درعا.. "مهد الثورة السورية" والأرض التي تعوم على بحر من الآثار

تصميم خاص خريطة محافظة درعا في سوريا
محافظة درعا التي انطلقت منها الثورة السورية بعد اعتقال النظام عددا من أطفالها (الجزيرة)

محافظة درعا السورية إحدى أهم المناطق السورية جغرافيا وتاريخيا. تقع جنوب البلاد ويحدها من الشمال محافظة ريف دمشق، ومن الغرب محافظة القنيطرة، ومن الجنوب المملكة الأردنية الهاشمية. وتعد مدينة درعا مركزها وأكبر مدنها، وكانت قديما مركزا لإقليم حوران، الذي امتد من جنوب سوريا إلى شمال الأردن. 

لعبت المحافظة دورا مهما في التاريخ السوري الحديث، فمنها انطلقت الثورة السورية عام 2011، بعد اعتقال النظام السوري لمجموعة من الأطفال على خلفية كتابتهم على الجدران شعارات تنادي بإسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

الموقع

تقع محافظة درعا في جنوب سوريا، وتحدها شمالا محافظة ريف دمشق، وغربا محافظة القنيطرة، وجنوبا الأردن. وتبعد مدينة درعا عن الحدود الأردنية بنحو 3 كيلومترات، وعن العاصمة دمشق بنحو 101 كيلومتر جنوبا.

وتصنف درعا (مركز المحافظة) على أنها من أقدم المدن عربيا، ويشار تاريخيا إلى أن إقليم حوران القديم الذي كان يمتد من الجهة الجنوبية في سوريا إلى الجزء الشمالي من الأردن كان يتخذ من مدينة درعا عاصمة له.

بصرى الشام في درعا واحدة من أهم المدن الرومانية في العالم ويعود تاريخها للقرن الثاني قبل الميلاد (شترستوك)

الجغرافيا

تبلغ مساحة محافظة درعا حوالي 3730 كيلومترا مربعا، وتنقسم إلى قسمين، الأول درعا البلد وهو القسم القديم من المحافظة، والثاني درعا المحطة وهو الأحدث، حيث يوجد فيه الدوائر الحكومية والمؤسسات. وتتبع للمحافظة مدن عدة منها إزرع ونوى والحراك وجاسم والصنمين.

ويعد مناخ المحافظة متوسطا شبه جاف، وتتميز بتضاريسها المتنوعة التي تشمل السهول الخصبة والهضاب والوديان. وتتألف أراضيها من 3 مناطق طبيعية هي "اللجاة الصخرية" في الشمال الشرقي، و"حوض اليرموك" في الغرب والجنوب، وبينهما السهل الذي ينقسم إلى قسمين "الجيدور" غربا و"النقرة" شرقا.

إعلان

السكان

وفقا للمكتب المركزي للإحصاء السوري، بلغ عدد سكان المحافظة حتى عام 2021 نحو 966 ألفا و430 نسمة، أغلبيتهم من السنة، إضافة إلى وجود مهاجرين ولاجئين فلسطينيين قدموا إليها بعد حرب عام 1967.

وعقب الثورة السورية، وبسبب الحصار الذي انتهجه النظام السوري السابق ضد الثوار والمتظاهرين، هاجر معظم سكانها إلى الخارج، في حين عمل من بقي في التجارة والزراعة.

التاريخ

يعود تاريخ الاستيطان البشري في محافظة درعا إلى العصر الحجري الحديث، فقد دلت آثار، عُثر عليها من تلك الحقبة، على وجود مساكن وأدوات للزراعة وتربية الحيوان.

وقد كان "الأموريون" أقدم الأقوام التي سكنت أرض حوران -شملت درعا- ثم جاء الكنعانيون وبسطوا سلطتهم في المنطقة، قبل أن يظهر الهكسوس بشكل محدود فيها.

ثم جاء بعدهم "العبرانيون" الذين احتلوا عددا من مدن حوران وهاجموا عاصمتها درعا، التي كانت تعرف بـ"أذرعي"، وقد حاربتهم مملكة دمشق الآرامية لنحو قرنين من الزمن، قبل أن يستعيدها الآراميون. وما لبثت المنطقة حتى سيطر عليها الآشوريون، ومن بعدهم الكلدانيون والفرس.

وقد تعاقبت الإمبراطوريات على المنطقة من السلوقيين مرورا بالرومان حتى الأمويين، وقد جرت في الجهة الجنوبية الغربية من أرض حوران معركة اليرموك بين المسلمين والروم عام 15 هجريا، وعسكر القائد الإسلامي عمرو بن العاص بالقرب من درعا، وعقد صلحا مع أهلها بعد إخراج الروم منها، ومر بها عمر بن الخطاب حينما زار الشام، وظلت تحت الحكم الراشدي ثم الأموي.

ولعبت حوران دورا مهما في الحروب الصليبية، إذ شكلت بموقعها الإستراتيجي جسرا ربط بين دمشق والقاهرة، بعد محاولة الصليبيين قطع المواصلات والإمدادات بين الجانبين.

وفي عهد الدولة العثمانية، عانت المحافظة والبلاد عامة من عوامل الركود الاقتصادي، وأصبحت حوران عام 1880 "متصرفية" مؤلفة من 6 أقضية، وانتعشت المنطقة بعد خط الحديد الحجازي مطلع القرن الـ20 وزاد عدد سكانها.

إعلان

وقد شارك أهالي حوران في الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي بدعم من بريطانيا ضد الدولة العثمانية، كما شاركوا في إطلاق الثورة الكبرى ضد الانتداب الفرنسي، وحاصروا الثكنة العسكرية الفرنسية مدة 3 أيام حتى فر الفرنسيون منها.

وبعد إعلان استقلال سوريا عام 1920، أعيد تسمية منطقة حوران وأصبحت إحدى المحافظات السورية تحت اسم محافظة درعا.

مهد الثورة

عقب اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011، اعتقلت قوات الأمن السورية مجموعة من الأطفال من مدرسة الأربعين غالبيتهم من عائلة "الأبازيد" أواخر فبراير/شباط من العام نفسه، على خلفية كتابتهم عبارات على الجدران تحاكي الشعارات التي رفعها متظاهرو الربيع العربي، مثل "الشعب يريد إسقاط النظام" و"إجاك الدور يا دكتور" في إشارة لبشار الأسد.

وقد رفض المحافظ وفرع الأمن السياسي مقابلة أهالي الأطفال، وطردوهم قائلين لهم "انسوا أبناءكم وخلّفوا غيرهم"، فغضب أهالي درعا وخرجوا يوم 15 مارس/آذار 2011، وتزامن ذلك مع شرارة المظاهرات التي انطلقت في دمشق على خلفية إهانة شرطي لمواطن وضربه.

وقد خرج أهالي درعا من جامعي أبو بكر وبلال في 18 مارس/آذار 2011 بعد صلاة الجمعة في مظاهرات طالبوا فيها بحرية الأطفال، وتوجهوا إلى الجامع العمري.

وارتفعت حدة المظاهرات عقب محاولة قوات الأمن فضها، ورد على المتظاهرين بالرصاص الحي، مما أدى لسقوط أول ثائر وهو "محمود جوابرة" في 23 مارس/آذار.

ورفع المتظاهرون شعارات نادت بإسقاط النظام وطالبت بالحرية، في المقابل زادت ممارسات النظام القمعية للثورة التي عمت مدن سورية عدة. وتعرّضت درعا في السنوات الأولى لانطلاق الثورة، للقصف والتخريب، ودمّرت أحياؤها ودارت فيها مواجهات بين قوات النظام والمعارضة.

وأُسس الجيش السوري الحر بمبادرة من العقيد رياض الأسعد الذي دعا في الثالث من أغسطس/آب 2011 جنودا منشقين عن النظام إلى تنظيم أنفسهم، ومع مرور الوقت توزع وجود الجيش الحر في مختلف المناطق الثائرة بما في ذلك درعا.

إعلان

ومع تسارع الأحداث في البلاد، تعرّضت المحافظة لسلسلة من المجازر التي ارتكبتها قوات النظام السوري، منها مجزرة الصنمين في أبريل/نيسان 2013 التي قتل فيها 110 من أهالي "الحارة القبلية" بعد اقتحام كبير من أمن النظام للمنطقة.

وفي 24 يونيو/حزيران 2021، تعرّضت درعا البلد إلى حصار خانق من النظام السوري لأسابيع، وتسبب في نفاد الأدوية بالمركز الطبي الوحيد بالمنطقة، وأغلقت المتاجر أبوابها بسبب نفاد بضائعها.

وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أعلنت إدارة العمليات العسكرية التي ضمّت مجموعة من الفصائل المسلحة إطلاقها عملية "ردع العدوان"، بهدف توجيه "ضربة استباقية لقوات النظام السوري".

واستطاعت المعارضة في السادس من ديسمبر/كانون الأول فرض سيطرتها على محافظة درعا بالكامل بعد انسحاب قوات النظام منها. وفي اليوم الـ12 من المعركة، أعلنت المعارضة سيطرتها على العاصمة دمشق، وإسقاطها حكم عائلة الأسد الذي استمر أكثر من 50 عاما.

مدخل مدينة بصرى الشام الأثرية في درعا (شترستوك)

المعالم

تزخر درعا بمعالم أثرية كثيرة، حتى وصفت بأنها تعوم على بحر من الآثار، إذ يتجاوز عدد المعالم الأثرية التي اكتشفت فيها 400، حسب البعثة الأثرية التابعة للحكومة السورية عام 1966.

ومن معالمها الأثرية منطقة اللجاة الأثرية التي تزيد مساحتها عن ألف كيلومتر مربع، إضافة إلى مبان وقلاع عديدة، منها قلعة المسمية، ومدينة خبب التي تعد واحدة من أبرز المواقع الأثرية، وتقع قرب اللجاة شمالا، وتضم كاتدرائية خبب التي بنيت عام 900 ميلادي.

ومن أبرز معالمها بصرى الشام، وهي واحدة من أهم المدن الرومانية في العالم، يعود تاريخها للقرن الثاني قبل الميلاد، وفيها مدرج ومسرح وحمامات رومانية، وسجلتها اليونسكو في قائمتها للتراث العالمي عام 1980.

وفيها أيضا كنيسة مار جاورجيوس التي تقع في مدينة إزرع، وبنيت عام 516 ميلادي، وحمام النبي أيوب في بلدة الشيخ سعد، وأنشئ في الألفية الثانية قبل الميلاد.

إعلان

ومن أبرز مدنها التراثية مدينة نوى التي تحتضن تلالا، وآثارا تعود لحضارات قديمة متنوعة، منها العمورية والآرامية واليونانية والبيزنطية والإسلامية.

المسرح الروماني في مدينة بصرى الشام (شترستوك)

ودلت مدافن "الدولمن المقدسة" في المحافظة على أن الإنسان البدائي في العصر النحاسي قبل 5 آلاف عام عرف الدفن. ويعد الجامع العمري في درعا من أقدم المساجد في المنطقة، وأمر ببنائه الخليفة عمر بن الخطاب، ويتميز بتصميمه المعماري الإسلامي التقليدي، وبقبته الكبيرة ومئذنته الشاهقة.

إضافة إلى مناطق وأماكن أثرية أخرى مثل مدينة الصنمين وتل الأشعري وتل عشترة وتل شهاب وتل الجابية وجسر جمرين وجسر تسيل ومسجد ياقوت.

الاقتصاد

منذ القدم، كان سكان مدينة درعا يعتمدون بشكل أساسي على الزراعة بما ذلك العنب والزيتون والتبغ والخضر والحبوب والبقول، إضافة إلى صناعة الأدوات الزراعية البسيطة والأحذية والأطعمة.

وعقب اندلاع الثورة السورية، تراجع اقتصاد البلاد وانتشر الفقر وأصبحت شريحة واسعة من أهالي درعا تعيش على خط الفقر وما فوقه، مع وجود آخرين يعيشون تحت خط الفقر.

وقد اعتمدت فئة كبيرة في المحافظة على استمرار تدفق التحويلات المالية من أبناء درعا في الخارج، وعلى مواصلة عجلة الزراعة في المناطق الريفية منها، إضافة إلى افتتاح المنظمات الدولية الإنسانية لعشرات المشروعات الخدمية والتعليمية فيها.

المصدر : الجزيرة + الصحافة السورية

إعلان