6 أسئلة حول مسار مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي

صندوق النقد الدولي يشترط توحيد سعر صرف الدولار وتحريره في الأسواق، وذلك ضمن شروط أخرى (الجزيرة)

بيروت – يتحضر لبنان للجلوس على طاولة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بعد مسار عامين من التدحرج نحو قعر الانهيار التاريخي، الذي صُنف من أسوأ أزمات العالم منذ العام 1850.

وتتعامل برامج صندوق النقد مع بلدان تعاني تعثرا ماليا وفشلا كبيرا بالإدارة العامة، ويتساءل اللبنانيون "على حساب من ستكون المفاوضات؟".

وقد أعلنت حكومة نجيب ميقاتي -قبل أيام- تشكيل لجنة للتفاوض، يرأسها نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي (المدير السابق لهيئة الأسواق المالية بمصرف لبنان المركزي)، ووزير المالية يوسف الخليل (مدير العمليات المالية السابق بالمركزي) ووزير الاقتصاد أمين سلام وحاكم المركزي رياض سلامة.

وتستعين اللجنة بخبراء، منهم شربل قرداحي المستشار الاقتصادي لرئيس الجمهورية ميشال عون، ورفيق حداد المسؤول المالي للتيار الوطني الحر (برئاسة جبران باسيل)، ومستشارين اقتصاديين لرئيس الحكومة.

ويتساءل خبراء عن قدرة الجانب اللبناني على الذهاب للمفاوضات بلغة منسجمة، لأن صندوق النقد علقها سابقا مع حكومة حسان دياب بعد 17 جلسة محادثات.

وبعد تخلف لبنان في مارس/آذار 2020 عن تسديد دفعة مستحقة من ديون الدولة الخارجية بسندات "اليوروبوند" (Eurobond) البالغة نحو 39 مليار دولار، تفاوضت حكومة دياب مع صندوق النقد وفق خطة التعافي التي وضعتها شركة "لازارد" (LAZARD) للاستشارات المالية، ومن بنودها إصلاح قطاع الكهرباء، والتدقيق الجنائي بحسابات المركزي، فسقطت بالبرلمان نتيجة صراعات سياسية، ولأن ممثلي الحكومة والمركزي لم يقدموا تقديرات موحدة للخسائر المالية.

وطلب رئيس الجمهورية أخيرا من "لازارد" مواصلة عملها كمستشار مالي لاستئناف المفاوضات.

ومن شروط صندوق النقد للتفاوض مع لبنان:

  • توحيد سعر صرف الدولار وتحريره في الأسواق.
  • تقديم التقديرات للخسائر المالية بأرقام موحدة بين مصرف لبنان والحكومة (أي وزارة المالية).
  • إقرار خطة إصلاح شاملة تتضمن إعادة هيكلة للقطاع العام وترشيقه.
  • توفير شبكات حماية اجتماعية.

وتطرح الجزيرة النت أسئلة حول بعض المسائل العالقة قبل المفاوضات، وطبيعة العقبات التي تترصدها وما إذا كانت تشكل سبيلا لإنقاذ لبنان، مع ضيوف؛ هم رئيس الفريق الاقتصادي لرئيس الحكومة النائب نقولا نحاس، وخبيرة التنمية الاقتصادية والسياسات العامة (مستشارة اقتصادية سابقة في مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة ببيروت) ديانا منعم، والمحلل والخبير الاقتصادي علي نور الدين، والخبير المصرفي خالد شاهين.

A general view of Beirut central district, Lebanon, August 22, 2019. Picture taken August 22, 2019. REUTERS/Mohamed Azakir
القطاع العام في لبنان راكم عقودا من اهتراء المؤسسات والإدارات التابعة للدولة التي تعاني مؤخرا من الانحلال (رويترز)
  • هل سيذهب لبنان إلى مفاوضات صندوق النقد بفريق عمل منسجم ورؤية واضحة؟

يمتنع أعضاء اللجنة اللبنانية عن كشف معلومات حول خطتهم المرتقبة، وتفيد مصادر مطلعة أنهم وقعوا تعهدا بسرية عملهم، والتفاوض الجدي مع صندوق النقد لن يبدأ قبل شهر، لأن الفريق يحضر لاجتماعات داخلية قبل الخروج بخطة متكاملة، شرط التوافق على توحيد أرقام الخسائر.

ويرفض نقولا نحاس التشكيك باللجنة، ويقول إنها "ستنسج لغة تفاوضية واحدة، لأنها تضم مقومات العمل المنهجي والقانوني".

ويشيد نحاس بمشاركة رياض سلامة بالتفاوض، "لأن المركزي جزء أساسي منها ولجهة وضع الموازنات".

لكن علي نورالدين يعتبر أن انسجام الوفد اللبناني يقاس بقدرته على تلبية شروط صندوق النقد.

وخلافا للجنة السابقة، يرى نورالدين أن اللجنة الحالية تصب بمصلحة المركزي، وما صار يُلقب بـ"حزب المصارف"، لأن تركيبة الحكومة مختلفة، ونجيب ميقاتي صديق شخصي لرياض سلامة، ووزير المالي ساهم بالهندسات المالية حين كان مسؤولا بالمركزي، وهو ما يعزز التآلف بينهم، ولا يعني ذلك مؤشرا إيجابيا، بحسب الخبير، لأن اللغز يكمن بكشف المستفيد من التوافق.

وتضيء ديانا منعم على كفاءة رئيس اللجنة سعادة الشامي وخبرته بالمفاوضات، وترى أن المشكلة ليست تقنية، بل بوجود سقف سياسي مماثل للذي فرضه البرلمان حين أسقط خطة التعافي لحكومة دياب.

وانطلاقا من تعارض توجهات بعض القوى الممثلة باللجنة، يعتبر خالد شاهين أن الرهان على تذليل الخلافات باكر، مذكرا أن المركزي يصر على فرض أرقامه حول الخسائر المالية.

  • لماذا لم يقدم لبنان أرقاما موحدة حول الخسائر المالية؟

يشكو لبنان من عدم الاعتراف بقيمة الخسائر المالية، والأرقام تقديرية فحسب، وتجاوز الدين العام وحده 90 مليار دولار، بعضها يستحق دفعه بالليرة اللبنانية. ويقدر النائب نحاس الخسائر بفجوة المركزي بحوالي 60 مليار دولار.

ويرجح نورالدين تراوحها بين 62 و70 مليار دولار، رابطا صعوبة إعطاء رقم دقيق بالحاجة لتشريح الميزانيات بالنظام المصرفي.

ويشير نور الدين إلى أن الكتلة الكبيرة من الخسائر تكونت بعد أزمة 2019، نتيجة التحويلات المالية الضخمة إلى الخارج، ومعظمها دولارات المودعين التي أودعتها المصارف لدى المركزي، وقال إن الهروب من تدقيق الخسائر -لأن التصريح عنها- سيجبر لبنان على التعامل معها.

وأوضح أن صندوق النقد لم يشترط تدقيقا جنائيا (تقوم به حاليا شركة "ألفاريز" (Alvarez) للاستشارات)، بل طلب ما سماه "تدقيقا شاملا"، يمكن تحقيقه عبر التدقيق الجنائي، أو ما يسمّى "التدقيق الشامل المعمق".

ويرجح خالد شاهين أن يكون التدقيق الجنائي وسيلة لحصر أرقام خسائر المركزي، أو سعي اللجنة لحل وسطي بالمضي بأرقام المركزي، مقابل تعهد الحكومة بتنفيذ برنامج الإصلاح.

A man sits on the stairs in front of the central bank in Beirut, Lebanon May 7, 2019. REUTERS/Mohamed Azakir
لبنان يشكو من عدم الاعتراف بقيمة الخسائر المالية (رويترز)
  • كيف يمكن معالجة الخسائر المالية؟

تعتبر ديانا منعم أن معالجة الخسائر، تبدأ من شفافية اللجنة واستقلاليتها، وإلا ستتعثر المفاوضات، ولو حصل لبنان مثلا على نحو 4 مليارات دولار من صندوق النقد، لن تنطفئ الخسائر، لأن الأمر يرتبط بالإصلاحات وإعادة هيكلة القطاع المصرفي والدين العام وتسيير عجلة الاقتصاد للانطلاق نحو الإنتاج.

ويعتبر نقولا نحاس أن لبنان قادر على معالجة خسائره، ووضع أسس للنهوض الاقتصادي والإصلاحات، وتنظيم القطاع المصرفي، ودعم مصرف لبنان للنهوض.

ويوضح نور الدين، أن خطة "لازارد" تتحدث عن مسارات لمعالجة الخسائر، كالاقتصاص من الرساميل المصرفية، وإعادة هيكلة السندات بالليرة وبالدولار والتفاوض على قيمتها.

ويشير نور الدين إلى احتمالين؛ إما الاستمرار بالمسار السابق عبر تحميل جزء من الخسائر لطبع الليرة وبالتالي استمرار انهيارها، وإما تحميلها لجزء من المودعين كالاقتصاص من قيمة الودائع، بشكل صريح أو مقنع؛ لافتا أن صندوق النقد لن يقدم واقعيا أكثر من 10 مليارات دولار.

  • هل يمكن توحيد سعر صرف الدولار وتحريره في السوق؟

تسبب الانهيار الدراماتيكي لليرة بتخبط قيمتها صعودا وهبوطا، وبلغت أخيرا معدل 17.5 ألفا بالسوق السوداء (سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة)، ونتج عن تعاميم المركزي تعددية بأسعار الدولار للسحوبات المصرفية وعمليات الاستيراد عبر منصة صيرفة، من دون تشريعها بمسوغ قانوني.

ويُذكّر علي نور الدين، أن إحدى وظائف تعددية أسعار الصرف هي إخفاء الخسائر. وأوضح أن ثمة تحديين لتوحيد وتحرير سعر الصرف الدولار:

  • عمل المركزي على إنجاح منصته للتداول "صيرفة" (Sayrafa)، ويعتمد عليها كبديل جذري للسوق السوداء.
  • التصريح عن الالتزامات بميزانيات المركزي والمصارف وكيفية معالجتها.

ويوضح خالد شاهين، أن مصرف لبنان هو خزينة الدولة، والفجوة لديه تعني فجوة الدولة، وإذا تحرر وتوحد سعر صرف الدولار، فـ"ستنكشف المشكلة لدى المصارف التجارية التي دفعت أثمانا لغياب الاستقرار المالي، وقد تضطر للتعايش مع نظام مصرفي جديد".

وقالت ديانا منعم إن توحيد وتحرير سعر الصرف خيار منطقي بالسياسة النقدية، والذهاب له كشرط لصندوق النقد، يجب أن يُقرن باستقرار الليرة وعدم التلاعب بقيمتها.

  • هل سيتمكن لبنان من تنفيذ خطة إصلاحية شاملة تتضمن إعادة هيكلة للقطاع العام وترشيقه؟

راكم القطاع العام عقودا من اهتراء المؤسسات والإدارات التابعة للدولة، وتعاني مؤخرا من الانحلال، ويوجد في لبنان نحو 93 مؤسسة عامة، يعمل فيها نحو 210 آلاف عامل مدني.

وتعتبر ديانا منعم أن المقومات الاقتصادية توفرها فقط خطة إصلاحية شاملة، انطلاقا من 3 مسائل تستغرق مسارا طويلا:

  • إعادة النظر بالسياسية النقدية.
  • تحسين التوازن بميزان المدفوعات.
  • إعادة هيكلة المالية العامة.

ولفتت إلى أن أولوية الخطة تكون إعادة هيكلة الدين، ويرتبط بها هيكلة المصارف، وسياسية نقدية تؤمن توحيدا وتحريرا واستقرارا لسعر الصرف، وقادرة على إعادة النظر بالنظام الضريبي ومصاريف وواردات الدولة.

وتصرف الدولة أموالا على 3 أمور أساسية؛ القطاع العام، خدمة الدين، قطاع الكهرباء. و"من هنا (تأتي) أهمية تنفيذ شرط إصلاح قطاع الكهرباء".

ولا تنفي منعم الحاجة لإعادة هيكلة وترشيق القطاع العام، "لكن الانهيار الكبير لا يسمح أن بالإصلاح على حساب الموظفين، وعدم توفير بدائل للعمل، وفق ترتيب زمني للأولويات الإصلاحية".

ويرى نورالدين أن سبل الإصلاح كثيرة، وبدل المعالجات بالنظام المالي، يمكن التعامل مع الخسائر الموجودة عبر الرساميل.

وقال إن إلزام عمليات تشغيل وإعادة إعمار مرفأ بيروت مثلا -كجزء من خطة التعافي لاسترضاء الدول الأجنبية المهتمة بالشأن اللبناني في المرفأ والكهرباء كفرنسا وألمانيا- يعني تحميل الخسائر لأصول الدولة.

الانهيار الدراماتيكي لليرة تسبب بتخبط قيمتها صعودا وهبوطا (الفرنسية)
  • الرابحون والخاسرون.. من سيدفع ثمن المفاوضات؟

يرفض نقولا نحاس التشكيك بأهداف اللجنة ونواياها، حاسما عملها لمصلحة اللبنانيين وتكبيدهم أقل قدر من الخسائر.

ويعتبر خالد شاهين أن المفاوضات ستسهم بإنقاذ اللبنانيين والقطاع المصرفي الذي يشكل -برأيه- العمود الفقري للإصلاح ولو بشروط قاسية.

ويجد علي نور الدين أن المفاوضات تضع لبنان أمام عملية تبادل أثمان، والخشية أن تكون على حساب الناس، وتعريف للأثمان. ومن وجهة نور الدين، يبدأ ذلك بتحديد أرقام خسائر وكيفية توزيعها، طالما أن المعركة الخفية تدور حولها. وقال من الخطأ تحميل خسائر نظام مصرفي للأموال العامة، "في حال كانت شروط الصندوق على حساب الأمن الاجتماعي"، ويرى نور الدين أن القوى السياسية مهدت لأثمان التفاوض الموجعة، عبر رفع الدعم عن استيراد المحروقات.

ويخشى نور الدين من عمليات صرف جماعية أو مقنعة من القطاع العام بحجة إعادة هيكلته، خصوصا أن موظفيه يشكلون ثلث القوة العاملة، ما يجعل كلفتها الاجتماعية باهظة؛ من دون أن يغفل عن اعتبارات السلطة قبل انتخابات ربيع 2022، "بعد أن تم تحويل جزء كبير من التوظيفات لأدوات زبائنية".

وقالت ديانا منعم إن المفارقة اللبنانية هي أن وطأة شروط صندوق النقد أخف على الناس ما تقترفه سياسات السلطة الحاكمة؛ لتأتي أهمية توفير حماية اجتماعية مستدامة.

وأوضحت الخبيرة أن ثمة فئات عدة تكون مقياسا بالتوزيع العادل للخسائر، منها:

  • الدائنون غير المقيمين عبر سندات الأجنبية، والدائنون عبر المصارف. فـ "كلما شطبنا الدين يكون التعافي أسرع، وعلى الدائنين الذين غامروا بدولة متعثرة تحمل العواقب".
  • إعادة هيكلة المصارف، تعني المس بالمودعين الكبار والصغار.
  • سياسيا، بحسب نعيم، يجب التوجه لحماية المودعين الصغار (يشكلون أكثر من 90% في المصارف)، مقابل تحميل جزء من الخسائر لكبار المودعين، بعد تقدير مدى استفادتهم من الفوائد الطائلة؛ كما على أصحاب البنوك أن يدفعوا جزءا كبيرا من الخسائر.

وتقلق منعم أن يتم تسديد فجوة الخسائر عبر خياري؛ بيع أصول الدولة أو استعمال احتياطي الذهب، وقالت إن الحلول سياسية، والإشكالية لمن سُتعطى الأولوية، مع حكومة شكلتها طبقة تسببت بالانهيار، ولن تتخذ خيارات تمس بمصالحها المباشرة.

المصدر : الجزيرة