ما حدود الاقتراض الحكومي وكيف يؤثر على الاقتصاد الأميركي؟

Financial crisis golden coins with chart -0 Money - Getty Images
خطط بايدن تفترض أن العجز المالي السنوي سيتجاوز 4% من الناتج المحلي الإجمالي حتى نهاية العقد (غيتي)

من الصعب المبالغة في حجم خطط الرئيس الأميركي جو بايدن، فعلى الرغم من تحول الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، بسرعة نحو خفض العجز في أعقاب محاكمات الأزمة المالية العالمية، فإن أول ميزانية لبايدن، التي كشف النقاب عنها في 28 مايو/أيار الماضي، ستكون مبنية على الاقتراض.

تقول صحيفة "الإيكونوميست" (Economist) البريطانية، إن خطط بايدن تفترض أن العجز المالي السنوي سيتجاوز 4% من الناتج المحلي الإجمالي حتى نهاية العقد، ومن المقرر أن يرتفع صافي الدَّين العام إلى 117% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2030 مقارنة بمعدل 110% الحالي.

ويثير هذا المعدل سؤالين مهمين، يتمحور الأول حول ما إذا كانت هذه الحزمة ستسهم في زيادة إضعاف الاقتصاد الأميركي على المدى القصير، أما السؤال الآخر فيبحث عما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة على المدى الطويل أن تتحمل بحكمة تخفيف القيود المالية لفترة طويلة.

ومع اندلاع الأزمة وانخفاض أسعار الفائدة، شعر السياسيون بأنهم قادرون على تحمل ديون أكثر مقارنة بالماضي، في المقابل، تظل المسألة العالقة تتمحور حول ما إذا كان يمكن تطبيق حدود الاقتراض ومتى ستُطبق، وعموما، يلقي بحث أخير الضوء على هذه القيود.

أول ميزانية لبايدن التي كشف النقاب عنها في 28 مايو/أيار ستكون مبنية على الاقتراض (غيتي)

الديون والسندات الحكومية

في ورقة عمل جديدة، يحاول كل من عاطف ميان من جامعة برينستون، ولودفيج ستروب من جامعة هارفارد، وأمير صوفي من جامعة شيكاغو، قياس مدى قدرة الحكومات على العمل، ويستند تحليلهم (الذي لا يتضمن تداعيات الوباء) على العمل الأخير الذي يقدر مدى تفاوت "العائد الملائم" على السندات الحكومية، أو المبلغ الذي يتم من خلاله خفض عائد السندات بسبب فوائد السلامة والسيولة التي يقدمها للمستثمرين، وفقا لحجم عبء الدَّين.

وهناك أمور أخرى متساوية، فكلما زاد حجم السندات القائمة، زاد طلب المستثمرين على العائد، وعلى سبيل المثال، يشير البحث الذي قام به آرفيند كريشنامورثي من ستانفورد وأنيت فيسينج-جورجينسن من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، إلى أن زيادة بنسبة 10% في نسبة الدَّين إلى الناتج المحلي الإجمالي تدفع عائدات السندات الحكومية إلى الارتفاع بمقدار 0.13 و0.17 نقطة مئوية.

ونظرا لأن توفير السندات يعتبر أمرا مهما، أشار ميان والمؤلفان المشاركان، إلى أن مستوى الدَّين الحكومي المنخفض للغاية من شأنه أن يؤدي إلى انحدار معدل الفائدة نحو الصفر. وفي المقابل، لا يمكن أن تنخفض المعدلات أكثر بكثير إلى ما دون الصفر، كنتيجة لذلك، ستتمثل النتيجة في تضييق النطاق أمام البنوك المركزية لتحفيز النشاط، وبالتالي انخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.

غالبا ما ترتبط مشاكل القدرة على تحمل الديون بمستويات الديون المرتفعة، التي تدفع سعر الفائدة نحو الارتفاع ليتجاوز معدل النمو الاقتصادي، وعند الوفاء بهذا الشرط، يزداد عبء الدَّين بشكل مطرد حتى في حالة عدم وجود قروض جديدة، ولكن يثير المؤلفون الاحتمال النظري المتمثل في وجود مصدر آخر لمشاكل الاستدامة المالية، فعندما يؤدي مستوى الديون المنخفض للغاية إلى حدوث انكماش خطير، سيؤدي ذلك إلى سحب معدل النمو إلى نطاق سلبي وإلى ما دون سعر الفائدة.

بين هذين النقيضين، توجد "منطقة غولديلوكس" الخالية من الضرائب، حيث توضح النقطة التي أشار إليها أوليفييه بلانشارد، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، في سنة 2019 أنه عندما يكون سعر الفائدة على الدين العام أقل من معدل نمو الاقتصاد، لا يعد لأعباء الديون الحالية أيّ تكلفة مالية في الأساس، في مثل هذه الحالات، وسينخفض الدين الحالي كحصة من الناتج حتى لو لم يتم فرض ضرائب جديدة.

بافتراض الحصول على ميزانية متوازنة واستنادا إلى تقديرات العائد الملائم على سندات الخزانة، يعتقد المؤلفون أن منطقة "غولديلوكس" الأميركية، أقصى مستوى للديون يمكن أن تصل إليه ثم تستقر فيه دون زيادة الضرائب، يمكن أن تمتد إلى حوالي 260% من الناتج المحلي الإجمالي.

بالإضافة إلى ذلك، هناك نطاق واسع من المديونية يمكن للحكومات من خلالها مواجهة عجز دائم دون زيادة عبء الديون، ومن الوارد أن تعاني الولايات المتحدة من عجز قدره 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي إلى الأبد طالما أن ديونها أقل من 130% من الناتج المحلي الإجمالي.

يشير هذا المنطق إلى أنه على الرغم من أن العجز المفرط قد يكون مناسبا في الوقت الراهن، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع إدارته بشكل دائم، إذ سيؤدي القيام بذلك إلى ارتفاع الديون، وكلما طال انتظار الولايات المتحدة لتقليص عجزها إلى أقصى مستوى مستدام، اقترب هذا المستوى من الفائض (أو إلى المزيد من الفائض)، قد يشعر بايدن ببعض الارتياح من حقيقة أنه يمكنه التحكم في اقتراضه في الوقت الراهن، إلا أن ذلك قد يحد في النهاية من الحرية المالية للبلاد.

فرض الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع يعتبر وسيلة لجمع الأموال التي قد تُستخدم في شراء السندات (غيتي)

السندات

وتتوقع الصحيفة أن يؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي إلى تقليص المنطقة الآمنة من خلال تضييق الفجوة بين النمو وأسعار الفائدة، ما لم يتسبب التباطؤ الاقتصادي أيضا في انخفاض حاد في أسعار الفائدة، مما يدفعها إلى الاقتراب من الصفر ويتطلب تحفيزا ماليا، وقد يؤدي تزايد التفاوت إلى دعوات لإعادة التوزيع.

في المقابل، ولأن الأغنياء يميلون إلى شراء السندات الحكومية بأعداد غير متناسبة، قد تقلل تسوية توزيع الدخل من نطاق الحصول على نظام خال من الضرائب، ويعني ذلك أيضا، كما لاحظ المؤلفون، أن الجهود المبذولة لمعالجة العجز الواسع من خلال الضرائب التصاعدية قد لا تؤتي أكلها. وفي الواقع، يعتبر فرض الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع وسيلة لجمع الأموال التي قد تُستخدم في شراء السندات.

وأوضحت الصحيفة أن الاقتراض الحكومي يلعب دورا رئيسيا في روح العصر الاقتصادي الكلي اليوم، وما تزال هناك حاجة إلى نوع من التوازن، بين الاستخدام الجيد لقدرة الحكومة على الاقتراض، والاعتراف بأن حدود الاقتراض العام ليست بعيدة للغاية.

المصدر : إيكونوميست