طهران عاصمة إيران ومنطلق شرارة ثورتها

عاصمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأكبر مدنها من حيث المساحة وعدد السكان. تقع في شمال البلاد على سفوح جبال ألبرز، وتصنف ضمن أكثر مدن منطقة غرب آسيا اكتظاظا، وتشكل القلب النابض لإيران سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
تضم المدينة المقرات السيادية للدولة، بما في ذلك مكاتب المرشد الأعلى للثورة، ورئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس الشورى، إضافة إلى المؤسسات المالية الكبرى والجامعات والمراكز البحثية والثقافية.
طهران هي العاصمة الـ32 في تاريخ إيران، إذ انتقل مركز الحكم إليها في أواخر القرن الـ18، أثناء حكم القاجاريين، بعدما كانت مدينة شيراز مقر السلطة قبلها، وتطورت المدينة بعد ذلك لتصبح مركزا حضريا رئيسيا، يجمع بين المعمار التقليدي والتوسع العمراني الحديث.
ولطهران أيضا بعد تاريخي ودولي، إذ استضافت عام 1943 مؤتمرا جمع القادة الثلاثة للحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية: رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ونستون تشرشل، والرئيس الأميركي وقتها فرانكلين روزفلت، وزعيم الاتحاد السوفياتي السابق جوزيف ستالين.
تعرضت طهران في 13 يونيو/حزيران 2025 لغارات جوية إسرائيلية، استهدفت مواقع حساسة وسطها، كما كانت مسرحا لعمليات اغتيال لقادة كبار في الحرس الثوري الإيراني وعلماء نوويين.
الموقع والجغرافيا
تقع طهران شمالي إيران عند السفوح الجنوبية لجبال ألبرز، على ارتفاع يتراوح بين 900 و1800 متر فوق سطح البحر، بمتوسط يبلغ نحو 1200 متر.
وتتمتع المدينة بموقع جغرافي فريد يربط بين الجبال في الشمال والسهل شبه الصحراوي المعروف بسهل الكوير في الجنوب.
يغطي مركز المدينة مساحة تقدر بـ615 كيلومترا مربعا، بينما تمتد منطقتها الحضرية الكبرى إلى نحو 2235 كيلومترا مربعا.
ويشكل تساقط الثلوج على جبال ألبرز المصدر الرئيسي لتزويد المدينة بالمياه، مما يجعل لموقعها الجغرافي أهمية بيئية وإستراتيجية بالغة.
أصل التسمية
يرى بعض المختصين أن الكلمة "طهران" (تهران باللغة الفارسية) مركبة من كلمتين؛ "ته" وتعني "الأسفل" أو "السفح"، و"ران" أو "راندن" بمعنى "الجانب" أو "المكان"، ومن ثم فقد تعني الكلمة "المكان المنخفض" أو "المنطقة الواقعة أسفل الجبل"، في إشارة إلى موقع المدينة عند سفوح جبال ألبرز.
ويرجح آخرون فرضية أخرى تفيد بأن "طهران" مأخوذة من الفعل الفارسي "تهر" الذي يعني "أخفى" أو "اختبأ"، مما يجعل "تهران" تعني "مكان الاختباء". ويدعم بعض المؤرخين هذا التفسير استنادا إلى ما ورد في بعض المصادر التاريخية القديمة التي أشارت إلى أن سكان طهران كانوا يعيشون في مساكن تحت الأرض أو داخل الكهوف لحماية أنفسهم من غزو المغول.
تاريخ المدينة
- النشأة والتطور المبكر
كانت طهران مجرد قرية صغيرة تقع شمال مدينة الري التاريخية، التي كانت واحدة من أقدم وأهم الحواضر في شمال إيران إبان العصور الإسلامية المبكرة، ومع تعرض مدينة الري لسلسلة من الزلازل المدمرة وتوالي حملات الغزو المغولي في القرنين الـ12 والـ13 الميلاديين، بدأت طهران بالظهور تدريجيا وشكلت بديلا عمرانيا لسكان الري الذين لجؤوا إليها هربا من الدمار واحتماء من الهجوم المغولي، لتتحول في نهاية المطاف إلى بلدة متواضعة ذات طابع ريفي.
- التحول إلى عاصمة
في عام 1795 اختار آغا محمد خان القاجاري مدينة طهران عاصمة للدولة القاجارية الوليدة حينها، وجاء هذا القرار ضمن مساعيه لإعادة توحيد البلاد بعد قرون من الانقسام.
وقد فضل الملك الجديد طهران على شيراز وأصفهان بسبب موقعها الجغرافي الإستراتيجي، وقربها من معاقل القوة القبلية القاجارية في الشمال، فأصبحت طهران العاصمة الـ32 في تاريخ إيران، وبدأت تنمو تدريجيا لتتحول إلى مركز سياسي وإداري كبير.

- العصر البهلوي والتحديث العمراني
شهدت طهران نقلة نوعية في بنيتها الحضرية أثناء فترة حكم الأسرة البهلوية (1925-1979)، خاصة في عهد رضا بهلوي وابنه محمد رضا بهلوي .
ففي إطار مشروع تحديث الدولة الإيرانية، تم تنفيذ عمليات واسعة لإعادة تنظيم النسيج العمراني للمدينة، تضمنت تشييد شوارع واسعة، وبناء مبان حكومية حديثة، وإقامة أحياء سكنية جديدة على الطراز الأوروبي.
وتزامنت هذه التطويرات مع إزالة العديد من الأحياء القديمة وهدم الأسوار التاريخية التي كانت تحيط بالمدينة، مما غير من ملامح طهران التقليدية، وجعلها أقرب إلى المدن الكبرى الحديثة.
- دور العاصمة في الثورة الإسلامية
اضطلعت طهران بدور محوري في الثورة الإسلامية الإيرانية، إذ كانت مركزا لانطلاق شرارة الاحتجاجات الشعبية والإضرابات يوم 11 فبراير/شباط 1979، التي أطاحت لاحقا بنظام الشاه محمد رضا بهلوي.
وشهدت المدينة مظاهرات حاشدة ومواجهات دامية وموجات من العنف السياسي، إلى أن أعلن عن قيام الجمهورية الإسلامية بقيادة روح الله الخميني في الأول من أبريل/نيسان 1979، واستمرت طهران في أداء دورها باعتبارها عاصمة لـ"إيران الجديدة".
السكان
- عدد السكان والنمو الحضري
وفقا لتقديرات رسمية حتى منتصف عام 2025، يقدر عدد سكان المدينة بحوالي 15 مليون نسمة.
ويرجع النمو السكاني المطرد في المدينة إلى عوامل عدة، أبرزها الهجرة الداخلية من مختلف أنحاء البلاد وتنامي الفرص الاقتصادية والخدمية، إضافة إلى تمركز المؤسسات الإدارية والسياسية فيها.
وقد أدى هذا التوسع إلى ضغوط متزايدة على البنية التحتية والموارد الطبيعية، لا سيما المياه والسكن.

- التركيبة العرقية واللغوية
رغم هيمنة الطابع الفارسي على طهران، فإن المدينة فيها تركيبة سكانية متعددة الأعراق والثقافات، تعكس التنوع القومي الواسع في إيران.
ويشكل الفرس نحو 75% من سكان العاصمة، بينما تنتشر أقليات أذرية وكردية وعربية ومازندرانية وأرمينية في مناطق مختلفة من المدينة.
اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية والأكثر استخداما في الحياة العامة، إلا أن لغات أخرى تنتشر في بعض الأوساط الاجتماعية، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن نحو 13% من سكان المدينة يتقنون لغات أوروبية، لا سيما الإنجليزية والفرنسية، خاصة ضمن الشرائح المتعلمة وسكان الأحياء الراقية.
- التركيبة الاجتماعية والتفاوت الطبقي
تعكس طهران تفاوتا اجتماعيا واقتصاديا واضحا بين أحيائها المختلفة، يتمظهر بشكل جلي على مستوى توزيع السكان والخدمات.
فالأحياء الشمالية مثل: نيافران والزعفرانية وإلقاه تتميز بارتفاع مستوى المعيشة، وجودة البنية التحتية، وانتشار الفلل والعمارات السكنية الفاخرة، وتقطنها النخبة السياسية والاقتصادية، إلى جانب الطبقات الاجتماعية العليا والمتوسطة.
وفي المقابل تتركز الفئات محدودة الدخل في الأحياء الجنوبية للمدينة، التي تعاني من ازدحام سكاني وكثافة عمرانية مرتفعة، فضلا عن محدودية وضعف الخدمات الاجتماعية.
ويعكس هذا التفاوت امتدادا لبنية طبقية متجذرة في التخطيط العمراني للعاصمة.

الاقتصاد
تمثل طهران قلب إيران الاقتصادي، إذ تسهم محافظة العاصمة بما نسبته 22% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني، وفقا لتقارير صادرة عن مركز الإحصاء الإيراني.
وفي العاصمة وحدها ما يقرب من 45% من الصناعات الإيرانية الأساسية، بما في ذلك قطاعات السيارات والبتروكيميائيات والإسمنت والنسيج والإلكترونيات.
وتوجد في طهران جميع المؤسسات المالية المركزية في البلاد، وعلى رأسها البنك المركزي الإيراني وبورصة طهران للأوراق المالية، أكبر سوق مالية في البلاد.
كما تتركز فيها مقرات البنوك التجارية الكبرى وشركات التأمين والمكاتب الإدارية لأغلب المؤسسات الصناعية والمالية الوطنية.
وتشير تقديرات إلى أن نحو 30% من موظفي القطاع العام الإيراني يستقرون في العاصمة، و45% من الشركات الصناعية الكبرى تتخذ من طهران مقرا لها، مما يجعل منها مركزا ماليا واستثماريا مهما في البلاد.
تتنوع المساهمة الاقتصادية لطهران على مستوى القطاعات، إذ يشكل قطاع العقارات والبناء ما نسبته 20% من الناتج المحلي للمحافظة، في حين يسهم قطاع الصناعة بنسبة تقارب 15%، وتأتي بعد ذلك الخدمات والتعليم والنقل، التي تدعم بدورها النشاط الاقتصادي العام للمدينة.
كما تعد طهران نقطة تمركز للخدمات اللوجستية والإعلامية، نظرا لقربها من الموانئ التجارية وشبكة الطرق والمطارات التي تربطها بمختلف أقاليم البلاد.
رغم الهيمنة الاقتصادية، تواجه طهران تحديات هيكلية حادة، تفاقمت بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض العقوبات.
وقد شهد الاقتصاد الوطني، وبالأخص في طهران معدلات تضخم تجاوزت 45% في بعض الفترات، مع ارتفاع الأسعار الغذائية بنسبة تفوق 47%، كما بلغ معدل البطالة وفق البيانات الرسمية نحو 11%، مع تقديرات غير رسمية تفيد بأن ما يقارب نصف الذكور المتراوحة أعمارهم بين 25 و40 عاما خارج سوق العمل.
وقد كان للعقوبات الاقتصادية الدولية، خاصة تلك المفروضة على قطاع النفط والمالية، أثر بليغ على الاقتصاد المحلي في طهران، إذ هبطت قيمة العملة الوطنية بشكل حاد، كما تسببت القيود المفروضة على التجارة الخارجية في تراجع الصادرات، وخسارة نحو 1.5 مليون وظيفة في قطاعات الصناعة والخدمات، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر وتقلص الطبقة الوسطى في العاصمة.

معالم المدينة
- آثار تاريخية
تزخر طهران بعدد من المعالم التاريخية التي تعكس تطور العمارة والثقافة الإيرانية عبر العصور، خصوصا المرتبطة بالحقبة القاجارية.
ويعد قصر جولستان أبرز هذه المعالم، وهو مجمع ملكي بني في القرن الـ18، ويتميز بطراز معماري يمزج بين الطابع الفارسي والأوروبي. أدرج القصر ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) عام 2013، لما يحمله من قيمة جمالية وتاريخية نادرة.
كما يعتبر بازار طهران الكبير من أقدم الأسواق التقليدية في المنطقة، إذ يعود تاريخه إلى القرن الـ16 الميلادي، ويعد مركزا اقتصاديا واجتماعيا نشطا، يحتفظ بملامحه المعمارية الأصيلة رغم التحديثات المتلاحقة.
- معالم حديثة
تمثل طهران أيضا واجهة للحداثة العمرانية في إيران، ويتجلى ذلك في معالمها المعمارية الحديثة التي تجمع بين الوظائف المتعددة والجاذبية السياحية.
برج ميلاد من أبرز معالم المدينة المعاصرة، يبلغ ارتفاعه 435 مترا، وهو ما يجعله الأطول في إيران وسادس أطول برج اتصالات في العالم.
يضم البرج منصة للمراقبة ومطاعم دوارة ومراكز تجارية وثقافية، لذلك يعد وجهة سياحية مفضلة للكثيرين.
كما يحتل ملعب آزادي مكانة خاصة في المشهد الرياضي، بوصفه أكبر منشأة رياضية في البلاد، إذ يتسع لأكثر من 78 ألف متفرج، ويستضيف أبرز مباريات كرة القدم والفعاليات الرياضية الكبرى.
- المتاحف
تضم طهران عددا من المتاحف المرموقة التي تعكس غنى التراث الإيراني وتنوعه. ومن أبرزها: متحف المجوهرات الوطني، الذي يعرض مجموعة فريدة من الحلي والتاج الملكي، وعلى رأسها تاج كياني الشهير والماسة التاريخية المعروفة باسم بحر النور، التي تعد من أضخم الماسات الوردية في العالم.
كما يستقطب متحف الفن المعاصر في طهران المهتمين بالفنون الحديثة، إذ يضم أعمالا لفنانين عالميين بارزين أمثال بابلو بيكاسو وآندي وارهول وفرانز كلاين، إلى جانب مجموعة قيمة من رواد الفن الإيراني الحديث.