مشاريع وإجراءات بديلة للتهريب.. هل تعيد الحياة لمدن الشمال المغربي؟

A general view shows the border between Morocco and Spain's north African enclave Melilla in Beni Enzar, Morocco, September 9, 2015. In September 2005, hundreds of African migrants stormed the barbed wire fences in the Spanish enclaves of Ceuta and Melilla in Morocco, seeking to make their way into Europe. Five died and many were severely injured. Today, the flow of migrants trying to climb over what has become a towering fence in Melilla has slowed to a trickle. A decade of fortifications by Spanish authorities aimed at raising and strengthening the fence - plus legal changes to facilitate their return - have led to a dramatic change. The fence in Melilla offers a glimpse of what other European frontiers could look like in the future. Picture taken September 9, 2015. REUTERS/ Jesus Blasco de Avellaneda
إغلاق معبري سبتة ومليلية أدى إلى ركود اقتصادي في المدن المجاورة التي كانت تستفيد بشكل كبير من الدينامية الاقتصادية (رويترز)

كانت حوالي 3500 امرأة تحمل السلع الإسبانية في أكياس ضخمة فوق ظهورهن ويمتهن ما يسمى "التهريب المعيشي" إضافة إلى 200 طفل قاصر في معبر سبتة، حسب تقرير كان قد أصدره البرلمان المغربي، قبل أن توقف السلطات المغربية التهريب في أكتوبر/تشرين الأول 2019 وتغلق المعبر الحدودي بعدها في مارس/آذار 2020.

وكان تقرير البرلمان قد أقر بأن المغربيات الممتهنات للتهريب المعيشي في معبر سبتة يعشن وضعا مأساويا، وينمن ليومين وأكثر في العراء، لكنهن اليوم بدون عمل وبدون مدخول، ومعهن تجار ومرافق كانت تدور في فلك التهريب.

ورغم إطلاق المغرب مشاريع تنموية في المنطقة أخرج الوضع الاجتماعي والمطالبة بلقمة العيش العاجلة أبناء مدينة الفنيدق (المحاذية لسبتة المحتلة) للاحتجاج، فهل تنجح المشاريع المقترحة في بعث المنطقة تنمويا؟ وهل تحقق بدائل لعيش كريم؟

تكلفة اجتماعية

شهدت مدينة الفنيدق شمال المغرب لمدة 3 أسابيع متتالية مظاهرات احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية التي تسبب فيها توقف الأنشطة التجارية المرتبطة بما يعرف بـ"التهريب المعيشي" على مستوى المعبر الحدودي لمدينة سبتة المحتلة.

وكرس التهريب المعيشي خلال العقود الأربعة السابقة أشكالا مختلفة من المعاناة، وكلف الاقتصاد الوطني خسائر مهمة قدرها مسؤولون مغاربة بـ7 مليارات درهم سنويا (الدولار يساوي 8.8 دراهم مغربية تقريبا) بالنسبة لمعبر باب سبتة لوحدها.

ويرى المستشار الاقتصادي عادل خالص أن إغلاق معبري سبتة ومليلية أدى إلى ركود اقتصادي في المدن المجاورة التي كانت تستفيد بشكل كبير من الدينامية الاقتصادية التي تحدثها عمليات التهريب المعيشي رغم سلبياته الكثيرة.

من جهته، يقول رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان محمد بن عيسى في حديث مع الجزيرة نت إن الوضع أصبح محتقنا ومشحونا بشكل كبير بسبب تأخر المشاريع البديلة، مضيفا أن السكان يمرون بأزمة اجتماعية، ولهم مطالب آنية، وهناك نوع من غياب الوعي بخطورة التهريب، وأن التضييق يفاقم الوضع.

في السياق نفسه، نبه خالص إلى أن تكلفة منع التهريب المعيشي من الناحية الاجتماعية قد تكون قاسية جدا في غياب بدائل تخفف وطأة تداعياته الاقتصادية، خصوصا في سياق الأزمات الاقتصادية التي دائما ما يعقبها احتقان واحتجاجات اجتماعية.

التهريب المعيشي كرس خلال العقود الأربعة السابقة أشكالا مختلفة من المعاناة (الأوروبية)

برامج تنموية

كان تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي (مؤسسة استشارية رسمية) أظهر أن إغلاق معبري سبتة ومليلية من طرف المغرب، وكذلك منع العمليات التجارية عبر ميناء مليلية منذ يوليو/تموز 2018 من شأنهما أن يكونا ناجعين على المدى القصير، واستدرك التقرير أن الإغلاق لا ينصب على معالجة الأسباب العميقة التي سمحت بانتشار تجارة التهريب.

وأوصى التقرير بمنح تحفيزات ضريبية وتمويلية، وتبسيط الإجراءات الإدارية أمام الشركات تشجيعا لها على التوسع في المناطق المحاذية لسبتة ومليلية.

وتم تخصيص 400 مليون درهم (حوالي 45 مليون دولار)، لإنجاز سلسلة مشاريع ضمن البرنامج المندمج للتنمية الاقتصادية لعمالة المضيق-الفنيدق وإقليم تطوان الأسبوع الجاري.

وتنقسم المشاريع ضمن هذا البرنامج إلى 3 محاور أساسية تتمثل في إحداث منطقة للأنشطة الاقتصادية في مدينة الفنيدق، وبلورة آلية للتحفيز المالي لجلب الاستثمارات في منطقتي الأنشطة الاقتصادية "تطوان بارك" و"تطوان شور"، وخلق مبادرات اقتصادية تحفيزية لمواكبة الشركات في إطار مهيكل، وتحسين قابلية النساء والشباب لولوج سوق العمل.

حلول عاجلة

بدوره، أكد الناشط الحقوقي محمد بن عيسى على ضرورة تسريع مبادرات الأنشطة الاقتصادية في ضواحي الفنيدق، واقترح تشغيل مجموعة من الشباب في ميناء طنجة المتوسط مثلا، وإيجاد فرص عمل للنساء في بعض المعامل بالمناطق الصناعية الموجودة في المنطقة، في انتظار استكمال المشاريع البديلة التي اقترحتها الحكومة.

وأفاد بن عيسى في تصريحه للجزيرة نت بأن السلطات باشرت بتأهيل مجموعة من الشباب الحاصلين على المؤهلات الدراسية لدمجهم في قطاع التعليم، وتشغيل حوالي 100 امرأة كن يشتغلن في التهريب المعيشي في الإنعاش الوطني (ورشات شغل مختلفة تكون تابعة للدولة).

وأعلنت السلطات المحلية بمدينة الفنيدق مؤخرا إبرام 650 عقد عمل لصالح مجموعة من النساء المتضررات من إيقاف المعبر، ويتوقع أن تصل إلى 700 عقد خلال الأسبوع الجاري، منها عقود عمل في وحدات النسيج.

من جهته، يعتبر الاقتصادي عادل خالص أن نجاح أي خطة للخروج من هذه الأزمة -على المدى القريب- مرهون بمدى استهداف الفئات المتضررة بالإجراءات التي يتم اتخاذها.

ويقول خالص إنه لا يمكن إنكار الإنجازات والمجهودات التي تقوم بها الحكومة بهدف تنمية المناطق الشمالية، مما ساهم في تحسن مجموعة من المؤشرات السوسيو-اقتصادية، إلا أن ذلك لم ينعكس بالشكل المطلوب على الفئات الهشة بهذه المناطق.

ويؤكد المتحدث ذاته على أن المطلوب هو إرساء أسس نمو مدمج ومستدام يشمل كل مكونات المجتمع، وذلك من خلال سياسات تنموية شاملة ترتكز على الاستثمار في رأس المال البشري كرافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب.

مؤهلات واعدة

وتزخر منطقة طنجة-تطوان بمؤهلات وموارد سياحية تجعلها إحدى المناطق السياحية الجاذبة في المغرب، وتتوفر على مقومات ومؤهلات شاطئية مهمة وتراث ثقافي غني، ويطالب المهتمون بضرورة تثمينها وبلورتها في إطار منتوج سياحي جذاب قابل للتسويق يساهم في إشعاع المنطقة.

بدوره، يؤكد بن عيسى أن الموقع الجغرافي والبنية التحتية والمآثر الموجودة بالمنطقة هي مؤهلات ومقومات نجاح وتنمية تحتاج أن تستثمر بشكل جيد.

ويعتقد بن عيسى أن القطاع السياحي وحده يمكنه أن يعطي انطلاقة، وأن يشكل رافعة اقتصادية إذا ما تمت إدارته بعقلانية.

وفي انتظار بديل اقتصادي ينهي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها مئات الأسر بعمالة المضيق-الفنيدق، يواصل المتضررون من إغلاق معبر سبتة احتجاجهم، فهل تنجح الحكومة المغربية في توفير بدائل حقيقية تمنع موسما للهجرة من الشمال وتمتص الاحتقان؟

المصدر : الجزيرة