أزمة مالية خانقة.. السلطة الفلسطينية على حافة الانهيار وإسرائيل تبتزها بالضرائب

2-فلسطين-رام الله-مقر سلطة النقد الفلسطينية (أرسلها لنا قسم الإعلام بسلطة النقد) copy.jpg
إسرائيل عملت على ابتزاز السلطة ومساومتها بتحويل أموال المقاصة مقابل استئناف التنسيق الأمني (الصحافة الفلسطينية)

تواجه السلطة الفلسطينية أزمة مالية واقتصادية هي الأشد منذ تأسيسها عام 1994، دفعت المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، إلى تحذير المجتمع الدولي من أن السلطة على حافة الانهيار.

وفي إحاطته الإعلامية الأخيرة أمام مجلس الأمن، أبدى ميلادينوف تخوفا من أن تأخر السلطة عن دفع رواتب موظفيها منذ شهر مايو/أيار الماضي بسبب انخفاض الإيرادات بنسبة 80%، نتيجة الأثر الاقتصادي لجائحة كورونا، ورفضها قبول التحويلات الشهرية لإيرادات المقاصة (الضرائب) من إسرائيل؛ يؤدي إلى عدم وضوح ما إذا كانت ستمتلك الموارد الكافية لدفع أي رواتب مستقبلية، أو حتى الاستمرار في أداء مهامها الحيوية في الشهور المقبلة.

وعملت إسرائيل -المسبب الرئيسي لأزمة السلطة- في الأيام الماضية على استغلالها وابتزاز السلطة ومساومتها بتحويل أموال المقاصة مقابل استئناف التنسيق الأمني، المتوقف بموجب قرار الرئيس محمود عباس بالتحلل من الاتفاقيات مع إسرائيل؛ ردا على "مخطط الضم"، وفقا لما كشف عنه مسؤولون في السلطة وحركة "فتح".

وتشكل أموال المقاصة، وهي الضرائب التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة وتتقاضى نظير ذلك 3% بموجب بروتوكول باريس الاقتصادي؛ نحو 60% من إجمالي مدخولات السلطة الشهرية.

وأكد وزير الاقتصاد الوطني خالد العسيلي الواقع الصعب الذي تواجهه السلطة في الوقت الحالي، بسبب مواقفها السياسية، وقال للجزيرة نت إن السلطة تواجه ضغوطا هائلة، بسبب إصرارها على مواقفها ورفضها "التعاطي مع مخططات تصفية القضية".

وكشف عن أن أحد أوجه هذه الضغوط يتمثل في محاولة إسرائيل استغلال واقع السلطة الحالي وابتزازها للتراجع عن قرار التحلل من الاتفاقيات، وتحديدا التنسيق الأمني، غير أن العسيلي أكد أن القيادة متمسكة بموقفها ولن تخضع لأي ابتزاز مهما بلغت الضغوط، "فقضيتنا سياسية وليست اقتصادية".

طريق المؤدية لساحة كنيسة المهد وسط بيت لحم كانت سابقا تزدحم بالوفود السياحية واليوم شبه فارغة.
السلطة الفلسطينية تأخرت عن دفع رواتب موظفيها نتيجة تداعيات كورونا ورفضها قبول الضرائب من إسرائيل (الجزيرة)

تجاوز الأزمة الاقتصادية

وعن الخيارات الاقتصادية المتاحة أمام السلطة لتجاوز أزمتها الحالية، قال العسيلي إن هذه الأزمة ليست الأولى التي تواجهها السلطة، والشعب الفلسطيني يدرك أن قرارات السلطة هي لحفظ الثوابت الوطنية، ولذلك صبر الموظف على عدم تلقيه الراتب، والقطاع الخاص مساند رغم ما لحق به من ضرر.

وأوضح أن السلطة لا يزال بمقدورها الاعتماد على خيار الاقتراض من البنوك المحلية بما يقدر بنحو 400 مليون دولار، وهي تكفي مع الإيرادات الداخلية لتدبير شؤونها لبضعة شهور.

وقال العسيلي إن "إسرائيل لم تترك لنا أي خيارات بعدما دمرت عملية السلام، وتريد بمخطط الضم القضاء نهائيا على حلم إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وكان لزاما على القيادة اتخاذ قرارات مهما كانت مؤلمة ماليا واقتصاديا، لكنها مهمة في بعدها الوطني".

وفي محاولة منه لدفع المجتمع الدولي للتحرك، قال العسيلي إن ترك السلطة حتى الانهيار سيكون له انعكاس سلبي ليس على الفلسطينيين وحدهم، بل على العالم بأسره.

وأكد العسيلي أن "الدورة الاقتصادية الفلسطينية بمجملها في تدهور، والضغوط المالية والاقتصادية التي تواجهها السلطة هائلة". وتحتاج السلطة الفلسطينية شهريا إلى ما بين 120 و150 مليون دولار لرواتب الموظفين ومصاريف تشغيلية.

فلسطين-القدس-مدخل مسجد ولي الله المحارب في حارة الشرف ويحيط به محال لتجار مقدسيين-تصوير جمان أبوعرفة-الجزيرة نت
قرار السلطة المتعلق بالتحلل من الاتفاقيات المتزامن مع جائحة كورونا أثر بشكل غير مسبوق على الخزينة العامة (الجزيرة)

السلطة تواجه أزمة خانقة

ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر في غزة الدكتور سمير أبو مدللة، للجزيرة نت، إن السلطة تواجه أزمة خانقة بدأت منذ عدة شهور، عندما احتجزت إسرائيل أموال المقاصة، وتفاقمت مع جائحة كورونا، محذرا من أنه "ما لم تكن هناك حلول سريعة ستتدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل خطير في الفترة القريبة المقبلة".

ورأى أبو مدللة أن تفعيل شبكة الأمان العربية، وتوفير 100 مليون دولار شهريا لدعم السلطة، أصبح ضرورة ملحة في الوقت الراهن، ولكنه يعتقد أن هذا الخيار صعب التحقيق في الوقت الحالي، فكثير من الدول العربية لا تستطيع تقديم مساعدات للسلطة من دون موافقة أميركية.

وأكد أن انهيار السلطة حتمية واقعية إذا استمرت الأزمة الخانقة، ولن يكون بمقدر السلطة الوفاء بالتزاماتها ومهامها، لكنه يعتقد في الوقت نفسه أن الانهيار بمعنى الاختفاء التام لن تسمح به الدول المانحة، لإدراكها أن البديل هو الفوضى الشاملة، وعودة إسرائيل لتحمل المسؤولية كقوة احتلال.

وينظر أبو مدللة لما تواجهه السلطة حاليا على أنه تضييق وضغوط، ولن تصل إلى الحد الذي يؤدي إلى انهيارها التام، وستخرج أطرافا دولية بحلول، سواء بالإفراج عن أموال المقاصة المحتجزة لدى إسرائيل، أو باستئناف الدول المانحة دعم السلطة.

ويتفق الخبير المالي والاقتصادي الدكتور نصر عبد الكريم مع سابقيه، على أن السلطة تواجه معضلة كبيرة على الصعيد المالي والاقتصادي، لكنه يستبعد أن تؤدي بها إلى الانهيار.

وقال عبد الكريم للجزيرة نت إن السلطة لن تختفي إلا بقرار دولي، وليس نتيجة أزمة مالية حتى لو كانت خانقة.

المصدر : الجزيرة