صبرا وشاتيلا.. جرح نازف في ذاكرة الفلسطينيين

PRI60 - 19820918 - BEIRUT, LEBANON : (FILES) A picture dated 18 September 1982 shows bodies of Palestinians killed 17 September 1982 in the refugee camp of Sabra as civil defense workers prepare to take them away. Former Lebanese Christian militia leader Elie Hobeika, killed 24 January 2002 when his car blew up in Beirut, told a pair of Belgian senators 22 January 2002 that he felt 'threatened', and that he had 'revelations' about the Sabra and Shatila massacres, one of the senators, Josy Dubie, told AFP. EPA PHOTO FILES
جثث القتلى ضاقت بهم شوارع مخيم صبرا وشاتيلا (الأوروبية)

مجزرة صبرا وشاتيلا ارتكبها الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي والقوات اللبنانية (الجناح العسكري لحزب الكتائب) ضد اللاجئين الفلسطينيين في مخيم صبرا وشاتيلا، واستمرت بين 16 و18 سبتمبر/أيلول 1982.

لم تكن مجزرة صبرا وشاتيلا أولى مجازر الاحتلال بحق الفلسطينيين ولا الأخيرة، فقد سبقتها مجازر الطنطورة وقبية ودير ياسين، وأعقبتها مذبحة مخيم جنين ومجازر منسية أخرى في غزة والضفة الغربية، لكن بشاعة مجزرة صبرا وشاتيلا وطبيعة ظروفها جعلتاها علامة فارقة في الضمير الجمعي الفلسطيني.

ولا تزال الصور التي وثقت مشاهد عشرات الجثث المتناثرة في أزقة مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين في لبنان والمنازل المدمرة، وأشلاء الفتيات الممزوجة بالطين والغبار، وبركة الدماء التي تطفو فوقها أطراف طفل مبتورة؛ حاضرة بكامل تفاصيلها الدقيقة في ذاكرة الفلسطينيين والمناصرين لقضيتهم.

المكان

صبرا هو اسم حي تابع إداريا لبلدية الغبيري في محافظة جبل لبنان، تحدّه مدينة بيروت من الشمال، والمدينة الرياضية من الغرب، ومدافن الشهداء من الشرق، ومخيم شاتيلا من الجنوب.

سكنت مخيم صبرا نسبة كبيرة من الفلسطينيين، لكنه لا يُعدّ مخيمًا رسميًّا للاجئين رغم ارتباط اسمه بشاتيلا الذي يعدّ مخيمًا دائما للاجئين، إذ أسسته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) عام 1949، لإيواء مئات من الذين تدفقوا إليه من قرى شمال فلسطين بعد النكبة.

الزمان

استمرت المجزرة من يوم 16 إلى 18 سبتمبر/أيلول 1982 ضد اللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا، ووصفها بعض من عايشها بأنها "الأبشع في التاريخ الإنساني".

وصنفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" ما حدث في صبرا وشاتيلا ضمن "جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية".

المتورطون

ارتكب مجزرة صبرا وشاتيلا حزب الكتائب اللبناني المسيحي "القوات اللبنانية" بقيادة إيلي حبيقة، وجيش لبنان الجنوبي بقيادة سعد حداد، والجيش الإسرائيلي بقيادة أرييل شارون.

وجيش لبنان الجنوبي أسسته إسرائيل أثناء اجتياحها لبنان في يونيو/حزيران عام 1982، وهرب أغلب عناصره إلى إسرائيل بعد تحرير الجنوب عام 2000.

السياق التاريخي

استغلت إسرائيل محاولة اغتيال سفيرها في إنجلترا شلومو آرغوف، لتبدأ قصفا مركزا استهدف مواقع تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان صيف عام 1982، تبعه اجتياح بري ضخم يوم السادس من يونيو/حزيران.

حوصرت بيروت الغربية بالكامل، ودارت اشتباكات برية استمرت نحو شهرين بين القوات المشتركة التي ضمّت فدائيين من منظمة التحرير ومقاتلين من القوى الوطنية اللبنانية وكتيبة سورية من جهة، والقوات الإسرائيلية التي قصفت العاصمة وارتكبت مجازر بحق المحاصرين وقطعت عنهم الماء والكهرباء من جهة أخرى.

انتهى الأمر باتفاق يقضي بخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، وتشتيت مقاتليها في عدد من الدول العربية، عقب الحصول على ضمانات أميركية بحماية المخيمات بعد إرسالها قوات حفظ سلام انسحبت بسرعة فيما بعد.

وبعد ظهر 14 سبتمبر/أيلول 1982، دوى انفجار ضخم هز أركان بيروت، ليتبين أنه استهدف قائد مليشيا الكتائب اللبنانية بشير الجميل عندما كان يخطب في زملائه أعضاء الحزب، حيث قتل بشير و26 آخرون من أعضاء الحزب.

يوم 16 سبتمبر/أيلول 1982، أي مباشرة بعد مقتل بشير ودفنه، دخلت 3 فرق تابعة لمليشيات القوات والكتائب قادها إيلي حبيقة (هناك حديث عن مشاركة قوات تابعة لما يسمى بجيش لبنان الجنوبي العميل لإسرائيل بقيادة الرائد سعد حداد) إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا، تحت ذريعة البحث عن 1500 مسلح فلسطيني.

طوّقت القوات الإسرائيلية الموقع مع إنارته ليلا بالقنابل المضيئة لتسهيل مهمة القتلة بعيدا عن أنظار العالم ووسائل الإعلام، ويتحدث البعض أن أرييل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي اعتلى سطح مبنى السفارة الكويتية السابق والمطل على المخيم، للإشراف بنفسه على مراقبة مجريات المجزرة.

جاءت مجزرة صبرا وشاتيلا بعد اجتياح إسرائيل للبنان، وتعرض المخيم لقصف متواصل خلّف دمارا هائلا وضحايا بالعشرات على مدار 88 يوما من الحرب والحصار لبيروت ومخيماتها.

وبدأت مقدمات المجزرة يوميْ 13 و14 من سبتمبر/أيلول 1982 عندما تقدمت القوات الإسرائيلية المحمية بغطاء جوي كثيف إلى داخل العاصمة بيروت بعد أن غادرها مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية، ونشرت عشرات الدبابات على أطراف مخيم صبرا وشاتيلا فأحكمت حصارها على المخيم، وذلك إثر اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل يوم 14 سبتمبر/أيلول 1982.

وخرقت إسرائيل بذلك اتفاق فيليب حبيب (المبعوث الخاص للرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان إلى الشرق الأوسط)، وهو أول اتفاق رسمي يُتوصل إليه بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية ووقعه الطرفان في 24 يوليو/تموز 1981.

ونص الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وانسحاب مقاتلي المنظمة مقابل التعهد بحماية المخيمات واللاجئين في لبنان، وعدم دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت مع نشر قوات متعددة الجنسيات لضمان ذلك.

تفاصيل المجزرة

مع حلول ظلام يوم 16 سبتمبر/أيلول 1982، بدأ جنود الجيش الإسرائيلي والمجموعات الانعزالية (مقاتلو القوات اللبنانية وجيش لبنان الجنوبي) التقدم عبر الأزقة الجنوبية الغربية إلى مخيم صبرا وشاتيلا المقابلة لمستشفى عكا في منطقة كانت تسمى "الحرش"، وانتشروا في جميع شوارع المخيم وسيطروا عليه بالكامل.

وعلى مدار 3 أيام بلياليها، ارتكبت المجموعات الانعزالية والجنود الإسرائيليون مذابح بشعة ضد أهالي المخيم العزل، استخدموا فيها الرشاشات والمسدسات والسكاكين والسواطير والبلطات.

ونقل شهود عايشوا المجزرة مشاهد لحوامل بقرت بطونهن وألقيت جثثهن في أزقة المخيم، وأطفال قطعت أطرافهم، وعشرات الأشلاء والجثث المشوهة التي تناثرت في الشوارع وداخل المنازل المدمرة، كما اقتادوا ممرضين وأطباء من مستشفى عكا إلى وجهات أخرى حيث تمت تصفيتهم.

وبعد عقود من المجزرة، ما زال عدد الأشخاص الذين راحوا ضحيتها غير واضح، وتشير التقديرات إلى سقوط قتلى يقدّر عددهم بين 700 و5 آلاف.

ولعل الرقم الذي يبدو أقرب إلى الدقة من بين مجمل ما نشر هو ما توصلت إليه الباحثة الفلسطينية بيان نويهض الحوت، ونشرته في كتابها "صبرا وشتيلا-سبتمبر 1982″، حيث قدّرت عدد القتلى بـ1300 شخص على الأقل، واستندت في ذلك إلى مقارنة 17 قائمة لأسماء الضحايا ومصادر أخرى.

ويعود الخلاف في تحديد أعداد الضحايا إلى دفن عدد منهم في قبور جماعية سواء من قبل القتلة أو من الصليب الأحمر أو الأهالي، كما أن هناك عددًا كبيرًا من الجثث دفنت تحت ركام البيوت المهدمة، إضافة إلى مئات الأشخاص الذين اختطفوا واقتيدوا إلى أماكن مجهولة ولم يعودوا أو يُعرف مصيرهم.

عقاب غائب

ورغم بشاعة المجزرة، فإن المجتمع الدولي لم يقدم الجناة وقادتهم إلى أي محكمة، ولم يعاقب أيا منهم على ما ارتكبه، واقتصر الأمر على لجان تحقيق خلصت إلى نتائج لم تلحقها متابعات قانونية.

وشكلت إسرائيل عام 1982 لجنة تحقيق قضائية للتحري في ظروف المجزرة والمسؤولين عنها، وهي لجنة مستقلة ضمت 3 أعضاء عرفت بـ"لجنة كاهان".

واستنتجت لجنة التحقيق الإسرائيلية أن المسؤول المباشر عن مجزرة صبرا وشاتيلا هو اللبناني إيلي حبيقة (مسؤول مليشيات حزب الكتائب آنذاك) الذي قتل بتفجير سيارة مفخخة في بيروت 2002.

وأكدت اللجنة أن وزير الدفاع آنذاك أرييل شارون وعددا من الضباط الكبار في الجيش الإسرائيلي كانوا مسؤولين مسؤولية غير مباشرة عن هذه المذابح. وبعد إعلان نتائج التحقيق، أرغم شارون على الاستقالة من منصبه لكنه احتفظ بمنصب وزير بلا حقيبة في الحكومة.

وانتقدت اللجنة رئيس الوزراء في تلك الفترة مناحيم بيغن، ووزير خارجيته إسحق شامير، ورئيس أركان الجيش رفائيل إيتان، وقادة المخابرات، وقالت إنهم لم يقوموا بما يكفي لمنع "المذبحة"، أو لإيقافها حينما بدأت.

ومن جانبها، أصدرت "لجنة ماكبرايد" المستقلة (أنشئت بشكل غير رسمي للتحقيق في الخروق الإسرائيلية للقانون الدولي خلال غزوها للبنان) تقريرا عام 1983، وخصصت فصلا منه لمجزرة صبرا وشاتيلا.

هذه اللجنة شكلها رجال قانون بارزون من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا برئاسة المحامي والسياسي الأيرلندي البارز شون ماكبرايد، ويعدّ عملها أهم تحقيق دولي في مجزرة صبرا وشاتيلا.

وأكدت اللجنة -في تقريرها- أن إسرائيل تتحمل العبء الأكبر من المسؤولية القانونية عن المجزرة، واتهمتها بالمشاركة في التخطيط والتحضير للمذابح وتسهيل حوادث القتل من الناحية الفعلية، ورأت أن المليشيات اللبنانية قامت بدور المنفذ للمجزرة.

وفي 2001 رفع ناجون فلسطينيون ولبنانيون من المجزرة دعوى لدى القضاء البلجيكي ضد شارون والمتورطين الآخرين، غير أن ضغوط اللوبي اليهودي أدت إلى إدخال تعديلات على القانون البلجيكي منعت المضي قدما في القضية.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية