5 أسئلة حول أهم الاستحقاقات التي ينتظرها اللبنانيون من حكومة نجيب ميقاتي

حكومة نجيب ميقاتي تواجه تحديات جسيمة يراها مراقبون نتيجة لتراكم عقود من الفساد (الأوروبية)

بيروت– بعد ساعات من ولادة حكومة نجيب ميقاتي، أثار اللبنانيون أسئلة كثيرة حول كيفية إدارة الحكومة لانهيار صُنّف من بين 3 أسوأ أزمات في العالم، وأصاب نحو 75% من السكان بفقرٍ متعدد الأبعاد، وفق تقديرات دولية.

وعليه، تواجه حكومة ميقاتي تحديات جسيمة، يراها مراقبون نتيجة لتراكم عقود من الفساد، وتحويل إدارات الدولة لغنيمة تتقاسمها القوى السياسية والطائفية على حساب مصالح الناس.

ومضى عامان على أزمة أحالت حياة اللبنانيين جحيما، إذ انهارت الليرة، واحتجزت المصارف أموال المودعين بالعملة الصعبة، وتآكلت الأجور؛ فعمّت البطالة وارتفعت معدلات الهجرة، وتزاحم المواطنون بالطوابير عند محطات الوقود والأفران وأمام الصيدليات، بعد أن شحّت المواد الأساسية، وأضحت حكرًا لبعض التجار وشبكات التهريب غير الشرعية.

في المقابل، أقرّت السلطات مشاريع جزئية، كإقرار البطاقة التمويلية التي يشكك كثيرون في آلية تنفيذها، ويترقب آخرون خطة الحكومة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي لاحقا.

وهنا، تطرح الجزيرة نت 5 أسئلة حول الاستحقاقات المعيشية الاقتصادية التي تواجه الحكومة، مع ضيوف هم: الخبيرة الاقتصادية أستاذة القانون المتخصّصة بالشأن المصرفي سابين الكيك، والأكاديمي الباحث في الاقتصاد السياسي بيار الخوري، والصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي مسؤول ملحق "رأس المال" بجريدة الأخبار اللبنانية محمد وهبة.

  • هل ستضبط الحكومة انهيار الليرة وتضمن استقرار سعر صرف الدولار؟

ترافق انهيار الليرة منذ خريف 2019 مع أزمة سيولة حادة، فكسرت تدريجيا أرقاما قياسية أمام الدولار في السوق السوداء، من 10 آلاف ليرة إلى 15 ألفا ثم تجاوزت 20 ألفا، لتبلغ أخيرا معدل 16 ألفا، فيما سعر الصرف الرسمي (1507 ليرات)، ونتج عن تعاميم مصرف لبنان المركزي تعددية بأسعار الدولار (3900 ليرة للمصارف، و15500 لمنصة صيرفة).

ويُذكّر محمد وهبة أن المصرف المركزي يتحمل مسؤولية سعر صرف الدولار، وفقا لقانون النقد والتسليف الذي يكلفه حماية الليرة، و"ثباته لعقود عند 1507 ليرات، ليس بقوة القانون، بل بممارسة المركزي، لأهداف تتقاطع مع مصالح قوى السلطة".

ويستبعد أن تعمل الحكومة على تعديل جذري بقيمة الليرة، مقابل إجراءات طفيفة، مشككا برغبة القوى السياسية في التفاوض مع صندوق النقد الذي يشترط تنفيذ إصلاحات تكشف مسارب الفساد ووقفها.

وثمة مسار واضح سلكه انهيار الليرة، بحسب وهبة، عبر تعددية أسعار الصرف، وتضخم الأسعار الذي أدى لارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

وقال "سيستمر اللبنانيون في المسار عينه، لأن إطفاء الخسائر بالنظام المالي يتحقق عبر هيكلة النظام المصرفي، والدين العام".

من جهتها، توضح سابين الكيك أن المركزي لا يملك كتلة نقدية كافية بالدولار، وحصول لبنان على نحو مليار دولار من حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد، يسهل فتح اعتمادات مؤقتة للاستيراد، وسيضطر المركزي لاحقًا لتوفير الدولارات من السوق السوداء.

وقالت إن مطلب صندوق النقد تحرير الليرة وتوحيدها، لأن تعددية أسعار صرف الدولار تسبب إرباك السوق.

والإشكالية برأيها، أن المركزي والمصارف التجارية قد تتهرب من تحرير سعر الصرف الرسمي للدولار (1507 ليرات)، لأن موجوداتها تقيّم وفقه، وهي لا تريد كشف الخسائر ورأس المال المتآكل.

وتجاوز الدين العام 90 مليار دولار، بعضها يُستحق دفعه بالليرة اللبنانية. وذكرت الكيك أن ديون الدولة بسندات اليوروبوند وحدها تبلغ نحو 39 مليار دولار، وآخر سند يستحق دفعه مع فوائده عام 2037، وبالتالي فإن تحرير سعر الصرف سيتسبب بعجزٍ كبير في ديونها الخارجية بالعملات الصعبة.

وترجّح الكيك أن تبذل الحكومة جهدها لاستقرار الدولار بمعدل 16 ألف ليرة، لكنه غير مستدام، و"ما يحدد مصير الليرة، أن يصبح السوق النقدي حرا 100%".

توازيا، يرى بيار الخوري أن حكومة ميقاتي أمام خيارين: إما تكرار تجربة حكومة دياب، أو وضع أسس للخروج نحو إصلاح اقتصادي مستدام.

وقال إن الثقة في الحكومة لا تضمن استقرار الليرة، لأنها تواجه استحقاقات تمويلية كبيرة، كالنفقات الحكومية، ورفع الأجور، ورفع الدولار المصرفي، وموارد لرفع الدعم، مما يؤول إلى استنتاج واحد: طبع السيولة بالليرة سيرتفع، وبالتالي تضاعف الطلب على الدولار، ويعتبر أن توحيد سعر صرف الدولار، عبر تحريرها، سيشكل ضغطا كبيرا على الليرة.

انهيار الليرة منذ خريف 2019 ترافق مع أزمة سيولة حادة، كسرت تدريجيا أرقاما قياسية أمام الدولار (الفرنسية)
  • هل تستطيع الحكومة وضع خطة لتصحيح أجور اللبنانيين بعد تآكل قيمتها؟

خسر اللبنانيون نحو 9 أعشار رواتبهم، بسبب انهيار الليرة، فهبط الحد الأدنى للأجور من 450 دولارا إلى نحو 40 دولارا، ومعدل أجور الموظفين من نحو ألف دولار إلى 100 دولار.

وتوضح سابين الكيك أن مطلب صندوق النقد هيكلة القطاع العام والتقشف بالموازنة وضبط العجز لا يعني "إعداما اجتماعيا" مقابل الإصلاح، "لأن شرطه الأساسي توفير شبكة حماية اجتماعية"، وترجح أن تكون عينه، ليست على كلفة الأجور حصرا، بل على قطاع الكهرباء كمنبع لمسارب هدر وفساد.

وقالت إن توفير قدرة شرائية مقبولة، يتطلب دراسة علمية اقتصادية حول مكوناته، وموارده (غير المتوفرة)، لذا تتوقع أن تكون الحكومة أمام مواجهة اجتماعية، عاجلا أم آجلا.

من جهته، يعتبر بيار الخوري أن المطلوب رفع مستوى الدخل قبل تصحيح الرواتب الذي يتطلب قرارا إداريا حكوميا، برفع الحد الأدنى للأجور. وتصحيح الأجور وحده، سيؤدي إلى التضخم، واستمرار تآكل قيمة الليرة.

وقال الخوري إن على الحكومة رفع الناتج المحلي وتحريك النشاط الاقتصادي، ليكون معيارا لتحسين القدرة الشرائية، وإلا فسيأتي بنتائج تدميرية.

وبحالة مثالية، يجد محمد وهبة أن تصحيح الأجور مطلب أساسي بعيدا عن الحلول الترقيعية، لحماية الكفاءات من الهجرة، والحفاظ على حقوق العمال؛ لكن الإشكالية تكمن في قدرة خزينة الدولة والقطاع الخاصة على تحمل الزيادة.

ويشدد وهبة على وجوب استعادة القدرة الشرائية، لأنها معركة اجتماعية بين طبقة قوى السلطة وشركائها من رجال المال والسياسة، والطبقات الاجتماعية المتوسطة والفئات العمالية.

وقال إن حق الناس بلوغ مكاسب إضافية تغنيهم عن فقرهم، عبر تصحيح الأجر الاجتماعي قبل النقدي، وذلك يندرج بصلب سياسات التعافي من الانهيار.

  • هل تستطيع الحكومة عبر "البطاقة التمويلية" توفير شبكة أمان اجتماعية للمواطنين؟

أطلقت حكومة تصريف الأعمال برئاسة دياب قبل يوم من تشكيل حكومة ميقاتي "البطاقة التمويلية" لدعم نحو 500 ألف أسرة لبنانية فقيرة، بقيمة 25 دولارا لكل فرد أو ما يعادلها بالليرة بحسب سعر الصرف بالسوق السوداء وقت الدفع، والحد الأقصى لمساعدة الأسرة 126 دولارا، وستوفر مواردها عبر توجيه مبلغ 300 مليون دولار من قرض البنك الدولي المخصص لمشروع النقل العام، و300 مليون دولار الباقية من حقوق السحب الخاصة للبنان.

يرفض بيار الخوري مبدأ البطاقة التمويلية عبر الدفع النقدي، والأجدى بالحكومة -وفقه- اللجوء لخيار "البطاقة التموينية"، لكي لا تتسبب في مضاعفة التضخم.

وقال لو حددت السلطات حاجة كل أسرة فقيرة من الغذاء والدواء والمحروقات عبر بطاقة مدفوعة سلفا، وتوجيهها لقطاعات الإنتاج المحلي، فستضمن شفافية دعم الأسر بحاجاتها الأساسية، وأردف إن موارد البطاقة التمويلية آنية، وأول شرط لشبكة أمان اجتماعية استدامتها.

ويتفق محمد وهبة مع رفض "البطاقة التمويلية"، كونها غير مصحوبة بإصلاحات تضمن استقرار سعر الصرف، ويقول إن السلطة تخيّر الناس بين رفع الدعم والبطاقة التمويلية، بينما المطلوب من الحكومة خطة حلول جذرية، متوجسا من تحويل المشروع لبطاقة انتخابات زبائنية.

والخطورة برأي سابين الكيك، هي في تخيير دفع البطاقة بالدولار أو ما يوازيها بالليرة، مما يعني تضخما وطبعا لليرة، وتعتبر أن المبلغ (126 دولارا) ضئيل جدا، لا يتناسب مع حاجات الأسر في ظل فوضى الأسعار وشح المواد الأساسية، وسيخسر قيمته لحظة وصوله للمواطنين.

"البطاقة التمويلية" تهدف لدعم نحو 500 ألف أسرة بقيمة 25 دولارا لكل فرد أو ما يعادله بالليرة (الجزيرة)
  • هل ستضمن الحكومة توفير المحروقات للبنانيين بعد رفع الدعم الكلي عنها؟

يترقب اللبنانيون، نهاية سبتمبر/أيلول، رفع الدعم كليا عن المحروقات، إذا رفض المركزي فتح اعتمادات جديدة لاستيرادها بدعم جزئي بسعر صرف 8 آلاف ليرة مقابل الدولار، كما ينتظر لبنان إدخال الشحنات الأولى من المشتقات النفطية الإيرانية بعد وصولها إلى سوريا، واستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردني بـ"الخط العربي" الممتد بين مصر والأردن وسوريا ولبنان.

يتفق محمد وهبة وبيار الخوري على أن رفع الدعم عن المحروقات لا يعني توفرها بالسوق.

وأوضح وهبة أن رفع دعم المركزي عن المحروقات، لا يعني عدم استخدام الدولارات لديه، بل رفع سعره ليوازي سعر صرف الدولار بالسوق السوداء.

وطالما أن المركزي يمول الاستيراد -وفق وهبة- فهذا يعني التحكم بالكمية، وثم تقنينها، واستمرار نشاط السوق السوداء الرديف للمحروقات، أي سعر صرف مقنع لها.

أما إذا لم يتحكم المركزي بالكمية المستوردة، وسمح للاستيراد بحرية -بحسب وهبة- فقد يلجأ لتوفير الدولارات من الاحتياطي الإلزامي أو من السوق السوداء نفسه.

كذلك الخوري، يعتبر أن رفع الدعم عن المحروقات لا يسهل حصول شركات الاستيراد على الدولار النقدي، لأن شحه قائم.

ويعتبر أن الاتفاقيات الجديدة لا تغطي حاجات السوق كاملة من المحروقات، ويدعو الحكومة لوضع خطط تسهل حصول اللبنانيين على الطاقة البديلة.

توازيا، ترى سابين الكيك أن رفع الدعم عن المحروقات ينفي دواعي الاحتكار لدى الشركات، فستصبح أكثر تحسبا للكميات المستوردة.

والمشكلة وفقها، أن اللبنانيين سيواجهون انخفاض كبير في قدرتهم على شراء المحروقات، مما سيضع الحكومة في مواجهة مع مواطنين يعجزون عن التنقل، وغير قادرين على تحمل أعباء رفع الدعم عن المحروقات على مختلف السلع؛ وترى أيضا أن الاتفاقيات الجديدة لا تملك صفة الاستدامة أيضًا.

اللبنانيون يترقبون نهاية سبتمبر/أيلول، رفع الدعم كليا عن المحروقات (الأوروبية)
  • هل ستضمن الحكومة "سياسة دوائية" جديدة تخفف من المخاطر الصحية على اللبنانيين؟

منذ أشهر، يعاني اللبنانيون من نقص حاد في الأدوية الأساسية وأدوية الأمراض المزمنة والسرطانية، وكشفت السلطات عن أطنان مخزنة منها.

وهنا، تعتبر سابين الكيك أن الحكومة قد لا تحسن وضع سياسة دوائية، لكن المجتمع الدولي لن يترك بلدا ينهار لدرجة عدم مده بالأدوية، وتؤكد على عدم قدرة المركزي على فتح اعتمادات لاستيراد أدوية بأسعار مدعومة.

وقالت إن المشكلة تكمن في تدهور الخدمات الصحية ونوعيتها، بسبب صعوبة استيراد المستلزمات الطبية وانعكاس شح المحروقات على عمل المستشفيات.

ويدعو بيار الخوري الحكومة لتشجيع الصناعة الدوائية المحلية، مقابل ضبط الأرباح الاحتكارية للشركات المستوردة للدواء، والتي تجعل اللبنانيين -وتحديدا الفقراء- عاجزين عن شراء أدوية بديهية.

وقال إن الربح يجب ألا يكون أولوية السياسة الدوائية، لأن الصحة أهم من الخبز، وكله يرتبط بسياسة الحكومة البعيدة عن تقاطع المصالح بين التجار والمستوردين والقوى السياسية.

من جهته، يعتبر محمد وهبة أن اللحظة التي يحاول فيها وزير الصحة الجديد فراس الأبيض تفكيك "كارتيل المستوردين"، يكون لبنان على سكة "السياسة الدوائية" الضامنة لحقوق المواطنين في الدواء والعلاج.

ويتطلب ذلك -وفق وهبة- تعزيز الصناعة الدوائية التي يمكن أن تغطي نحو 80% من حاجة السوق المحلي بالأدوية الأساسية، بدل تشريع البلاد لاحتكار كبار التجار والقوى السياسية خلفهم.

المصدر : الجزيرة