بعد استقالة حمدوك وغياب موازنة الدولة.. كيف تبدو أوضاع السودان الاقتصادية؟

الخرطوم – للمرة الثانية تواجه الحكومة الانتقالية في السودان معضلة إجازة موازنة العام المالي الجديد بعد أن ألقت التطورات السياسية بظلال كثيفة على الأوضاع، خاصة مع إعلان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك المسنود دوليا استقالته من منصبه.

وبسبب إجراءات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي التي انقلب فيها على الشركاء المدنيين:

  • أوقفت الدول والمؤسسات المالية العالمية مساعدات تقدر بملايين الدولارات كانت مخصصة لدعم السلطة المدنية
  • أعاق ذلك أيضا أهلية السودان للحصول على إعفاء من الديون بقيمة 50 مليار دولار بموجب مبادرة صندوق النقد الدولي المعزز للبلدان الفقيرة المثقلة بالديون
  • علاوة على توقف 17 من مشروعات التنمية التي كانت ستمول من البنك الدولي، مما يزيد تردي الخدمات

ولم تعد تلك المساعدات رغم الاتفاق السياسي الموقع بين البرهان وحمدوك في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وارتفعت على إثره التوترات في الشارع، واتسعت الهوة بين القوى السياسية، مما عجل برحيل حمدوك عن منصبه، وهو ما ينذر -بحسب مراقبين- بمزيد من التراجع الاقتصادي، خاصة بعد تفاجئ السودانيين مطلع العام الجديد بزيادة قاربت الـ600% على تعرفة الكهرباء.

وخص حمدوك الوضع الاقتصادي ومساعيه لمعالجة الأوضاع بقسم في خطاب الاستقالة الطويل قائلا "قدمنا الكثير من حزم المعالجات الهيكلية في الاقتصاد، ودخلنا في مبادرة إعفاء ديون الدول الفقيرة المثقلة بالديون، وكان من المأمول إعفاء 90% من ديون السودان التي تجاوزت 60 مليار دولار عند الوصول إلى نقطة الإكمال"، كما تحدث قبلها عن مواجهة حكومته تحديات جساما، أهمها تشويه الاقتصاد الوطني، والعزلة الدولية الخانقة، والفساد والديون التي تجاوزت الـ60 مليار دولار.

 آثار سلبية إضافية

يتوقع أن تلقي استقالة حمدوك بآثار سلبية إضافية على المشهد الاقتصادي في السودان في ظل توقف المساعدات الدولية، وهو ما يؤكده الخبير الاقتصادي وائل فهمي للجزيرة نت بأن الوضع عاد إلى ما قبل 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حين أوقف المانحون دعمهم للسودان بسبب الانقلاب الذي ما زال قائما رغم رحيل حمدوك.

وبحسب تصريح لوزير المالية السوداني جبريل إبراهيم منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن الولايات المتحدة وبسبب إجراءات البرهان قطعت 700 مليون دولار من المساعدات الطارئة، فيما لم تصل 500 مليون دولار من الدعم المباشر للميزانية كان متوقعا في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من وكالات التنمية، ‏ولم يتم الحصول كذلك على 150 مليون دولار أخرى مما تسمى حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، والتي تستخدم لتعزيز الاحتياطيات الرسمية.

 

 

موارد ذاتية

وبدا أن فقدان الأمل في المساعدات الدولية دفع الحكومة للتفكير في مخارج أخرى لإنقاذ موازنة العام الجديد، حيث يقول المتحدث باسم وزارة المالية السودانية أحمد الشريف للجزيرة نت إن الموازنة ستعتمد على الموارد الذاتية واستنباط موارد حقيقية لا تلقي بأي أعباء على المواطنين، مع تنويع مصادر الإيرادات ورفع كفاءة استخدام الموارد وتمكين القطاع الخاص من المساهمة في تحريك قطاعات الإنتاج وإنعاش الاقتصاد الوطني وتعافيه من تداعيات جائحة كورونا.

وتركز الموازنة -كما يقول الشريف- على:

  • معاش الناس وتوفير الخدمات والسلع الأساسية مع تقوية مظلة الحماية الاجتماعية
  • دعم الصحة والتعليم والمياه
  • ترشيد الإنفاق الحكومي
  • تعزيز الاستدامة المالية ومبادئ الشفافية

ويضيف الشريف أن الموازنة تمثل انعكاسا لسياسات الحكومة الاقتصادية وبرامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ تنفيذه سابقا بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي.

في المقابل، يشكك خبراء اقتصاديون في قدرة الحكومة على تغطية عجز الموازنة من الموارد المحلية، كما يؤكدون أن إجراءات قائد الجيش لم يكن لها التأثير الفعلي على الموازنة التي لا ينبغي أن ترتبط في الأساس بأي تمويل خارجي.

ويقول خالد التيجاني الخبير في الشؤون الاقتصادية إن موازنة العام 2022 تواجه حاليا عقبة تتصل بالمؤسسات التي تمنحها الشرعية في ظل غياب الحكومة والمجلس التشريعي رغم استمرار وزير المالية في منصبه، لكنه لا يستطيع إنجاز موازنة بمفرده، كما أن المساعدات الدولية التي يتم تداولها بأرقام كبيرة لم يكن لها أي أثر في الموازنتين السابقتين للحكومة الانتقالية ولم تسهم في تقليل العجز.

أزمة مستمرة

لا يرى التيجاني في حديثه للجزيرة نت أثرا عاليا لإجراءات البرهان على الاقتصاد والموازنة باعتبار أن عناصر الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري لم يتفقوا طوال خلافاتهم إلا على المضي في الإجراءات الاقتصادية القاسية ذات الأثر الصعب على المواطن، وأن الأخير لم يكن حاضرا بالمرة في سياسات الحكومة.

ويمضي المختص في الشؤون الاقتصادية معتصم الأقرع في الاتجاه ذاته بالتأكيد على أن الاقتصاد السوداني لم يكن معافى قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول لينزلق بعدها.

ويقول الأقرع للجزيرة نت إن "أداء الاقتصاد لم يكن أقل كآبة منذ سبتمبر/أيلول 2019 وحتى 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ولم يغير الانقلاب شيئا يعتد به ولا على مستوى المساعدات الأجنبية التي لم توجد أصلا قبل الانقلاب بأي مستوى مؤثر على المؤشرات الكلية".

ويشير إلى أنه بعد إجراءات البرهان ظل الاقتصاد في نفس المسار الذي وضعته فيه السياسات التي تبنتها الحكومة منذ يومها الأول، وما زالت قيد التطبيق.

ويرى الأقرع أن أهم ملامح موازنة وسياسات 2022 القادمة ستظهر في زيادات كبيرة تطال أسعار الخبز والدواء والكهرباء والعديد من السلع الأساسية الأخرى، ويذهب إلى أن الهدف الأهم من هذه الزيادات ليس سوى دفع الاستحقاقات المالية التي فرضها اتفاق سلام جوبا، والتي تبلغ 750 مليون دولار سنويا تدفع لمدة 10 سنوات لصالح دارفور.

ويضيف أن موازنة 2022 سيتم تطبيقها في إطار سياسي مختلف ومعقد، لذلك يصعب التنبؤ بمسارها وتداعياتها بسبب رمال السياسة السودانية المتحركة.

وائل فهمي يرجح أن تشهد الأشهر الثلاثة المقبلة اضطرابا في الأسواق وزيادة في الأسعار في ظل غياب الحكومة (الجزيرة)

مستقبل غامض

بدورها، ترى الخبيرة في الشأن الاقتصادي نازك شمام أن استقالة رئيس الوزراء جاءت وسط ظروف بالغة التعقيد تعاني منها البلاد على المستويين السياسي والاقتصادي، وتبدو كأنها مسمار دق في نعش الاقتصاد السوداني المثقل بالأزمات.

وتستصعب في حديثها للجزيرة نت التنبؤ بمستقبل الأوضاع في ظل غياب حكومة تنفيذيه تصدر القرارات والتوجيهات تزامنا مع بداية عام جديد كان من المعتاد أن يبدأ بتقديرات موازنة جديدة تحمل موجهات للاقتصاد خلال عام، وبغياب الموازنة تغيب القرارات المنظمة للعملية الاقتصادية برمتها.

وعلى الصعيد الخارجي، تقول شمام إن غياب حمدوك يمثل حجر عثرة في استئناف الدعم الدولي الذي بذل الرجل فيه جهدا مقدرا بدا من مساهمته في إزاحة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ودمج الاقتصاد السوداني في الاقتصاد العالمي وجهوده في إعفاء الدين الخارجي، والتي تكللت بانضمامه إلى مبادرة إعفاء الدول المثقلة بالديون (الهيبك) في يونيو/حزيران الماضي.

رغم امتلاك الجيش موارد ومؤسسات اقتصادية منتجة فإن إسهامها الفاعل في تخفيف وطأة الغلاء يبقى محدودا مع تركيز تلك المنظومات على تصدير منتجاتها وما بقبضتها للخارج

وتشير إلى أن علاقات حمدوك بالأنظمة الدولية دفعت قائد الجيش السوداني للاتفاق معه وإعادته إلى المشهد في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في محاولة منه لإقناع المجتمع الدولي باستئناف عمليات الدعم، إلا أنه بغياب الأخير سيظل مشهد إعادة الدعم مجددا معقدا إلى حين ظهور مستجدات أخرى.

اضطراب الأسواق

ويرجح وائل فهمي أن تشهد الأشهر الثلاثة المقبلة اضطرابا في الأسواق وزيادة في الأسعار في ظل غياب الحكومة والارتفاع الكبير في تعرفة الكهرباء، مما سيدفع بالمصانع والشركات لإعادة النظر في تكلفة المنتج.

ويرى فهمي أن استقالة حمدوك وغياب الحكومة يفرزان وضعا غاية في التعقيد والاضطراب، كما أن التدفقات المستمرة لن يكتب لها الديمومة، لارتباطها في الأساس بموقف الخارج حيال التطورات الداخلية.

وتمضي نازك شمام في الاتجاه ذاته بالقول إن الأسواق ستشهد مزيدا من فوضى الأسعار في ظل عدم وجود جهات رقابية وترك الحبل على الغارب، فعدم وجود حكومة لأكثر من شهرين دفع التجار للتسعير وفق أمزجتهم وأهوائهم، كما ستضيف استقالة رأس الحكومة مزيدا من الفوضى والوضع الضبابي.

ورغم امتلاك الجيش المتحكم في السلطة موارد ومؤسسات اقتصادية منتجة فإن إسهامها الفاعل في تخفيف وطأة الغلاء يبقى محدودا مع تركيز تلك المنظومات على تصدير منتجاتها وما بقبضتها للخارج.

المصدر : الجزيرة