تعطل قناة السويس.. ترقب عالمي ومخاوف اقتصادية

بمرور الوقت منذ جنوح السفينة العملاقة مساء الثلاثاء بدأ القلق يتزايد حول مصير شريان التجارة العالمي (رويترز)

أثار خبر تعطل الملاحة في  قناة السويس المصرية قلقا محليا وعالميا، بعد انحراف ناقلة حاويات عملاقة وسد أحد أهم الممرات الملاحية في العالم وأكثرها اكتظاظا بالسفن.

بمرور الوقت منذ جنوح السفينة العملاقة مساء الثلاثاء بدأ القلق يتزايد حول مصير شريان التجارة العالمي وشريان مصر الاقتصادي، ومصير طابور السفن المتكدسة.

ويعول مختصون وخبراء مصريون تحدثوا للجزيرة نت على خبرات هيئة قناة السويس في التعامل مع المشكلة المحدقة بالممر المائي الأهم في العالم.

ولكنهم أكدوا على عدم قدرتهم على تقدير حجم المشكلة وتداعياتها في ظل عدم وجود بيانات رسمية من الهيئة حول الوقت، الذي سوف تستغرقه عملية تعويم ناقلة الحاويات العملاقة.

وفي هذا الصدد، قال عضو بالفريق الاستشاري لمشروع تنمية قناة السويس السابق، للجزيرة نت، إن "مصر لديها قاطرات ومعدات جاهزة وخبرات واسعة في التعامل مع مثل هذه الأزمات المفاجئة".

وأضاف العضو الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن تعطيل المجرى قد يتسبب في حدوث تلفا بالمجرى، وقد يتطلب بعض الوقت لإصلاحه؛ لكنه لن يستغرق أياما كما يشاع.

وخلا موقع هيئة قناة السويس على موقع فيسبوك من أي أنباء جديدة تتعلق بتسيير الحركة في القناة؛ إلا من خبر محاولة 8 قاطرات عملاقة تعويم سفينة الحاويات الضخمة، في حين لم يصدر عن الحكومة المصرية أي بيان حتى كتابة هذا التقرير.

وذكر بيان الهيئة، أنه فور وقوع الحادث الناجم عن انعدام الرؤية وشدة سرعة الرياح ومن ثم جنوح السفينة، تشكلت لجنة إدارة الأزمات، وأن عمليات الإنقاذ الحالية تسعى لتعويم السفينة واستئناف حركة الملاحة بالقناة.

حجم تجارة ضخم

ويمر حوالي 12% من حجم التجارة العالمية عبر القناة التي تربط بين أوروبا وآسيا، والشرق بالغرب، وتعد أقصر الطرق بين قارات العالم القديم.

سفينة الحاويات البنمية "إيفر غيفن" (EVER GIVEN) تتبع الخط الملاحي "إيفر غرين" (EVER GREEN)، وهي واحدة من أكبر سفن الشحن في العالم، وتبلغ حمولتها 224 ألف طن، ويصل طولها إلى 400 متر وعرضها 59 مترا، وفق موقع الهيئة.

كانت السفينة العملاقة العالقة متجهة إلى روتردام عندما انحرف جسم السفينة في المجرى المائي، وارتطم بالقاع، وفق شركة "إيفر غرين" التايوانية المستأجرة للسفينة.

وقالت هيئة قناة السويس، الأربعاء، إنها تعمل على تعويم سفينة الحاويات التي جنحت بسبب سوء الأحوال الجوية، التي نجم عنها رياح قوية وعاصفة ترابية.

وبهدف تخفيف حدة الاختناق في الممر الملاحي الضيق، قررت الهيئة إعادة فتح القناة القديمة من أجل تحويل الحركة إليها، وسط مخاوف حقيقية من بقاء الممر مغلقا لوقت غير معلوم.

حوالي 12% من حجم التجارة العالمية يمر عبر قناة السويس (رويترز)

كيف تتأثر مصر والتجارة العالمية

منذ جنوح السفينة وحصرها بين جانبي القناة، بدأ الحديث يتزايد حول تداعيات الأزمة سواء على حركة الشحن العالمية أو تأثيرها على الاقتصاد المصري، وتأثر عائدات قناة السويس بالسلب.

كل ساعة تأخير ستؤدي إلى تفاقم الوضع، وفق الأرقام الرسمية لهيئة قناة السويس عام 2020، حيث عبرت حوالي 19 ألف سفينة بحمولة صافية تبلغ 1.17 مليار طن قناة السويس بمتوسط 51.5 سفينة في اليوم.

كما تمر 30% من سعة سفن الحاويات العالمية عبر قناة السويس، وفقا لبيانات لاينر للأبحاث.

هذا الحجم تترجمه الأرقام إلى 4710 سفن حاويات، مرت خلال عام 2020 رغم انخفاض الطلب على البضائع ، نتيجة لإجراءات الإغلاق والحظر الذي فرضته معظم دول العالم في مواجهة تداعيات فيروس كورونا.

هذا على مستوى التجارة العالمية؛ لكن ماذا عن مردودها الاقتصادي على مصر. وفق البيانات الرسمية، فقد أدرت على خزينة الدولة 5.61 مليارات دولار في 2020، انخفاضا من 5.8 مليارات دولار في 2019.

لماذا على العالم أن يقلق

وتوقع خبراء ومحللون اقتصاديون أن تتكبد التجارة العالمية والاقتصاد المصري خسائر كبيرة في حال امتد هذه التوقف في المجرى الملاحي العالمي لعدة أيام.

ونقلت وكالة "رويترز" (Reuters) عن تان هوا جو، المستشار في لاينر للأبحاث، أن توقف الملاحة لفترة طويلة سيكون له عواقب وخيمة؛ لأن الطريق البديل حول قارة أفريقيا يستغرق أسبوعا إضافيا.

الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، أكد أن تأثير الحادث على حركة التجارة ومردودها المالي على مصر يتوقف على الفترة الزمنية، التي سوف تستغرقها عملية التعويم، واعتبر في حديثه للجزيرة نت، أن تعطل المجرى لأكثر من يوم يثير الكثير من القلق المحلي والدولي تجاه أهم ممر ملاحي في العالم، وتأخر إصدار بيانات رسمية ومتابعة الأسواق العالمية؛ لذلك يثير الكثير من علامات الاستفهام.

وأضاف أنه من غير المتوقع أن يستمر إغلاق القناة طويلا في ظل اهتمام العالم بالحادث، مشيرا إلى أن القناة توفر إيرادات تتراوح بين 5 و6 مليارات دولار سنويا، وهو رقم كبير في ظل توقف السياحة، وتضرر مصادر العملة الصعبة في مصر بجائحة كورونا.

ودفعت الأحوال الجوية السيئة، التي تمر بها مصر هذه الأيام إلى غلق العديد من الموانئ البحرية مثل بوغاز العريش، وفق بيان المكتب الإعلامي للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إضافة إلى إغلاق ميناء العين السخنة التابع للمنطقة الاقتصادية مع استمرار العمل حتى الآن في موانئ الأدبية وشرق وغرب بورسعيد، بشكل طبيعي.

أكبر سفينة حاويات في العالم تغلق مجرى قناة السويس
حوالي 30% من سعة سفن الحاويات العالمية تمر عبر قناة السويس (مواقع التواصل)

وفي عام 2019 احتفلت مصر بالذكرى الـ150 لحفر قناة السويس، البالغ طولها 193 كيلومترا بدءا من ميناء بورسعيد ووصولا إلى السويس، وتربط بين البحرين الأحمر والمتوسط.

وافتتحت قناة السويس، التي شارك في حفرها مليون مواطن أي نحو ربع سكان مصر وقتئذ، رسميا بتاريخ 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1869، بعد تجربة العديد من الرحلات البحرية منذ سنة 1867.

وفي عام 2015 تبنى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مشروعا طموحا من خلال حفر تفريعة جديدة تحت مسمى "قناة السويس الجديدة" كلفت خزينة الدولة نحو 8 مليارات دولار، وسط انتقادات واسعة لمشروع يرى معارضوه أنه أثبت "عدم جدواه اقتصاديا".

ورغم مرور 5 سنوات على افتتاحها، لم تحقق "قناة السويس الجديدة" زيادات في الإيرادات؛ لكن مسؤولين مصريين أكدوا أنها اختصرت زمن عبور القناة إلى النصف، من 22 ساعة إلى 11 ساعة، وساعدت في عبور حاملات حاويات عملاقة وناقلات نفط عملاقة حمولتها 200 ألف طن.

المصدر : الجزيرة