الأمم المتحدة تدق جرس الإنذار.. بعد الجائحة قد نشهد كوارث بسبب التغير المناخي

Climate change protest in Melbourne- - MELBOURNE, AUSTRALIA - OCTOBER 07 : Thousands of people gather as they stage a protest to draw attention to climate change and global warming, related the demonstrations of environmental and climate change activists from Extinction Rebellion group, on October 07, 2019 in Melbourne, Australia.
احتجاج على تغير المناخ في ملبورن بأستراليا حيث ارتدى النشطاء اللون الأحمر للفت الانتباه لخطورة التغير المناخي والاحتباس الحراري (الأناضول)

حذرت مسودة تقرير وضعتها "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC) -وهي منظمة دولية تتبع الأمم المتحدة- وحصلت عليها وكالة الصحافة الفرنسية من أن عشرات الملايين من البشر سيعانون من المجاعة والجفاف والأمراض في غضون عقود، في إطار العواقب الكارثية للاحترار المناخي على صحة البشر.

وبعد عام قلب فيه وباء كورونا العالم رأسا على عقب، تأتي مسودة التقرير الذي أعدته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وأطلعت وكالة الصحافة الفرنسية عليها، لتقدم رؤية مأساوية للعقود المقبلة مع سوء تغذية وانعدام الأمن المائي وأوبئة.

والخيارات التي تتخذ على صعيد السياسات، مثل الترويج لحميات نباتية، يمكن أن تحد من هذه العواقب الصحية؛ لكن الكثير من هذه العواقب لا يمكن ببساطة تجنبها على المدى القصير، وفق التقرير.

ويحذر التقرير من تأثيرات متتالية مثل المحاصيل التالفة وانخفاض القيم الغذائية في مواد غذائية أساسية وارتفاع التضخم، التي من المرجح أن تصيب الفئات الأضعف بين البشر.

الرهان على رشد الإنسان

وبالاعتماد على مدى حسن إدارة الإنسان للحد من انبعاثات الكربون وكبح الاحترار المناخي، قد يواجه طفل يولد اليوم تهديدات صحية عدة قبل أن يبلغ 30 من عمره، على ما يكشف التقرير.

ويقدم تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المؤلف من 4 آلاف صفحة، والذي شارك في إعداده أكثر من 700 باحث، الصورة الأشمل حتى الآن لتأثيرات التغير المناخي على كوكبنا والكائنات التي تعيش عليه، ومن المقرر نشره العام المقبل. ويتوقع التقرير أن يواجه 80 مليون شخص إضافي خطر المجاعة في 2050.

كذلك يتوقع تعرض إمدادات المياه لاضطراب يؤدي إلى تراجع محاصيل الزراعات، التي تعتمد على مياه الأمطار في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء. ويمكن لـ40% من مناطق إنتاج الأرز في الهند أن تصبح أقل ملاءمة لهذا النوع من الزراعة.

وسبق أن انخفض الإنتاج العالمي من الذرة بنسبة 4% منذ عام 1981؛ بسبب التغير المناخي، كما أدى الاحترار في غرب أفريقيا إلى انخفاض محاصيل الذرة الرفيعة والذرة البيضاء بنحو 20 و15% تواليا. وازداد التراجع المباغت في إنتاج الغذاء بشكل ثابت على مدى السنوات 50 الماضية.

وقالت مديرة الصحة العامة والبيئة في منظمة الصحة العالمية، ماريا نايرا، لوكالة الصحافة الفرنسية إن "استدامة أسس صحتنا تعتمد على 3 ركائز، هي الطعام الذي نأكله والحصول على المياه والمأوى"، مضيفة "هذه الركائز باتت ضعيفة للغاية وعلى وشك الانهيار"، بحسب الوكالة الفرنسية.

نقاط ساخنة

ويشير التقرير إلى أن تأثير الاحترار المناخي لا يؤثر على توافر محاصيل رئيسة فحسب؛ بل على القيم الغذائية أيضا لهذه المحاصيل.

فمن المتوقع أن تتراجع نسبة البروتينات في الأرز والقمح والشعير والبطاطا على سبيل المثال بنسبة 6 إلى 14% ما يعرض نحو 150 مليون شخص لخطر نقص البروتينات.

كذلك، يتوقع أن تتراجع المغذيات الأساسية، التي يفتقر إليها أساسا الكثير من الوجبات في أكثر الدول فقرا مع ارتفاع درجات الحرارة.

ويتوقع التقرير أن الظواهر المناخية القصوى، التي باتت أكثر تواترا بسبب الاحترار، ستضر بإنتاج القمح في الكثير من المناطق.

ومع تراجع المحاصيل وتزايد الطلب على الوقود الحيوي والغابات، التي تمتص ثاني أكسيد الكربون، يتوقع أن ترتفع أسعار المواد الغذائية بحلول 2050 بحوالي الثلث، ما سيدفع بـ183 مليون شخص إضافي من ذوي الدخل المحدود إلى حافة المجاعة المزمنة.

وفي آسيا وأفريقيا سيعاني 10 ملايين طفل من سوء التغذية والتقزم بحلول منتصف القرن، ما يعرض جيلا جديدا لمشاكل صحية مدى الحياة، على الرغم من التنمية الاجتماعية والاقتصادية الأكبر.

وكما الحال مع سائر تأثيرات تغير المناخ، لن تكون التداعيات متساوية بين البشر، إذ تشير المسودة إلى أن 80% من السكان المعرضين لخطر الجوع يعيشون في أفريقيا وجنوب شرق آسيا.

وقالت إليزابيث روبنسون، أستاذة الاقتصاد البيئي في جامعة ريدينغ "سنشهد ظهور نقاط ساخنة". وأضافت "إذا طابقنا المناطق التي يعاني الناس فيها من المجاعة حاليا والمناطق حيث يتوقع أن تتضرر المحاصيل بسبب المناخ، نرى أنها المناطق نفسها التي تعاني حاليا من سوء تغذية مرتفع".

أزمة مياه في الأفق

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد. فالتقرير يحدد بعبارات واضحة المصير المحتمل، الذي ينتظر الملايين ممن سيواجهون مشاكل في الوصول إلى مياه الشفة بسبب التغير المناخي.

ويعاني حاليا أكثر من نصف سكان العالم من انعدام الأمن المائي، وتأثيرات المناخ ستؤدي بلا شك إلى تفاقم هذا الوضع.

ويقول التقرير إن الأبحاث المتعلقة بإمدادات المياه والزراعة وارتفاع منسوب مياه البحر تظهر أن من 30 إلى 140 مليون شخص يرجح أن ينزحوا داخليا في أفريقيا وجنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية بحلول 2050.

وقد يتعرض ما يصل إلى 3 أرباع مخزونات المياه الجوفية، التي يتم استغلالها بشدة، كونها مصدر مياه الشفة الرئيس لـ2.5 مليار شخص، للشح بحلول منتصف القرن.

وأشار التقرير إلى أن الذوبان السريع للكتل الجليدية قد "أثر بشدة على دورة المياه"، وهو مصدر أساسي لملياري شخص، قد "يسبب أو يؤجج التوترات حول موارد المياه".

وبينما تتفاوت الكلفة الاقتصادية لتأثيرات المناخ على إمدادات المياه بحسب المناطق الجغرافية، من المتوقع أن تقلص الناتج المحلي الإجمالي العالمي 0.5% بحلول 2050.

وقالت نيرا إن مشكلة "المياه هي إحدى القضايا التي سيقوم جيلنا بمواجهتها في وقت قريب جدا"، وأضافت "سيكون هناك نزوح وهجرة جماعية، ويتعين علينا معالجة كل ذلك باعتباره قضية عالمية".

تصدعات

وبينما يزيد الاحترار العالمي المناطق الملائمة لتكاثر البعوض والحشرات الأخرى الحاملة للأمراض، تحذر المسودة من أن نصف سكان العالم قد يتعرضون بحلول منتصف القرن الحالي لأمراض منقولة عبر الحشرات مثل حمى الضنك والحمى الصفراء وفيروس زيكا.

ومن المتوقع، أن تزداد مخاطر الملاريا ومرض اللايم، كما أن وفيات الأطفال بسبب الإسهال في طريقها للازدياد حتى منتصف القرن على الأقل، على الرغم من وجود تنمية اجتماعية واقتصادية أكبر في البلدان، التي ستشهد معدلات إصابات مرتفعة.

ويوضح التقرير أيضا كيف أن تغير المناخ سيزيد من عبء الأمراض غير المعدية، فالأمراض المرتبطة بنوعية الهواء الرديئة والتعرض لأشعة الأوزون مثل أمراض الرئة والقلب "ستزداد بشكل كبير".

وأضاف "ستكون هناك أيضا مخاطر متزايدة لتلوث الغذاء والمياه" بسبب النفايات السامة البحرية.

وستكون أكثر الفئات ضعفا في العالم كما هي الحال دوما، الضحايا الكبرى للتأثيرات المناخية هذه، وقد كشف وباء كورنا هذا الواقع.

فالتقرير أوضح كيف أن الوباء، على الرغم من تعزيزه التعاون الدولي، كشف عن ضعف الكثير من البلدان في مواجهة أي صدمات مستقبلية، بما في ذلك تلك التي أصبحت حتمية بسبب تغير المناخ.

وقالت ستيفاني تاي، الباحثة المساعدة في معهد الموارد العالمية والتي لم تشارك في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، "لقد جعل كوفيد التصدعات في أنظمتنا الصحية واضحة للغاية".

وأضافت "ستؤدي تأثيرات وصدمات التغير المناخي إلى إنهاك الأنظمة الصحية بشكل أكبر ولفترة أطول بكثير، وبطرق ما نزال نحاول فهمها بالكامل".

المصدر : الجزيرة + الفرنسية