عمر البشير ضابط حكم السودان بـ"ثورة إنقاذ" وأطاحت به "ثورة شعبية"

ميدان - عمر البشير
عمر البشير قاد انقلابا عسكريا عام 1989 بدعم من الجبهة الإسلامية القومية، وسميت هذه العملية بـ"ثورة الإنقاذ" (رويترز)

عمر البشير، ضابط سوداني، وُلد عام 1944 بقرية "حوش بانقا" في ولاية نهر النيل. تخرج من الكلية الحربية السودانية عام 1967، ثم تدرج في الرتب العسكرية حتى قاد انقلابا عسكريا عام 1989 بدعم من الجبهة الإسلامية القومية، وسميت هذه العملية بـ"ثورة الإنقاذ". 

حكم السودان 3 عقود شهدت صراعات داخلية، أبرزها استمرار الحرب في جنوب السودان وإقليم دارفور، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية عامي 2009 و2010 مذكرتي اعتقال بحقه بتهم تتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

ظل البشير في منصبه حتى أطاح به الجيش السوداني في 11 أبريل/نيسان 2019، إثر احتجاجات شعبية واسعة ضد نظامه، ثم خضع لمحاكمات في قضايا تتعلق بالفساد المالي وقيادة انقلاب عسكري.

المولد والنشأة

وُلد عمر حسن أحمد البشير في 1 يناير/كانون الثاني 1944، في قرية "حوش بانقا" بريف مدينة شندي في ولاية نهر النيل، لعائلة تعمل في الزراعة. ينتمي إلى قبيلة "البديرية الدهمشية" ذات الأصول العربية، التي تنتشر في شمال السودان.

تزوج البشير من ابنة عمه فاطمة خالد، ثم من وداد بابكر، أرملة زميله في مجلس قيادة الثورة إبراهيم شمس الدين.

الدراسة والتكوين العلمي

تلقى البشير تعليمه الأولي في منطقته، ثم انتقل مع أسرته إلى العاصمة الخرطوم، وأكمل فيها دراسته الثانوية. تخرج في الكلية الحربية السودانية عام 1967، وحصل على ماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان في ماليزيا.

التحق بدورات عسكرية عدة، منها دورة معلمي القفز في مصر، ودورة الحرب من أكاديمية ناصر العسكرية، إضافة إلى دورة تدريبية في باكستان. كما حصل على زمالة أكاديمية السودان للعلوم الإدارية، وماجستير في الدراسات الاجتماعية من جامعة الجزيرة.

التوجه الفكري

ينتمي البشير إلى التيار الإسلامي في السودان، وانخرط مع الشيخ حسن الترابي في تشكيل "الجبهة الإسلامية القومية"، التي كانت تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.

قادت الجبهة انقلاب 1989، الذي عُرف بـ"ثورة الإنقاذ"، ثم أسس "حزب المؤتمر الوطني" الذي قاده البشير، وهو أحد أجنحة الحركة الإسلامية في البلاد، ويتبنى التوجه الإسلامي القومي المحافظ.

إعلان

في المقابل، شكل الترابي بعد خلافه مع البشير حزبا معارضا عُرف بـ"المؤتمر الشعبي"، وتبنى توجهات سياسية مغايرة للأحزاب المنبثقة عن الحركة الإسلامية.

التجربة العسكرية

التحق البشير في شبابه بالجيش السوداني، وسرعان ما تدرج في المناصب، إذ خدم في القيادة العسكرية الغربية، والقوات المحمولة جوا، ثم أصبح قائدا للواء الثامن. كما عمل في دول عدة، من بينها الإمارات التي عمل فيها ضابطا معارا لدى الجيش الإماراتي.

شارك البشير في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، التي خاضتها مصر وسوريا ضد الاحتلال الإسرائيلي بهدف استعادة أرض سيناء وهضبة الجولان المحتلين.

وفي منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، تولى دورا قياديا في حملة الجيش ضد متمردي "الجيش الشعبي لتحرير السودان" – الجناح العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان– بقيادة جون قرنق بجنوب البلاد.

وفي 30 يونيو/حزيران 1989، قاد البشير، الذي كان حينها برتبة عميد، انقلابا عسكريا بدعم من "الجبهة الإسلامية القومية" بزعامة حسن الترابي، أطاح بحكومة رئيس الوزراء المنتخب آنذاك الصادق المهدي.

عقب الانقلاب، أعلن البشير حل البرلمان، وحظر الأحزاب السياسية، وفرض حالة الطوارئ، وأوقف عمل الصحف الرئيسية. ثم شكل "مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني" برئاسته، ورُقي إلى رتبة فريق، وتولى مناصب رئيس البلاد ورئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للجيش السوداني.

رئيسا للسودان

في أكتوبر/تشرين الأول 1993، تم حل "مجلس قيادة الثورة"، واستمر البشير في الحكم بصفته رئيسا عسكريا للبلاد وزعيما لحزب المؤتمر الوطني. ثم انتخب رئيسا للجمهورية عام 1996، بينما تولى الترابي رئاسة المجلس الوطني (البرلمان) بالإجماع.

في 30 يونيو/حزيران 1998، وقع البشير على دستور جديد رُفع بموجبه الحظر عن الأحزاب السياسية، لكن سرعان ما نشب خلاف بينه وبين الترابي، أدى إلى إقالة الأخير من مناصبه الرسمية والحزبية.

وأعلن البشير في ديسمبر/كانون الأول 1999، فرض حالة الطوارئ مدة 3 أشهر وحل البرلمان، ثم مدد القرار لاحقا حتى أواخر عام 2001.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2000، أجريت انتخابات قاطعتها معظم الأحزاب السياسية، وانتخب البشير لولاية ثانية مدتها 5 سنوات، متعهدا بالعمل على إحلال السلام في البلاد، خاصة في جنوبه.

في عام 2010، تقاعد البشير من منصب القائد العام للجيش السوداني برتبة مشير، امتثالا للمتطلبات القانونية الخاصة بالترشح للانتخابات الرئاسية، والتي فاز فيها بنسبة 68% بعد انسحاب مرشحي المعارضة الرئيسيين، الذين زعموا حدوث تلاعب في العملية الانتخابية.

في سبتمبر/أيلول 2013، اندلعت احتجاجات واسعة إثر قرار الحكومة رفع الدعم عن المحروقات البترولية إلى جانب سياسات اقتصادية أخرى، وسرعان ما رفع المتظاهرون شعارات تطالب بإسقاط نظام البشير، متهمين إياه بسوء إدارة البلاد. غير أن المظاهرات انحسرت لاحقا.

وأسفر استخدام قوات الأمن للعنف المفرط ضد المحتجين عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة المئات، فضلا عن اعتقال أكثر من ألفي ناشط وسياسي، وفقا لمنظمات حقوقية.

إعلان

وفي انتخابات عام 2015، فاز البشير مجددا بالرئاسة، وسط إقبال ضعيف من الناخبين، وانتقادات دولية بشأن عدم توفر بيئة ديمقراطية نزيهة.

حروب أهلية

تعود جذور الحرب الأهلية في جنوب السودان إلى عقود طويلة، إذ انطلقت تحت دعوى التهميش والدعوة اقتسام السلطة والثروة، إضافة إلى مطلب فصل الدين عن الدولة.

وفي عام 1992، وقع البشير أول اتفاق لتقرير المصير مع الحركة الشعبية لتحرير السودان-جناح ناصر بقيادة لام أكول.

وفي عام 1993، انعقد مؤتمر أبوجا 2 بين الحكومة وعدد من المسؤولين عن الولايات الغربية والجنوبية، وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار، واستمرار الحوار حول قضيتي الدين والدولة، والالتزام بوحدة السودان، وهو الاتفاق الذي رفض قرنق التوقيع عليه.

وفي عام 1994، رفض نظام البشير التوقيع على مبادرة الحركة الشعبية بقيادة قرنق والحركة الشعبية المتحدة بقيادة رياك مشار، والتي أكدت على وحدة السودان بشرط الفصل بين الدين والسياسة، لكن الحكومة عادت ووقعت على الاتفاقية عام 1997.

وتوالت الاتفاقيات حتى تم التوصل إلى "اتفاقية السلام الشامل" عام 2005 بين نظام البشير والحركة الشعبية بقيادة قرنق، والتي نصت على حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم. وأجري استفتاء عام 2011، اختار فيه نحو 98% من المشاركين الانفصال، مما أدى إلى استقلال جنوب السودان رسميا.

أما في إقليم دارفور، فقد بدأ النزاع المسلح عام 2003، عندما أعلنت حركتا تحرير السودان والعدل والمساواة تمردهما على حكومة البشير، متهمتين إياها بتهميش الإقليم.

لمواجهة التمرد، استعان البشير بمليشيات "الجنجويد"-التي انبثقت منها لاحقا قوات الدعم السريع– والتي اتهمت باستخدام العنف المفرط، ومنع وصول المساعدات الإغاثية، مما أجبر أكثر من مليوني شخص على النزوح.

ومع تصاعد الصراع وافق البشير على إرسال قوة حفظ سلام مصغرة تابعة للاتحاد الأفريقي، بينما رفض نشر قوات أممية أكبر. وفي النهاية، تم استبدالها بقوة مشتركة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وعُرفت بـ"يوناميد" التي بدأت انتشارها في دارفور عام 2008.

المحكمة الجنائية الدولية

على خلفية الصراع في دارفور، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، في 14 يوليو/تموز 2008 إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس عمر البشير، متهما إياه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة بحق مجموعات سكانية في إقليم دارفور.

وفي يوم 4 مارس/آذار 2009، أصدرت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية مذكرة الاعتقال بحق البشير، تضمنت 5 تهم بجرائم ضد الإنسانية، وتهمتين بجرائم الحرب.

وبذلك أصبح البشير ثالث رئيس دولة تصدر بحقه المحكمة الجنائية مذكرة اعتقال، بعد رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور، والرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، وكان الأول الذي يصدر بحقه أمر قبض وهو لا يزال في السلطة.

من جانبه رفض البشير قرارات المحكمة، مؤكدا أنه غير مكترث بها، وأن البلاد ظلت تتجاهل القرارات الدولية "المتآمرة عليها"، وأن الحكومة تواصل تعزيز التنمية الداخلية في مختلف القطاعات.

وفي يوليو/تموز 2010 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ثانية بحق البشير، تضمنت 3 تهم إضافية تتعلق بجرائم إبادة جماعية ارتكبت ضد مجموعات قبلية في دارفور، داعية المجتمع الدولي إلى التعاون في اعتقاله وتسليمه.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، أعلنت المدعية العامة للمحكمة، فاتو بنسودا وقف التحقيق في جرائم الحرب بدارفور، مرجعة ذلك إلى عدم تحرك مجلس الأمن الدولي للضغط من أجل اعتقال المتهمين، بمن فيهم البشير.

ورغم المطالبات المتكررة من المحكمة الجنائية الدولية بتسليم البشير والمتهمين الآخرين، ظل السودان يرفض الاعتراف بسلطتها، مما عرقل تنفيذ مذكرات التوقيف طوال سنوات حكمه.

إعلان

الإطاحة به ومحاكمته

في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، اندلعت احتجاجات شعبية ضد التدهور الاقتصادي، وسرعان ما تحولت إلى مظاهرات تطالب بتنحي البشير عن الحكم، ورد عليها برفضه الاستجابة لمطالب المتظاهرين، مؤكدا أنه لن يرحل إلا عبر انتخابات.

وفي فبراير/شباط 2019 أعلن البشير فرض حالة الطوارئ، وحل الحكومة المركزية والولائية، وعين رئيس وزراء جديدا، كما حظر المظاهرات غير المرخصة، في محاولة للسيطرة على الأوضاع.

وفي مارس/آذار من العام نفسه استقال البشير من رئاسة حزب المؤتمر الوطني، وأعلن استعداده للحوار مع المعارضة، لكنه لم يبد نيته للتنحي، مما زاد من حدة المظاهرات.

وفي 6 أبريل/نيسان 2019 تمكن المحتجون من الوصول إلى مقر القيادة العامة للجيش السوداني والاعتصام أمامها، رغم محاولات الأجهزة الأمنية تفريقهم بالقوة، إلا أن بعض وحدات الجيش تدخلت لحمايتهم.

وفي صباح 11 أبريل/نيسان، أعلن وزير الدفاع عوض بن عوف الإطاحة بالبشير واعتقاله والتحفظ عليه في مكان آمن، كما عطل الدستور وشكل مجلسا عسكريا انتقاليا يتولى الحكم مدة عامين.

كان أول ظهور للبشير بعد الإطاحة به في يونيو/حزيران 2019، عندما مثل أمام نيابة مكافحة الفساد، التي وجهت له تهما تتعلق بحيازة النقد الأجنبي والثراء الحرام والمشبوه، وانتهاك أوامر الطوارئ.

وفي 14 ديسمبر/كانون الأول 2019، حُكم على البشير بالسجن مدة عامين مع إيداعه في مؤسسة إصلاحية، ومصادرة أمواله بالنقد الأجنبي، بعد إدانته بالفساد المالي والثراء الحرام.

وفي عام 2020 بدأت محاكمة البشير بتهمة تدبير الانقلاب العسكري الذي أوصله إلى السلطة عام 1989. وأثناء جلسة في أواخر عام 2022، أعلن تحمله المسؤولية الكاملة عن الانقلاب.

ومع اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023، تضاربات الأنباء حول مكان احتجاز البشير وقادة آخرين، خصوصا بعد ظهور مقاطع مصورة توثق فرارا جماعيا للسجناء من سجون عدة.

وأوضح الجيش السوداني، في 25 أبريل/نيسان من العام نفسه، أن البشير وعددا من رموز نظامه محتجزون في مستشفى علياء التابع له، بعدما أوصت الجهات الطبية بإخراجهم من سجن كوبر قبل اندلاع القتال، نظرا لظروفهم الصحية.

المناصب والمسؤوليات

  • قائد اللواء الثامن في الجيش السوداني.
  • قائدا في الحملة ضد متمردي الجيش الشعبي لتحرير السودان.
  • قائد مجلس قيادة "ثورة الإنقاذ الوطني".
  • رئيس الوزراء ووزير الدفاع وقائد الجيش السوداني.
  • رئيس السودان.

الأوسمة والأنواط

حصل البشير على عدد من الأوسمة منها:

  • وسام الثورة.
  • وسام النصر.
  • وسام الصمود.
  • وسام الوحدة الوطنية.
  • وسام 6 أكتوبر من مصر.
  • وسام الشجاعة.
  • وسام الخدمة الطويلة الممتازة.
  • قلادة الشرف.
المصدر: الجزيرة

إعلان