تعرف على مفهوم الاقتصاد التضامني

صورة مصطفى حنون - مسئول مشروع الزراعة الحضرية في مركز العمل التنموي
الاقتصاد التضامني يعطي الأولوية للأشخاص (الجزيرة)

الاقتصاد التضامني أو الاجتماعي، هو مجموع الأنشطة الإنتاجية للسلع والخدمات التي تنتظم في شكل بنيات مهيكَلة ومستقلة (جمعيات، تعاونيات، تعاضديات وغيرهم) تخضع لتدبير ديمقراطي وتشاركي، ويكون الانخراط فيها حرا.

وتتميز هذه الأنشطة عن غيرها بمحورية الغايات الاجتماعية والمجتمعية (التنمية المستدامة، التشغيل، التجارة العادلة، محاربة الفقر والإقصاء…) في مقاصدها، وبكون علاقات التضامن بين الأعضاء تكتسب صبغة الأولوية على حساب المصلحة الفردية أو الكسب المادي.

وتتميز مؤسسات الاقتصاد التضامني بإعطاء الأولوية للأشخاص عوض إعطائها لرأس المال في عملية بناء القرار (صوت لكل عضو)، ولهذا يوصف تدبير هذه المؤسسات بكونه ديمقراطيا.

الأهداف
 يسعى الاقتصاد التضامني إلى التوفيق بين أهداف النمو والتنمية الاقتصادية من جهة ومبادئ الإنصاف والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى، ويجعل الإنسان في صلب اهتمامات عملية التنمية وفوق أي اعتبارات اقتصادية صرفة مثل الربح أو التراكم.

ووفق العديد من الخبراء -وأبرزهم جوزيف ستيغليتزيعد الاقتصاد التضامني دعامة ثالثة، إلى جانب كل من القطاعين العمومي والخاص، ينبغي أن يتأسس عليها أي اقتصاد يهدف إلى تحسين أدائه وتعزيز التماسك الاجتماعي وإدماج شرائح واسعة من المجتمع.

ولا يشكل الاقتصاد التضامني بديلا عن اقتصاد السوق المهيمن في العالم حاليا، ولكن بإمكانه أن يكون اقتصادا موازيا قادرا على تحرير ديناميات النمو المُدمج وإعادة التوازن للمجتمعات عن طريق الحد من حجم التفاوت والفوارق الاجتماعية الصارخة.

والنمو المُدمج هو النمو الذي لا تتركز ثماره في أيدي الأغنياء فقط، وإنما تتوزع على شرائح واسعة من المجتمع تدمجهم في الحياة الاقتصادية.

الاهتمام
تزايد اهتمام العالم بالاقتصاد التضامني بعد الأزمة الاقتصادية عام 2008 التي أبانت عن مساوئ نمط الإنتاج الرأسمالي وعدم استقراره البنيوي. وكثيرا ما أثير الاقتصاد التضامني في اللقاءات الدولية التي ناقشت آثار الأزمة وبحثت عن سبل ناجعة كفيلة بتحصين البشرية من التداعيات الاجتماعية لمثل هذه الأزمات.

وفي هذا السياق، صرح الاقتصادي المشهور جوزيف ستيغليتز في مداخلته ضمن أشغال المؤتمر الذي نظمه "المركز الدولي للأبحاث والمعلومات حول الاقتصاد العمومي والاجتماعي والتعاوني" بإشبيلية في سبتمبر/أيلول 2008، بأن "نموذج المستقبل هو وجود اقتصاد متوازن، بقطاع خاص تقليدي وقطاع عمومي فعال، واقتصاد اجتماعي في طور التقدم".

ولقد أسهمت مؤسسات الاقتصاد التضامني عبر العالم بشكل فعال في السعي نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية التي رسمتها منظمة الأمم المتحدة عام 2000، كما يعول على إسهامها كثيرا في بلوغ أهداف التنمية المستدامة التي تبنتها المنظمة الأممية في يناير/كانون الثاني 2016.

الفاعلون
تكشف العديد من الدراسات التي حاولت مقاربة موضوع الاقتصاد التضامني وتشخيص واقعه وأحواله، أنه بشكل عام يقوم على التعاونيات والتعاضديات والجمعيات، إضافة إلى المقاولات الاجتماعية.

– التعاونيات: وهي عبارة عن تنظيمات تتألف من مجموعة من الأشخاص اتفقوا على أن ينضم بعضهم لبعض من أجل العمل سوية في سبيل تلبية حاجياتهم الاقتصادية والاجتماعية، وفقا للقيم والمبادئ الأساسية للتعاون المتعارف عليها عالميا.

ويشكل النسيج التعاوني المكون الرئيسي لقطاع الاقتصاد التضامني، وذلك بالنظر إلى حجم مساهمته في التنمية الاقتصادية وقدرته على الإدماج الاجتماعي (عدد مناصب الشغل).

التعاضديات: هي هيئات لا تهدف إلى اكتساب الأرباح، وإنما تسعى بواسطة واجبات أعضائها للقيام -لفائدة هؤلاء الأعضاء أو عائلاتهم- بعمل من أعمال الإسعاف والتضامن، مداره التأمين من الأخطار اللاحقة بالأشخاص.

ويتركز عمل التعاضديات أساسا في قطاعي التغطية الصحية والتأمين على المخاطر، كما تعمل بعض التعاضديات في مجال منح القروض الاستثمارية أو ضمان قروض أعضائها لدى المؤسسات الائتمانية.

– الجمعيات: هي اتفاق بين شخصين أو أكثر من أجل السعي في سبيل غاية غير توزيع الأرباح. وكان عملها تاريخيا يتركز بالأساس في مجالات الثقافة والتعليم والرياضة والأعمال الاجتماعية، إلا أن بعض الجمعيات التي رأت النور خلال العقود الأخيرة اختارت الاهتمام بقضايا التنمية الاقتصادية المحلية خصوصا في الأرياف.

– المقاولات الاجتماعية: وهي مقاولات تحصل على صفة "مقاولة اجتماعية" من الدولة إذا استوفت عدة شروط مثل التنصيص على احترام مبادئ الاقتصاد التضامني في قوانينها الأساسية، وتوجيه جزء من الأرباح بشكل دائم نحو غايات اجتماعية (دعم التشغيل أو التعليم أو بناء مساكن لفائدة العمال).

وتخضع أنشطة هذه المقاولات للتتبع والرقابة من طرف الهيئات المختصة داخل الدولة، من أجل التأكد من صبغتها التضامنية.

المصدر : الجزيرة