ربعهم تسوق عبر الإنترنت خلال 2020.. كيف تطور استعمال المغاربة للتجارة الإلكترونية؟

ازدياد إقبال المغاربة على التجارة الرقمية مع ارتفاع منسوب ثقة المواقع_الجزيرة
إقبال المغاربة على التجارة الإلكترونية في ازدياد مستمر (الجزيرة)

الرباط- منذ ما يقارب 9 سنوات أجرى أحمد اليمني (37 سنة، تقني متخصص في اللوجستيك) أول عملية شراء عبر الإنترنيت، كانت آنذاك بالنسبة له تجربة واكتشاف فضاء تسوق جديد تُتيحه التكنولوجيا الحديثة.

وقام أحمد بأولى مشترياته من مواقع بيع أجنبية، قبل أن يصبح التسوق الرقمي سلوكا اعتياديا بالنسبة له اليوم وينخرط في مجموعات للتسوق الإلكتروني، ويتقاسم فيها رواد التجارة الرقمية آراءهم وتقييمهم حول المنتجات والخدمة والسمعة التجارية ومستجدات القطاع.

تجارة تتطور وسلوك يستمر

أحمد اليوم واحد من ربع المغربيين الذين أجروا عمليات شراء عبر الإنترنت خلال 2020، حيث كشفت معطيات بحث وطني أصدرته مؤسسة حكومية لتقنين الاتصالات أن التسوق عبر الإنترنت زاد خلال 2020 بـ3 نقاط، وقام واحد من كل 4 أشخاص بعملية شراء عبر الإنترنت.

ويعتبر أحمد -في حديث مع الجزيرة نت- أن الشباب يقبلون على التجارة الرقمية لما توفره من عروض واسعة وتنافسية، وأن التجارة الرقمية بالمغرب تتطور.

وهذا ما تدعمه خلاصات بحث وطني حول استعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصالات التي تؤكد أن الظاهرة الأبرز بالنسبة لسنة 2020 هي تكرار التسوق عبر الإنترنت الذي تراوح ما بين 2 إلى 5 مرات بالنسبة لـ3 أرباع الأشخاص المتسوقين عبر الإنترنت.

ووفق مخرجات البحث ذاته فقد اعتبر 8 من كل 10 أشخاص أن استخدامهم للإنترنت ازداد خلال فترة الحجر الصحي، ويعتقد 8 من كل 10 أشخاص أن الجائحة قد سرعت من استخدام الوسائل الرقمية في المغرب وأن هذه التغيرات ستستمر.

وتعليقا على هذا المنحى، تقدم الجزيرة نت 3 أسئلة لتبرز تطور سلوك المغربيين الرقمي وتعاملاتهم مع الإنترنت؛ يجيب عنها كل من منير جزولي، وهو خبير دولي في التسويق والإعلام، وجواد الشفدي المستشار في التسويق الرقمي.

الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات _ واحد من أربعة مغاربة تسوق عبر الانترنيت في ٢٠٢٠_موقع الوكالة
الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات: واحد من 4 مغاربة تسوق عبر الإنترنت في 2020 (موقع الوكالة)

كيف تطور سلوك المغاربة الاقتصادي؟

يعتبر منير جزولي أن سلوك المستهلك المغربي مرتبط بشكل كبير بالسعر الذي يشكل أحد أهم المعايير المؤثرة في قرار الشراء وفي اختيار المنتج، ويتميز كذلك بالعقلانية لتدبير أفضل للميزانية في ظل محدودية القدرة الشرائية.

ويسجل جزولي أنه بفضل الانفتاح على ثقافات استهلاكية عالمية من خلال الإنترنت والقنوات الفضائية، أضحى المستهلك المغربي مستهلكا عالميا يُفعل حقه في المعلومة المفصلة وفي الاختيار وفي الجودة العالية وفي تجربة مميزة في كل مراحل عملية الشراء؛ بالإضافة إلى حقه في التعبير عن عدم رضاه أو حتى معاقبة المنتجات والعلامات التجارية التي لا تحترمه.

من جهته، يرى جواد الشفدي أن سلوك المغربيين الاقتصادي والاستهلاكي يتطور تدريجيا، مدفوعا بِفترة الحجر الصحي، حيث انفتح المغاربة أكثر على التسوق الرقمي.

ويرى المتحدث ذاته أن لجوء مواقع البيع والوساطة لاعتماد المزج بين الطلب الرقمي والأداء التقليدي عند التسليم ساهم بشكل تصاعدي في التعود على سلوك الشراء الجديد والذي ينحو ليصبح ثقافة تجارية جديدة ولدت سلوكا جديدا لدى المغاربة سيستمر.

كيف تطور تعامل المغاربة مع الإنترنت والتجارة الرقمية؟

يعتقد جواد الشفدي أن المغاربة يثقون أكثر فأكثر في التجارة الرقمية، ويقبلون عليها لما تمتاز به من اقتصاد في الوقت وتنوع العروض والاختيار بالإضافة للتنافسية.

ويرى الشفدي أن ما يجعل بعض المغاربة يتحفظون في التفاعل أكثر مع التجارة الرقمية هو عامل الثقة في وسائل الأداء والخوف من استعمال البطاقات المصرفية.

ووفق تقرير يغطي التسعة أشهر الأولى من 2021 أصدره "مركز النقديات" (مركز متخصص)؛ سجلت المحلات التجارية والتجارة الإلكترونية المنخرطة في "مركز النقديات" 81.1 مليون عملية بواسطة بطاقات بنكية مغربية وأجنبية، بمبلغ إجمالي قدره 33.3 مليار درهم (الدرهم المغربي يساوي حوالي 0.11 دولار).

ورغم انفتاحه على التجارة الإلكترونية يَظلّ سلوك العميل المغربي، مطبوعا بالحذر وتوخي الأمان في كل العمليات، ويتبين ذلك -وفق الخبراء- من خلال معايير اختيار موقع التسوق؛ حيث تأتي سمعة الموقع في المرتبة الأولى بـ75.4% يليها الأمان بـ72.8% أو من خلال تفضيله للأداء نقدا عند الاستلام مع إمكانية استبدال أو إرجاع البضاعة بالنسبة لـ88.2% من المشترين، تليها البطاقة البنكية بـ37.7%، بينما يظل الأداء بالهاتف متواضعا بـ6%.

ويأتي على رأس استخدامات الإنترنت لدى المغاربة المشاركة في شبكات التواصل الاجتماعي بنسبة 98% تليه مشاهدة الأفلام والفيديوهات بـ95.3% ثم الهاتف عبر تطبيقات الإنترنت. ويتوسط الترتيب كل ما له علاقة بالعمل والدراسة والتثقيف والإجراءات الإدارية والعمليات البنكية والتسوق الإلكتروني.

وبخصوص التعامل التجاري؛ تستحوذ مواقع التجارة الإلكترونية المغربية على 90.2% من عمليات الشراء على الإنترنت، ويرجع جزولي ذلك لملائمة عروضها للعميل المغربي وتوفير إمكانية الأداء بالدرهم المغربي وبطاقات بنكية محلية عكس المواقع الأجنبية التي تستوجب بطاقات دولية للأداء بالعملة.

ووفق مركز النقديات فإن نشاط الدفع الإلكتروني بالبطاقات المغربية سجل 14.3مليون معاملة، بقيمة 5.3 مليارات درهم، ونشاط الأداء الإلكتروني بالبطاقات الأجنبية 559 ألف معاملة خلال التسعة أشهر الأولى من 2021، بقيمة 319.3 مليون درهم.

ومن حيث نوعية المشتريات، تأتي الملابس والأحذية وأدوات الرياضة في المرتبة الأولى بـ69% تليها خدمات الفوترة (الماء، الكهرباء، الهاتف وغير ذلك) بـ40.5%، ثم منتجات التجميل والمواد الغذائية والبقالة، بينما تأتي بعد ذلك مجموعة واسعة ومتنوعة من الخدمات والمنتجات، وهو ما يؤشر -وفق الخبراء- إلى اتساع مجال ومستقبل التجارة الرقمية بالمغرب.

ما واقع التجارة الإلكترونية بالمغرب؟

سجلت المواقع التجارية التابعة لمركز النقديات خلال التسعة أشهر الأولى من سنة 2021 ما مجموعه 14.9 مليون عملية أداء إلكتروني بواسطة البطاقات البنكية المغربية والأجنبية بقيمة إجمالية بلغت 5.7 مليارات درهم.

وعرف نشاط التجارة الإلكترونية زيادة بنسبة 48.4% من حيث العدد و30.5% من حيث القيمة المالية.

ويرى الشفدي أن قطاع التسوق عبر الإنترنت سمح بتطور مجموعة من الشركات المغربية الصغيرة المتخصصة التي تلعب دور الوساطة التجارية، والتي خلقت عددا مهما من الفرص أمام الشباب وأمام التجار التقليديين للتحول والانفتاح أكثر على التسويق الرقمي.

ويفيد جزولي أن سنتي 2020 و2021 عرفت قفزة نوعية وكمية للتجارة الرقمية بالمغرب من خلال الوصول إلى فئات جديدة من المجتمع بما فيها العالم القروي والزيادة في عدد مواقع التجارة الرقمية، حيث شكلت التجارة الإلكترونية 13.4% من مجموع تجارة التجزئة بالمملكة سنة 2020 مقابل 9.8% سنة 2019.

ويستطرد الخبير ذاته قائلا "رغم أن المؤشرات مشجعة فإنها لا ترقى إلى مستوى مؤهلات المملكة في هذا المجال من نسيج إنتاجي وحظيرة إنترنت ووسائل لوجستية وانفتاح (…) على التكنولوجيا".

وكانت دراسة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية قد صنفت المغرب في المرتبة 12 عربيا و95 عالميا في مؤشر أنشطة التجارة الإلكترونية سنة 2020. ويقدر رقم معاملات القطاع بالمغرب بحوالي 6 مليارات درهم.

يشار إلى أن تعاملات التجارة الإلكترونية في العالم بلغت نحو 25 تريليون دولار في عام 2020 -وفق معطيات "مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية" (UNCTAD)، وبلغ عدد المتسوقين عبر الشبكة العالمية للمعلومات في العالم حوالي 1.5 مليار شخص في عام 2020.

ونما سوق التجارة الإلكترونية في الدول العربية بحوالي 46.6% في 2020، مسجلا قيمة أنشطة بلغت نحو 22 مليار دولار  نهاية 2020 وهو ما يوازي 1% من إجمالي التجارة الإلكترونية العالمية (معطيات من صندوق النقد العربي)

ولتطوير التجارة الإلكترونية بالمغرب ينصح الخبراء بضرورة تطوير الخدمات البريدية وخدمات التوصيل، وتنويع وسائل الأداء، وتكثيف العروض المتوفرة على منصات التجارة الرقمية من خلال تحفيزات جبائية، والمواكبة التقنية، وتقوية ثقة المستهلك في التجارة الإلكترونية عن طريق المنظومة القانونية وآليات حماية المستهلك وحماية معطياته الشخصية وكذلك من خلال التوعية.

المصدر : الجزيرة