جمهورية تونس.. ملتقى الحضارات العريقة على البحر المتوسط

تصميم خاص - خريطة تونس

تونس دولة تقع في أقصى شمال أفريقيا وتطل على البحر الأبيض المتوسط، تمتد على مساحة 163610 كيلومترا مربعا. بفضل موقعها الإستراتيجي شكلت عبر التاريخ جسرا بين أفريقيا وأوروبا والعالم العربي، وهو ما منحها إرثا حضاريا غنيا تعاقبت على بنائه أمم وشعوب مختلفة.

تعود جذور الحضارة التونسية إلى تأسيس قرطاج على يد الفينيقيين في القرن التاسع قبل الميلاد، قبل أن تتحول لاحقا إلى أحد أهم مراكز الإمبراطورية الرومانية.

شهدت البلاد في القرن السابع الميلادي، تحولا جذريا مع قدوم الفتح الإسلامي، إذ أصبحت القيروان مركزا إشعاعيا للعلم والدين ومنطلقا لنشر الإسلام في ربوع شمال غرب أفريقيا. وفي العصر الحديث، حصلت تونس على استقلالها عن فرنسا عام 1956، لتبدأ مرحلة بناء الدولة الحديثة.

شهد عام 2011 منعطفا تاريخيا حاسما مع اندلاع الثورة التونسية، التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، لتصبح بذلك الشرارة الأولى لما عرف بـ"الربيع العربي"، وهو حدث أدخل تونس مرحلة جديدة، تسعى فيها إلى تعزيز مسارها الديمقراطي وتحقيق التنمية الاقتصادية، وسط تحديات محلية معقدة وتحولات إقليمية ودولية متسارعة.

المعلومات الأساسية

الاسم: الجمهورية التونسية

الاسم المختصر: تونس

العاصمة: تونس

الأقاليم/التقسيمات الإدارية:

يتكون تراب الجمهورية التونسية من خمسة أقاليم كبرى تضم 24 ولاية. يضم الإقليم الأول ولايات الشمال؛ بنزرت وباجة وجندوبة والكاف، في حين يضم الإقليم الثاني ولايات تونس وأريانة وبن عروس وزغوان ومنوبة ونابل، أما الإقليم الثالث فيشمل ولايات الوسط؛ سليانة وسوسة والقصرين والقيروان والمنستير والمهدية، بينما يجمع الإقليم الرابع ولايات توزر وسيدي بوزيد وصفاقس وقفصة، وأخيرا يتشكل الإقليم الخامس من ولايات الجنوب وتطاوين وقابس وقبلي ومدنين. وتم اعتماد هذا التقسيم بأمر رئاسي أصدره الرئيس قيس سعيد ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول 2023.

تخترق هذه الأقاليم التراب التونسي بشكل عرضي، إذ يمتد كل إقليم على مساحة عرضية ما بين الساحل شرقا والحدود الجزائرية غربا، ما عدا الإقليم الثاني (ولايات تونس وأريانة وبن عروس وزغوان ومنوبة ونابل) الذي لا يتصل جغرافيا بالجزائر.

إعلان

ووفق ما تضمنه الأمر الرئاسي في فصله الثاني، يجتمع مجلس الإقليم بالتداول بين الولايات التي يتكون منها، وتنعقد الاجتماعات في مقر الولايات بالتناوب وفق الترتيب المنصوص عليه في الفصل الأول.

كما ينص الفصل الثالث من هذا الأمر الرئاسي على أن تضع الولايات المكونة للإقليم على ذمة مجالس الأقاليم كل الوسائل البشرية والمادية اللازمة لضمان حسن أدائها لمهامها.

المساحة

تحتل الجمهورية التونسية المرتبة 35 في أفريقيا، و11 في العالم العربي من حيث مساحتها التي تبلغ حوالي 163610 كيلومترات مربعة. وتتوزع مساحة الأقاليم الخمسة الكبرى كالتالي:

  • الإقليم الأول: حوالي 15557 كيلومترا مربعا.
  • الإقليم الثاني: حوالي 5743 كيلومترا مربعا.
  • الإقليم الثالث: حوالي 16139 كيلومترا مربعا.
  • الإقليم الرابع: حوالي 22454 كيلومترا مربعا.
  • الإقليم الخامس: حوالي 24000 كيلومتر مربع.

اللغة

تتميز تونس بتنوع لغوي يعكس تاريخها العريق وتعدد الثقافات التي أغنت المجتمع التونسي على مر العصور. واللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، وتستخدم في التعليم والإعلام والإدارة.

ويتواصل التونسيون في حياتهم اليومية باللهجة التونسية، وهي مزيج من العربية الفصحى مع تأثيرات من اللغات الأمازيغية والفرنسية والتركية والإيطالية. كما تستخدم اللغة الأمازيغية في بعض المناطق في الجنوب الشرقي بالقرب من الحدود الليبية، وتتفرع إلى لهجات محلية أشهرها "النفوسي" و"الجربي"، التي يتواصل بها التونسيون في منطقة مطماطة وجزيرة جربة.

تاريخ الاستقلال

نالت الجمهورية التونسية استقلالها في 20 مارس/آذار 1956، بعد نضال طويل قادته الحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي، وزادت حدته بعد الحرب العالمية الثانية، فتحولت المقاومة إلى ثورة مسلحة عام 1952، مما أجبر المستعمر الفرنسي على الدخول في مفاوضات مع الحركة الوطنية، أسفرت عن استقلال البلاد بشكل تام عام 1956، واضعا الحد لاحتلال دام ما يزيد عن 75 سنة.

يخلد التونسيون ذكرى الاستقلال يوم 20 مارس/آذار من كل سنة، تكريما لقادة الحركة الوطنية والمناضلين الذين قدموا تضحيات من أجل التحرر من الاستعمار.

النظام السياسي

يعرّف الدستور التونسي لسنة 2022 النظام السياسي في البلاد بأنه نظام جمهوري رئاسي، يتميز بتركيز السلطات في يد رئيس الجمهورية، مع التنصيص على الفصل بين السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، القضائية).

السلطة التنفيذية

يمثل رئيس الجمهورية في تونس وفق دستور 2022 قمة الهرم السياسي والمحور الرئيسي للنظام، ويتمتع بصلاحيات واسعة تجعله فاعلا في تدبير مقاليد الحكم.

ينتخب الرئيس لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ويرأس بموجب الدستور السياسة الخارجية والدفاع الوطني، مع حق تعيين رئيس الحكومة وأعضائها وإنهاء مهامهم. كما يمتلك سلطات تشريعية واسعة تمكنه من إصدار القوانين بمراسيم رئاسية في حالات الاستثناء (المادة 80) وحل البرلمان (المادة 101).

وقد عزز دستور 2022 من صلاحيات الرئيس في علاقته مع السلطة القضائية من خلال منحه الحق في تعيين نصف أعضاء المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء.

إعلان

رئيس الحكومة هو الفاعل الثاني في السلطة التنفيذية بعد رئيس الجمهورية، يتم تعيينه من قبل الرئيس، ويشرف على الإدارة اليومية للحكومة، بصلاحيات محدودة مقارنة بالصلاحيات التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية.

السلطة التشريعية

تمثّل السلطة التشريعية في تونس (مجلس نواب الشعب) أحد أركان النظام السياسي وفق الدستور التونسي، ويتكون المجلس من 161 نائبا ينتخبون لمدة خمس سنوات عبر الاقتراع العام المباشر.

يقتصر الدور الأساسي لمجلس النواب على مناقشة والمصادقة على القوانين وعلى الميزانية العامة، وصلاحياته محدودة، مقارنة بما كان يتمتع به في دستور 2014، إذ لم يعد بإمكانه سحب الثقة من الرئيس أو مساءلة الحكومة بشكل فعال.

يحق للرئيس حل المجلس متى شاء وتجاوزه بإصدار قوانين بمراسيم رئاسية. وأدت هذه التعديلات الدستورية التي أقرها دستور 2022 إلى إفراغ العمل البرلماني من مضمونه، وتحويل المجلس إلى مجرد هيئة شكلية تفتقد لأدوات الرقابة الحقيقية على أعمال السلطة التنفيذية، مما أثار انتقادات واسعة من الخبراء الدستوريين ومنظمات المجتمع المدني التي ترى في ذلك تقويضا لمبادئ الديمقراطية وفصل السلطات.

السلطة القضائية

شهدت السلطة القضائية في تونس بدورها تحولا جوهريا في ظل دستور 2022، وأصبحت تخضع بشكل متزايد لتأثير السلطة التنفيذية. ورغم النص الدستوري الصريح على استقلال القضاء، فإن الواقع يكشف تراجعا ملحوظا في هذه الاستقلالية.

يتجلى ذلك من خلال صلاحيات الرئيس الواسعة في تعيين نصف أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وهي الهيئة المسؤولة عن ترقية القضاة ونقلهم، كما يمتلك حق تعيين أربعة أعضاء من أصل 12 في المحكمة الدستورية، ما يضعف قدرتها على المراقبة الفعلية لدستورية القوانين ويزعزع الثقة في القضاء كسلطة رقابية مستقلة.

العملة

العملة الرسمية للجمهورية التونسية هي الدينار التونسي، تم اعتماده في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1958، وحل محل الفرنك الذي كان مستخدما في حقبة الاستعمار الفرنسي منذ عام 1891.

ينقسم الدينار الذي يصدره البنك المركزي التونسي إلى ألف مليم، توجد منه عملات معدنية بفئات؛ 10 مليم و20 مليم و50 مليم و100 مليم و200 مليم و500 مليم و1 دينار و2 دينار، وعملات ورقية تشمل فئات 5 دنانير و10 دنانير و20 دينارا و50 دينارا.

الموقع

تقع تونس في أقصى شمال القارة الأفريقية، على الساحل المتوسطي، في منتصف الطريق بين المحيط الأطلسي ودلتا النيل. يحدها البحر الأبيض المتوسط من جهتي الشرق والشمال، والجزائر من الجهة الغربية والجنوب الغربي، في حين تحدها ليبيا من الجنوب الشرقي.

يبلغ طول الحدود البرية لتونس مع الجزائر حوالي 965 كيلومترا، ومع ليبيا حوالي 459 كيلومترا. وتمتد السواحل التونسية على طول 1148 كيلومترا على البحر الأبيض المتوسط.

تتميز تونس بتنوع جغرافي كبير، إذ تضم جبال الأطلس في الغرب، والسهول الساحلية الخصبة في الشرق، والصحراء الكبرى في الجنوب.

وأعلى قمة في تونس هي جبل الشعانبي بارتفاع يصل إلى 1544 مترا، وأدنى نقطة هي شط الغرسة بانخفاض يبلغ 17 مترا تحت مستوى سطح البحر.

التضاريس

تنقسم تونس إلى ثلاث مناطق تضاريسية متمايزة؛ المنطقة الشمالية، الوسطى، والجنوبية.

  • المنطقة الشمالية: تخترقها سلسلة جبال الأطلس التي تشمل جبال خمير وجبال الظهير التونسي، مما يجعل منها منطقة غنية بالغابات والموارد المائية. تمتد من الحدود الجزائرية غربا إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط شرقا، يتواجد بها جبل الشعانبي؛ أعلى قمة في تونس، بارتفاع يبلغ 1544 مترا. تتميز المنطقة الشمالية كذلك بوجود سهول ساحلية كسهل بنزرت وسهل تونس، إضافة إلى بحيرات صغيرة مثل بحيرة بنزرت وبحيرة إشكل.
  • المنطقة الوسطى: منطقة سهلية تتخللها بعض التلال والوديان، مما يجعل منها منطقة متميزة بخصوبة تربتها وتنوعها البيئي، إذ توجد فيها العديد من السهول الزراعية الخصبة، التي يزدهر فيها النشاط الزراعي على ضفاف وادي مجردة، الذي يعتبر أطول نهر في تونس، ويمتد من الشمال الغربي إلى الشرق.
  • المنطقة الجنوبية: تشمل الصحراء الكبرى وهضبة الظاهر، وتتميز بمساحاتها الصحراوية الواسعة والكثبان الرملية، إضافة إلى الواحات التي تعتمد على المياه الجوفية. من أبرز المعالم في هذه المنطقة شط الجريد، وهو بحيرة ملحية كبيرة تتغير مساحتها حسب الفصول. كما تضم المنطقة الجنوبية هضبة الظاهر، التي تمتد من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، وتشرف بسفوحها الوعرة على سهل الجفارة الشاسع.
إعلان

المناخ

يؤثر هذا التنوع في التضاريس بشكل واضح على مناخ تونس. وتشكل الجبال في المناطق الشمالية حاجزا طبيعيا للرياح الرطبة القادمة من البحر الأبيض المتوسط، مما يؤدي إلى زيادة هطول الأمطار في هذه المناطق، ويجعل المناخ أكثر رطوبة وبرودة مقارنة ببقية مناطق البلاد.

تشهد الغابات الكثيفة في جبال خمير بالشمال الغربي أمطارا غزيرة، بمعدل تساقط سنوي يبلغ ما بين 1000 و1500 ملم، مما يجعلها أكثر المناطق رطوبة في تونس.

يتأثر مناخ تونس أيضا بإطلالتها على البحر الأبيض المتوسط، مما يؤدي إلى سيادة مناخ معتدل ورطب في المناطق الساحلية، حيث تساعد الرياح البحرية في تخفيف درجات الحرارة في الصيف وزيادة هطول الأمطار في الشتاء، مما يجعل مدنا مثل تونس العاصمة وسوسة المناطق الأكثر اعتدالا مقارنة بالمناطق الداخلية طيلة السنة.

أما السهول والهضاب التي تمتد على طول المنطقة الوسطى، فتتميز بمناخ شبه جاف. إذ تستقبل هذه المناطق كمية أقل من الأمطار مقارنة بالشمال، وتسجل بها درجات حرارة معتدلة إلى مرتفعة.

تعتمد السهول الزراعية في هذه المنطقة مثل سهول القصرين والقيروان وسبيبة على المياه الجوفية لري المحاصيل، مما يساعد في الحفاظ على النشاط الزراعي رغم قلة الأمطار.

في الجنوب، يخيم مناخ صحراوي جاف وحار على الصحراء الكبرى الشاسعة. تشهد الكثبان الرملية والواحات في هذه المنطقة درجات حرارة مرتفعة جدا في الصيف، في حين تقل كمية الأمطار وتهطل نادرا.

تصل درجة الحرارة القصوى في المناطق الصحراوية كمنطقة شط الجريد وهضبة الظاهر إلى حوالي 50 درجة مئوية في فصل الصيف.

البيئة

تتكون البيئة الطبيعية في تونس من الغابات الكثيفة في الشمال والصحاري القاحلة في الجنوب، مما يجعلها موطنا لتنوع بيولوجي غني.

تختلف النباتات في تونس بشكل كبير من منطقة إلى أخرى، فنجد في المناطق الساحلية أنواعا من النباتات شبيهة بتلك الموجودة في جنوب أوروبا، مثل المروج والأعشاب والأجمة المتوسطية وغابات السنديان الفليني.

أما الجنوب فيهيمن عليه الغطاء النباتي السهبي مع نباتات الحلفاء، في حين تمتاز المناطق القاحلة في أقصى الجنوب، بزراعة أشجار النخيل في الواحات.

تثمينا لهذا التنوع البيئي تم إنشاء 15 منطقة طبيعية أصبحت متنزهات وطنية، أبرزها الحديقة الوطنية بإشكل، التي تغطي مساحة تقدر بـ12600 هكتار، وهي محمية أدرجت منذ عام 1991 في قائمة التراث العالمي التي تعدها منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو).

تواجه البيئة في تونس تحديات كبيرة نتيجة التغيرات المناخية، لأنها من البلدان المتوسطية الأكثر تضررا من تغير المناخ، وما نتج عنه من نقص في الموارد المائية وتآكل السواحل وزيادة معدلات التصحر، الأمر الذي أثر سلبا على الزراعة وعرضها لموجات جفاف متكررة تفاقمت على إثرها ظاهرة الهجرة من الأرياف إلى ضواحي المدن.

كما تعاني تونس من ندرة المياه وفقا لمعايير الأمم المتحدة (أقل من 500 متر مكعب من المياه للفرد سنويا)، وحسب دراسة أجرتها وزارة البيئة التونسية عام 2018، يحتوي وادي مجردة على 60 ألف طن من الملوثات، مما يجعل أكبر مصدر للمياه في البلاد مهددا بالتلوث.

السكان

وفقا لتقرير صادر عن المعهد الوطني للإحصاء، نشر في نهاية يوليو/تموز 2024، بلغ عدد سكان تونس 11 مليونا و887 ألف نسمة.

تتركز الكثافة السكانية في المناطق الساحلية الشمالية والشرقية، مثل العاصمة تونس وسوسة وصفاقس. بينما تسجل المناطق الداخلية والجنوبية كثافة سكانية أقل بسبب الظروف المناخية القاسية وقلة الموارد المائية. ولذلك نجد 24.39% من التونسيين يعيشون في منطقة تونس الكبرى، التي تشمل ولايات تونس وأريانة ومنوبة وبن عروس، ويبلغ عدد السكان فيها 2912818 نسمة. (يسكن 1.08 مليون شخص في تونس، و678 ألفا في أريانة، و725 ألفًا في بن عروس، و428 ألفًا في منوبة).

وتأتي منطقة الوسط الشرقي في المرتبة الثانية من حيث عدد السكان بنسبة 23.99% من سكان البلاد، إذ يبلغ عدد سكانها 2.852 مليون نسمة. (1.031 مليون في صفاقس، و757 ألفا في سوسة، و614 ألفا في المنستير، و450 ألفا في المهدية).

ثم بعدها منطقة الشمال الشرقي (نابل، زغوان، وبنزرت) بعدد سكان يبلغ 1.67 مليون نسمة؛ والوسط الغربي (القيروان، القصرين، وسيدي بوزيد) بعدد سكان يبلغ 1.531 مليون نسمة؛ والشمال الغربي (باجة، جندوبة، الكاف، وسليانة) بعدد سكان يبلغ 1.119 مليون نسمة؛ والجنوب الشرقي (قابس، مدنين، وتطاوين) بعدد سكان يبلغ 1.084 مليون نسمة؛ وأخيرا الجنوب الغربي (قفصة، توزر، وقبلي) بتعداد سكاني يبلغ 644 ألف نسمة.

إعلان

حسب الدستور التونسي، الإسلام هو الدين الرسمي للدولة والأغلبية المطلقة من سكانها حوالي 98% مسلمون من مذهب أهل السنة والجماعة، وخاصة من المذهب المالكي، في حين أن حوالي 2% مسيحيون ويهود. ويتمتع التونسيون بقدر كبير من الحرية الدينية، وفق ما ينص عليه دستورها، الذي يضمن حرية الفكر والمعتقد وممارسة شعائر الدين.

وفقا لتقديرات رسمية، تتفرد تونس بتجانس عرقي كبير، إذ يشكل العرب حوالي 98٪ من السكان، بينما يمثل الأوروبيون حوالي 1٪، والباقي من أعراق مختلفة بمن فيهم الأمازيغ. وفي المقابل تكشف إحصاءات غير رسمية أن عدد الأمازيغ في تونس يناهز 500 ألف، أي ما يعادل نسبة 5% تقريبا من العدد الإجمالي لسكان البلاد.

التاريخ

تتميز تونس بثراء تاريخي كبير، وذلك بفضل ما شهدته من تعاقب لحضارات متعددة كان لها الأثر البليغ في تكوينها الثقافي والسياسي.

الفترة الفينيقية (القرن 9 ق.م – 146 ق.م)

بدأ الاستيطان الفينيقي في تونس في القرن التاسع قبل الميلاد، عندما أسس الفينيقيون مدينة قرطاج في عام 814 ق.م. كان الفينيقيون شعبا بحريا سيطرت قواته على طول سواحل البحر الأبيض المتوسط، فأسسوا فيها مستعمرات تجارية.

تأسست قرطاج على يد الأميرة الفينيقية عليسة (إليسا)، التي هربت من مدينة صور الفينيقية. واختارت موقع قرطاج بسبب تموضعه الإستراتيجي على خليج تونس، مما جعل منه مكانا مثاليا للتجارة البحرية. أصبحت قرطاج بسرعة مركزا تجاريا وحضاريا هاما، إذ ازدهرت التجارة بين قرطاج والمناطق المحيطة بها، كما تحولت إلى قوة بحرية كبرى في المتوسط، سيطرت على أجزاء من صقلية وسردينيا وإسبانيا.

بحلول عام 264 قبل الميلاد، أصبحت قرطاج القوة الخارجية المهيمنة على جزيرة صقلية، فبرزت إلى جانب روما من بين القوى العظمى المتنافسة على النفوذ في غرب المتوسط، مما أدى إلى اندلاع الحروب البونيقية، وهي سلسلة حروب من ثلاث فترات دارت بين الجمهورية الرومانية ومدينة قرطاج بين عامي 264 و146 قبل الميلاد.

كانت هذه الحروب إحدى أكبر الصراعات في العالم القديم وأثرت بشكل كبير على التوازن السياسي والعسكري في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

الحرب البونيقية الأولى (264-241 ق.م)

اندلعت بسبب التنافس على جزيرة صقلية، التي كانت تحت سيطرة قرطاج. شهدت هذه الحرب معارك بحرية وبرية، انتهت بانتصار روما واستيلائها على صقلية، مما جعلها أول مقاطعة رومانية خارج إيطاليا.

الحرب البونيقية الثانية (218-201 ق.م)

تعرف كذلك باسم "حملة حنبعل" الشهيرة، القائد القرطاجي الذي عبر جبال الألب بجيشه لمهاجمة روما من الشمال. حقق حنبعل انتصارات كبيرة في بعض المعارك أبرزها معركة كاناي يوم 2 أغسطس/آب عام 216 ق.م، بالقرب من بلدة كاناي في جنوب شرق إيطاليا، إلا أنه لم يتمكن من الاستيلاء على روما، عقب هزيمته في معركة زامة على يد القائد الروماني سكيبيو الأفريقي في 19 أكتوبر/تشرين الأول عام 202 ق. م، مما أجبر قرطاج على توقيع معاهدة سلام قاسية.

الحرب البونيقية الثالثة (149-146 ق.م)

استمرت التوترات بين روما وقرطاج إلى أن اندلعت الحرب البونيقية الثالثة في عام 146 ق.م. حاصرت على إثرها روما مدينة قرطاج ودمرتها بالكامل، فأنهى الرومان وجود قرطاج بصفتها قوة مستقلة، وأصبحت الأراضي القرطاجية جزءا من الإمبراطورية الرومانية تحت اسم مقاطعة "أفريكا" (أفريقية).

الفترة الرومانية (146 ق.م – 439 م)

شهدت تونس في الحقبة الرومانية تحولا كبيرا بعد أن أصبحت جزءا من مقاطعة "أفريقية" الرومانية عقب تدمير قرطاج في عام 146 ق.م. عرفت تونس إبان هذه الحقبة بـ"سلة غذاء روما" بفضل خصوبة أراضيها وإنتاجها الوفير من الحبوب والزيتون والفواكه.

أعاد الرومان بناء مدينة قرطاج لتصبح إحدى أهم المدن في الإمبراطورية الرومانية، إلى جانب تشييدهم مدنا أخرى مثل دقة والجم، التي تضم أكبر مدرج روماني في أفريقيا.

منذ القرن الثاني الميلادي، انتشرت المسيحية في تونس، وأصبحت قرطاج مركزا دينيا مهما، وشهدت بناء العديد من الكنائس والمراكز الدينية. تميزت هذه الفترة بازدهار اقتصادي وثقافي وديني، تركت آثارها العميقة على تاريخ تونس وحضارتها.

الفترة الوندالية والبيزنطية (439–647 م)

بدأت الفترة الوندالية في تونس عندما غزا الوندال، وهم قبائل جرمانية، شمال أفريقيا بقيادة الملك جنسريك في عام 429 م. استولى الوندال على قرطاج عام 439 م، وأسسوا مملكتهم التي امتدت عبر أجزاء كبيرة من شمال أفريقيا.

تميزت هذه الفترة بالاستقرار النسبي والتطور الاقتصادي، وانتقل الوندال من حياة البداوة إلى الاستقرار واهتموا بالزراعة وتربية الحيوانات، ورغم ذلك شهدت هذه الفترة أيضا بعض الثورات ضد حكم الوندال، مثل ثورة الأوراس وثورة الجمالة.

انتهى حكم الوندال في تونس بقدوم البيزنطيين، الذين سيطروا على قرطاج في عام 533 م بقيادة الجنرال بيليساريوس. وتمكن البيزنطيون من هزيمة الوندال بسهولة واستسلم آخر ملك وندالي في عام 534 م.

شهدت تونس في الفترة البيزنطية إعادة تنظيم الإدارة وتطوير البنية التحتية، إضافة إلى انتشار المسيحية بشكل أكبر، واستمر الحكم البيزنطي حتى قدوم الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي.

 الفتح الإسلامي والدول المحلية (647–909):

بدأ الفتح الإسلامي لتونس عام 647 م في عهد الخليفة عثمان بن عفان، بقيادة الصحابي عبد الله بن أبي سرح، الذي تمكن من هزيمة الجيش البيزنطي بالقرب من سبيطلة في عام 650م.

بعد ذلك، قاد معاوية بن حديج الهجوم الثاني في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان عام 666م، فتح على إثره عدة مدن، بما في ذلك؛ سوسة وبنزرت، ثم جزيرة جربة بعد ذلك في عام 667.

أما الحملة الثالثة فكانت حاسمة، قادها عقبة بن نافع في عام 670 م، فأسس حينها مدينة القيروان في العام نفسه، وأصبحت قاعدة للحملات العسكرية في اتجاه الشمال والغرب من أجل نشر الإسلام في المنطقة.

لاقى المسلمون مقاومة شديدة من الأمازيغ بقيادة الكاهنة ديهيا، قبل أن يتمكنوا من السيطرة على قرطاج في عام 698 م، مما أنهى الحكم البيزنطي في تونس.

الدولة الأغلبية (800–909 م)

تأسست الدولة الأغلبية في عام 800 م على يد إبراهيم بن الأغلب التميمي، الذي حصل على تفويض من الخليفة العباسي هارون الرشيد لحكم أفريقية بشكل شبه مستقل، وهدف الخليفة العباسي من وراء هذ الإجراء إلى درء الفتن وإنهاء الصراعات في المنطقة، بإرساء سلطة محلية قوية ومستقرة.

اتخذ إبراهيم بن الأغلب القيروان عاصمة لدولته، قبل أن تنتقل إلى مدينة رقادة التي أسسها إبراهيم الثاني بن أحمد في عام 876 م. تميزت الدولة الأغلبية بنظام حكم مركزي قوي، واعتمدت على جيش منظم وإدارة فعالة لضمان الاستقرار والأمن في المنطقة.

شهدت الدولة الأغلبية توسعا كبيرا في عهد عبد الله الأول بن إبراهيم، ثم في عهد أخيه زيادة الله الأول بن إبراهيم، وتم تجهيز جيش قوي لفتح جزيرة صقلية والسواحل الإيطالية في عام 827 م، واستمر الأغالبة في توسيع نفوذهم إلى أن شمل أجزاء من إيطاليا ومالطا وسردينيا، مما جعل منهم قوة بحرية وتجارية مهمة في البحر الأبيض المتوسط.

تميزت فترة حكم الدولة الأغلبية بازدهار اقتصادي بفضل الزراعة والتجارة البحرية. كما شهدت الدولة تطورا عمرانيا وثقافيا، إذ بنى الأغالبة جامع الزيتونة وأصبحت القيروان مركزا للعلم والمعرفة، وجذبت العلماء والفقهاء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

رغم وجود بعض الصراعات مع جيرانهم (الدولة الطولونية في مصر والدولة الرستمية في الجزائر)، حافظ الأغالبة عموما طيلة فترة حكمهم على علاقات طيبة مع الجميع بمن فيهم الدولة العباسية في بغداد، مما أسهم في تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي للدولة الأغلبية. إلى أن أتتها بوادر التدهور من الداخل، بسبب الصراعات الداخلية بين أفراد الأسرة الحاكمة والضعف الإداري.

واستغل الفاطميون هذا الصراع الداخلي عام 909 م فتمكنوا بقيادة عبيد الله المهدي من القضاء على الدولة الأغلبية، التي انتهت بهروب آخر ملوكها، زيادة الله الثالث، إلى الشام حيث توفي في مدينة القدس.

الدولة الفاطمية (909–973 م)

تأسست الدولة الفاطمية في تونس عام 909 م، على يد عبيد الله المهدي، الذي أعلن نفسه إماما للمسلمين، مؤسسا بذلك خلافة جديدة تتبع المذهب الشيعي الإسماعيلي.

وجاء تأسيس الدولة الفاطمية بعد نجاح الدعاة الإسماعيليين في استقطاب الجماهير وسط قبيلة كتامة الأمازيغية (شرق الجزائر)، مما مكنهم من القضاء على الدولة الأغلبية.

شيد الفاطميون مدينة المهدية في ولاية أفريقية سنة 912 م، واتخذوها عاصمة لدولتهم الناشئة. وفي عام 948 م، نقلوا مركز الحكم إلى مدينة المنصورية.

تميز نظام الحكم في الدولة الفاطمية بمركزية قوية وإدارة فعالة، اعتمدت فيها على جيش منظم ودعاة دينيين لنشر المذهب الإسماعيلي. شهدت الدولة الفاطمية بموجب ذلك توسعا كبيرا في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

بعد فتح مصر في عام 969 م، أسس الفاطميون مدينة القاهرة وجعلوها عاصمتهم الجديدة، لتتحول مصر بذلك إلى حاضرة روحية وثقافية وسياسية للدولة الفاطمية، على حساب أفريقية (تونس) التي تراجع اهتمام الفاطميين بها، فقلت بذلك أهميتها الإستراتيجية، وهو ما دفعهم إلى تفويض حكم أفريقية إلى حلفائهم الزيريين.

الزيريون (973-1152م)

تم تعيين بلقين بن زيري أميرا على أفريقية من قبل الخليفة الفاطمي المعز لدين الله في عام 973 م، بعدما حصل والده زيري بن مناد، مؤسس الدولة الزيرية على دعم الفاطميين واعتبروه حليفا موثوقا منذ عام 935 م.

اتخذ الزيريون مدينة القيروان عاصمة لهم في البداية، ثم انتقلوا إلى المهدية في عام 1057 م. في فترة حكمهم شهدت تونس تطورات سياسية وثقافية مهمة، إذ اعتبرت مركزا للتجارة والعلم في المنطقة.

في عام 1045م أعلن المعز بن باديس حاكم الدولة الزيرية، ولاءه للخلافة العباسية في بغداد، مما أثار حفيظة الفاطميين، واعتبروه خيانة من حليفهم الموثوق. دفعت هذه الواقعة الدولة الزيرية إلى قطع العلاقات مع الفاطميين، الذين شجعوا قبائل بني هلال على غزو أفريقية في عام 1058، فتراجع نفوذ الزيريين إلى المناطق الساحلية حول تونس، قبل أن ينتهي حكمهم على يد الموحدين في عام 1159، عندما تمكن عبد المؤمن بن علي الكومي من السيطرة على تونس وضمها إلى تراب الدولة الموحدية التي استمرت في السيطرة على المنطقة عقودا عدة.

الحكم الموحدي (1151-1229)

أثناء فترة حكم الموحدين، شهدت تونس تطورات كبيرة في مجالات الإدارة والاقتصاد والثقافة. واهتم الموحدون ببناء المساجد وتشييد المدارس، كما عملوا على تطوير الزراعة والتجارة. فكانت تونس بذلك مركزا هاما للتجارة بين الشرق والغرب، مما ساهم في ازدهارها الاقتصادي.

في عام 1229 م تمكن أبو زكرياء يحيى الحفصي، من تأسيس الدولة الحفصية، وكان أبو زكرياء واليا للدولة الموحدية في تونس، فاغتنم فرصة تراجع قوة الدولة الموحدية مركزيا، وضعف سلطتها، فأعلن الاستقلال عنها دون أن يلقى أية معارضة، فانقادت له البلاد وأعلن بذلك ميلاد الدولة الحفصية.

الدولة الحفصية (1229-1574)

اعترفت القوى الأوروبية بالدولة الحفصية قوة إقليمية مؤثرة أثناء فترة حكمها، بفضل العلاقات التجارية والدبلوماسية التي أقامها الحفصيون مع جيرانهم. فكانت تونس مركزا تجاريا هاما في منطقة البحر الأبيض المتوسط، مما جعلها نقطة وصل بين أوروبا والعالم الإسلامي.

في عام 1574م تمكن العثمانيون من إنهاء حكم الدولة الحفصية في تونس، بعد سلسلة من الحملات العسكرية الهادفة إلى تعزيز النفوذ العثماني في المنطقة، وكانت معركة جربة التي وقعت بين 9 و14 مايو/أيار 1560 م أهم هذه الحملات، وانتهت بانتصار حاسم للأسطول العثماني بقيادة بيالي باشا ودرغوث باشا على الأسطول الأوروبي.

كان هذا الحدث مقدمة لتراجع نفوذ الدولة الحفصية، التي كانت تعاني من ضعف داخلي وصراعات سياسية، ومهد لوضع سياسي جديد أصبحت فيه تونس إيالة عثمانية تابعة للسلطان العثماني في إسطنبول.

فترة الحكم العثماني (1574-1881)

ظلت تونس 17 عاما تحت حكم الباشوات الذين كانوا يعينون من قبل السلطان العثماني، ما بين 1574 و1591، فتناوب على الحكم كل من حيدر باشا الذي تولى الحكم في عام 1574م، ثم رمضان باشا، وأخيرا إبراهيم باشا، الذي حكم حتى عام 1591م.

تحمل الباشوات في هذه المدة مسؤولية إدارة شؤون البلاد ودفع رواتب جنود الجيش الإنكشاري. قبل أن ينقلب قادة الجيش على حكم إبراهيم باشا ويثبتوا حكم الدايات مستغلين الوضع الاعتباري القوي للإنكشارية ضمن منظومة الحكم العثماني آنذاك.

كان الدايات في تونس قادة عسكريين أتراكا، استولوا على السلطة بفضل دعم الجيش الإنكشاري، الذي كان يشكل العمود الفقري للقوة العسكرية العثمانية. فتمتع الدايات بموجب ذلك بنفوذ كبير في إدارة الشؤون العسكرية والسياسية في تونس.

يتم انتخاب الداي (القائد العسكري لإيالة تونس) من قبل الديوان، وهو مجلس يضم ضباط الجيش الانكشاري بتونس. انتخب أول داي (مراد كورسو) عام 1591م، واستمر نفوذ الدايات بصفة فاعلة إلى غاية منتصف القرن السابع عشر، الذي عرف ظهور حكم البايات المراديين تحديدا في عام 1631م بقيادة مراد باي.

في عام 1705، تولى حسين بن علي الحكم وأسس سلالة البايات الحسينيين، التي حكمت تونس لمدة تجاوزت قرنين ونصف. شهدت هذه الفترة التاريخية ازدهارا اقتصاديا وثقافيا كبيرين، إذ تم تطوير التجارة والزراعة، وتعزيز التعليم والفنون.

كما عرفت تونس تحت حكم البايات الحسينيين سلسلة من الإصلاحات الإدارية والسياسية الهامة، في سبيل تحديث البلاد وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ولعل أبرزها كان "عهد الأمان" الذي أعلنه محمد باي في 9 سبتمبر/أيلول 1857م، ومنح بموجبه السكان حقوقهم الأساسية في الأمن والمساواة أمام القانون، بغض النظر عن دياناتهم وأجناسهم.

وتلا ذلك إصلاح آخر لا يقل أهمية، تمثل في إصدار دستور 1861، الذي كان أول دستور ينظم الحياة السياسية في تونس ويفصل بين السلطات الثلاث، كان الهدف من وراء إقراره الحد من النفوذ المطلق للباي والمساهمة في تحديث الإدارة.

كما أدخل خير الدين التونسي (خير الدين باشا) -الذي شغل منصب الوزير الأكبر (رئيس الوزراء) في تونس بين عامي 1873 و1877 م- إصلاحات إضافية شملت إنشاء المدرسة الصادقية عام 1875، علاوة على إصلاحات قضائية وإدارية أخرى بهدف الحد من الفساد المالي الذي استشرى في البلاد في تلك الفترة.

فترة "الحماية" الفرنسية (1881-1956)

رغم الجهود التي بذلها خير الدين التونسي في تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق لتحسين الأوضاع في البلاد، إلا أن ذلك لم يمنع الدولة من الوقوع في براثن الاستعمار الفرنسي عبر توقيع معاهدة باردو في 12 مايو/أيار 1881م.

كان السياق التاريخي الذي مهد لتوقيع المعاهدة في غاية التعقيد، فقد كانت تونس تعاني من فساد إداري ومالي، وتدهور اقتصادي كبير نتيجة الديون المتراكمة. ناهيك عن بعض الثورات الداخلية والاضطرابات الاجتماعية التي كانت تظهر بين الفينة والأخرى في بعض المناطق، مما زاد من ضعف الدولة.

في ظل هذا الوضع المتدهور، استغلت فرنسا الفرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة، بعدما رأت في تونس امتدادا طبيعيا لمستعمرتها الجزائر (التي احتلتها عام 1830). فتذرعت بـ"تهديد" قبائل الخمير على الحدود الجزائرية التونسية لقواتها، مما دفع الجيش الفرنسي إلى محاصرة قصر الباي في باردو، لتجبر محمد الصادق باي على التوقيع على معاهدة "الحماية" تحت التهديد بخلعه لصالح أخيه علي باي.

كان ذلك منعطفا حاسما في تاريخ تونس، إذ فقدت استقلالها الفعلي ودخلت تحت "نظام الحماية الفرنسية" يوم 12 مايو/أيار 1881م.

المقاومة وظهور الحركة الوطنية

تعد ثورة علي بن خليفة عام 1881 إحدى أبرز محطات المقاومة التونسية ضد الاستعمار الفرنسي. اندلعت في يونيو/حزيران 1881م، بقيادة علي بن خليفة النفاتي، الذي قاد قبائل الوسط والجنوب لمقاومة قوات الاحتلال الفرنسي.

شهدت الثورة معارك عنيفة بين المقاومين التونسيين والقوات الفرنسية، حاولت خلالها القبائل التونسية التصدي للتقدم الفرنسي نحو المناطق الداخلية، إلا أن القوات الفرنسية تمكنت من إخماد الثورة بحلول ديسمبر/كانون الأول 1881 بعد مواجهات دامية.

غير أن ذلك لم يمنع تأثيرها الكبير على الوعي الوطني التونسي، إذ أظهرت هذه الثورة قدرة الشعب التونسي على المقاومة والصمود أمام القوى الاستعمارية. فكانت بمثابة الشرارة الأولى التي ألهبت الروح الوطنية، وعبدت الطريق لظهور حركات وطنية سياسية منظمة مثل الحزب الحر الدستوري، الذي أسسه المناضل عبد العزيز الثعالبي بمعية مناضلين آخرين يوم 6 يونيو/حزيران 1920.

وخاض الحزب معركة النضال من أجل استقلال تونس بوسائل مختلفة، إذ ركز على التوعية السياسية والتعبئة الجماهيرية لتنظيم الشعب في مواجهة الاستعمار الفرنسي.

انشقاق في الحركة الوطنية

تأسس "الحزب الدستوري الجديد" يوم 2 مارس/آذار 1934 م، بمدينة قصر هلال بالساحل التونسي. نتيجة انشقاق مجموعة من المناضلين الشباب بقيادة الحبيب بورقيبة ومحمود الماطري عن "الحزب الحر الدستوري القديم"، بسبب خلافات حول أساليب النضال.

فقد اتهم بورقيبة قيادة الحزب بـ"التردد" و"الارتباط بالنخب التقليدية"، داعيا إلى تبني خطاب أكثر راديكالية واعتماد تنظيم جماهيري أوسع، فاعتمد الحزب الجديد في تنظيمه على هيكلة دقيقة عبر "الديوان السياسي" و"المجلس الملي"، وركز على مخاطبة العمال والفلاحين عبر جريدة "العمل التونسي".

أحداث 9 أبريل 1938 شرارة الثورة التونسية ضد الاستعمار الفرنسي

بفعل عملها النضالي ضد الاستعمار اعتقلت السلطات الفرنسية قيادات الحزب الدستوري الجديد، ونفت بورقيبة والماطري إلى الجنوب التونسي يوم 3 سبتمبر/أيلول 1934، قبل أن يفرج عنهم لاحقا بعد صعود الجبهة الشعبية اليسارية في فرنسا عقب انتخابات مايو/أيار 1936.

استمر الحزب في النضال، فنظم في 9 أبريل/نيسان 1938م مظاهرات حاشدة في تونس العاصمة، ووجهت بالقمع مما أسفر عن مئات القتلى والجرحى، وعن إعادة اعتقال قيادات الحزب ونفيها إلى فرنسا، وأصبح هذا التاريخ لاحقا يعرف بـ"عيد الشهداء" في الذاكرة الوطنية التونسية، ويتم تخليده كل سنة.

الانقسام في زمن الحرب

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939م، حدث انقسام داخلي في الحزب الدستوري الجديد بين تيارين؛ تيار مؤيدي قوات المحور، الذي قاده صالح بن يوسف، وتيار مؤيدي الحلفاء بقيادة الحبيب بورقيبة، الذي غادر حينها إلى المشرق العربي لدعم القضية التونسية دوليا.

استغل الحزب فرصة ضعف فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية لتعزيز نفوذه، خاصة عبر التحالف مع الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي تأسس عام 1946 بقيادة فرحات حشاد.

مؤتمر قرمطو السري نقطة التحول نحو المطالبة بالاستقلال

بعدما ضاق التونسيون ذرعا من سياسات التسويف والمماطلة الفرنسية، عقد الحزب الحر الدستوري الجديد مؤتمرا سريا في نهج قرمطو (سيدي محرز) برئاسة الزعيم الهادي شاكر، في 18 يناير/كانون الثاني عام 1952.

وأكد المؤتمر استحالة التعاون المثمر بين تونس وفرنسا دون انتهاء الحماية ونيل الاستقلال، واعتبر أنه بعد نهاية الاستعمار يمكن إبرام معاهدة ود وتحالف على قدم المساواة.

قمع واعتقالات ونفي

ردت السلطات الفرنسية في اليوم نفسه باعتقال حوالي 150 وطنيا من القادة السياسيين والنقابيين، كان من بينهم كل من بورقيبة والمنجي سليم، اللذين نفيا إلى طبرقة، والهادي شاكر ومحمد النافع وموريس نزار من الحزب الشيوعي التونسي.

تم نفي بورقيبة بعد ذلك إلى رمادة في 26 مارس/آذار 1952، ثم إلى جزيرة جالطة، ومنها إلى جزيرة لاكروا، وأخيرا إلى قصر لا فارتي بضاحية آميي قرب باريس في 21 يوليو/تموز 1954.

الاستقلال وصراع الرؤى بين بورقيبة وبن يوسف

شكل فشل سياسة الحوار بين تونس وباريس منعرجا هاما، دفع بالحزب الحر الدستوري الجديد إلى تكثيف النشاط الوطني ضد فرنسا، سواء عبر العمل السياسي السري أو الكفاح المسلح في الجبال.

واستخدم الثوار بنادق صيد ومعدات عسكرية ألمانية قديمة وأخرى يدوية تقليدية، وزادت جذوة "ثورة الكفاح المسلح" اشتعالا بعد اغتيال الزعيم فرحات حشاد يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 1952 م، من طرف تنظيم "اليد الحمراء" السرّي، وبعدما تأكد للفرنسيين توليه مسؤولية قيادة المقاومة التونسية بعد اعتقال زعماء الحزب وسجنهم ونفيهم خارج البلاد.

أشرف الحزب الدستوري الجديد على هجمات ضد المصالح الفرنسية بدعم من المقاومين الريفيين، الذين استبسلوا في القتال ونجحوا في إلحاق أضرار وخيمة بالقوات الفرنسية، مما أجبر فرنسا على الرضوخ لمطلب التفاوض.

فتم بموجب ذلك توقيع اتفاقيات الاستقلال الداخلي في عام 1955، قبل أن يتحقق الاستقلال التام في 20 مارس/آذار 1956، بعد صراع داخلي بين بورقيبة، المؤيد للتفاوض، وصالح بن يوسف، المطالب بالاستقلال الفوري، انتهى بانتصار بورقيبة ونفي بن يوسف.

تونس الحديثة (منذ 1956)

  • حكم بورقيبة لتونس ما بعد الاستقلال (1956-1987)

تولى الحبيب بورقيبة قيادة الدولة الوليدة في تونس ما بعد الاستقلال (1956–1987)، فعرفت البلاد إبان حكمه تحولات كبيرة بصمت تاريخ تونس الحديث. إذ أعلن قيام الجمهورية في عام 1957، وأسس بذلك نظاما جمهوريا رئاسيا على حساب نظام حكم ملكي ورثه التونسيون من الحكم العثماني.

أقر المجلس التأسيسي في 1 يونيو/حزيران 1959 دستورا ينص على أن تونس نظام سياسي رئاسي عصري، تمنح فيه السيادة للشعب، يمارسها عن طريق انتخاب ممثليه بالاقتراع العام وعن طريق الفصل بين السلط.

قام بورقيبة بعد ذلك بإصلاحات وصفت بأنها "علمانية"؛ فأصدر مجلة الأحوال الشخصية، في 13 أغسطس/آب 1956 م، ودخلت حيز التنفيذ في 1 يناير/كانون الثاني 1957 م، تضمنت قوانين نصت على منع تعدد الزوجات وساهمت في تعزيز حقوق المرأة. كما ركزت سياسات بورقيبة على تعميم التعليم، فجعلته إلزاميا ومجانيا، ما ساهم في رفع نسبة التعليم في البلاد.

لم تحقق "السياسات الإصلاحية" التي تبناها بورقيبة غاياتها المنشودة، إذ عانت تونس في فترة ستينيات القرن العشرين من أزمة اقتصادية خانقة، عندما حاولت الحكومة تطبيق النموذج الاشتراكي عبر تأميم العديد من القطاعات الاقتصادية، مما أدى إلى تراجع الإنتاجية وارتفاع البطالة.

وأعقبت ذلك أزمة اجتماعية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، إذ شهدت تونس احتجاجات واسعة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، واضطرابات كبيرة استدعى بعضها تدخل الجيش (مظاهرات يناير/كانون الثاني 1978، تمرّد قفصة في عام 1980، وثورة الخبز في يناير/كانون الثاني 1984) فأصبحت البلاد على حافة الانفجار.

دفع هذا الوضع المتردي الوزير الأول (رئيس الوزراء) آنذاك زين العابدين بن علي إلى التدخل في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 ليضع حدا لحكم بورقيبة عبر ما عرف ب"الانقلاب الطبي".

وقد سمي كذلك بسبب اعتماد بن علي على تقرير طبي أصدره سبعة أطباء، فجر يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني، يؤكد عجز الرئيس بورقيبة (البالغ من العمر حينها زهاء 87 عاما) عن القيام بالمهام المنوطة به كونه "غير قادر على الحكم بسبب الخرف"، فتولى زين العابدين بن علي حكم تونس، ويبدأ فصل جديد من تاريخ الجمهورية التونسية.

  • فترة حكم زين العابدين بن علي (1987–2011)

شهدت تونس في فترة حكم بن علي نهضة اقتصادية ملحوظة، فعرفت أولى سنوات حكمه نموا اقتصاديا تمظهر أساسا في تطوير البنية التحتية وجذب الاستثمارات الأجنبية وإنعاش التشغيل. في حين كان الأمر على النقيض تماما من الناحية السياسية، إذ سرعان ما تراجع بن علي عن وعوده المبشرة بمرحلة جديدة من الإصلاحات الديمقراطية والانفتاح السياسي.

وعمل على تحويل نظام حكمه تدريجيا إلى نظام استبدادي قمعي، تميز بالفساد وتقييد الحريات وقمع المعارضين، قبل أن يطاح به في ثورة الياسمين في يناير/كانون الثاني 2011، تاريخ ميلاد أولى ثورات الربيع العربي، الذي امتد إلى دول أخرى بعد ذلك.

  • الانتخابات التأسيسية وصعود حركة النهضة (2011–2014)

فتح باب الديمقراطية على مصراعيه أمام التونسيين عقب الإطاحة بنظام بن علي، وتشكلت حكومة مؤقتة برئاسة محمد الغنوشي، ثم الباجي قايد السبسي، لإدارة الفترة الانتقالية.

جرت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، فازت فيها حركة النهضة الإسلامية بأغلبية مقاعد المجلس، عندما حصلت على 89 مقعدا من أصل 217، وتولى المجلس صياغة الدستور الجديد.

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2011، تم انتخاب منصف المرزوقي، وهو سياسي علماني، رئيسا للجمهورية، وتم تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة حمادي الجبالي من حركة النهضة.

بين عامي 2013 و2014، واجهت تونس أزمة سياسية حادة بعد اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد براهمي، مما أدى إلى استقالة حكومة النهضة وتشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة مهدي جمعة.

  • دستور 2014 والانتخابات الرئاسية

بعد ذلك تم إقرار دستور جديد في يناير/كانون الثاني عام 2014، واعتبره مراقبون آنذاك "الدستور الأكثر تقدما في المنطقة"، إذ تميز بضمان الحقوق السياسية والحريات الفردية والمساواة بين الجنسين.

كانت تونس على موعد مع انتخابات تشريعية ورئاسية تاريخية، نظرا لكونها أول انتخابات بعد إقرار دستور 2014 الجديد. جرت الانتخابات التشريعية في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014، فاز فيها حزب نداء تونس ذو التوجه العلماني بالرتبة الأولى بعد أن حصل على 86 مقعدا من إجمالي 217 في مجلس نواب الشعب، في حين حصل حزب حركة النهضة الإسلامي على 69 مقعدا.

تلتها بعد ذلك الانتخابات الرئاسية في جولتين؛ الأولى في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، والثانية في 21 ديسمبر/كانون الأول عام 2014. فاز الباجي قايد السبسي من حزب نداء تونس في الجولة الثانية بنسبة 55.68% من الأصوات، متفوقا على الرئيس المنتهية ولايته منصف المرزوقي الذي حصل على 44.31% من الأصوات. وشكلت هذه الانتخابات نهاية مرحلة الانتقال الديمقراطي التي بدأت بعد الثورة التونسية وسقوط نظام بن علي.

  • التحديات الأمنية والاقتصادية (2015–2019)

واجهت تونس تحديات أمنية واقتصادية كبيرة في الفترة ما بين 2015 و2019، أثرت سلبا على استقرارها الأمني، إذ شهدت البلاد هجوما إرهابيا استهدف متحف باردو يوم 15 مارس/آذار 2015، تلاه هجوم مسلح استهدف فندق إمبريال مرحبا في المنطقة السياحية لمدينة سوسة يوم 26 يونيو/حزيران من العام نفسه.

خلف الحادثان تراجعا كبيرا للنشاط السياحي، أحد الموارد الهامة للاقتصاد التونسي. بالموازاة مع ذلك زادت التوترات الأمنية على الحدود مع ليبيا، مما دفع الحكومة إلى تعزيز الإجراءات الأمنية وبناء جدار حدودي لمنع تسلل الجماعات المسلحة إلى التراب التونسي.

أما من الناحية الاقتصادية، فقد شهدت تونس ارتفاعا كبيرا في الدين العام، أثر بشكل ملموس على ميزانية الدولة وقدرتها على تمويل المشاريع التنموية. كما ارتفعت معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، مما أدى إلى زيادة الهجرة غير الشرعية واشتعال فتيل الاحتجاجات الاجتماعية خاصة في المناطق المهمشة.

في ظل هذه الأوضاع، التي زاد استعداد تونس للانتخابات التشريعية والرئاسية من حساسيتها، توفي الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي في 25 يوليو/تموز عام 2019، عن عمر ناهز 92 عاما، بعد تعرضه لوعكة صحية.

بعد وفاته تولى رئيس البرلمان محمد الناصر منصب الرئيس المؤقت للبلاد لمدة تتراوح ما بين 45–90 يوما (إلى حين إجراء الانتخابات المرتقبة)، وتم إعلان الحداد الوطني سبعة أيام مع تنكيس الأعلام في المؤسسات الرسمية.

قررت الهيئة العليا للانتخابات تقديم موعد الانتخابات من 17 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 15 سبتمبر/أيلول عام 2019، التزاما منها بالدستور الذي يحدد فترة انتقالية قصوى في 90 يوما.

تنافس في الانتخابات الرئاسية 26 مرشحا، أبرزهم عبد الفتاح مورو عن حركة النهضة، ورجل الأعمال نبيل قروي مرشحا لحزب قلب تونس، ومنصف المرزوقي الرئيس الأسبق، والمرشح المستقل قيس سعيد، الذي حقق فوزا كاسحا في الدور الثاني من هذه الانتخابات، عندما حاز على 72.71% من الأصوات، في اقتراع 13 أكتوبر/تشرين الأول عام 2019.

  • حكم قيس سعيد والأزمة الدستورية (2021–2025)

شهدت تونس بعد انتخاب قيس سعيد تحولات سياسية ومؤسساتية عميقة، بدأت بمرحلة إصلاحية واعدة قبل أن تتحول إلى نظام رئاسي "مطلق". وعكس وعوده الانتخابية التي تمركزت حول محاربة الفساد وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين، أخذت سياسة قيس سعيد منحى مغايرا تماما نحو تكريس المركزية والاستبداد.

في مرحلته الأولى (2019-2021)، واجه الرئيس الجديد صعوبات في تشكيل حكومة مستقرة، إذ رفض البرلمان حكومة الحبيب الجملي عام 2020، تلتها استقالة حكومتي إلياس الفخفاخ وهشام المشيشي بسبب خلافات حول الصلاحيات.

في خضم هذه الأزمات السياسية، أدار سعيد أزمة كورونا بقرارات صارمة، مما أكسبه شعبية مؤقتة. إلى أن جاء المنعطف الحاسم في 25 يوليو/تموز 2021، عندما استخدم الفصل 80 من الدستور لاتخاذ إجراءات استثنائية شملت حل البرلمان وعزل الحكومة وتعطيل المجلس القضائي، ليحكم البلاد بمراسيم رئاسية، أبرزها مرسوم 117 الذي منحه سلطات تشريعية مطلقة، فأطلق العنان لحملة اعتقالات طالت معارضين وإعلاميين بارزين.

وفي يوليو/تموز 2022، عزز سعيد سلطاته عبر استفتاء دستوري أقر بموجبه نظاما رئاسيا يستحوذ بموجبه على صلاحيات واسعة، تم تتويجه بانتخابات تشريعية عام 2023 قاطعتها معظم القوى السياسية، إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة 11.4%. وفي أكتوبر 2024، فاز سعيد بولاية ثانية بنسبة 90.69% في انتخابات حامت حولها شبهة التزوير والإقصاء، مع إقبال لم يتجاوز 28.8%.

اقتصاديا شهدت تونس تحت حكم سعيد تدهورا خطيرا، وبلغ التضخم 10.5% وارتفعت البطالة إلى 16% عام 2024، مع نقص حاد في المواد الأساسية، واندلعت جراء ذلك احتجاجات شعبية في مناطق متفرقة، ووجهت بقمع أمني شديد.

أبرز المعالم

تونس من أكثر الدول العربية تنوعا من حيث المعالم السياحية والثقافية، إذ تجمع بين الآثار التاريخية العريقة والمناظر الطبيعية الخلابة. ويعود الفضل في ذلك، إلى تنوع الحضارات التي تعاقبت على البلاد على مر العصور، إذ ما تزال الآثار البونية والرومانية والبيزنطية والعربية والعثمانية شاهدة على تاريخ الحضارات التي عرفتها البلاد.

معالم تاريخية

  • الموقع الأثري بقرطاج

تعد قرطاج الأثرية إحدى أبرز المواقع التاريخية في تونس والعالم، وتجسد عراقة الحضارات التي تعاقبت على منطقة البحر الأبيض المتوسط. تأسست المدينة في القرن التاسع قبل الميلاد على يد الفينيقيين، ثم أصبحت عاصمة للإمبراطورية البونيقية التي تحدت الرومان. بعد سقوطها عام 146 قبل الميلاد، أقام الرومان على أنقاضها قرطاج ثانية رومانية لتصبح أهم مدن الإمبراطورية.

يضم الموقع آثارا مذهلة تعكس الأحداث التي شهدتها هذه الحقبة التاريخية، مثل حمامات أنطونيوس الفخمة التي كانت ثاني أكبر الحمامات الرومانية في العالم، وتلة بيرصا، التي كانت مركز المدينة البونية وتحتوي على بقايا المباني الضخمة وكاتدرائية القديس لويس.

وهناك الميناء البوني الشاهد على براعة الفينيقيين في الهندسة البحرية، والمسرح الروماني الذي يقدم لمحة عن الحياة الثقافية بقرطاج في الفترة الرومانية، والحي البوني المحتفظ ببقايا المنازل والشوارع التي تعكس التنظيم الحضري للمدينة القديمة. اعترافا منها بقيمة المواقع التراثية، أدرجت اليونسكو قرطاج على قائمة التراث العالمي عام 1979.

  • المدرج الأثري بالجم

يعد المدرج الأثري بالجمّ (المعروف أيضا باسم قصر الجم أو كولوسيوم تيسدروس) أحد أبرز المعالم التاريخية في تونس والعالم، ويجسد روعة العمارة الرومانية وثراء التاريخ التونسي.

بني هذا الصرح الضخم عام 238 م، في عهد الإمبراطور غورديان الثاني، في فترة ازدهار مدينة تيسدروس (الجم) بصفتها مركزا تجاريا لتصدير زيت الزيتون. يتميز المدرج بتصميمه الهندسي الفريد، ويبلغ طوله 148 مترا وعرضه 122 مترا، ويتسع لـ35 ألف متفرج، مما يجعله ثالث أكبر مدرج روماني في العالم بعد كولوسيوم روما وكولوسيوم كابو.

تحت الحلبة يوجد رواقان وغرف سرية كانت تستخدم لإيواء الوحوش والمصارعين، الذين يشاركون في العروض الدامية التي كانت تقام أمام الجماهير والنبلاء.

شيد المدرج من الحجر الرملي المحلي، وتميز بدقة هندسية تجاوزت أخطاء كولوسيوم روما، مما أكسبه شهرة وأصبح "أجمل مدرج روماني" في أفريقيا. تحول المدرج في فترة الفتح الإسلامي، إلى حصن للقائدة الأمازيغية الكاهنة ديهيا أثناء مقاومتها للقائد الأموي حسان بن النعمان.

دفعت المكانة التاريخية للمدرج منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) إلى إدراجه ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو عام 1979.

  • مدينة القيروان

تأسست القيروان عام 670م على يد عقبة بن نافع، الذي شيدها لتكون حصنا إسلاميا ومنطلقا للفتوحات في شمال أفريقيا. نمت المدينة لتصبح عاصمة سياسية وروحية للمنطقة، خاصة في عهد الأغالبة الذين جعلوا منها مركزا لإمبراطوريتهم الممتدة من ليبيا إلى الجزائر.

تميزت القيروان بمعالمها العمرانية الفريدة مثل جامع عقبة بن نافع الذي يعد تحفة معمارية بمنبره الخشبي الأثري ومحرابه الدقيق، وفسقية الأغالبة الشاهدة على براعة المسلمين في الهندسة المائية.

القيروان منارة علمية متميزة، انتشر منها المذهب المالكي عبر علماء أجلاء كالإمام سحنون والإمام علي ابن زياد، واشتهرت بحلقات العلم في جامعها الكبير. كما لعبت دورا محوريا في نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في المنطقة، ورغم تعرضها لتدهور نسبي بعد الغزو الهلالي في القرن الحادي عشر، إلا أنها حافظت على مكانتها الدينية والثقافية.

تحافظ القيروان على تميزها بصفتها مدينة تاريخية حية تجمع بين الأصالة والحداثة، وتحافظ على حرفها التقليدية مثل صناعة السجاد الصوفي. ورغم ما تواجهه من تحديات تنموية، تظل القيروان شاهدة على عصر ذهبي للحضارة الإسلامية في المغرب العربي، ورمزا للتفاعل بين العمارة الإسلامية والعلم والمعرفة.

معالم طبيعية

  • جزيرة جربة

جزيرة جربة أو "جزيرة الأحلام" كما يفضل البعض تسميتها، تقع في جنوب شرق تونس في خليج قابس، وتعد أكبر جزيرة في شمال أفريقيا بمساحة تبلغ 514 كيلومترا مربعا. تتميز بشواطئها الرملية الذهبية ومنازلها التقليدية ذات الطابع الأمازيغي، مما يجعل منها وجهة سياحية مميزة. من أبرز معالمها؛ حومة السوق، أكبر مدينة في جربة، تشتهر بأسواقها التقليدية ومبانيها البيضاء، وكنيس الغريبة، الذي يعد أقدم كنيس يهودي في أفريقيا.

كما تضم منطقة رأس الرمل الساحلية الخلابة، ومتحف قلالة الذي يعرض التراث الثقافي والتاريخي للجزيرة. وتنتشر في جربة العديد من القصور والرباطات التي تعكس تاريخها العريق.

تتميز الجزيرة بتنوعها الثقافي، ويعيش فيها سكان من أصول عربية وأمازيغية ويهودية، مما يضفي عليها طابعا متفردا. في عام 2023، أدرجت جربة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، مما يعزز مكانتها وجهة سياحية وثقافية بارزة.

  • شط الجريد

أكبر بحيرة ملحية في الصحراء الكبرى، تمتد من مدينة قبلي شرقا إلى بلدة حزوة غربا، ويبلغ عرضها الأقصى 120 كيلومترا ويشغل مساحة 7000 كيلومتر مربع. يتميز هذا الموقع الطبيعي الفريد بتحوله إلى لوحة سريالية عندما تغمره المياه، إذ تتغير ألوانه بين الأبيض والأخضر والبنفسجي.

يجف شط الجريد في فصل الصيف بالكامل تقريبا، بينما تتفجر فيه المياه أثناء الشتاء وتكسوه طبقة من الملح. هذا التنوع الطبيعي يجعل شط الجريد من أهم المعالم الطبيعية في الجنوب الغربي لتونس.

  • حديقة إشكل الوطنية

تقع في ولاية بنزرت شمال شرقي تونس، وتعد إحدى أهم المحميات الطبيعية في البلاد. تأسست الحديقة عام 1980 وتغطي مساحة 12600 هكتار، تشمل بحيرة إشكل التي تعتبر محطة رئيسية لهجرة الطيور بين أوروبا وأفريقيا.

كما تعتبر آخر بحيرة كبيرة للمياه العذبة في شمال أفريقيا، وتشكل موطنا لأكثر من 200 نوع من الحيوانات و500 نوع من النباتات. تستقبل البحيرة في فصل الشتاء مئات الآلاف من الطيور المهاجرة، مما يجعلها موقعا بيئيا فريدا.

تم إدراج الحديقة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1991، وهي الموقع الطبيعي الوحيد في العالم المرسم بالاتفاقيات الدولية الثلاث لحماية الطبيعة (اتفاقية "رمسار" حول المناطق الرطبة ذات الأهمية الدولية، اتفاقية "التراث العالمي لليونسكو" واتفاقية "الإنسان والمحيط الحيوي" التي اعتمدتها اليونسكو).

معالم ثقافية

  • سيدي بوسعيد

القرية المطلة على خليج تونس، المتزينة باللونين الأزرق والأبيض، تعد إحدى أجمل المناطق السياحية في تونس. تتميز بطابعها المعماري الفريد، إذ تطلى معظم البيوت باللون الأبيض وتزين أبوابها وشرفاتها باللون الأزرق، مما يضفي عليها رونقا خاصا.

تشتهر سيدي بوسعيد بمقاهيها الفنية، مثل "القهوة العالية"، التي توفر إطلالات رائعة على البحر، كما تضم القرية كذلك بيوتا أندلسية تعكس تاريخها العريق وتضفي عليها سحرا خاصا وعبقا تاريخيا مميزا.

  • المتحف الوطني بباردو

أكبر متحف في تونس وأحد أهم المتاحف في العالم، يقع في مدينة باردو بالقرب من العاصمة تونس، تأسس عام 1882 وتم افتتاحه رسميا في 7 مايو/أيار 1888م. يضم المتحف أكبر مجموعة من الفسيفساء الرومانية في العالم، والتي تعود إلى حقبة تاريخية تمتد من القرن الثاني قبل الميلاد إلى ما بعد القرن السادس الميلادي.

تبرز الفسيفساء مشاهد ميثولوجية حول عربة نبتون (إله الماء والبحر في الميثولوجيا الرومانية)، كما يضم المتحف تماثيل من الرخام كانت تزين المعابد الرومانية، ومجموعة واسعة من القطع الأثرية التي تجسد تاريخ تونس عبر العصور المختلفة، من العصور البونية والرومانية إلى الفترات الإسلامية انتهاء بتاريخ تونس الحديث.

  • مدينة تونس العتيقة

تعد بدورها أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1979، هي قلب العاصمة التونسية النابض، وتتميز بتاريخها العريق ومعالمها الثقافية الفريدة. تأسست المدينة في القرن السابع الميلادي حول جامع الزيتونة، الذي يعتبر من أقدم المعالم الدينية في تونس.

تضم المدينة أسواقا تقليدية مكسوة بقباب تتسرب منها إضاءة خافتة، وهي حاشدة بالحركة ومليئة بالسلع من كل الأنواع؛ أقمشة وعطور ومجوهرات وغيرها. تبدو أزقتها السكنية كأنها متحف مصغر للطابع العمراني التونسي؛ جدران بيضاء وحدادة زرقاء، معابر مسقوفة وقباب من القرميد الأخضر وأبواب صفراء مؤطرة بتصاميم حجرية منحوتة.

الاقتصاد

يعاني الاقتصاد التونسي من تباطؤ واضح، إذ بلغ معدل النمو 0.9% في الربع الأخير من 2024، مع توقعات بتحسن طفيف إلى 1.4% في 2025 وفقا لأرقام البنك الدولي، وذلك بسبب ضعف الاستثمارات وتراجع الإنتاجية في القطاعات الرئيسية مثل الفلاحة، التي تأثرت بموجة جفاف حادة أدت إلى انخفاض إنتاج زيت الزيتون بنسبة 30% عام 2023.

ويواجه الاقتصاد تحديات جسيمة تعيق مسيرته التنموية، إذ يعاني من نمو متعثر لا يتجاوز 1.4% وسط توقعات بتراجع إنتاجية بعض القطاعات الحيوية. وتزداد الأزمة تفاقما مع عجز تجاري قياسي بلغ 17.5 مليار دينار وارتفاع الدين العام إلى 80% من الناتج المحلي.

تشكل أزمة التشغيل عبئا ثقيلا على الدولة، في ظل تسجيل بطالة عامة بنسبة 16%، تصل إلى 30% في صفوف الشباب، بينما سجل التضخم تراجعا إلى نسبة 6% بحلول يناير/كانون الثاني 2025، مع تسجيل انخفاض مستمر في القدرة الشرائية منذ 2021.

تتفاقم التحديات التي يواجهها الاقتصاد التونسي بفعل معضلات هيكلية مزمنة؛ تتمثل أساسا في البيروقراطية والمساطر الإدارية المعقدة، وبيئة الأعمال غير المحفزة وضعف البنية التحتية.

ويتمتع القطاع السياحي بإمكانيات كبيرة غير مستغلة على الوجه الأمثل، خاصة في مجال السياحة الثقافية والعلاجية، مع ما تزخر به البلاد من مواقع أثرية فريدة ومنتجعات صحية طبيعية.

وفي مجال الطاقة، تمثل المشاريع الخضراء كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح فرصة ذهبية لتونس لتكون مركزا إقليميا للطاقة المتجددة، خاصة مع مشروع الربط الكهربائي مع أوروبا.

كما يشهد قطاع التكنولوجيا والخدمات الرقمية نموا ملحوظا، وأصبحت تونس مركزا لاستقطاب الشركات الناشئة في مجال البرمجيات والخدمات الرقمية.

القطاع الزراعي بدوره يزخر بفرص كبيرة للتصدير إذا ما تم تحديثه وتطويره، خاصة في منتجات زيت الزيتون العضوي والتمور الفاخرة.

وتظل التحويلات المالية للتونسيين بالخارج، التي تشكل أحد أهم مصادر العملة الصعبة، ذات دور مهم في تنشيط الاقتصاد إذا ما أحسن توجيهها نحو الاستثمارات المنتجة.

المصدر: الجزيرة

إعلان