مبان سكنية خالية وعقارات فارغة.. هكذا أصبحت مدينة جورونغ الصينية

في الأسابيع الأخيرة عانت شركات تطوير عقاري صينية من تراكم الديون، على غرار إيفرغراند التي تخلفت عن سداد ديونها.

إيفرغراند اشترت في مدينة جورونغ 134 هكتارا من الأراضي بغرض تخصيص نصفها للمتنزهات والنصف الآخر لبناء عمارات (الفرنسية)

تعهدت المجموعة العقارية الصينية "إيفرغراند" (Evergrande) سابقا بتشييد مجمع ضخم، يتألف من عمارات ومراكز تسوق ومتنزهات، إلا أن هذا المشروع تم التخلي عنه، في خطوة تعكس الأزمة الحادّة التي تمر بها هذه الشركة والقطاع العقاري في الصين بوجه عام.

ويقول سيمون لوبلاتر، في تقرير نشرته صحيفة "لوموند" (lemonde) الفرنسية، إن مقر مجموعة إيفرغراند بات خاليا من الزبائن، باستثناء من جاؤوا لتسوية بعض الإشكالات الإدارية.

إحدى موظفات الشركة، وتدعى هو كوي، هي بائعة في الثلاثينيات من عمرها، تلقت زيارة من سيدة جاءت حاملة سلسلة من العقود، وعلى وجهها علامات الإحباط، فقبل عام كامل كانت قد انتهت من دفع كل أقساط شقتها، بكلفة 1212 يوروا للمتر المربع، والآن باتت الشركة تعرض هذه الشقق نفسها للبيع بثلثي ذلك الثمن.

تقول هو كوي "حتى مع هذا الانهيار في الأسعار لا أحد يريد الشراء، وهذه الزبونة يفترض أن تتسلم شقتها في مايو/أيار المقبل"، إلا أن كل العمال غادروا مواقعهم في عشرات العمارات التي كانت بصدد البناء، في مدينة جورونغ التي يعيش فيها 640 ألف ساكن في شرقي نانكين (عاصمة محافظة جيانغسو).

ويشير الكاتب إلى أن هذه المجموعة العقارية ترزح تحت ديون تبلغ قيمتها 260 مليار يورو، وقد تخلفت عن سداد العديد من الأقساط المستوجبة الدفع، وعن دفع أموال المزودين بالسلع، والانتهاء من الشقق التي دفع أصحابها ثمنها مقدما.

ولكن إيفرغراند ليست وحدها، ففي الأسابيع الأخيرة عانت شركات تطوير عقاري صينية أخرى من تراكم الديون، على غرار سينيك وفانتازيا ومودرن لاند، التي تخلفت عن سداد أقساط مهمة.

القطاع العقاري في الصين يمر بأزمة اقتصادية حادّة (الفرنسية)

على شفير الهاوية

هذه المدينة الثقافية والسياحية الضخمة التي روّجت لها مجموعة إيفرغراند في مدينة جورونغ تكشف عن الأسباب التي أدّت إلى وصول هذا المطوّر العقاري، وجزء كبير من القطاع العقاري في الصين إلى حافة الإفلاس.

ففي عام 2017 عندما كانت أسعار البناء تشهد ارتفاعا مذهلا في الصين، أطلقت إيفرغراند 15 مشروعا، يجمع بين المباني السكنية والمتنزهات في أنحاء البلاد كافة.

وهنا في جورونغ اشترت إيفرغراند 134 هكتارا من الأراضي، بغرض تخصيص نصفها للمتنزهات والنصف الآخر لبناء 56 عمارة، ولكن هذه المباني كلها تبدو الآن خالية تماما.

وتقول آخر عاملة ما زالت في محلها في هذه المنطقة "إن هذا المحل سوف يغلق أبوابه في نهاية هذا الشهر، لأن الناس لم يعودوا يأتون إلى هنا، وليس هنالك مال للإنفاق. سوف أعود من حيث أتيت".

وقد كانت إيفرغراند تخطط أيضا لإقامة متنزهات مائية وقاعات سينما متطورة في هذا المكان، ووضعت لافتات دعائية على الطرق الرئيسة، تتباهى فيها بتنوع استثماراتها، بين العقارات والسيارات الكهربائية والإعلام وتسويق مياه الشرب ومدن الملاهي، وذلك بغرض إثارة إعجاب الزبائن وكسب ثقتهم، إلا أن العكس هو  ما حدث، حيث إن هذه السياسة أدّت في النهاية إلى انهيار الشركة.

وتؤكد إيفرغراند أنها استثمرت نحو 20 مليار يورو في فرعها للسيارات الكهربائية في 2019، لكنها خسرت هذا الاستثمار مع تراجع أسهم هذا الفرع في البورصة إلى واحد من 20 من قيمته الأصلية، منذ شهر أبريل/نيسان الماضي.

شراء الشقق من أجل المضاربة

يقول أحد موظفي إيفرغراند "إن الشركة ركزت على بناء العمارات السكنية لأن مردوديتها المالية عالية ومضمونة، والشقق تباع قبل الشروع في البناء".

"وبالفعل بيع أغلب هذه الشقق، ولكنها بقيت مجرد مكعبات من الإسمنت، خالية من الحياة؛ فلا أحد يعيش هنا، وأغلب الملّاك اشتروا هذه الشقق من أجل المضاربة وتحقيق الربح السريع عبر رفع الأسعار"، حسب الكاتب.

ويشير الكاتب إلى أن الصين في العشرية المنقضية كان تستخدم 3 أضعاف كمية الإسمنت التي استهلكتها الولايات المتحدة في القرن الـ20. ويسهم القطاع العقاري بشكل غير مباشر في النمو الاقتصادي الصيني، إلا أن نموذج إدارة هذا القطاع يعتمد اعتمادا كبيرا على الديون.

مجموعة إيفرغراند ترزح تحت ديون تبلغ قيمتها 260 مليار يورو وقد تخلفت عن سداد العديد من الأقساط المستوجبة الدفع (الفرنسية)

كثرة البيع قبل البناء

رغم المخاطر العديدة المحيطة بهذا الأسلوب، فإن السلطات اختارت تجاهل هذا الوضع على مدى سنوات عديدة، لأن قطاع البناء يدرّ عليها مداخيل مهمة، وبلدية جورونغ على سبيل المثال بلغت ميزانيتها في 2020 نحو 1.74 مليار يورو، وقد حصلت على أكثر من نصف هذا المبلغ من بيع الأراضي السكنية.

إلا أن الحكومة قررت بداية من2017 شنّ حملة للحدّ من تداين هذه الشركات، ووضع قيود على نشاط البنوك والمطورين العقاريين، وهذا دفعهم إلى التركيز على البيع قبل البناء، والتشجيع على شراء المنازل بغرض الاستثمار.

هذا الوضع دفع الحكومة الصينية إلى التصدي لهذه الشركات، بعد أن كشف تقرير اقتصادي في صيف 2020 أن الصين بات فيها أكثر من 100 مليون شقة مملوكة لمستثمرين وخالية من السكان، إلى جانب 30 مليون شقة غير مبيعة، وهي أرقام كافية لإسكان أكثر من 340 مليون مواطن صيني.

ولذلك فرضت الحكومة في أغسطس/آب 3 خطوط حمر، متعلقة بالمحاسبة والتدقيق المالي، يمنع على هذه الشركات تجاوزها، وهو ما دفع بمجموعة إيفرغراند إلى التوقف عن إنفاق المال.

وتقول هو كوي الموظفة التي تستعد بدورها للمغادرة إن "كثيرا من موظفي المجموعة قفزوا من المركب، وهناك عدد ضخم جدا من الشقق الفارغة، والفقاعة العقارية باتت أمرا واقعا، من سيشتري المنازل والمحالّ في ظل هذا الوضع؟".

المصدر : لوموند