معاهدة لوزان 2.. اتفاقية مهدت لتأسيس الجمهورية التركية
"معاهدة لوزان" اتفاقية سلام دولية؛ وُقعت عام 1923 في لوزان بسويسرا بين كل من تركيا وبريطانيا وفرنسا، وتألفت من 143 مادة أعادت تنظيم العلاقات بين هذه الدول في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وينظر إليها الأتراك باعتبارها "وثيقة تأسيس للجمهورية التركية"، كما وصفها بذلك مرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
السياق التاريخي
إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 أبرمت الدول المتحالفة المنتصرة فيها "معاهدة سيفر" يوم 10 أغسطس/آب 1920 فتقاسمت بموجبها أراضي الدولة العثمانية، وأعطت معظم القوميات غير التركية في الدولة العثمانية استقلالها، ولكن الأتراك رفضوا هذه المعاهدة وخاضوا حربا شرسة ضد الحلفاء حتى انتصروا عليهم انتصارا كبيرا، وخاصة على اليونان خلال حرب 1922-1923.
وفي أعقاب ذلك عُقد "مؤتمر لوزان" الثاني الذي استمرت أعماله ثلاثة أشهر، وتمخض عن توقيع "معاهدة لوزان" يوم 24 يوليو/تموز عام 1923 في فندق "بوريفاج بلاس" بمدينة لوزان جنوبي سويسرا. وكانت أطراف المعاهدة القوى الاستعمارية المنتصرة بعد الحرب العالمية الأولى (خاصة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا)، والإمبراطورية العثمانية التي ترأس وفدها إلى المؤتمر عصمت إينونو.
وضعت هذه المعاهدة حدا لإمبراطورية الخلافة العثمانية التي كانت الدول الغربية تسميها آنذاك "الرجل المريض"، وأسست لقيام الدولة التركية القومية الحديثة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك وعاصمتها أنقرة.
وقد سُميت "معاهدة لوزان الثانية" تمييزا لها عن اتفاقية لوزان الأولى (معاهدة أوشي) الموقعة في 18 أكتوبر/تشرين الأول عام 1912 بين إيطاليا والدولة العثمانية، والقاضية بانسحاب الأخيرة من ليبيا لصالح إيطاليا.
أبرز المضامين
تضمنت "معاهدة لوزان" 143 مادة موزعة على 17 وثيقة ما بين "اتفاقية" و"ميثاق" و"تصريح" و"ملحق"، وتناولت هذه المواد ترتيبات الصلح بين الأطراف الموقعة على المعاهدة، وإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينها "وفقا للمبادئ العامة للقانون الدولي".
كما نظمت استخدام المضايق المائية التركية وقواعد المرور والملاحة فيها زمن الحرب والسلم، واحتوت نصوصا تحدد شروط الإقامة والتجارة والقضاء في تركيا، وإعادة النظر في وضعية الدولة العثمانية ومآل الأراضي التي كانت تابعة لها قبل هزيمتها في الحرب العالمية الأولى خلال 1914-1918.
فقد أبطلت المعاهدة العمل بـ"معاهدة سيفر" وبنودها المجحفة بحق الدولة العثمانية، وأسست لما عُرف لاحقا بـ"الجمهورية التركية" العلمانية بعد إلغاء نظام الخلافة الإسلامية، ورسّمت حدود اليونان وبلغاريا مع الدولة التركية التي حافظت على ضم إسطنبول وتراقيا الغربية، وتضمنت بنودا تتعلق بتقسيط ديون الدولة العثمانية.
وقضت بتخلي تركيا عن السيادة على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام، باستثناء مدن كانت تقع في سوريا مثل أورفا وأضنة وغازي عنتاب وكلس ومرعش، وبتنازل الدولة العثمانية عن كافة حقوقها السياسية والمالية المتعلقة بمصر والسودان اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1914.
ونصت معاهدة لوزان على حماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية بتركيا والأقلية المسلمة باليونان، وألزمت الحكومة التركية بالمحافظة على حياة وحقوق وحرية جميع المواطنين ضمن أراضيها، وبمساواتهم أمام القانون بغض النظر عن الأصل والقومية واللغة والدين.
كما ألزمتها بعدم وضع أي قيود على المواطنين في استخدام أي لغة يختارونها مهما كانت، سواء أكان ذلك في العلاقات الخاصة أم في الاجتماعات العامة أم في مجالات الدين والتجارة والإعلام والنشر. مع التأكيد على حقوق السيادة السياسية والاقتصادية للدولة التركية وإلغاء تطبيق نظام الامتيازات الأجنبية على أراضيها.
ومن أهم الآثار السياسية المترتبة على "معاهدة لوزان" الثانية -حسب السياسيين الأكراد- أنها كرست تناسي الكرد وحقوقهم حين تجاهلت منحهم الاستقلال بدولة قومية خاصة بهم، كما نصت عليه "معاهدة سيفر". وهو ما كان بداية لقضيتهم التي أصبحت مصدر قلق وتوتر للعديد من دول المنطقة وازدادت تعقيدا مع مرور الأيام، تاركة آثارا سياسية وإنسانية كبيرة وخطيرة، وفق مراقبين.