مشروع "المشرق الجديد".. إضعاف للاقتصاد العراقي أم تكامل مع مصر والأردن؟

العراق من خلال المشروع يسعى إلى إحداث تغييرات كبيرة لم تشهدها المنطقة على مختلف الصعد الاقتصادية والاستثمارية وتنسيق المواقف

Trilateral summit in Amman
الكاظمي خلال مشاركته في قمة عمان الثلاثية في أغسطس/آب الماضي (الأناضول)

يعتزم العراق طرح مشروع اقتصادي ضخم باسم "المشرق الجديد" خلال القمة الثلاثية المتوقع أن تحتضنها بغداد قريبا بمشاركة مصر والأردن.

ويسعى العراق من خلال المشروع -حسب رئيس وزرائه مصطفى الكاظمي- إلى إحداث تغييرات كبيرة لم تشهدها المنطقة على مختلف الصعد الاقتصادية والاستثمارية وتنسيق المواقف حول قضايا المنطقة في المحافل الدولية والإقليمية.

والقمة المقبلة -بحسب الحكومة العراقية- ستكون إضافة نوعية تسهم بالمضي بخطة التكامل الاقتصادي بين الدول الثلاث، ومنها مشاريع في الطاقة الكهربائية وتوريدها للعراق وتصدير النفط العراقي عبر ميناء العقبة الأردني والتفاهم على تشغيل العمالة البينية.

وكان من المقرر انعقاد القمة السبت الماضي، إلا أن الكاظمي أعلن إرجاءها إلى أجل غير مسمى، وذلك على خلفية حادث تصادم قطارين في مصر، والذي أسفر عن مصرع 32 شخصا وإصابة 108 آخرين.

وفي حال انعقاد القمة ستكون الثالثة من نوعها بين البلدان الثلاثة. وكانت القمة الأولى قد عقدت في القاهرة في مارس/ آذار عام 2019، والثانية عقدت في العاصمة الأردنية عمّان في أغسطس/آب الماضي.

ويقول العراق إنه من خلال المشروع المقترح يسعى لوضع خطة لرفع حجم التبادل التجاري مع الأردن في القريب العاجل، ليصل إلى مليار دولار في المرحلة الأولى ثم إلى 5 مليارات دولار، حسبما أفاد الكاظمي الذي أبدى استياءه من ضعف حجم التبادل التجاري الحالي بين البلدين.

ويشار إلى أن الحكومة العراقية وافقت في بداية العام الجاري على إعفاء البضائع الأردنية من التعرفة الجمركية.

وبلغت الصادرات الأردنية للعراق العام الماضي نحو 630 مليون دولار والمستوردات غير النفطية نحو 62 مليون دولار، وفقا لدائرة الإحصاءات العامة الأردنية.

وبلغ حجم التجارة بين العراق ومصر العام الماضي 486 مليون دولار، منها ‏‏479 مليون دولار صادرات مصرية و7 ملايين دولار واردات من العراق، وفقا للهيئة العامة للاستعلامات المصرية.

وكان حجم التبادل التجاري قد بلغ مليارا و650 ألف دولار عام 2018، وهو أكبر رقم للتبادل التجاري بين مصر والعراق منذ عام 2003.

منار العبيدي
العبيدي أعرب عن تخوفه من أن يكون المشروع الجديد محاولة للتهرب من التعرفة الجمركية العراقية (الجزيرة نت)

التعرفة الجمركية

تعليقا على مشروع "المشرق الجديد"، أبدى رئيس مؤسسة عراق المستقبل للدراسات الاقتصادية منار العبيدي ترحيبا حذرا، قائلا "نرحب بأي انفتاح اقتصادي للعراق"، غير أنه أعرب عن خشيته إزاء جزئية المدينة الاقتصادية والمقرر إنشاؤها -وفق مشروع "المشرق الجديد"- على الحدود العراقية الأردنية.

وأوضح العبيدي للجزيرة نت أن هناك تخوفا من أن تكون هذه المدينة محاولة للتهرب من التعرفة الجمركية العراقية للمنتوجات الأردنية والمصرية وكافة المنتوجات التي يتم إعادة تعبئتها في تلك المدينة.

كما أعرب عن خشيته من أن يتم الاستعانة بعمالة أردنية ومصرية على حساب العمالة العراقية.

رامي محسن جواد
جواد أعرب عن خشيته من أن يدعم المشروع الجديد حل مشكلة البطالة في البلدين الآخرين على حساب العراق (الجزيرة نت)

طريق العمال البري

من جهته قال الباحث في الشؤون الاقتصادية رامي محسن جواد إن مسؤولين مصريين ركزوا على أن من شأن المشروع الجديد -وخاصة بند اتفاقية الطريق البري وتسعيرة النقل- تسهيل نقل العمالة المصرية من وإلى العراق، وهو ما قد يحل مشكلة البطالة في مصر على حساب العمالة العراقية التي ترزح أيضا عند مستوى عال من الباطلة.

واعتبر جواد أن تخفيض العراق مؤخرا لقيمة صرف الدينار مقابل الدولار تصب في صالح العراق؛ غير أنه أبدى خشية من أن تعمد الدولتين الأخريين لتخفيض عملتيهما لدفع صادراتها للعراق بشكل أكبر.

وحسب مشروع "المشرق الجديد"، فإن العراق ينوي تشغيل العمالة المصرية التي تعتبر رخيصة وذات مهارات متنوعة ضمن مدينة صناعية مشتركة بين العراق والأردن، فضلا عن تسهيل مرور البضائع والعمالة من خلال طريق بري يربط البلدان الثلاثة، بينما يعاني العراق من ارتفاع مستويات البطالة والفقر، وتشكو الحكومة من ضغوط التوظيف وزيادة فاتورة الرواتب، كما يفيد جواد.

وحسب تقديرات بشأن العمالة المصرية العاملة في العراق، أعلنت شعبة إلحاق العمالة باتحاد الغرف التجارية المصرية أن "عددهم الحالي يتراوح بين 100 ألف إلى 150 ألف عامل".

الإستراتيجية "الميركانتيلية"

أما الباحث الاقتصادي ياسر السليم فقد أشار -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن القمة الثلاثية ستجعل مصر تتبنى الإستراتيجية "الميركانتيلية" التي سمحت لبريطانيا بأن تهيمن على العالم لمدة 120 عاما، كما سمحت للولايات المتحدة -منذ أكثر من 90 عاما- بالهيمنة على العالم كذلك.

و"الميركانتيلية" نظام اقتصادي للتجارة تم تطبيقه على يد بريطانيا بدءا من القرن الـ 16 إلى القرن الـ 18، وارتكز على مبدأ أن ثروة العالم كانت ثابتة ومكونة أساسا من المعادن الثمينة، وحاولت بريطانيا تجميع أكبر حصة ممكنة من تلك الثروات وتعظيم صادراتها والحد من وارداتها.

وتسعى مصر -وفقا للباحث ياسر السليم- إلى السير في طريق هذه الإستراتيجية التي تحقق فوائض تجارية، معتمدة على أن المنتجات المصرية تمتاز بأسعارها المنخفضة، إلى جانب أن سعر صرف الجنيه المصري منخفض، وهو الأمر الذي سيعزز من حجم صادراتها.

مقدام الشيباني
الشيباني طالب بأن تكون شراكة العراق الاقتصادية مع دول عظمى (الجزيرة نت)

المفاوض العراقي ضعيف

في كل اتفاقية اقتصادية ترى موقف المفاوض العراقي ضعيفا جدا لأسباب تتعلق بالفساد المالي والإداري المستشري، بحسب الباحث الاقتصادي مقدام الشيباني.

ويعتبر الشيباني أن الشراكة الاقتصادية للعراق يجب أن تكون مع الدول العظمى مثل أميركا والصين للنهوض بواقع العراق الاقتصادي والخدمي.

وينتقد الباحث الاقتصادي ذهاب العراق لاتفاق اقتصادي مع دول مثل مصر والأردن، موضحا أنه حسب تقرير ممارسة أنشطة الأعمال تحتل الأردن المرتبة الـ 75 عالميا، ومستوى دخل الفرد فيها من الناتج القومي 4 آلاف و210 دولارات، بينما تحتل مصر المرتبة الـ 114 ومستوى دخل الفرد من الناتج القومي 2800 دولار.

ويرى الشيباني أن الشراكة الاقتصادية للعراق مع هذين البلدين ليست بمستوى شراكة إستراتيجية تتطلب من المفاوض العراقي التنازل على حساب الاقتصاد الريعي.

إيران وتركيا

إن مشروع "المشرق الجديد" المقبل سيقوض من حجم الصادرات الإيرانية والتركية إلى السوق العراقية، وتحوله لحاضن للصناعات الأردنية والمصرية، حسب الباحث جواد الذي يعتقد أن أنقرة وطهران لن تقفا مكتوفتي الأيدي تجاه المشروع، وقد تعملان على تخريبه.

في حين رحب العبيدي بأي اتفاق اقتصادي أو إقامة المشاريع الصناعية المشتركة مع أي دولة كانت مجاورة أو غير مجاورة، شرط أن يكون الاتفاق يصب في مصلحة العراق أولا.

لكنه استدرك قائلا إن العراق ليس بحاجة إلى مدن صناعية واقتصادية يكون فيها شعبه المستهلك وغيره المصدر مع إضافة التهرب من التعرفة الجمركية.

المصدر : الجزيرة