محفوفة بالمخاطر.. ما هي خطة تحفيز الاقتصاد الأميركي التي اقترحها بايدن؟

الخطة تهدف للوصول إلى الإمكانات الكاملة للاقتصاد الأميركي في أسرع وقت

انتعاش الاقتصاد الأميركي سيخفض عبء الديون تدريجيا (غيتي)

تهدف حزمة تحفيز الاقتصاد المثيرة للاهتمام التي اقترحها جو بايدن والقائمة على النظرية الاقتصادية الكينزية -التي تعد محل انتقادات كثيرة- إلى الوصول إلى الإمكانات الكاملة للاقتصاد الأميركي في أسرع وقت، وإذا نجح هذا الرهان خلافا للنظرية الاقتصادية الشائعة فسيتعين على منطقة اليورو تغيير طريقة عملها.

وقال الكاتب غيوم دي كالنيون في تقرير نشرته صحيفة "ليزيكو" (lesechos) الفرنسية إن تداعيات جائحة كوفيد-19 العالمية لا تتوقف عن مفاجأتنا، فالتغييرات الاقتصادية التي بدأت منذ أزمة 2008 أصبحت أكثر وضوحا، وربما تصبح حقيقة، وكما هو الحال في كثير من الأحيان فإن الولايات المتحدة الأميركية هي التي تحدد هذا النسق، وإذا نجحت حزمة التحفيز الهائلة لإدارة بايدن البالغة نحو 1.9 تريليون دولار الموجهة أساسا للأسر فإن من شأن ذلك أن يغير نظرة الخبراء الاقتصاديين للعالم.

ويخشى بعض خبراء الاقتصاد على غرار كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي أوليفييه بلانشارد أو لاري سامرز المستشار السابق لبيل كلينتون -اللذين يعتبران من الكينزيين الجدد- أن تؤدي خطة التحفيز إلى نمو الاقتصاد الأميركي فوق المعدل الطبيعي وعودة التضخم، ومن حيث المبدأ فإن من الصعب تبرير اعتماد هذه الميزانية الضخمة لإنعاش الاستهلاك الأميركي، مع نمو دخل الأسر الأميركية بنسبة 6% العام الماضي بفضل المساعدات.

تغير الأداء الاقتصادي

في السبعينيات، منذ نهاية اتفاقيات بريتون وودز في 1971 وربط الدولار بالذهب واجهت البلدان المتقدمة ركودا تضخميا، وهو مزيج مدمر من التضخم المرتفع والنمو المنخفض، كان الاقتصاديون يمرون بحالة ارتباك كبيرة، لذلك كان رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي آنذاك بول فولكر -الذي عينه الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر- أول من رفع أسعار الفائدة في أوائل الثمانينيات خلال عهد رونالد ريغان.

ومنذ ذلك الحين باتت البنوك المركزية مسؤولة عن تنظيم معدل نمو الاقتصاد باستخدام أسعار الفائدة التي تنخفض عندما يكون النمو الاقتصادي ضعيفا للغاية وترتفع عندما يلوح خطر التضخم في الأفق، في حين تراجع دور السياسة المالية إلى الحد الأدنى من حيث تنظيم الاقتصاد.

ولاتخاذ قراراتها، سعت البنوك المركزية إلى تقدير ما يسميه الاقتصاديون "معدل التضخم غير المسرع للبطالة" "إن إيه آي آر يو" (NAIRU) الذي ترتفع دونه الأسعار، وعندما وصلت البطالة إلى هذا المعدل كان الأداء الاقتصادي في أوجه، فيما اختفى التضخم، وربما اقتصر ذلك على مستوى سعر الأصول المالية، ولكن ليس السيارات أو الهواتف أو الطعام أو الملابس أو حتى الأجور، وعلى مدى 20 عاما فشلت البنوك المركزية في إعادة التضخم.

ولعل الأسوأ من ذلك أن البنوك المركزية توقعت عودته في كثير من الأحيان، مثل البنك المركزي الأوروبي في ربيع 2011 أو نظام الاحتياطي الفدرالي في عام 2015 عندما رفع كل منهما معدلاته بشكل وقائي في أعقاب تراجع البطالة تقريبا إلى مستواها الهيكلي (معدل التضخم غير المسرع للبطالة)، ورغم التقديرات لم يلاحظ معدل البطالة الهيكلي أبدا لأن الأسعار لم تتسارع منذ 2008.

قبل جائحة كوفيد-19 سجل معدل البطالة تراجعا إلى 3.5% دون أي ضغط على الأسعار، وفي عام 2015 قدر الخبراء الاقتصاديون في وزارة العمل الأميركية هذه النسبة بنحو 5.2%، وهذا يعني أنه لا أحد يعرف حقا معدل البطالة الهيكلية، ولا يمكن توقع معدل النمو المحتمل، لذلك لا يمكن أن نقدر بشكل دقيق كم نحن بعيدون عن اقتصاد يعمل بكامل إمكاناته.

إذا فشلت خطة بايدن الاقتصادية فسوف ينتهي المطاف بالولايات المتحدة بعجز هائل في الميزانية (الأوروبية)

خطة لإنعاش الاقتصاد

يحاول فريق بايدن أن يرى إلى أي مدى يمكن وضع نظام الإنتاج تحت الضغط من خلال المخاطرة بإنعاش الاقتصاد أكثر مما هو ضروري، حتى لو كان ذلك ينطوي على ارتفاع معدل التضخم، وفي الوقت الحالي يبدو أن رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول موافق على أن تنظم السياسة المالية الاقتصاد، وهو ما سيؤثر سلبا على الدين العام على المدى القصير، وإذا حقق الناتج المحلي الإجمالي نموا سريعا فإن عبء الديون سيخف بعد ذلك.

وأوضح الكاتب أن جائحة كوفيد-19 لم تساهم في ظهور هذه الأفكار الاقتصادية، لأنها موجودة منذ أزمة 2008، وإنما ساهمت في تسريع تنفيذها، كما أن جو بايدن ليس الوحيد الذي حاول إنعاش الاقتصاد الأميركي على نطاق واسع، بل سبقه دونالد ترامب من خلال التخفيضات الضريبية والحد من معدلات البطالة في الوقت الذي توقع الجميع فشل مساعيه.

ماذا عن أوروبا؟

تبدو أوروبا بعيدة عن الولايات المتحدة على المستويين الفكري والمؤسساتي، وفي ظل التضخم التنافسي وضغط الطلب على التصدير تعد العوائق التي يتحتم على الدول الأوروبية تجاوزها كثيرة قبل إحداث تغييرات بهذا الحجم، فألمانيا مثلا -التي تعتبر الآن أقوى اقتصاد في القارة القديمة- لديها هياكل تسمح لاقتصادها بتقديم أداء جيد للغاية دون تضخم.

وأشار الكاتب إلى أن مستوى الحد الأدنى للأجور لا يراجع كل عام، وتعتبر لامركزية المفاوضات الاجتماعية على مستوى المؤسسة مكتملة تقريبا، وتتيح الإدارة المشتركة للمؤسسات إمكانية التوفيق بين مصالح الموظفين وأرباب العمل، ناهيك عن أن التهرم السكاني يجعل ألمانيا دولة مقاومة لأي ارتفاع في الأسعار، خاصة في ظل وفرة المدخرات.

كل هذه الخصائص -التي تفتقر لها دول أخرى مثل فرنسا- من شأنها أن تساعد على تحقيق معدل أجور معتدل يساهم في تغذية الفوائض التجارية، لكن هذا النموذج الأوروبي يمكن أن يفرض مشكلة إذا نجحت تجربة الإنعاش الاقتصادي التي اقترحها جو بايدن، وسيكون ذلك واضحا بحلول منتصف عام 2022.

وإذا انتعش النمو الاقتصادي مرة أخرى عبر المحيط الأطلسي وظل التضخم تحت السيطرة فإن عبء الدين العام للولايات المتحدة سينخفض تدريجيا.

في المقابل، ستكون منطقة اليورو عرضة للضغوط حتى تتحرك وإلا ستجد نفسها متخلفة اقتصاديا، وبالإضافة إلى ذلك سيتفاقم العجز التجاري مع زيادة الفوائض الأوروبية، الأمر الذي من المؤكد أن يخلق توترات مع واشنطن.

أما إذا فشلت خطة بايدن الاقتصادية فسوف ينتهي المطاف بالولايات المتحدة بعجز هائل في الميزانية وعجز خارجي أيضا، وسيواجه الاقتصاديون حالة أكبر من عدم اليقين والارتباك.

المصدر : ليزيكو