العراق من أغنى بلدان العالم.. لماذا يرزح أكثر من 10 ملايين تحت خط الفقر؟

أسباب أمنية واقتصادية وسياسية واجتماعية أدت إلى زيادة الفقر في العراق (الجزيرة)

ما يزال ملايين العراقيين يرزحون تحت خط الفقر، رغم الثروات الهائلة التي ينعم بها بلدهم، والتي يمكن أن تجعله في مصاف الدول الأغنى في العالم.

ويأتي ترتيب العراق التاسع عالميا في الثروات الطبيعية، حيث يحتوي على نحو 11% من الاحتياطي العالمي للنفط، و9% من الفوسفات، فضلا عن الموارد الثمينة الأخرى.

لكن معظم ثروات العراق لم يتم استثمارها بسبب الفساد وسنوات الحروب والصراعات السياسية، وسط دعوات لتفعيل استغلال الموارد وإنعاش الاقتصاد العراقي.

نسبة الفقر في العراق نحو 25% من إجمالي السكان حسب وزارة التخطيط (الجزيرة)

خط الفقر

وتبلغ نسبة الفقر في العراق نحو 24.8% وفق آخر دراسة أجرتها وزارة التخطيط العراقية بالتعاون مع البنك الدولي، في النصف الثاني من عام 2020، وهذا يعني أن نحو 10 ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر، حسب المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي.

وأوضح الهنداوي للجزيرة نت أن محافظات الجنوب ما تزال تتصدر معدلات الفقر، وفي مقدمتها محافظة المثنى بنسبة 52%، وتليها محافظة الديوانية بـ 49%، وذي قار بـ48%، ثم تأتي بقية المحافظات تباعا بنسب مختلفة.

الهنداوي: هناك 10 ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر (الجزيرة)

ويضيف الهنداوي أن نسبة الفقر وصلت إلى 40% كمعدل عام في محافظات الأنبار (غرب) وصلاح الدين ونينوى (شمال)، بحكم تأثرها بظروف الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، وما نتج عنها من تهجير وخراب.

وبلغت نسبة الفقر في العاصمة بغداد 13%، وفي إقليم كردستان 12.5%، أما في محافظات الوسط فتصل نسبة الفقر إلى 18%، وكانت كربلاء والنجف الأكثر تضررا بتداعيات جائحة كورونا بسبب اعتمادها الكبير على السياحة الدينية.

ويؤشر الهنداوي إلى أسباب أمنية واقتصادية وسياسية وحتى اجتماعية أدت إلى زيادة نسبة الفقر، فضلا عن انخفاض أسعار النفط والصراع السياسي والفساد المستشري.

ويتحدث عن توجه الحكومة نحو قطاعات أخرى غير النفط، حيث يمتلك العراق إمكانات تنموية جيدة في الزراعة والسياحة، فضلا عن الصناعات التحويلية والمنافذ الحدودية وغيرها، لتحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

الشماع دعا لتفعيل قطاعات الاستخراج المعدني والبتروكيماويات والصناعات التحويلية والزراعة والسياحة (الجزيرة)

موارد العراق

ويقول الخبير الاقتصادي همام الشماع للجزيرة نت إن النفط الخام يشكل نحو 90% من إيرادات موازنة الدولة العراقية، أما الواردات الأخرى فهي هامشية على شكل ضرائب وإيرادات جمركية، وبعض الإيرادات المتأتية من قطاع النقل والاتصالات وغيرها، ودعا إلى تفعيل قطاعات الاستخراج المعدني والبتروكيماويات والصناعات التحويلية والزراعة والسياحة والخدمات.

وحول تقدير الثروات العراقية المهدورة، قال إنه لا يمكن تقدير القيمة المالية الإجمالية المتوقعة في حال استغلال كافة الموارد، موضحا -على سبيل المثال- أن قيمة 4 ملايين برميل من النفط الخام لا تقل عن 100 مليار دولار، فإذا افترضنا أن نصف هذا الإنتاج تحول إلى صناعات بتروكيماوية والتي قيمتها 10 أضعاف النفط الخام، معنى ذلك إضافة نصف تريليون دولار، غير الموارد الأخرى مثل الكبريت الفوسفات والحديد والزئبق.

العراق التاسع عالميا في امتلاك الثروات الطبيعية ويحتوي على نحو 11% من احتياطي النفط العالمي (الجزيرة)

ويضيف الشماع أن قيمة قطاع الاستخراج قد تصل إلى 800 مليار دولار ضمن الناتج المحلي الإجمالي، وإذا بلغ القطاع الصناعي نسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي فإنه يضيف 150 مليار دولار للخزينة، وكذلك الزراعة والسياحة يمكن أن تسهما بقيمة 300 مليار دولار لكل منهما، في حين يضيف القطاع الخدمي نحو 300 مليار دولار.

ويعرب عن اعتقاده بأن مجموع مساهمة القطاعات سيكون حوالي 1.8 تريليون دولار، وفق تقديرات تخمينية، حيث يصبح معدل دخل الفرد في العراق هو الأعلى في العالم.

ياور يرى أن وجود الأموال لا يكفي للقضاء على الفقر وسد حاجة المجتمع بل يتعلق الأمر بحسن الإدارة والنزاهة (الجزيرة)

تعطيل الثروات

ولا يمكن القول إن الحكومات لم تفعل شيئا أو لم ترد أن تفعل ما ينبغي فعله لشعبها، ولكن المشكلة تكمن في أمرين: النزاهة والإدارة، اللتين لم يصل العراق إلى مستويات مقبولة فيهما، كما يفيد الباحث والمحلل السياسي كاظم ياور.

ويضيف للجزيرة نت "كانت للعراق ميزانيات توصف بالانفجارية بعد عام 2008 حتى 2014، ولكن الحالة الاقتصادية والسياسية لم تتحسن حينها، وهذا دليل على أن وجود الأموال لا يكفي للقضاء على الفقر وسد حاجة المجتمع".

ويرجح أن وجود أموال قليلة ونزاهة كبيرة وإدارة رشيدة وحكيمة تعد مفتاحا لحل المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

من جانب آخر، ينوّه ياور إلى وجود تأثيرات سياسية كبيرة تتدخل في عمل الحكومات العراقية من قبل دول إقليمية ودولية، إضافة إلى مشاكل ترسيم الحدود والحقول المشتركة، وحقوق العراق في مياه شط العرب ومشاكل موانئ التجارة البحرية، وخطوط نقل الطاقة.

ويلفت الباحث والمحلل السياسي إلى أن العراق بلد النفط والطاقة، وبسبب تدخلات الدول في مصير وإدارة هذه الموارد نجده اليوم يستورد الطاقة من الخارج، وخلافات دول العالم الكبرى على مصادر الطاقة تظهر آثارها على أرض العراق، مثلا بين أميركا والصين، وكذلك آثار خلافات أميركا مع إيران تتسبب في تقييد وشل حركة الاقتصاد العراقي.

ويؤكد ياور وجود عوائق داخلية تعطل استثمار الثروات، ولا تقل سلبية عن الشأن الدولي والإقليمي، مثل انتشار ما تسمى المكاتب الاقتصادية التابعة للأحزاب والحركات، وحتى لقادة التنظيمات المسلحة، فإن لها دورا سلبيا وخطيرا في تدهور الاقتصاد العراقي، وتسببت في فقر شرائح واسعة من أبناء الشعب.

الصفار أكد عدم وجود قانون خاص بالقضاء على الفقر ومعالجته في العراق (الصحافة العراقية)

دور البرلمان

بدوره، يكشف عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي الدكتور أحمد الصفار عن عدم وجود قانون خاص بالقضاء على الفقر ومعالجته في العراق، وكل ما هو موجود محاولات من قبل وزارات المالية والتخطيط والعمل لتقديم معونات للطبقات الهشة الفقيرة، وهناك مواد في الموازنة تحاول إنصاف هذه الفئات.

ويبيّن للجزيرة نت أن دور مجلس النواب في النهوض بالاقتصاد العراقي يأتي من خلال تشريع القوانين، وأهمها قانون الموازنة الذي بذلت اللجنة المالية جهودا كبيرة ليتبنى رؤية اقتصادية واجتماعية، ويتضمن أهدافا اقتصادية من شأنها تحريك القطاعات الاقتصادية كالزراعة والصناعة والتجارة، وكذلك القطاعات الخدمية مثل الصحة والتربية وغيرها.

ويشير الصفار إلى أن الموازنة الجديدة تضمنت عدة مواد من أجل ضبط الموارد غير النفطية، ومنها إلزام الحكومة "بأتمتة" (تشغيل آلي) المنافذ الحدودية، وكذلك الدوائر الخاصة بجباية المال العام، والتي لا يصل منها إلى خزينة الدولة سوى أقل من 20%.

ويشدد على أن ضياع هذه الأموال أثر سلبيا على الاقتصاد العراقي والإيرادات العامة، ولو تم إصلاح هذا الأمر فسيقل العجز وتقدم خدمات أكثر في مجالات النفقات التشغيلية والإنفاق الاستثماري.

المصدر : الجزيرة