشرق الكونغو في الرابع من يونيو/حزيران 1971، في وقت كان فيه والده المعارض التاريخي لوران ديزيريه كابيلا يقود محاولات تلو أخرى للإطاحة بالرئيس الراحل موبوتو سيسي سيكو.
وأُطلقت الأسرة على جوزيف اسما غير اسمه الحقيقي خوفا عليه من استخبارات الرئيس سيكو، قبل أن ينتقل رفقة عائلته إلى أوغندا وتنزانيا وهو في سن مبكرة.
وُصفت عائلة كابيلا بأنها كانت تعيش حياة مترفة في أوغندا، التي انتقلت إليها من شرق الكونغو الديمقراطية.

الدراسة والتكوين
التحق جوزيف بالمدرسة الفرنسية في العاصمة دار السلام بتنزانيا، لكن مساره الدراسي لم يستمر طويلا، فلم يحصل على مؤهلات أكاديمية تذكر، وأوكَل إليه والده في مرحلة المراهقة الإشراف على بعض مشاريعه التجارية.
ولاحقا سجل في معهد للفنون بالولايات المتحدة الأميركية، يعتمد الدراسة عبر المراسلة، لكن شهاداته لا تعترف بها وزارة التعليم الأميركية.
التجربة العسكرية
في عام 1996، وبينما كان في سن الـ25 من عمره، التحق جوزيف بجبهات القتال في شرق الكونغو، وكانت قوات والده تستعد للزحف على العاصمة كينشاسا، مستفيدة من دعم سخي من نظام بول كاغامي في رواندا ويوري موسيفيني في أوغندا، ومن تقدم موبوتو سيسي سيكو في السن وتراجع دعم حلفائه الأميركيين والفرنسيين.
وخضع كابيلا لتدريب مكثف على استخدام الأسلحة تحت إشراف قائد أركان الجيش الرواندي، ومُنح في نهاية التدريب رتبة لواء، لكن لم يكن له دور يُذكر في إسقاط نظام موبوتو عام 1997.
وبعد إمساك والده بمقاليد الحكم في كينشاسا، تولى جوزيف مواجهة قوات المتمردين في شرق البلاد المناوئين لنظام كابيلا.

حل وسط لخلافة والده
بعد أن تولى الحكم عقب الإطاحة بنظام موبوتو سيسي سيكو، واجه الرئيس لوران ديزيريه كابيلا إخفاقا مدويا وتصاعد التمرد المسلح ضد نظامه، إضافة إلى تزايد الامتعاض داخل الجيش، الذي تكبد خسائر فادحة وتعرض لهزيمة نكراء في معركة بويتو أواخر عام 2000.
وفي 16 يناير/كانون الثاني 2001، اغتيل الرئيس لوران برصاصات من مسدس حارسه الشخصي لدوافع لم تُعرف، لكون قائد الحرس الرئاسي قتل الجاني على الفور رغم أنه كان مصابا بطلق ناري من بندقية أحد زملائه، فغابت الحقيقة مع الحارس المقتول.
وفي الأثناء استُدعي جوزيف كابيلا من جبهة القتال لتولي مقاليد الحكم بوصفه نجل القائد المغتال، وباعتباره حلا وسطا بين القيادات العسكرية المتصارعة على الحكم.
حوار سياسي وانتخابات
بعد توليه الرئاسة سعى جوزيف إلى إنهاء الحرب من خلال فتح حوار سياسي مع زعامات التمرد في شرق البلاد، وهو ما أثمر عقد اتفاقيات سلام مع المتمردين، بموجبها انخرط قادة أبرز حركات التمرد في المسار الانتقالي.
وتم تعيين قائدي أبرز فصيلين متمردين في منصب نائبي الرئيس، في مرحلة انتقالية تمهد لإجراء انتخابات رئاسية، كما تم دمج فصائل من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقيات السلام في صفوف الجيش.
وترشح جوزيف كابيلا للانتخابات الرئاسية رغم رفض المعارضة، التي طعنت في أصوله واعتبرت أنه ينحدر من تنزانيا، بل تم ترويج إشاعات تقول إنه ليس من صلب لوران ديزيريه كابيلا.
وكان المتمرد السابق ونائب الرئيس جان بيير بيمبا أبرز منافسي جوزيف في الانتخابات التي أجريت عام 2006.

فاز جوزيف في الشوط الثاني من الانتخابات في ظل اتهامات بالتزوير أكدتها مؤسسة كارتر وبعثة الاتحاد الأوروبي.
وبعد معارك عنيفة استُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة قبِل المرشح جان بيير بيمبا نتيجة الاقتراع وتعهد بمعارضة نظام جوزيف كابيلا وفق الأسس الديمقراطية السلمية.
من التمرد المسلح إلى الاحتجاجات الشعبية
في عام 2007 تجددت المواجهة بين الرئيس جوزيف كابيلا وغريمه المتمرد السابق جان بيير بيمبا، إثر رفض حرس بيمبا الاندماج في الجيش، قبل أن تنتهي هذه المواجهة بمغادرة بيمبا البلاد إلى أوروبا، وهناك أوقفته الشرطة الدولية (الإنتربول) في بروكسل بتاريخ 24 مايو/أيار 2008، وحوكم بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وأثناء ولايته الرئاسية الأولى استطاع جوزيف تحقيق مستويات لا بأس بها من النمو والاستقرار، ثم عادت اتهامات التزوير لتشوب رئاسيات 2011 التي فاز فيها بصعوبة بالغة على الزعيم التاريخي للمعارضة تشين تشيسيكيدي.
ورغم تجدد التمرد المسلح شرق البلاد، فإن جوزيف تمكن من القضاء بشكل شبه كامل على الحركات المسلحة، وخصوصا بعد معارك عامي 2012 و2013 التي هزم فيها الجيش الكونغولي قوات حركة "إم 23" حديثة النشأة حينها.
لكن التوتر عاد مجددا في سبتمبر/أيلول 2016، على شكل احتجاجات شعبية مناهضة للرئيس، بعد أن سعى إلى تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في العام ذاته، وكانت تمنعه القيود الدستورية على عدد الولايات الرئاسية من الترشح من جديد.
لقي العشرات مصرعهم على يد قوات الأمن في الاحتجاجات التي اندلعت في أعقاب قرار التأجيل الذي صدر عن لجنة الانتخابات، إذ رأى خصوم جوزيف كابيلا أن القرار مناورة لإبقائه في السلطة.
وانتهت الأزمة بإجراء انتخابات رئاسية في 30 ديسمبر/كانون الأول 2018 فاز فيها مرشح المعارضة فيليكس تشيسيكيدي بحصوله على 38.57% من أصوات الناخبين مقابل 34.8% لمنافسه المعارض مارتن فايولو، فيما حصل إيمانويل رمضاني شاداري المرشح المدعوم من جوزيف كابيلا على نسبة 23.8% فقط من الأصوات.

انهيار التحالف مع تشيسيكيدي
عقب تسليم الرئاسة إلى تشيسيكيدي في يناير/كانون الثاني 2019 أصبح جوزيف حليفا للرئيس الجديد، بينما راجت معلومات حول صفقة سرية تم بموجبها تزوير الانتخابات لصالح تشيسيكيدي على حساب المرشح مارتن فايولو.
لكن التحالف السياسي الذي جمع الرئيس وخليفته انهار بحلول نهاية عام 2020، ما تسبب في تعميق الانقسامات السياسية داخل البلاد.
وفي عام 2023، غادر كابيلا جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى جنوب أفريقيا بحجة متابعة دراساته الأكاديمية، وأعلن عن نقاش أطروحته للدكتوراه في يناير/كانون الثاني 2024 بجامعة جوهانسبرغ، حول الجغرافيا السياسية لعلاقات أفريقيا مع الولايات المتحدة والصين وروسيا.
العودة من بوابة المتمردين
في شهر أبريل/نيسان 2025، وبعد نحو سنتين قضاهما خارج البلاد، أعلن جوزيف كابيلا التحضير للعودة، وعن رغبته في المساعدة في حل الأزمات الأمنية والمؤسسية التي تعيشها الكونغو الديمقراطية، وأشار إلى أنه انزوى عن الشأن العام لمدة 6 سنوات.
وفي 18 من الشهر نفسه وصل إلى شرق الكونغو وتحديدا مدينة غوما التي يسيطر عليها المتمردون، بينما جاء الرد سريعا من حكومة كينشاسا التي حظرت نشاط "حزب الشعب للإعمار والديمقراطية" واتهمته بدعم التمرد المسلح شرق البلاد.