سؤال وجواب.. ما إيجابيات وسلبيات حذف الأصفار من العملة العراقية؟ وما شروط ذلك؟

حذّر خبراء من أن حذف 3 أصفار من العملة العراقية قد يسبب حدوث اضطرابات نفسية في السوق العراقية.

تخفيض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار جزء من ورقة الإصلاحات الحكومية (رويترز)

الموصل- يشهد العراق أزمة مالية حادّة كانت قد بدأت مع تفشي فيروس كورونا العام الماضي وتراجع الطلب العالمي على النفط الذي يمثّل ما يقرب من 91% من واردات العراق المالية.

ومع استمرار الأزمة المالية وتعثر دفع رواتب الموظفين العام الماضي، لجأت الحكومة العراقية إلى ما اصطلح على تسميته عراقيا بورقة الإصلاحات الحكومية (الورقة البيضاء) التي كان من ضمنها خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي، ودخل القرار حيز التنفيذ بداية العام الحالي.

ومع ارتفاع أسعار النفط عالميا، لم تنفك الحكومة العراقية تفكر في إستراتيجيات مالية طويلة الأمد قد تقي البلاد مخاطر الوقوع في أزمة مالية قد تكون أشد تأثيرا، إحدى هذه الإستراتيجيات طرحها مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي، وتتمثل في حذف 3 أصفار من العملة العراقية، دون أن يحدد موعدا لتطبيق هذه الخطوة.

صورة حصرية مرسلة من قبله - المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي - مظهر محمد صالح
صالح يرى أن حذف الأصفار من العملة شرط ضروري لخفض الأرقام المحاسبية وتسهيل التعاطي الحسابي (الجزيرة)

ما شروط حذف الأصفار؟

حذف الأصفار من العملة العراقية يستوجب تحقق شرطين اثنين، حسب صالح، يتمثل الأول بالاستقرار السعري داخل البلاد، بما يعني استقرار سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي الذي لا يزال يشهد تذبذبا نسبيا بعد أن قررت الحكومة العراقية رفع قيمة الدولار بداية العام الجاري.

أما الشرط الثاني، فيضيف صالج في حديثه للجزيرة نت أنه يتمثل بالاستقرار في الحياة السياسية داخل العراق، وهو ما يتطلبه تغيير سعر الصرف من قوانين وتوافقات سياسية وغير ذلك.

لماذا الحذف؟

وفي تفسيره للأسباب الموجبة لحذف 3 أصفار من العملة العراقية (الدولار يعادل 1450 دينارا عراقيا)، يعلق صالح "تأتي أهمية حذف الأصفار من العملة وترشيق وحداتها كشرط ضروري لخفض الأرقام المحاسبية وتسهيل التعاطي الحسابي وكلفة إدارة الأرقام الكبيرة الجديدة وانعدام الأرقام الصغيرة والكسور".

ويتابع أن ترشيق العملات النقدية يأتي بسبب دورها في استدامة احتساب أرقام هائلة للقيم المالية التي لا تستوعبها الحاسبات العادية بسبب كثرة المراتب العشرية وظهور أخطاء محاسبية كثيرة، لا سيما عند التعامل بالتريليونات، ما يعني أن الرقم الواحد أمامه 12 مرتبة عشرية.

وعن أهمية عملية الحذف ومدى واقعيتها، أشار صالح إلى أن البنك المركزي العراقي وضع مشروع حذف 3 أصفار من العملة العراقية موضع البحث والدراسة منذ أمد بعيد، وذلك بعد الاطلاع على 54 تجرية دولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن، كان آخرها في إيران ومن قبلها تركيا.

حصرية م- عضو اللجنة المالية البرلمانية - احمد حمه رشيد
رشيد يرى أن الوضع الاقتصادي الحالي في العراق غير مهيأ لحذف الأصفار من العملة المحلية (الجزيرة)

ما التأثيرات؟

من جانبه، أكد عضو اللجنة المالية بالبرلمان العراقي أحمد حمه رشيد أن الوضع الاقتصادي الحالي في العراق غير مهيأ لحذف الأصفار من العملة المحلية.

وتابع حمه رشيد في حديثه للجزيرة نت أن هذه العملية تعني سحب فئات العملة الحالية وطباعة أخرى جديدة، ما يتطلب أموالا هائلة لطباعتها بمواصفات فنية ضرورية لحماية العملة من التزوير، فضلا عن أن استبدال العملة سيؤدي إلى زعزعة النظام النقدي بما قد يسبب انهيارات متتالية، مستعبدا أن يقدم البنك المركزي العراقي على خطوة كهذه.

ويتفق مع هذا الطرح عضو اللجنة المالية جمال كوجر بتأكيده أن هذه الخطوة مستبعدة في العامين القادمين على أقل تقدير لاعتبارات عدة، إذ يعتقد أن حذف الأصفار خطوة غير قابلة للتطبيق، بخاصة أن تغيير سعر صرف العملة أدّى إلى صدمة لدى الشارع العراقي، ومن ثم فالعراقيون غير مستعدين لصدمة أخرى.

ويلفت كوجر في حديث حصري للجزيرة نت إلى أن الاقتصاد العراقي لا يملك قراره، وأن دولا عديدة مستفيدة من العملة العراقية الحالية في تعاملات البيع والشراء وغيرها.

عضو اللجنة المالية النيابية - جمال كوجر
كوجر:  كلما قلّ عدد أرقام العملة تعززت قوتها بين العملات في المنظور الاقتصادي (الجزيرة)

ما المنافع؟

أما عن المنافع فيرى كوجر أنه كلما قلّ عدد أرقام العملة تعززت قوتها بين العملات في المنظور الاقتصادي، إلا أن ذلك يستلزم تعزيز الاقتصاد المحلي داخل البلاد وتنويع مصادر الموازنة العراقية، بما يتطلبه ذلك من تعزيز الصناعة والزراعة كشرط أولي لهذه الخطوة.

وعن مدى المنفعة المتأتية من هذا التغيير في استعادة الكتلة النقدية العراقية المكتنزة لدى العراقيين أو المهربة إلى الخارج، أوضح أن التعامل الدولي بالعملة العراقية لا يتعلق بعدد الأصفار قدر تعلقه بقوة الاستثمارات الموجودة داخل البلاد وحجم المنتج العراقي المصدر إلى الخارج.

ويضرب كوجر مثالا على ذلك أن تركيا التي حذفت الأصفار من عملتها قبل سنوات شرعت في بناء اقتصاد واستثمارات متنوعة وكبيرة، وهذا ما يختلف عن الوضع العراقي الذي لا توجد عملته في بورصات العملات العالمية حتى الآن.

على الجانب الآخر، يرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني أن حذف الأصفار سيوفر على الدولة تكاليف نقل العملة العراقية بين البنك المركزي والمصارف الحكومة والأهلية.

ويتابع المشهداني في حديثه للجزيرة نت أن حذف الأصفار قد يؤدي إلى تراجع طلب العراقيين على الدولار من أجل الاكتناز، إذ إن العراقيين يحتفظون حاليا بالدولار لسهولة حفظه، في حين يتطلب حفظ القيمة ذاتها بالعملة العراقية سعة خزنية أكبر، لافتا إلى أن ذلك مشروط بطباعة فئات نقدية جديدة بقيمة أعلى مما هو موجود حاليا كأن تطبع فئة 200 دينار (تعادل 200 ألف دينار بالعملة الحالية) التي تتطلب 4 أوراق نقدية من فئة (50 ألفا).

من موقع الجزيرة نت - الخبير الاقتصادي - همام الشمّاع
الشماع يرى أن حذف الأصفار من العملة لن يقدم شيئا للاقتصاد العراقي (الجزيرة)

من الخاسر؟

في كل معادلة اقتصادية تحتسب نسبة الربح والخسارة، وهو ما يشير إليه الخبير الاقتصادي همام الشمّاع في أن هذه النسبة لن تكون حاضرة بالتساوي في المعادلة، منبها على حدوث اضطرابات نفسية في السوق العراقية في حال حذف الأصفار.

ويعلق الشمّاع للجزيرة نت "حذف الأصفار من العملة لن يقدم شيئا للاقتصاد العراقي، لا بل إنه سيكلف الدولة العراقية أموالا طائلة لطباعة عملة جديدة دون أن يكون لذلك أثر واضح في الاقتصاد المحلي".

ويلفت الشمّاع إلى أن تنافسية البضائع العراقية أمام المستوردة لن تشهد تغييرا إيجابيا داخل البلاد، بخاصة أن التعاملات الدولية تتم بالدولار الأميركي في النسبة الأعظم منها.

ويؤكد ذلك أستاذ الاقتصاد بالجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني، ويضيف أن التنافسية مع البضائع المستوردة تعتمد على المنتج المحلي ومدى قوته، لافتا إلى أن العراق لا يملك الصناعات التي يمكن أن تنافس المستوردة وتتغلب عليها من حيث الجودة والسعر وحماية الدولة لها، حسب قوله.

وبالعودة إلى أحمد حمه رشيد، حيث يعتقد أن حذف الأصفار من العملة لن يكون في مصلحة الحكومة حاليا، مستدلا بأن العراق لديه 80 تريليون دينار عراقي من فئات نقدية متعددة، وأن طباعة 5 تريليون دينار من فئة (50 ألفا) كلفت الحكومة العراقية 60 مليون دولار في ذلك الوقت، ومن ثم فالتكلفة لبقية الفئات النقدية ستكون أكبر بكثير على اعتبار أن طباعة كل فئة نقدية تكلِّف ما يقرب من (6 سنتات أميركية) في المتوسط، حسب رأيه.

من الرابح؟

ومقابل الطرف الخاسر، يعتقد الشمّاع أن الحكومة قد تستحصل منافع محدودة من حذف الأصفار، تتمثل في أن الحكومة والبنك المركزي سيواجهان متاعب أقل في النظام المحاسبي والحسابات الختامية مع محدودية الأصفار وصغر الأرقام المحاسبية.

ويتفق الطرح الأخير مع ما كشف عنه المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء في أن التضخم الجامح الذي ضرب الاقتصاد العراقي في عقد التسعينيات من القرن الماضي أضاف 3 أرقام على الوحدة النقدية العراقية، في حين اختفت الفئات الصغيرة من التداول تماما، إذ أصبحت فئة (250 دينارا) اصغر وحدة نقدية في التداول اليومي داخل البلاد، ما رفع كلفة المعاملات المتناهية الصغر، فضلا عمّا تسبب به التضخم من ظهور الأرقام الهائلة المتداولة في النظام المحاسبي داخل البلاد.

المصدر : الجزيرة