حزب العدالة والتنمية التركي.. أسسه أردوغان وأوصله للقصر الرئاسي في أنقرة
حزب تركي تأسس عام 2001 بعد انشقاق مؤسسيه عن حزب الفضيلة. وصل إلى حكم البلاد في 2002. يرفع شعار تركيا الجديدة، ويتبنى نهجًا اقتصاديًا ليبراليا وفق نموذج خاص، فيما يوصف بأنه محافظ اجتماعيا.
حقق الحزب بزعامة رجب طيب أردوغان شهرة إقليمية وعالمية بفضل نجاحاته السياسية والاقتصادية الكبيرة التي جعلت تركيا في مصاف الدول المتقدمة.
النشأة والتأسيس
شُكل حزب العدالة والتنمية يوم 14 أغسطس/آب 2001 من قبل النواب المنشقين عن حزب الفضيلة الإسلامي، الذي تم حله بقرار صدر من المحكمة الدستورية التركية في 22 يونيو/حزيران 2001، وكانوا يمثلون جناح المجددين في حزب الفضيلة.
بلغ عدد أعضائه المؤسسين 63 شخصا برئاسة رجب طيب أردوغان، الذي انتخب أول زعيم للحزب، وعرف التنظيم خلال رئاسته نجاحات ذات صدى إقليمي وعالمي.
وحزب العدالة والتنمية هو الثالث والتسعون بعد المائة ضمن الأحزاب السياسية التي دخلت الحياة السياسية التركية.
التوجه الفكري
يمثل هذا الحزب الجناح الإسلامي المعتدل في تركيا، ويحرص على ألا يستخدم الشعارات الدينية في خطاباته السياسية، ويؤكد أنه لا يحبذ التعبير عن نفسه بأنه حزب إسلامي، فهو حزب يحترم الحريات الدينية والفكرية ومنفتح على العالم ويبني سياساته على التسامح والحوار.
ويؤكد الحزب عدم معارضته للعلمانية وللمبادئ التي قامت عليها الجمهورية التركية، كما يؤيد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
اقتصاديا، يتبنى الحزب نموذج اقتصاد السوق المفتوحة، ويقول إنه يولي أهمية خاصة لمفهوم الدولة الاجتماعية، ويؤمن بالإنسان مصدرا أول للتطور الاقتصادي، ويرى أن "البطالة وغياب العدالة في توزيع الدخل أهم مشكلة اقتصادية واجتماعية".
كما يؤكد سعيه للحفاظ على قيم الأسرة والشباب من خلال دعم السياسات التي تخدم هذا الهدف، ودعم البرامج التعليمية والتدريبية.
وأعلن في 2021 عما سماه "نموذج الاقتصاد التركي الفريد"، في إشارة إلى نهج خفض الفائدة رغم ارتفاع معدلات التضخم.
الأهداف والمبادئ
يؤكد الحزب في أدبياته أنه حزب سياسي يحترم القوانين التركية، ويعمل للحفاظ على الأمة التركية ككتلة واحدة، من خلال صيانة التنوع الديني والثقافي والفكري للمواطنين، ورفض كل أشكال التمييز، وأنه يسعى للدفاع عن احترام جميع الحقوق السياسية للمواطنين في إطار نظام ديمقراطي تعددي، يحترم حرية التعبير.
يتبنى حزب العدالة والتنمية سياسة خارجية قائمة على تمكين تركيا من أدوات القوة الناعمة والخشنة في آن معا، ويرفع شعار "تركيا الجديدة" في إشارة إلى تنمية إمكانات البلاد داخليًا وخارجيًا.
كما تبنى الحزب في بداية تأسيسه وتسلمه زمام الحكم سياسة صفر مشاكل مع جميع الجيران والفاعلين الإقليميين والدوليين، إلا أنه اعتبارا من عام 2011، ومع اندلاع موجة الربيع العربي بدأ يتخذ نهجا أكثر تحركًا.
ودخلت تركيا في هذه الفترة في مرحلة من التحولات والتبدلات في علاقاتها الدولية، لكن منذ عام 2016 حاول الحزب استعادة سياسة صفر مشاكل دون تمكنه من ذلك نتيجة الظروف الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى التحديات الأمنية. لكن العام 2022 شهد تحولا ملموسا على هذا الصعيد.
الهيكلة والعضوية
لدى رئيس الحزب مساعدون مشرفون على عدة قطاعات بينها الانتخابات والشؤون القانونية والسياسية والتنظيم والإعلام والعلاقات الخارجية، والشؤون الاجتماعية والاقتصادية والعلاقات العامة.
وتشرف اللجنة الانضباطية على ضمان احترام القوانين المنظمة، وتشاركها في تنفيذ هذه المهمة هيئة مراقبة الديمقراطية الداخلية.
ويفسح الحزب المجال لكل المواطنين للانضمام إليه، شريطة التعهد بقبول واحترام قوانين الحزب.
الرموز والأعلام
تعاقب على رئاسة الحزب كل من رجب طيب أردوغان وأحمد داوود أوغلو وبن علي يلدرم، وانتهى المطاف بالحزب مجددا برئاسة أردوغان.
ارتبط الحزب بأسماء عدد من الشخصيات المؤسسة التي تركته لاحقا لأسباب مختلفة، مثل عبد الله غول الذي شغل منصب رئيس أول حكومة للحزب عام 2002 ووزير الخارجية فيما بعد ثم رئيس الجمهورية (2007-2014).
وغادره أيضا علي باباجان الذي كان وزيرا للاقتصاد ثم وزيرا للخارجية ونائبا ومستشارا لرئيس الوزراء حتى العام 2019، وأحمد داوود أوغلو وزير الخارجية السابق ورئيس الوزراء السابق (2014-2016).
كما تزعم الحزب وترأس الحكومة بعد داوود أوغلو بن علي يلدرم، الذي انتقل إلى منصب رئيس مجلس الأمة الكبير عام 2018 بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء بتحول البلاد إلى النظام الرئاسي.
كما اشتهر من قادة الحزب وذوي النفوذ فيه وزير العدل السابق عبد الحميد غل، ووزير الداخلية سليمان صويلو، ومستشار الرئيس التركي بولنت أرينتش، وإسماعيل قهرمان رئيس مجلس الأمة الكبير السابق.
المسار السياسي
بدأت تجربة الحزب الانتخابية يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2002 حين ظهر تفوقه على جميع التيارات السياسية الموجودة، حيث فاز بـ34% من الأصوات لكنه حصد 363 مقعدا برلمانيا، أي أكثر من 50% بفضل النظام الانتخابي الذي كان معمولا به.
لكن رئيس الحزب رجب أردوغان لم يستطع الترشح لمنصب رئيس الوزراء بسبب الحظر السياسي، والذي رُفع بعد تعديل حكومة عبد الله غول، للمادة 312 من قانون العقوبات التركي.
وبعد انتخاب أردوغان نائبا بالبرلمان في انتخابات الإعادة التي أجريت في سيرت بتاريخ 8 مارس/ آذار 2003، استقالت حكومة غول، وكلف الرئيس أحمد نجدت سيزر، أردوغان بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة.
ومثلت الانتخابات المحلية في 28 مارس/آذار 2004 اختبارا مهما للحزب، حيث نجح في إحراز المركز الأول بنسبة 42% من أصوات الناخبين بفوزه برئاسة 1950 بلدية في عموم البلاد. ثم أعاد الحزب تأكيد نجاحه في انتخابات عام 2007 التشريعية.
وفي العام نفسه، فاز عبد الله غل مرشح الحزب بالرئاسة في تصويت داخل البرلمان بنسبة 80% من الأصوات، خلفا للرئيس السابق أحمد نجدت سيزر.
فاز حزب العدالة والتنمية بالمركز الأول بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المحلية للعام 2009، وفي سبتمبر/أيلول 2010 احتفل الحزب بفوزه في الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
وفي يوم 13 يونيو/حزيران 2011، أحرز الحزب فوزا كبيرا في الانتخابات التشريعية بفوزه بنحو 50% من الأصوات، تلاه حزب الشعب الجمهوري بـ25.9%، ثم حزب الحركة القومية بـ13.24%، في حين فاز حزب السلام والديمقراطية والمستقلون الأكراد بـ5.8%.
ومكنت تلك النسبة حزب العدالة والتنمية من الفوز بـ327 مقعدا من أصل 550 هي عدد مقاعد البرلمان التركي، وكان يشغل 331 مقعدا في البرلمان السابق.
كما خاض الحزب امتحانا انتخابيا آخر من خلال خوضه انتخابات الإدارات المحلية لعام 2014، والتي حافظ فيها على شعبيته بحصوله فيها على 45.60% من الأصوات.
وبعد مسار لافت في رئاسة الحزب والحكومة، نجح رئيس الحزب رجب طيب أردوغان في انتخابات الرئاسة التركية التي جرت يوم 10 أغسطس/آب 2014، وحسم الفوز من الجولة الأولى ليكون الرئيس الثاني عشر لتركيا الحديثة، وكانت تلك أول انتخابات رئاسية تجري بطريقة الاقتراع الشعبي المباشر.
وكان المرشح الرئيسي للمعارضة التركية هو أكمل الدين إحسان أوغلو الذي اتصل بأردوغان مهنئا بالفوز ومتمنيا له النجاح في مهمته.
وحصل حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية بتاريخ 18 يونيو/حزيران 2015 على المرتبة الأولى بنسبة 40.87% و258 مقعدا، الأمر الذي لم يخوله تشكيل الحكومة بمفرده.
وبعد فشل كل المفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى انتخابات مبكرة في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حصل فيها حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى بنسبة 49.58% من الأصوات و316 مقعدا، مما خوله تشكيل الحكومة.
تحالف الجمهور
في 16 أبريل/نيسان 2017، نجح حزب العدالة والتنمية بالتحالف مع حزب الحركة القومية في تحويل البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، بعد استفتاء على تعديل دستوري نال تأييد أكثر من نصف المشاركين، نجم عنه عودة أردوغان لترؤس الحزب.
وفي 23 يونيو/حزيران 2018، فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مجددا بمنصب رئاسة الجمهورية بنسبة 52.5%، ملحقا الهزيمة بخصمه الأبرز محرم إنجه مرشح تحالف الشعب المعارض.
كما حصل تحالف الجمهور بقيادة حزب العدالة والتنمية على 53,65% في الانتخابات التشريعية التي أجريت في اليوم نفسه، وبذلك، دخل النظام الرئاسي رسميا حيز التأثير، وألغي بموجبه منصب رئيس الوزراء، وتحول البرلمان إلى جهة تشريعية رقابية دون مشاركة في تعيين الوزراء.
ورغم الفوز الكبير الذي حققه الحزب في هذه الانتخابات إلا أن شعبيته تراجعت نسبيا في التصويت على عضوية البرلمان، حيث حصد بمفرده نحو 40% فقط من الأصوات.
وجاء عام 2019 ليؤكد التراجع في شعبية الحزب، مع خسارته لبلديات بعض المدن الكبرى لأول مرة منذ تأسيسه، ولا سيما بلديات إسطنبول وأنقرة وإزمير، حيث هزم أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض بن علي يلدرم مرشح العدالة والتنمية في انتخابات 31 مارس/ آذار.
وعلى الرغم من إعادة الانتخابات في إسطنبول بناء على طلب من حزب العدالة والتنمية فإن إمام أوغلو أكد فوزه في جولة الإعادة في 23 يونيو/حزيران من العام نفسه.