هل أصبحت تونس على سكة الإفلاس بسبب التجاذبات وأزمة كورونا؟

الشارع التونسي يعيش على وطأة أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية حادة/العاصمة تونس/أيلول/سبتمبر 2020
الشارع التونسي يعيش على وطأة أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية حادة (الجزيرة)

تواجه تونس أحلك فتراتها منذ ثورة 2011، ذلك أنها تعاني بسبب أزمتها السياسية المقترنة بالأزمة العالمية لفيروس كورونا مصاعب مالية واقتصادية مربكة تجعلها على سكة الإفلاس بحسب مسؤولين كبار على دراية بوضعها المالي في حكومة إلياس الفخفاخ المستقيلة.

في 15 أغسطس/آب الماضي كانت المؤشرات الاقتصادية التي نشرها المعهد التونسي للإحصاء، أكبر دليل قاطع على دخول البلاد في نفق مظلم من الانهيار الاقتصادي، ففي الثلث الثاني للسنة الجارية بلغ مستوى نمو الاقتصاد أدنى مستوياته السلبية تاريخيا مسجلا 21.6%- (سالب).

وفي الوقت الذي تعاني منه البلاد من تدهور مالي واقتصادي وانفجار اجتماعي غذته الاعتصامات وقطع طرق إنتاج الفوسفاط (الفوسفات) والطاقة، عاشت تونس على وطأة أزمة سياسية أربكت السير العادي للدولة نتيجة تجاذبات بين رئيس الدولة ورئيس البرلمان، وبين رئيس الدولة والأحزاب.

خطر الانهيار

هذا الانسداد وعدم الانسجام بين رؤوس السلطة في وقت يحرز فيه فيروس كورونا تقدما على حساب الصحة العامة، جعل المالية العمومية للدولة التونسية على حافة جرف هار من الإفلاس بل الانهيار، وفق تعبير وزير أملاك الدولة والتجهيز السابق غازي الشواشي.

ويقول الشواشي للجزيرة نت بعبارة صريحة إن تونس على حافة الإفلاس، ومهددة بالانهيار اقتصاديا في وقت تسير فيه تجربتها الديمقراطية الناشئة نحو الفشل بسبب تراكمات الوضع المالي المختل وأزمة الصحة العالمية وخصوصا جراء التجاذبات السياسية التي أصبحت بلا سقف.

رئيس الحكومة الجديد هشام المشيشي يستعرض أولويات عمله/البرلمان/العاصمة تونس/أيلول/سبتمبر 2020
الشواشي يرى أن حكومة المشيشي (في الصورة) تسير على حقل ألغام (الجزيرة)

ومستندا إلى مؤشرات رسمية، يؤكد الشواشي أن تونس تواجه محنة قاسية في سداد أجور الموظفين والمتقاعدين جراء أزمة الصناديق الاجتماعية، ويقول أيضا إنها أجلت تنفيذ عديد المشاريع الكبرى بسبب عجزها عن دفع مستحقات مقاولي البنى التحتية مثل الجسور والطرقات.

وهذا ليس سوى قطرة في محيط العجز المالي الذي يكبل الدولة التونسية عن إنجاز ما تعهدت به، فهي ترزح تحت وطأة الانكماش الاقتصادي وانعدام خلق الثروة، مما جعلها غير قادرة على الإيفاء بتعدها بالترفيع في الأجور المتفق عليها مع اتحاد الشغل في أغسطس/آب الماضي.

ولا يأمل الشواشي خيرا خلال الفترة القادمة إذا استمر تأزم العلاقة بين الرئيس التونسي قيس سعيد الذي فتح النار على حركة النهضة وحلفائها، فضلا عن هشاشة حكومة هشام المشيشي المسنود اضطرارا من كتل خوفا من حل البرلمان، محذرا من انفجار اجتماعي قريب.

ويقول إن حكومة المشيشي المختار من رئيس الدولة قيس سعيد والذي حظي بمصادقة البرلمان الثلاثاء الماضي، تسير على حقل ألغام يجعلها عاجزة عن تنفيذ خطتها للإنقاذ إذا لم يترك الفرقاء خلافاتهم جانبا ليجلسوا على طاولة حوار لإرساء هدنة سياسية واجتماعية لا غنى عنها.

وكان رئيس الحكومة هشام المشيشي وضع خلال جلسة منح الثقة بالبرلمان الثلاثاء الماضي على رأس أولويات عمل حكومته إيقاف نزيف اختلال التوازنات المالية العمومية، محذرا من سياسة التداين مع الخارج، ومتعهدا بتحسين مناخ الثقة والاستثمار وتحسين الأوضاع.

الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان يحذر من خطر الإفلاس/مكتبه/العاصمة تونس/أيلول/سبتمبر 2020
الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان حذر من خطر الإفلاس (الجزيرة)

شبح الإفلاس

لكن خطورة الوضع المالي والاقتصادي، الذي تعاني منه تونس قبل جائحة كورونا وبعدها، يكشف عن عمقها الخبير عز الدين سعيدان، وهو أحد الاقتصاديين الذين يعتقدون أن بوادر إفلاس الدولة التونسية قد لاحت في الأفق بسبب عمق هوة الخلافات السياسية وفشل السياسات الاقتصادية.

لا يبني هذا الخبير تشاؤمه على فراغ وإنما يعلل قوله بمؤشرات المعهد التونسي للإحصاء، إذ يتوقع أن يصل النمو خلال السداسي الأول للعام الجاري نسبة سلبية حجمها 12% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهي نسبة كارثية وغير مسبوقة بتاريخ البلاد.

يعيب سعيدان على الدولة خمولها للتجاذبات السياسية على حساب إنقاذ الاقتصاد المعطل، مشيرا إلى وجود سوء إدارة لأزمة كورونا على الاقتصاد بسبب عدم لجوء الدولة لضخ السيولة المالية الكافية للبنوك من أجل إقراض المؤسسات ودعم نشاطها وتجنيبها مخاطر الإفلاس.

ويقول للجزيرة نت إن تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد في ظل سوء إدارة الأزمة حكوميا تسببت في غلق مئات المؤسسات وخسارة 161 ألف منصب شغل منذ مارس/آذار الماضي، وفق أرقام المعهد التونسي للإحصاء، وهو ما خلق مشهدا اجتماعيا محتقنا وعلى فوهة بركان.

وبالنسبة إليه فإن حكومة المشيشي ستواجه معضلة محبطة للآمال بسبب اختلال التوازنات المالية وارتفاع حجم التداين وقرب مواعيد الخلاص، ففي بقية سنة 2020 ستكون تونس مطالبة بسداد دين خارجي بقيمة 7.5 مليارات دينار تونسي (2.7 مليار دولار).

ويقول إن الدين الإجمالي للدولة بلغ مستوى قياسيا بنسبة 85% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين بلغت ديون الدولة للقطاع الخاص 800 مليون دينار تونسي (293 مليون دولار)، وتبلغ ديون المؤسسات العمومية غير المسددة 6.2 مليارات دينار تونسي (2.2 مليار دولار).

هدنة اجتماعية

ويؤكد أن كل المؤشرات تدل على أن البلاد تسير على سكة الإفلاس نتيجة دخولها في تداين داخلي وخارجي دون أن يكون لها القدرة على الإيفاء بالتزاماتها بشكل طبيعي، معتبرا أنه لا مناص من هدنة اجتماعية وسياسية مع إقرار خطة إنقاذ لتجنب وقوع الطامة.

من جهته يقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي إنه لن يكون في تونس إفلاس بما معناه عدم قدرة الدولة على توفير أجور الموظفين، لكنه يتفق مع الخبير السابق في أن هناك إفلاسا خارجيا يتمثل في بلوغ تونس مرحلة حرجة من قدرتها على الإيفاء بدفع ديونها الخارجية.

ويضيف للجزيرة نت أن جميع المؤشرات لا تنبئ سوى بوجود حلين لا بديل عنهما، وهما إما أن تواصل تونس سياسة الاقتراض وإما المضي نحو معالجة وهنها السياسي والاجتماعي والاقتصادي لاستعادة نسق إنتاجها وتصديرها واستثمارها المعطل لخلق الثروة.

ويؤكد أن المشاحنات السياسية في البلاد كان لها وقع سيئ أشد من فيروس كورونا بسبب ما تولد عنها من انعدام الثقة بين رؤوس مؤسسات الدولة، مبينا أن أبرز عوامل تراجع الاستثمار في تونس هو حالة الضبابية واضطراب مناخ الأعمال بسبب الأزمة السياسية.

كما انتقد سياسات الحكومات المتعاقبة بسبب انتهاجها سياسة التوسع الضريبي، مما خلق ضغطا ضريبيا على المؤسسات نفّر المستثمرين، إضافة إلى رفع نسب الفائدة على القروض الذي تسبب في تدني الاستهلاك والاستثمار، علاوة على خفض قيمة الدينار وضعف تمويل المؤسسات.