ما دلالة عودة مصر للودائع بعد توقفها منذ أكثر من 4 سنوات؟

إجمالي الدين الخارجي ارتفع بمصر إلى نحو 137.8 مليار دولار في نهاية العام المالي المنتهي في يونيو/حزيران الماضي (رويترز)

بعد سنوات من التوقف عن مدّ مصر بالودائع لدعم الاحتياطي النقدي بالعملة الأجنبية، وتوجهها نحو الاقتراض الخارجي من جهات دولية مختلفة، أودعت السعودية لأول مرة منذ سنوات وديعة ضخمة بالبنك المركزي المصري.

وأعلنت وزارة المالية السعودية -أمس الأحد- أن المملكة أودعت 3 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري، فضلا عن تمديد الودائع السابقة بمبلغ 2.3 مليار دولار.

وتعدّ الوديعة السعودية السادسة لمصر والأولى منذ منتصف عام 2017، عندما أودعت وديعة بقيمة مليار دولار، ومنذ ذلك الحين لجأت القاهرة إلى القروض الخارجية، ومدّدت آجال الودائع التي حصلت عليها من دول خليجية.

ويشير البيان السعودي -على ما يبدو- إلى عدم حدوث تغيير يذكر في إجمالي الودائع السعودية منذ ذلك الحين، وفق ما أوردت رويترز.

وتثير عودة الودائع السعودية إلى مصر بعد توقفها منذ أكثر من 4 سنوات تساؤلات عن أسباب عودتها على نحو مفاجئ، على الرغم من استمرار المؤسسات والبنوك الدولية في إقراض مصر، وعدم تعثرها في السداد.

آخرها كانت موافقة البنك الدولي، الخميس الماضي، على منح مصر قرضا بقيمة 360 مليون دولار لدعم الاقتصاد المصري خلال التعافي من جائحة كورونا.

وألقت موجات التضخم العالمية وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية بظلالها على الاقتصاد المصري، وعززت من حاجة البلاد إلى العملة الأجنبية لتأمين احتياطياتها من السلع التموينية، حيث تعدّ مصر أكبر مستورد في العالم للقمح.

وحسب بيانات مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (فاو) لأسعار الغذاء الصادرة في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ارتفعت أسعار الغذاء عالميا بمتوسط 32.8% على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى زيادة منذ عقد من الزمن.

تسلسل الودائع السعودية

بلغت ودائع السعودية لدى البنك المركزي المصري نحو 7.5 مليارات دولار حتى منتصف عام 2020، موزعة على 5 ودائع بآجال مختلفة وأسعار فائدة متنوعة، قبل أن تسترد وديعة بملياري دولار ليصبح إجمالي الودائع باستثناء الوديعة الأخيرة 5.5 مليارات دولار، حسب بيانات تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري.

  • بلغت قيمة الوديعة السعودية الأولى مليار دولار في مايو/أيار 2012 (تم سداد نصفها).
  • بلغت قيمة الوديعة السعودية الثانية ملياري دولار في يوليو/تموز 2013.
  • بلغت قيمة الوديعة السعودية الثالثة ملياري دولار في أبريل/نيسان 2015.
  • بلغت قيمة الوديعة السعودية الرابعة ملياري دولار في سبتمبر/أيلول 2016.
  • بلغت قيمة الوديعة السعودية الخامسة مليار دولار في  مايو/أيار 2017.
  • بلغت قيمة الوديعة السعودية السادسة 3 مليارات دولار في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
خبراء: الوديعة السعودية لمصر تثير تساؤلات حول أسباب عودتها على نحو مفاجئ/ الجزيرة نت
خبراء: الوديعة السعودية لمصر تثير تساؤلات عن أسباب عودتها على نحو مفاجئ (الجزيرة)

مدّ آجال الودائع

ولجأت الحكومة المصرية إلى تمديد الودائع (زيادة آجال الاستحقاق) التي لديها من السعودية والإمارات والكويت، البالغة نحو 18 مليار دولار، أو إعادة هيكلتها، وذلك أنقذها من فخ التخلف عن السداد، ودعم الاحتياطي الأجنبي.

وتبلغ حصة السعودية من إجمالي الودائع الخليجية قبل الوديعة الأخيرة 5.5 مليارات دولار، والإمارات 5.67 مليارات دولار، والكويت 4 مليارات دولار، حسب بيانات تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري.

وطالما أكد محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر -في تصريحات سابقة- أن الودائع الخليجية (السعودية، الإمارات، الكويت) تضطلع بدور مهم في دعم الاحتياطي النقدي المصري، مشيرا إلى أنها تجدّد باستمرار.

عودة الودائع مؤشر سلبي أم إيجابي؟

رأى الخبير الاقتصادي حافظ الصاوي أن العودة إلى الودائع بمثل هذا الحجم في هذا التوقيت بعد سنوات من الاعتماد على سوق الدين الدولية "يكشف أن الأوضاع الاقتصادية في مصر في تراجع حقيقي".

ورأى -في تصريحات للجزيرة نت- أن حديث الحكومة عن وجود تحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي لا يعبّر عن الواقع، لأن مصر في هذه الحالة تفتقد أهم شروط الاقتراض من الخارج وهو استدامة الدين، وذلك يعني أن الدولة المدينة لا تطلب تأجيل سداد الديون أو إعادة جدولتها ولا تتعثر في دفع هذه الالتزامات.

لكن منذ 2018 -والحديث لا يزال للصاوي- تواصل مصر طلب مدّ آجال استحقاق الودائع وتحوّلها من ودائع بمعدل فائدة صفر إلى معدل 3.5%، ثم تأتي الوديعة السعودية تحت عنوان دعم الاحتياطي النقدي لمواجهة تداعيات أزمة كورونا.

دين خارجي غير مسبوق

في سبتمبر/أيلول الماضي كشف البنك المركزي المصري عن ارتفاع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بقيمة 153 مليون دولار ليبلغ 40.825 مليار دولار، مقابل 40.672 مليار دولار بنهاية أغسطس/آب السابق عليه.

في المقابل، أظهرت بيانات البنك المركزي ارتفاع حجم الدين الخارجي لمصر بنهاية العام المالي الماضي 2020-2021 بنحو 14.4 مليار دولار مقارنة بالعام المالي السابق له 2019-2020.

وارتفع إجمالي الدين الخارجي بشكل غير مسبوق إلى نحو 137.8 مليار دولار في نهاية العام المالي المنتهي في يونيو/حزيران الماضي مقارنة بـ123.4 مليار دولار للعام المالي السابق.

3 فوائد من الوديعة السعودية

وأشاد محمد عبد العال -الخبير الاقتصادي وعضو مجلس إدارة بنك قناة السويس سابقا- بالوديعة السعودية، ودورها في حفظ استقرار سوق الصرف بشكل مباشر وعدم تعرضها لاهتزازات مستقبلية، وتوفير آليات مرنة للتعامل مع أي متغيرات قد تؤثر في استقرار الاحتياطي الأجنبي عند خروج بعض الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة.

وأكد في تصريحات صحفية أهمية توقيت هذه الوديعة في خفض تكلفة الدين الخارجي من خلال إيجاد مصادر للاقتراض أقل تكلفة، وتعزيز قدرة البنك المركزي المصري على مواجهة الموجة التضخمية في أسعار السلع بالأسواق والبورصات الدولية، ودعم قدرة الاحتياطي النقدي الأجنبي في تأمين واردات مصر من السلع الإستراتيجية.

والأولوية في موازنة العام الحالي 2021/2022 لسداد الديون وفوائدها بما يحرم المواطنين من الاستفادة بأموالهم في تحسين أحوالهم خلال الأزمة التي يمرون بها، حسب تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (مستقلة).

وتبلغ مخصصات فوائد القروض المحلية والأجنبية نحو 579.6 مليار جنيه، بنسبة 31% من إجمالي بند المصروفات بالموازنة، وارتفعت أقساط القروض إلى 593 مليار جنيه، ليبلغ إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة في العام المالي 2021-2022 نحو 1.172 تريليون جنيه (الدولار يساوي 15.70 جنيها).

المصدر : الجزيرة