"مجموعة السبع" ستحظر استيراده من روسيا.. رحلة الذهب من الإنتاج إلى التسويق

أعلنت الحكومة البريطانية، أنها ستحظر مع الولايات المتحدة وكندا واليابان استيراد الذهب الروسي، وذلك في إطار عقوبات جديدة على موسكو ردا على العملية العسكرية في أوكرانيا.

وفي السياق، قال مسؤول كبير بالإدارة الأميركية، اليوم الأحد 26 يونيو/حزيران 2022، إن مجموعة الدول السبع (فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان) ستعلن حظراً على واردات الذهب الروسي يوم الثلاثاء.

الجدير بالذكر أن هذه الإجراءات لا تتعلق سوى بالذهب المستخرج حديثًاً في روسيا، وليس الذهب الذي تم الحصول عليه قبل فرض الحظر، فيما تشير تقارير داونينغ ستريت، إلى أن صادرات روسيا، أحد أكبر منتجي المعدن الأصفر في العالم، بلغت حوالى 15 مليار يورو في 2021.

الملاذ الآمن

يوصف الذهب (المعدن الأصفر) دائما بأنه الملاذ الآمن، خاصة في ظل الأزمات التي تُلم بالاقتصادات الإقليمية أو العالمية، وعاش الاقتصاد العالمي مع نهاية عام 2019 أزمة جائحة كورونا، ثم جاءت أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا، لتضعا العالم أمام أحداث كبرى، من بينها مستقبل الدولار كعملة للتسويات الدولية في التمويل والتجارة.

وسبق أن أعلنت روسيا أنها ستعتمد عملتها المحلية لتسوية صادراتها النفطية مع دول بعينها، كما نشرت بعض وسائل الإعلام أن السعودية تدرس إمكانية تسوية جزء من صادراتها النفطية إلى بكين باليوان (العملة الصينية) وهناك تعاملات تتم بين بعض الدول في ما يخص التجارة الخارجية بالعملات المحلية.

وواكبت ذلك أزمة الطاقة، التي تفجرت بعد النصف الأول من 2021، إذ أدى ذلك لرفع معدلات التضخم في أغلب اقتصادات العالم، فضلا عن انخفاض القيمة الشرائية للعديد من عملات الدول الناشئة، وهو ما شجع على الاتجاه لزيادة الطلب على الذهب من قبل الحكومات والأفراد، وبالتالي ارتفاع سعره بالسوق الدولية.

وحسب تقرير مجلس الذهب العالمي في يناير/كانون الثاني 2022، فإن الطلب على المعدن الأصفر عام 2021 ارتفع بشكل ملحوظ، وبلغ 4021 طنا، وشمل مختلف جوانب مكونات الشراء، سواء للسبائك الذهبية التي ارتفع الطلب عليها بنسبة 31%، وهو المستوى الأعلى منذ 8 سنوات عند مقدار 1180 طنا.

كما زاد الطلب على المجوهرات ليصل إلى 2124 طنا، ليطابق ما كان عليه عام 2019، كما سعت البنوك المركزية لزيادة أرصدتها بإضافة 463 طنا.

مستقبل الطلب على الذهب

يمكن وصف الوضع الحالي للحرب الروسية على أوكرانيا بأنها حالة استنزاف للطرفين: موسكو من جهة وأوروبا وأميركا من جهة أخرى، ومن هنا فنحن أمام سيناريوهات مفتوحة، لكن أبعاد هذه السيناريوهات أن يتم التوصل لحل سياسي في الأجل القصير.

وبناء على ذلك ستبقى مشكلة الطاقة متأججة، وتصاحبها أزمة الغذاء، وهو ما يعني بقاء معدلات التضخم مرتفعة، وكذلك استمرار المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، وكذلك بقاء حالة الترقب حول نظام عالمي نقدي جديد، يحاول التخلص من ربقة الدولار.

ولن يكون أمام الأفراد أو الحكومات سوى التوسع في اقتناء الذهب، للحفاظ على قيمة مدخرات الأفراد، أو تقوية أرصدة الاحتياطات لدى البنوك المركزية، وسوف يساعد ذلك على استمرار سعر الذهب مرتفعا، خلال المرحلة القادمة.

أما إذا تم التوصل لحل لقضية الطاقة، وتخفيض أسعار النفط والغاز بالسوق الدولية، لما كانت عليه قبل النصف الثاني من 2021، سواء كان ذلك بإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، أو وسيلة أخرى، فسوف تنخفض أسعار الذهب بمعدلات كبيرة.

والجدير بالذكر أن أسعار الذهب زادت يوم 05 مايو/أيار 2022 بنحو 1% إلى 1898 دولارا للأوقية في المعاملات الفورية. بينما ارتفعت العقود الأميركية الآجلة للذهب 1.4% إلى 1894.20 دولار للأوقية.

كيف يتحدد سعر الذهب بالسوق الدولية؟

الذهب شأنه شأن باقي السلع التي يتم التداول عليها، تحدد سعره حركة العرض والطلب، وهناك عدة محددات لسعر الذهب بالسوق الدولية، منها رواج بعض الأنشطة الاقتصادية وارتفاع الأرباح فيها. فمثلًا لو كانت سوق المال تحقق أرباحا عالية، والمخاطرة فيها قليلة، فسعر الذهب سينخفض لأن المستثمرين أو المدخرين يتخلصون مما لديهم من الذهب للاستفادة من هذه الفرصة.

كذلك إذا منحت البنوك أسعار فائدة تفوق معدلات التضخم، وتساعد على ارتفاع قيمة القوة الشرائية للنقود، فسينخفض سعر الذهب، ويتخلص المدخرون مما لديهم من ذهب ليستفيدوا من سعر الفائدة المرتفع.

أيضا هناك سياسة للبنوك المركزية في الزيادة أو التخلص مما لديها من أرصدة من الذهب، فإذا رأت أنها بحاجة لسيولة، وقامت بالتخلص من بعض أرصدتها الذهبية، فسينخفض سعر الذهب.

وحدث ذلك بالفعل عقب الأزمة المالية العالمية عام 2008، حيث تخلصت نسبة ليست بالقليلة من البنوك المركزية على مستوى العالم من بعض أرصدتها من الذهب لحاجتها للسيولة، بل فعل ذلك صندوق النقد الدولي، وهو ما أدى إلى انخفاض أسعار الذهب بنسبة ملحوظة.

وبعكس هذه الاتجاهات يتحقق رفع سعر الذهب، فاضطراب أسواق المال، أو تراجع أسعار الفائدة لأقل من معدلات التضخم بنسبة كبيرة، أو اتجاه البنوك المركزية لزيادة أرصدتها من الذهب، كل ذلك يؤدي إلى زيادة الطلب على الذهب، وبالتالي زيادة أسعاره في السوق المحلية أو الدولية.

العلاقة بين الذهب والنفط

في ظل الظروف الطبيعية، وبعيدا عن الأزمات والحروب، كان السائد هو وجود علاقة عكسية بين سعري النفط والذهب بالسوق الدولية؛ فعندما كان يهبط سعر النفط يقوم المضاربون بتحويل أموالهم من سوق النفط إلى الذهب، فيزيد الطلب فيرتفع السعر. والعكس صحيح، عندما يرتفع سعر النفط يسحب المضاربون أموالهم من سوق الذهب ليتجهوا بها لأسواق النفط، فكان المعروض من الذهب يزيد، فيقل السعر.

أما ما يحدث في ظل استمرار أزمة الطاقة والغذاء منذ النصف الثاني من 2021، وكذلك التداعيات السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا، فنحن أمام معادلة جديدة تعدّ استثناء وليست أصلا، إذ تستمر أسعار كل من الذهب والنفط في حالة ارتفاع، لتوجد علاقة طردية بين سعري النفط والذهب.

في الظروف الطبيعية وبعيدا عن الأزمات كان السائد وجود علاقة عكسية بين سعري النفط والذهب (شترستوك)

كبار المنتجين والمصدرين

وفق ما هو منشور من بيانات عن مجلس الذهب العالمي، فإن العلاقة بين كبار المنتجين للذهب وكبار حائزيه ضعيفة، في الوقت الذي نجد فيه أن قائمة الخمسة الكبار من منتجي الذهب سنويًا تضم:

  • الصين (368 طنا)
  • روسيا (331 طنا)
  • أستراليا (327 طنا)
  • أميركا (190 طنا)
  • كندا (170 طنا)

ونجد أن قائمة الخمسة الكبار من حائزي الذهب تضم:

  • أميركا (8133 طنا)
  • ألمانيا (3359 طنا)
  • صندوق النقد الدولي (2814 طنا)
  • إيطاليا (2451 طنا)
  • فرنسا (2436 طنا).

لكن هذه البيانات، رغم أهميتها، فإنه يمكن الذهاب إلى أسباب قلة الإنتاج في بعض الدول لعدم وضع عملية الإنتاج ضمن أولوياتها، إما لاعتبارات اقتصادية، أو لاعتبارات إستراتيجية لاحتفاظها بالخام في أراضيها لأكبر فترة ممكنة، كما هو الحال في أميركا.

كما أن الدول المنتجة الكبيرة، مثل الصين وروسيا، قد ينظر لعملية الإنتاج على أنها أحد الموارد المهمة لزيادة الدخل، خاصة أنها سلعة مطلوبة، ويمكنها أن تولد فرص عمل مستمرة، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، لأن عملية الإنتاج تتبعها عمليات أخرى من تصنيع أو تجارة، سواء للخام أو المشغولات، أو لاعتبارات الاستخدام لشرائح الذهب بأشباه المواصلات التي تستخدم في الهواتف والحواسيب الحديثة.

الذهب عربيا

تظهر البيانات المنشورة أن الدول العربية الخمس الكبرى الحائزة للذهب هي 4 دول نفطية، وواحدة غير نفطية هي لبنان.

والدول العربية الخمس الكبار الحائزة للأرصدة الذهبية هي:

  • السعودية (323 طنا)
  • لبنان (286 طنا)
  • الجزائر (173 طنا)
  • ليبيا (116 طنا)
  • العراق (96 طنا)

حتى أن مصر تتقدم دولا عربية نفطية في حيازة الرصيد الذهبي، حيث لديها 80 طنا ذهبا، في حين تمتلك الكويت 78 طنا، ثم قطر 56 طنا، فالإمارات 55 طنا.

ويمكن تفسير ذلك بأن عملات دول الخليج جميعًا مرتبطة بالدولار ومستقرة منذ سنوات طويلة، وقد يكون عدم إقبالها على زيادة أرصدتها من الذهب مرجعه استقرار عملتها التي تحميها التدفقات النقدية الدولارية من صادرات النفط، وكذلك امتلاك هذه الدول أرصدة كبيرة من النفط والغاز.

أما من حيث تجارة الذهب، فتعد الإمارات الدولة الأكبر من حيث استيراد وتصدير الذهب والماس والأحجار الكريمة، ولكن من الملاحظات التي ينبغي أن نلفت النظر إليها أن التجارة بهذه السلع من الأبواب الواسعة لعمليات غسل الأموال بشكل عام في جميع دول العالم.

أنواع الذهب

ثمة عدة تصنيفات لأنواع الذهب في مختلف عمليات التعامل عليه، من حيث تصنيفه كخام أو مشغولات ذهبية، أو كونه سبائك أو عملات للدول من الذهب الخالص، أو نوع الخام. إذ توجد 4 أنواع، أنقاها الذهب الأصفر، ثم الأبيض، ثم الوردي، ثم الأخضر، وتختلف هذه الأنواع من حيث نسب خلط الذهب بمعادن أخرى كالنحاس أو البلاتين أو البلاديوم، أو الفضة.

أما من حيث الأنواع التي يحدد بها سعر الذهب بناء على نقائه أو نسبة المعدن الأصفر في المشغولات، فهناك ما يعرف بالقيراط كمحدد لصفاء نوع الذهب، ومنها الأنواع الآتية: قيراط 24، 21، 18، 14.

المصدر : الجزيرة